fbpx

حيّ الشيخ جراح نموذجاً لممارسة عنصرية مديدة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا تبدو مصادفة أن يتصاعد هذا الاستهداف الممنهج ضد الفلسطينيين مع صدور تقرير منظمة “هيومن رايتس ووتش” الذي أكد أن إسرائيل هي دولة أبارتهايد أو فصل عنصري. فالوقائع في الحي المقدسي تتولى بدورها تثبيت ما دأب الفلسطينيون على المعاناة منه على مدى عقود

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تتصاعد وتيرة الوقائع الدامية التي يشهدها حي الشيخ جراح في القدس الشرقية، حيث يمارس مستوطنون يهود تحميهم الشرطة الاسرائيلية عمليات اخلاء قسري للسكان الفلسطينيين أدت الى حصول صدامات ووقوع جرحى وضحايا بالعشرات.

وهنا لا تبدو مصادفة أن يتصاعد هذا الاستهداف الممنهج ضد الفلسطينيين مع  صدور تقرير منظمة “هيومن رايتس ووتش” الذي أكد أن إسرائيل هي دولة أبارتهايد أو فصل عنصري. فالوقائع في الحي المقدسي تتولى بدورها تثبيت ما دأب الفلسطينيون على المعاناة منه على مدى عقود وذكرته مؤخراً المنظمة الدولية في تقريرها. 

كل الصور والفيديوهات الواردة من وقائع تجري في هذا الحي كشفت للعالم حجم الشراهة الاستيطانية الإسرائيلية. 

هنا خلفية عن أحداث الأيام الأخيرة والتقرير الدولي:

أثار تقرير “هيومن رايتس ووتش”، الصادر بتاريخ 27  نيسان/ أبريل 2021، الرأي العام العالمي، لما تضمنه من نتائج تحقيقات ميدانية، قامت بها المنظمة، تؤكد ارتكاب الاحتلال الإسرائيلي جرائم ضد الإنسانية، مثل جريمة الفصل العنصري “الأبارتهايد” وجريمة اضطهاد الشعب الفلسطيني. 

يعيش حوالي 6.8 مليون يهودي إسرائيلي و6.8 مليون فلسطيني في المنطقة الممتدة من البحر الأبيض المتوسط إلى نهر الأردن، وهي منطقة تشمل إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية، والقدس الشرقية، وقطاع غزة. السلطات الإسرائيلية هي القوة الحاكمة الوحيدة التي تمارس سلطة رئيسية في هذه المنطقة، إلى جانب حكم ذاتي فلسطيني محدود، فتمنح امتيازات ممنهجة لليهود في أغلب مناحي الحياة، وتميّز ضدّ الفلسطينيين، لإبقاء الهيمنة الإسرائيلية على التركيبة السكانية، والسلطة السياسية، والأرض، ولتحقيق ذلك نزَعت ممتلكات الفلسطينيين، واخضعتهم، وعزلتهم، وفصلتهم قسرًا بحكم هويتهم.

أتى تقرير “هيومن رايتس ووتش” في وقت تشرع فيه السلطات الإسرائيلية إقامة مشاريع استيطانية في قلب التجمعات الفلسطينية شرقي القدس، فشهدت شوارع حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية اضطرابات منذ منتصف شهر رمضان بين الفلسطينيين والمستوطنين على خلفية دعوى قانونية طويلة الأمد ضد عائلات فلسطينية تواجه خطر الإخلاء من منازلها المقامة على أراض يطالب بها المستوطنون، بحجة شرائهم أرض “كرم الجاعوني” التي يقام عليها الحي من جمعيتين استيطانيتين عام 1885 وهم لجنة اليهود السفارديم، ولجنة كنيست إسرائيل( لجنة اليهود الأشكناز)، أي قبل إقامة الحكومة الأردنية على هذه الأرض مساكن لإيواء 28 عائلة فلسطينية من الذين هجروا عام 1948 من أراضيهم.

توالت هتافات المستوطنين خلال الأيام الماضية في وجه الفلسطينين “عودوا إلى الأردن”، واعتقلت الشرطة الإسرائيلية شبانًا فلسطينيين واستخدمت خراطيم المياه وسائلاً كريه الرائحة لتفريق الحشود، وأصيب عشرات الفلسطينيين في مواجهات عنيفة ودامية في ساحات المسجد الأقصى أثناء تأديتهم صلاة التراويح وخلال الاحتجاجات على الإخلاء المحتمل لعائلات فلسطينية لصالح مستوطنين يهود في حي الشيخ جراح. 

يعتمد التقرير على سنوات من البحث والتوثيق من قبل “هيومن رايتس ووتش” ومنظمات حقوقية أخرى، بما في ذلك العمل الميداني الذي أجري في سياق هذا التقرير. راجعت هيومن رايتس ووتش أيضا قوانين إسرائيلية، ووثائق تخطيط حكومية، وتصريحات لمسؤولين، وسجلات الأراضي في إسرائيل. ومن ثم، تم تحليل هذه الأدلة بموجب المعايير القانونية لجريمتي الفصل العنصري والاضطهاد.

الأبارتهايد والاضطهاد

حدد القانون الجنائي الدولي جريمتين ضد الإنسانية والتي تعد من أشنع الجرائم في القانون الدولي، لحالات التمييز والقمع المنهجيين: الفصل العنصري والاضطهاد. فعلى مرّ السنوات، فصل المجتمع الدولي مصطلح الفصل العنصري، “الأبارتهايد”، عن سياقه الأصلي في جنوب أفريقيا، وفرض حظرًا عالميًا على ممارسته، واعترف به كجريمة ضدّ الإنسانية وفقًا للتعريفات المنصوص عليها في الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها لسنة 1973 ونظام روما الأساسي المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية لسنة 1998. وما بعد محاكمات الحرب العالمية الثانية اعتبرت جريمة الاضطهاد كجريمة ضد الإنسانية، وصُنفت كإحدى أخطر الجرائم الدولية، بنفس خطورة الفصل العنصري.

من الأفعال اللاإنسانية التي حددتها اتفاقية الفصل العنصري ونظام روما الأساسي، الابعاد القسري، ونزع ملكية العقارات، وخلق محتجزات ومعازل مفصولة، وحرمان الناس من الحق في مغادرة الوطن والعودة إليه، والحق في حمل الجنسية، وهذا ما يحصل في السنوات الأخيرة مع أهالي حيّ الشيخ جراح خصوصًا وأهالي القدس عمومًا، فقد تم تهديدهم بإخلاء منازلهم ونزع ملكيتها منهم، إضافةً إلى كافة أنواع الانتهاكات في حقوقهم من المستوطنين اليهود،  فيعد استخدام القوة والعنف والإرهاب من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي لإخراج السكان من منازلهم وإحلال مستوطنات إسرائيلية غير قانوني وتحديًا للمجتمع الدولي وخرقًا لاتفاقيات جنيف ذات الصلة وجريمة ضد الإنسانية بموجب مبادئ وأحكام المحكمة الجنائية الدولية ويعاقب عليها القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني. 

كما ذكر تقرير “هيومن رايتس ووتش” الجرائم ضد الإنسانية المتعلقة بجريمتي الاضطهاد والأبرتهايد، ومن أبرزها: منع الفلسطينيين من زيارة القدس، وإخضاعهم للمحاكم العسكرية وإجراء محاكمات غير عادلة، وحرمانهم من بناء منزل، ومن حرية الرأي والتعبير، عدم السماح بالعودة للاجئين أو المهاجرين أو النازحين.

دولة قومية للشعب اليهودي:

كل ذلك كان يجري ضمن إطار الهدف الأساسي للحكومة الإسرائيلية وهو ضمان الحفاظ على هيمنة اليهود الإسرائيليين في كل مناطق إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة.  ففي عام 2018، أقرّ “الكنيست” قانونًا ذا مكانة دستورية أكّد أن إسرائيل “دولة قومية للشعب اليهودي”، وأعلن أن حق تقرير المصير داخل تلك المنطقة “خاص بالشعب اليهودي”، واعتبر “الاستيطان اليهودي” قيمة وطنية. وللحفاظ على سيطرة اليهود الإسرائيليين، اعتمدت السلطات الإسرائيلية سياسات تهدف إلى تخفيف ما وصفته علنًا بـ “التهديد” الديمغرافي الذي يشكله الفلسطينيون، في حين أن فلسطين تعد دولة طرف في كل من نظام روما الأساسي واتفاقية الفصل العنصري، يُستخدم مصطلح الفصل العنصري” الأبارتهايد” بشكل متزايد فيما يتعلق بإسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، لكن عادة على سبيل الوصف أو المقارنة وليس بالمعنى القانوني، وغالبًا للتحذير من أنّ الوضع يسير في الاتجاه الخاطئ.

لم ينشأ نظام الأبارتهايد بين ليلة وضُحاها وإنما تأسس واتضحت معالمه بمرور الزمن، وتراكُم هذه الخطوات بمرور السنين وانعكاسها على نطاق واسع في القوانين والممارسة والدعم الجماهيري والقضائي الذي حظيت به، كلها تؤسس للاستنتاج المؤلم أن هذا النظام قد تجاوز السقف الذي يقتضي تعريفه كنظام أبارتهايد. وكل المنطقة التي تسيطر عليها إسرائيل داخل الخط الأخضر وفي الضفة الغربية وشرقي القدس وقطاع غزة – يقوم نظام واحد يعمل وفق مبدأ: تحقيق وإدامة تفوق جماعة اليهود على الفلسطينيين. ولا يخرج هذا عن منطق نظام الفصل العنصري.

المسؤولون الإسرائيليون ارتكبوا جريمة الاضطهاد. تستند هذه النتيجة إلى نية التمييز الكامنة وراء معاملة إسرائيل للفلسطينيين، والانتهاكات الخطيرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، التي شملت المصادرة الواسعة للأراضي بملكيّة خاصة، والمنع الفعلي للبناء أو العيش في العديد من المناطق، والحرمان الجماعي من حقوق الإقامة، والقيود المجحفة المفروضة منذ عقود على حرية التنقل والحقوق المدنية الأساسية.

نتائج تقرير هيومان رايتس ووتش

يعتمد التقرير على سنوات من البحث والتوثيق من قبل “هيومن رايتس ووتش” ومنظمات حقوقية أخرى، بما في ذلك العمل الميداني الذي أجري في سياق هذا التقرير. راجعت هيومن رايتس ووتش أيضا قوانين إسرائيلية، ووثائق تخطيط حكومية، وتصريحات لمسؤولين، وسجلات الأراضي في إسرائيل. ومن ثم، تم تحليل هذه الأدلة بموجب المعايير القانونية لجريمتي الفصل العنصري والاضطهاد. راسلت هيومن رايتس ووتش في يوليو/تموز 2020 رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والتمست وجهات نظر الحكومة بشأن القضايا المطروحة، لكنها لم تتلق ردًا حتى تاريخ نشر التقرير.

لا يقارن التقرير إسرائيل بجنوب أفريقيا أيام الفصل العنصري أو تحديد ما إذا كانت إسرائيل “دولة فصل عنصري” إنما، يقيّم التقرير ما إذا كانت أفعال وسياسات محددة تنفذها السلطات الإسرائيلية اليوم ترقى في مناطق محددة إلى جريمتَي الفصل العنصري والاضطهاد كما يعرّفهما القانون الدولي. وبناءً لذلك بينت النتائج أن الحكومة الإسرائيلية أظهرت نيتها الحفاظ على هيمنة الإسرائيليين اليهود على الفلسطينيين في جميع أنحاء الأراضي التي تسيطر عليها. في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، اقترنت هذه النية بالقمع المنهجي للفلسطينيين والأفعال اللاإنسانية ضدهم، والتي ترقى إلى جريمة الفصل العنصري.

المسؤولون الإسرائيليون ارتكبوا جريمة الاضطهاد. تستند هذه النتيجة إلى نية التمييز الكامنة وراء معاملة إسرائيل للفلسطينيين، والانتهاكات الخطيرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، التي شملت المصادرة الواسعة للأراضي بملكيّة خاصة، والمنع الفعلي للبناء أو العيش في العديد من المناطق، والحرمان الجماعي من حقوق الإقامة، والقيود المجحفة المفروضة منذ عقود على حرية التنقل والحقوق المدنية الأساسية. هذه السياسات والممارسات تحرم ملايين الفلسطينيين بشكل متعمد وبشدّة من حقوقهم الأساسية، ومنها الحق في الإقامة، والملكية الخاصة، والوصول إلى الأراضي والخدمات والموارد، وذلك على نطاق واسع وبشكل منهجي بحكم هويتهم كفلسطينيين.

لطالما طلب الفلسطينيون من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي إجراء تحقيقات ميدانية، تكشف حقيقة النظام الإسرائيلي الذي يدعي الديمقراطية، ويمارس سياسات عنصرية، إلا أنه تم تجاهل هذه المطالب بشكل متكرر، وأهمل هذا الملف من جانب المنظمات الدولية الحكومية، فتقرير “هيومن رايتس ووتش” خطوة متقدمة لصالح الشعب الفلسطيني، لما يتضمن من نتائج مبنية على تحقيقات ميدانية، تؤكد على تعرض الشعب الفلسطيني لسياسة الفصل العنصري والاضطهاد. كما يكتسب التقرير أهميته من حقيقة أن المنظمة التي اصدرته هي أكبر منظمة حقوق انسان في العالم ومقرها في نيويورك، أي في عمق صناعة القرار الأميركي والدولي وفي عمق مراكز اللوبي الاسرائيلي.

يفرض ذلك التقرير على المجتمع الدولي اتخاذ خطوة جدية وسريعة، ضد نظام الفصل العنصري، كما يتوجب على السلطة الفلسطينية استخدام هذا التقرير أمام المحكمة الجنائية الدولية، كي لا يتم تجاهله وسحبه من طاولة التداول الدولي، كما حصل في تقرير (الإسكوا) عام 2017 الذي فضح الانتهاكات والجرائم الإسرائيلية، وتناول بالتحديد جريمة الفصل العنصري “الأبارتهايد”، ما أدى إلى استقالة “ريما خلف” المديرة التنفيذية للجنة الأمم المتحدة (الإسكوا).

إقرأوا أيضاً: