fbpx

تصحير جبال كُردستان: يقتلعون الأشجار المعمّرة من أجل الطماطم

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تكمن عوامل التدهور البيئي في كُردستان في غياب دور الحكومة بشأن حماية البيئة وسبل حمايتها وغياب الوعي المجتمعي بمخاطر تصحير الغابات الطبيعية وفقدان التنوع الأحيائي.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

عام 2020 فقط، تم قطع واقتلاع أكثر من 25 ألف شجرة تتراوح أعمارها بين سنة واحدة و و200 سنة في منطقة بينجوين التابعة لمحافظة السليمانية في كُردستان العراق، والمعروفة بغاباتها الطبيعية والحياة البرّية. وتشير بيانات غير رسمية إلى أن الأشجار المقتلعة والمقطوعة لأسباب متعددة في العقد الأخير تبلغ ربع مليون شجرة، وتأتي الممارسات الزراعية وشركات التعدين والبناء في مقدمة أسباب تصحير واحدة من أهم المناطق البيئية في كُردستان العراق من حيث التنوع الأحيائي والحياة البرّية. وتضاف الى ذلك أسباب أخرى مثل التوسع العمراني وصناعة الفحم ونشوب الحرائق التي تحدث غالباً بسبب القصف الإيراني المستمر على المنطقة وقيام الحرس الثوري بحرق المناطق الحدودية في صيف كل عام، ما يؤدي إلى انتشار الحرائق في الغابات الطبيعية، وتضاف الى ذلك ممارسات غير واعية في حرق الأراضي وتسويتها قبل كل موسم زراعي. وبحسب الناشط البيئي في المنطقة، بختيار علي، العامل في منظمة “ملَكَوة لحماية البيئة”، شهد عام 2020 اقتلاع أكثر من 20 ألف شجرة لأغراض زراعية و5 آلاف شجرة للتدفئة وصناعة الفحم. ويعتمد ما يقارب 40 في المئة من سكان المنطقة على الأشجار للتدفئة وفق بيانات غير رسمية صرحت بها المنظمة البيئية ذاتها. 

يذكر أن المنطقة شهدت موجة كبيرة من إزالة الغابات الطبيعية في العقد الأخير من القرن العشرين، جراء حصار اقتصادي فرضه نظام حكم صدام حسين على إقليم كردستان، الأمر الذي دفع السكان المحليين إلى قطع الأشجار كوقود للتدفئة والطبخ والبناء. عادت الغابات للحياة وانتعشت، ولو ببطء، خلال العقد الأول من القرن الحالي وأثّر تحسن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية بعد عام 2003 إيجاباً في ذلك، لا سيما أن عمليات الإزالة في تلك المرحلة كانت تقتصر في السابق على القطع فقط. أما ما يحدث اليوم، فهو تحويل مساحات واسعة من غابات بكر إلى أراض زراعية عبر اقتلاع الأشجار من جذورها، وهذه ممارسات زراعية تعود بخسائر بيئية كبيرة على المنطقة. ويقول بختيار علي إن “القضاء على هذه الغابات البكر سوف يترك آثاراً خطيرة في المنطقة ونظامها البيئي، لا سيما أنه مستمر منذ عقد من الزمن، فضلاً عن اتساع دائرته”. وبحسب الوصف الذي يقدمه بختيار، تتنوع الغايات من إزالة الغابات الطبيعية، بين الاستغلال الزراعي للأراضي، استخراج مواد الإنشاء والتعدين، التوسع العمراني، والتدفئة وصناعة الفحم، لكن يبقى للزراعة واستخراج المواد الإنشائية والتعدين الدور الأكبر في تخريب النظام الطبيعي في المنطقة. 

إن زمن “الوفرة المالية” الذي تلى نهاية حكم صدام حسين، كان عاملاً آخر من عوامل تدهور بيئة كُردستان وتمليك طبيعته من قبل النخبة الحاكمة وهوامشها الاجتماعية. 

حول الواقع الزراعي الذي أدى الى هذا التدهور في غابات بينجوين البكر، يقول بختيار إن ارتفاع أسعار الطماطم في السنوات الأخيرة ساهم في دفع الناس إلى استغلال الغابات وزرع المزيد من الطماطم، ذلك أن الأراضي الزراعية المستغلة أصبحت غير منتجة جراء استغلالها المتتالي لأكثر من موسم. 

يساهم أكثر من عامل زراعي في تدهور وضع الغابات البكر في منطقة بينجوين كما في المناطق الأخرى في كردستان العراق. ويمكن القول إن اتساع مساحات اقتلاع الأشجار في كل فصل زراعي وتسوية الأراضي للحراثة والري، هو العامل الرئيسي إذ لا تعود الحياة للغابات نهائياً. وفي حالة التعدين واستخراج المواد الإنشائية تُزال الغابات أيضاً، إنما في مساحات محدودة، فيبقى أثرها أقل مما تتركه الزراعة الفصلية. أما بخصوص عمليات القطع لأغراض التدفئة وصناعة الفحم، على رغم التأثير الكبير في المناظر الطبيعية للمنطقة وتلويث هوائها جراء إطلاق كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون، فبإمكان تلك الأشجار أن تنتعش بعد سنوات من قطعها، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الآثار التي تتركها الحرائق. وفي هذا السياق، تتبادر الى الأذهان نقطة أخرى ليست أقل أهمية من ناحية التدهور البيئي وهي ظهور طبقة سياسية- اجتماعية أصبح امتلاك “المزارع الشخصية” جزءاً من “ثقافتها” الاجتماعية، على حساب الطبيعة والأراضي العامة غير المملوكة. يمكن القول تالياً إن زمن “الوفرة المالية” الذي تلى نهاية حكم صدام حسين، كان عاملاً آخر من عوامل تدهور بيئة كُردستان وتمليك طبيعته من قبل النخبة الحاكمة وهوامشها الاجتماعية. 

من جانب آخر، تكمن عوامل التدهور البيئي في كُردستان في غياب دور الحكومة بشأن حماية البيئة وسبل حمايتها وغياب الوعي المجتمعي بمخاطر تصحير الغابات الطبيعية وفقدان التنوع الأحيائي. يضاف إلى ذلك عدم ثقة السكان المحليين بمجمل المؤسسات الحكومية في إقليم كُردستان، بسبب الفساد المستشري وغياب حكم القانون، ما يكرس الاعتداء اليومي على البيئة والنظام الطبيعي. ويشكو العاملون في منظمة “ملَكَوة” المذكورة ليس من لا مبالاة المؤسسات الحكومية تجاه بيئة المنطقة فحسب، بل من منحها إجازة العمل لشركات استخراج مواد الإنشاء والتعدين على حساب الغابات الطبيعية، وجاء ذلك في بيان أصدرته المنظمة قبل أيام من عيد النوروز المصادف في 21 آذار/ مارس. 

“المبادرة الحقيقية والتي من شأنها حماية المتبقي من الغابات، هي تحويل تلك الغابات إلى محميات طبيعية”

يذكر أن ملكية الغابات التي تمت وتتم إزالتها، تعود للحكومة في الأوراق الرسمية، إنما تتصرف بها المجموعات والأفراد وفق الأعراف العشائرية السائدة في المجتمع الكُردي، ما يحول دون معالجة وتحسين التدهور الحاصل في بيئة أهم منطقة مغطاة بالأشجار والخضرة في كُردستان العراق. ويشير قائمقام قضاء بينجوين زانا رحمن إلى أن الرأي العام، وبسبب الأزمة المالية في الإقليم وانعدام الثقة بين الحكومة والمواطنين، لا يركز على المشكلات البيئية على رغم أنها مشكلات حقيقية وتشكل الخطر الصحي والاقتصادي على البشر والنظام الطبيعي. أما بالنسبة إلى الحلول “فهي موجودة وليست صعبة إن أرادت السلطات في الإقليم معالجة الأزمة، لكن بما أن شرطة الغابات لا تمتلك الإمكانات لملء وقود السيارات فكيف بإمكانها حماية الغابات، ناهيك بأزمة الرواتب الشهرية التي تعيق بدورها تأدية الأدوار الموكلة إلى أجهزة الحكومة” يقول رحمن. ويضيف أن “المبادرة الحقيقية والتي من شأنها حماية المتبقي من الغابات، هي تحويل تلك الغابات إلى محميات طبيعية، بخاصة أنها ملك للدولة، إنما يستوجب الأمر قبل ذلك برأي زانا رحمن، وضع قاعدة بيانات لجميع الغابات والأشجار بأنواعها المتنوعة وأعمارها وتوثيقها، ومن ثم تخصيص ميزانية خاصة بها، ما يؤدي في النهاية إلى تفعيل دور الأجهزة التنفيذية وإبراز القوانين المتعلقة بحماية البيئة وتحسينها، إن لم نفعل ذلك، نخسرها إلى الأبد.

إقرأوا أيضاً: