fbpx

في اليوم العالمي للصحافة: عوني الكعكي لا يمثلنا

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

الصحافة المُحْتلة من قبل أهل النظام ومن قبل الطوائف تفقد كل يوم مسوغاً من مسوغات بقائها، وعوني الكعكي، ناهيك بالشرط الأخلاقي، لا تتوفر فيه الشروط الجديدة للمهنة…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

 قبل نحو أسبوع من يوم الصحافة العالمي انتخب مجلس نقابة الصحافة في لبنان عوني الكعكي نقيباً للصحافة اللبنانية. وفي هذا اليوم يسألنا العالم، كصحافيين لبنانيين، ماذا لديكم في هذه المناسبة، وها نحن قد أجبنا: لدينا عوني الكعكي، وهو صاحب الجوهرة الأخيرة التي أجاد بها على الرأي العام اللبناني عندما أشار إلى أن القاضية غادة عون “غير متزوجة”، وهو ما يفسر أفعالها!

لكن واقعة الانتخاب المخزية، المتزامنة مع يوم الصحافة ومع تصريح النقيب عن القاضية، تبدو امتداداً طبيعياً لمشهد الهاوية اللبنانية التي نواصل السقوط إليها. الصحافة في لبنان في الهاوية الأخلاقية أيضاً، تماماً كما القضاء والأمن والحكومة والمجلس النيابي. كيف لها أن تكون بمنأى عن الهاوية وهي جزء “حيوي” من ثقافة السلطة ومن ماكينتها، وهي أداة السلطة الرابعة بدل أن تكون سلطة المحاسبة الرابعة على ما يرطن أهلها في احتفالاتهم. نعم لقد أمدت شركة “ميدل إيست” في هذه المناسبة أيضاً إحدى أكبر المؤسسات الإعلامية في لبنان بلقاح “سبوتنك”! الإعلام الذي من المفترض أن يراقب مؤسسة مثل الـ”ميدل ايست” يملكها مصرف لبنان، يقبل هدية من هذه المؤسسة التي تحف بالكارثة اللبنانية عبر قرابتها من مصرف لبنان. وهنا يمكننا القول إن رياض سلامة أهدى صحافيين لقاحاً، وهؤلاء قبلوه وشكروه على شاشتهم.

يحلو لنا أن نحتفل بأنفسنا في يوم الصحافة العالمي. لكن المناسبة ترافقت مع حدثين من المفترض أن يدفعانا إلى أن نخجل. تصريح النقيب من جهة وانتخابه من جهة ثانية. والحال أن الصحافة بما هي منابر ألفناها في لبنان كمرآة الانقسام السياسي والمذهبي، هي اليوم في صلب هذا المشهد ومعبراً فظاً عنه، وهي اذ تعيش احتضارها، فهذا أيضاً امتداد لاحتضار النظام، لكنه احتضار لا يتوج بموت، إنما برثاثة وارتهان وابتذال، ولعل تصريح النقيب أشد ما يعبر عن حال الاحتضار الذي لن يفضي إلى لفظ الأنفاس الأخيرة، طالما أن الموت لن يخدم الوظيفة المنوطة بما تبقى من صحافة في لبنان.

البحث عن ولادة جديدة للصحافة في لبنان ليس مهمة سهلة، إلا أنها ضرورية في هذا المشهد القاتم. فالصحافة أيضاً هي التي فضحت رياض سلامة وتحويلاته، وليس القضاء ولا مجلس النواب. الصحافة هي من تصدى لسقطة عوني الكعكي، ذاك أن الأخير محمي في المساحات المذهبية لكونه حصة الطائفة السنية التي تحترم الطوائف الأخرى حصصها فلا تحتج على سقطة ممثلها في الصحافة. والصحافة هي الصوت الوحيد المتبقي في مواجهة السلاح غير الشرعي الذي تسبب بالانهيار، والمكان الأخير الذي يصرخ من خلاله لبنانيون في وجه هذا العهد الفاسد، وبوجه خصومه الفاسدين. وهي التي يفترض أن تقف في وجه الحريرية بصفتها شريكاً في نظام الفساد منذ سطوها على الوسط التجاري وصولاً إلى شراكاتها مع السلاح.

لكن الصحافة التي نتحدث عنها، صحافة ناشئة وموازية وغير متمكنة بعد من النظام، وهي تغرد خارج المساحة التي حددها النظام للإعلام. وإذا كان من مهمة نطرحها على أنفسنا في هذا اليوم، فهي توسيع الهامش ورفع السقف والتقدم لقضم المساحات المُحتلة من الرأي العام. هذه المهمة تحتاج إلى فدائيين، لكنها ممكنة وغير مستحيلة. فالصحافة المُحْتلة من قبل أهل النظام ومن قبل الطوائف تفقد كل يوم مسوغاً من مسوغات بقائها، وعوني الكعكي، ناهيك بالشرط الأخلاقي، لا تتوفر فيه الشروط الجديدة للمهنة، وهذا طبعاً ليس لأسباب عمرية، إنما لأسباب موضوعية، فهو ممثَل في مجلس النقابة بوصفه مالكاً لمطبوعة، وزمن ممثلي المطبوعات آفل، في وقت تتساقط فيه النسخ الورقية واحدة وراء الأخرى من على أكشاك الباعة. وهنا تحضر النقابة بوصفها ممثلة لزمن آفل، وعاجزة عن مواكبة متغيرات هائلة تصيب المهنة وتبدل وظائفها وتوسع مساحاتها.

الحريات تحدٍ كبير في هذا اليوم، وصحافتنا المُحتلة غير معنية بالمؤشرات المقلقة على هذا الصعيد، لا سيما أن النقابة لم تنط بنفسها مهمة توسيعها، ولا مهمة ضبط الانتهاكات ومنع السياسة والفساد من التمدد إلى الجسم الصحافي. 

لا بأس في يوم كهذا أن نقول إن شيئاً ما بدأ يستيقظ وبدأ يحجز مكاناً في الحيز العام، على ضيق هذا الحيز وعلى اضطرابه. ولا بأس أن نقول أيضاً إن ولادة جديدة باتت ضرورية، وإن الإعلام البديل صار واقعاً وقوة، ووحده من قدم للقضاء الدولي قرائن حول تحويلات السطو الذي تعرض له اللبنانيون، وها هو على مشارف ملفات جديدة للفساد.

سنحتفل باليوم العالمي للصحافة على طريقتنا، لا على طريقة النقابة التي جددت العهد للنظام في هذا اليوم.  

إقرأوا أيضاً: