fbpx

حنين حسام: فتاة “التيك توك” في مواجهة دون كيشوت وطواحينه

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

النيابة المصرية تسعى إلى إيصال رسالة عملية واضحة إلى المجتمع سبق أن أكدتها في بيانات سابقة. تتلخص في أن النيابة كسلطة ادعاء حريصة على أن تقوم بدور المدافع عما يسمى قيم المجتمع المصري وأخلاقياته وآدابه العامة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“كنت بدعي ربنا يردني لأهلي كنت بدعي ربنا يخرجني من السجن، كنت بدعي أن كل بداية يكون ليها نهاية والنهاية دي تيجي بسرعة”.

 هكذا ردت حنين حسام المعروفة بـ”فتاة التيك توك”، على سؤال متابعيها في شباط/ فبراير الماضي عما كانت تفعله خلال فترة حبسها، كانت تظن أن مسألة إطلاق سراحها نهاية لأحداث كابوسية لاحقتها بسبب نشرها فيديوات ترفيهية على التطبيق الشهير، لكن لم يكتمل الشهر الثالث منذ الإفراج عنها حتى تم القبض عليها مجدداً.

عادت حنين حسام إلى بؤرة اهتمام مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي من جديد منتصف نيسان/ أبريل 2021 بعد القبض عليها  من جديد، لكن هذه المرة بأمر من محكمة الجنايات في القاهرة.

 كثيرون كانوا يعتقدون أن ملاحقة حنين القانونية انتهت بعدما برأتها محكمة استئناف القاهرة الاقتصادية في آب/ أغسطس من العام الماضي من مجموعة اتهامات، منها التحريض على أعمال منافية للآداب، والتعدي على قيم اﻷسرة المصرية، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي من خلال فيديوات ترفيهية تبثها على “تيك توك”. ولكن الحقيقة أن النيابة العامة واصلت تحقيقاتها حول اتهام حنين حسام إضافة إلى مودة اﻷدهم وثلاثة آخرين بتهمة جنائية هي الإتجار بالبشر، واستغلال آخرين في أعمال دعارة وأفعال منافية للآداب. وأحالت النيابة حسام وبقية المتهمين إلى المحاكمة في 14 آذار/ مارس الماضي.

الأمر بضبط حنين حسام وإحضارها، أصدرته دائرة محكمة جنايات القاهرة المنعقدة في التجمع الخامس برئاسة المستشار محمد أحمد الجندي. السبب في ذلك كما أوضح محمود بيكو محامي حسام لـ”درج” هو تخلفها عن حضور جلسات المحاكمة للمرة الثالثة على التوالي. في الجلسة نفسها قررت المحكمة تأجيل نظر القضية لجلسة 18 أيار/ مايو الجاري. 

اللافت أن مودة اﻷدهم المتهمة بالقضية ذاتها لم يطلق سراحها بعد صدور حكم محكمة مستأنف القاهرة الاقتصادية ببراءتها من الاتهامات التي وجهت إليها في القضية اﻷولى، واستمر تجديد حبسها على ذمة التحقيقات في القضية الجديدة، ثم على ذمة المحاكمة.

فتيات “تيك توك” قربان لقيم الأسرة المصرية 

يعود الجدل حول قصة حنين حسام بعد القبض عليها ومودة الأدهم في نيسان من العام الماضي، بسبب الاتهامات التى وجهتها النيابة وهي الاعتداء على قيم الأسرة المصرية ونشر فيديوات تحرض على الفسق لزيادة نسب المتابعين وتلقي تحويلات مصرفية من إدارة “تيك توك”، مقابل ما حققته  الفيديوات من مشاهدة.

أقصى ما كانت تفعله حنين حسام في فيديواتها هو التمايل على إيقاع موسيقى المهرجانات، وهي كانت تضع الحجاب قبل أن تتخلى عنه بعد القبض عليها، كأن هناك رمزية ما، فبعد خروجها حنين من السجن في شباط الماضي، قالت إنها لن تبث فيديوات على “تيك توك” في وقت قريب عدا فيديو احتفالها بالخروج، بالرقص على أغنية “أندال”.

 الفصول المختلفة لقصة حنين ومودة تؤكد إصرار النيابة العامة على ملاحقتهما قضائياً والحصول على إدانة بديلة عن تلك التي أسقطتها محكمة الاستئناف الاقتصادية.

النيابة المصرية  تسعى إلى إيصال رسالة عملية واضحة إلى المجتمع سبق أن أكدتها في بيانات سابقة. تتلخص في أن النيابة كسلطة ادعاء حريصة على أن تقوم بدور المدافع عما يسمى قيم المجتمع المصري وأخلاقياته وآدابه العامة. 

من الجانب القانوني، لا يبدو أن النيابة قدمت في أوراق القضية الجديدة شيئاً مختلفاً عن ذلك الذي رفضته محكمة الاستئناف في حكمها النهائي في القضية اﻷولى. فقد أكدت هذه المحكمة في حيثيات حكمها ببراءة الفتاتين، أنه قد ثبت لها أن حنين حسام لم تحرض على استقطاب الفتيات للأعمال المنافية للآداب، وهو تحديداً لب الاتهام بالاتجار بالبشر الذي تواجهه حسام واﻷدهم في المحاكمة الثانية التي تواجهانها الآن. محكمة الاستئناف أكدت أيضاً في الحيثيات ذاتها أنها لا تطمئن إلى التحريات التي قدمت إليها في أوراق القضية ولا إلى شهادة من أجراها، إذ جاءت بدون دليل باﻷوراق.

يمكننا أن نتبين جانباً من رسالة النيابة العامة ولا شك أيضاً بعض القضاة ،من حيثيات الحكم اﻷول الذي ألغته محكمة الاستئناف. ففي هذه الحيثيات اهتم القضاة بتوجيه رسالة إلى اﻷسرة المصرية دعوها فيها إلى متابعة أبنائهم وذويهم، ومراقبة من يتصلون بهم عبر شبكة اﻹنترنت، ودعوها كذلك إلى الحرص على حمايتهم وتنشئتهم حافظين لتلك اﻷمة قيمها ومبادئها وأخلاقها. وشدد القضاة أيضاً على دور كل أب وأم في إبعاد الأبناء عن أمور “وضعت كذباً وبهتانا تحت مظلة التقدم،” والتي تحوي أفكاراً وممارسات ظاهرها التطور وباطنها اﻹثم والانحدار اﻷخلاقي.

السلطة التنفيذية في تصريحات لمسؤولين فيها وفي تصريحات رئيس الجمهورية نفسه تعرب عن اهتمام ومخاوف تخص دور الانترنت الخارج عن سيطرتهم، على خلفية الدور الذي لعبته  وسائل التواصل الاجتماعي في إعداد المناخ لاندلاع ثورة يناير 2011. وفي هذا التصور نفسه ثمة علاقة وثيقة بين استجابة الشباب بصفة خاصة لدعوات الاحتجاج والثورة وبين تشبعهم بمجموعة القيم واﻷخلاق التي تعتبرها هذه المؤسسات دخيلة على المجتمع المصري.

جرأة فتيات “تيك توك” تفزع السياسيين

الربط الوثيق بين الخروج عن القيم واﻷخلاق التقليدية لمجتمع ما، وبين التمرد السياسي ليس جديداً، خصوصاً في اﻷنظمة السياسية المحافظة، ويصل إلى أقصاه في ظل اﻷنظمة العسكرية والفاشية الشعبوية. وهو  ما يلعب على أوتار ميل الغالبية في المجتمع إلى التشكك والريبة تجاه كل ما هو جديد ومختلف، بخاصة عندما يتعلق بسلوك الشباب والنساء.

 تمثل القضية الشهيرة باسم “فتيات التيك توك” خليطاً متكرراً للتطهر اﻷخلاقي ، ما يجعلها مادة دسمة للاستهلاك اﻵمن، فبينما يرضي المتابع فضوله للتعرف إلى التفاصيل المثيرة، تمكنه ممارسة التطهر اﻷخلاقي بلعن هؤلاء الفتيات والدعوة إلى عقابهن بأقسى عقوبة ممكنة لانحلالهن اﻷخلاقي المزعوم. هذه الخلطة تستغلها وسائل اﻹعلام والمواقع الصحافية التي تحرص على تقديم التفاصيل الجديدة حول القضية والمتهمات فيها بما في ذلك أمور شخصية لا علاقة لها بالاتهامات، وكذلك تفاصيل عن التحريات والتحقيقات يفترض أن سريتها محمية بموجب القانون.

لا يمكن بالطبع استبعاد أن يكون للخلطة نفسها أثر في تعامل رجال النيابة والقضاء مع هذه القضايا، ولكن الضوء اﻷخضر لتتبعها بهذه الحماسة واﻹصرار مصدره السياسة العامة للقيادة السياسية. 

يبدو أن القضاء المصري يُستخدم كأداة في صراع عبثي في مواجهة الاستجابات الاجتماعية التلقائية لتطور تكنولوجيات التواصل بين البشر في العالم ككل. 

هذا التورط في محاربة عملية اجتماعية لا يمكن إيقافها بأي وسيلة عملية يضع القضاء المصري على الجانب الخاسر في معركة تشبه تلك التي خاضها دون كيشوت في مواجهة طواحين الهواء، وهي معركة ضد مستقبل لا يمكن تجنب التغييرات الاجتماعية الحادة التي سيحدثها.

ثمة بالتأكيد تحديات اجتماعية وتشريعية يحملها تطور آليات وتكنولوجيات جديدة للتواصل اللحظي والمباشر بين البشر من دون حدود جغرافية. ثمة مخاطر منطقية ينبغي تطوير أدوات قانونية وتربوية للتعامل معها وحماية الفئات المعرضة للأذى نتيجة لها. ولكن المقاربة المحافظة والرجعية هي بالتأكيد مفتاح للفشل في مواجهة هذه التحديات والمخاطر. يفاقم من ذلك أن تنطلق هذه المقاربة من أغراض سياسية ومخاوف أمنية. 

تقامر السلطة القضائية في مصر بصدقيتها وانحيازها للقانون قبل أي شيء آخر فهي تشترك مع مؤسسات الدولة في تفويت الفرصة على المجتمع في التعامل بشكل أكثر مرونة ونجاحاً مع تحدياته المستقبلية. وفي الوقت نفسه تدفع فاتورة هذا التخبط فتيات مثل حنين حسام ومودة اﻷدهم اللتين قادهما حظهما السيئ لتتحولا إلى مثل وعبرة في إطار صراع، الجميع فيه خاسرون.

إقرأوا أيضاً: