fbpx

جميعهم قتلوا نهلة… طفلةٌ سوريّةٌ قيّدها والدها بالجنازير حتى الموت!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا أحد من سكان المخيم حاول الدفاع من نهلة، أو مواجهة الأب، أو على الأقل تسريب ما يحدث قبل فوات الأوان.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

نهلة عثمان، طفلةٌ سورية لم تتجاوز السادسة، قيدها والدها بالجنازير كحيوان ينبغي لجمه وكبحه. وضعها في قفص وعاملها بوحشية كانت نتيجتها الحتمية أن الطفلة ماتت. حدث كلّ ذلك داخل مخيم “فرج الله” في مدينة إدلب مطلع أيار/ مايو 2021، من دون أن يتدخل أحد ليدافع عنها أو يحاول حمايتها.

 نهلة ليست مجرد طفلة تموت بسبب العنف، إنها قصّة أخرى تذكرنا بفداحة ما يعيشه أطفال سوريا، قصّة تتكرر في كلّ حيّ ومدينة وسط صمت حالك أو لا مبالاة مدوّية.

حين مدّت نهلة يدها للعالم

والد نهلة هو أحد عناصر “هيئة تحرير الشام” أو “جبهة النصرة” سابقاً، استمر في معاملتها على هذا النحو إلى أن توفيت. وبحسب مصدر من مخيم فرج الله فضّل عدم ذكر اسمه فإن والدة نهلة هربت منذ ثلاث سنوات بعد محاولة زوجها خنقها، إلى مخيم آخر ومنه توجهت إلى تركيا، تاركة أطفالها. نهلة ليست ابنة عثمان الوحيدة التي يعاملها بهذه الطريقة، إذ لديه خمسة أطفال آخرين، ثلاث فتيات (12، 13، 15 سنة)، والفتاة الكبرى زوّجها والدها وتطلقت بعد شهر واحد، وصبي في السادسة، ومراهق (17 سنة) هرب بسبب معالمة والده السيئة ولا يعلم أحد مكانه.

في الفيديو الذي انتشر عقب وفاة الطفلة، والذي صوره الشاب أحمد رحال، تظهر نهلة وهي تمدُّ يدها المتقرحة طلباً للطعام، مرددةً أن والدها هو من يحبسها لأنها تذهب إلى بيت أبو خالد، وفي تسجيل مصور آخر نشره رحال عقب رحيلها قال إنه لم يتمكن من نشر الفيديو سابقاً خوفاً من الأب بعد نصيحة السكان بذلك. 

سنوات من العنف والثقافة المجتمعية وغياب القانون تفجّرت في قصص من هذا النوع، بخاصة في الأطفال غير القادرين على حماية أنفسهم. ألمْ تجب نهلة وهي مكبلة بأنها تحب والدها! وفي الوقت ذاته كانت تطلب الطعام، لتكبر وهي تظنُّ أن هذا هو شكل الحياة وأن السلاسل جزء من طفولتها والقفص مكان يخصّها ومجرد الذهاب إلى بيت “أبو خالد” للعب مع الأطفال يستدعي عقابها.

المصدر الذي قام بمعاينة الحالة بعد الوفاة تمكن من التواصل مع بعض قاطني المخيم والتحدث معهم حول وفاة نهلة، وهنا انقسم سكان في المخيم إلى رأيين، بين من استنكروا ما حصل داخل عائلة عثمان وأدى إلى وفاة الطفلة، معتبرين أنه “شأن عائلي”، وبين من رغبوا بفضح جرائم الأب لكنهم لم يجرؤا خوفاً من الأب.

الصمت قتل نهلة

لا أحد من سكان المخيم حاول الدفاع من نهلة، أو مواجهة الأب، أو على الأقل تسريب ما يحدث قبل فوات الأوان. وذهب بعض السكان إلى تبرير ما حدث استناداً إلى أحاديث دينية وهنا يظهر أثر الموروث الديني في تقييد حرية التفكير، وهذا ليس مبرراً في مطلق الأحوال ولا يمكن التربيت على اكتاف قائليه، فما حدث هو جريمة كاملة الأوصاف. كان بإمكان كثيرين إنقاذ الطفلة، كل من صمت وأشاح بوجهه عن نهلة هو قاتلها.

لكن أكان هؤلاء سيصمتون لو خلعت فتاة حجابها أو ارتدت ما تشاء، أو عاشت كما ترغب؟ هل كان ذاك سيعتبر شأناً خاصاً أيضاً، أم كان الجميع تحوّلوا إلى مبشرين في الأخلاق ومدافعين عن الله والتقاليد؟ 

تفتح لنا مأساة نهلة الباب واسعاً للتفكير بمصير أطفال سوريا، تعليمهم، سلامتهم النفسية والجسدية، والبيئة التي تؤسس لأجيال تربت على العنف والقتل، لكن السؤال الأكبر يتعلق بدور المجتمع وصمته عمّا يحصل داخله بشكل مستمر، تماماً كما شارك الصمت في مقتل طفلة اسمها نهلة.

الأب لن يعاقب

وبحسب المصدر فإن استدعاء الشرطة المحلية الأب لم يكن بقصد محاسبته، إنما لأخذ أقواله وحسب، في محاولة لتهدئة الرأي العام بعد الفضيحة التي انتشرت سريعاً على مواقع التواصل الاجتماعي. أمّا الأب فعلل ما فعله مع نهلة في البداية، بأنّ جناً مسها، لتبرئ لاحقاً “هيئة تحرير الشام” والد الطفلة، لأن المعلومات التي وصلتها تفيد بتقييد الطفلة بالجنازير ووضعها في قفص حديدي خوفاً من ضياعها داخل المخيم أو خارجه، كونها “مصابة بمرض فقاعي عصبي حسي وتقرحات جلدية وتخلخل في العظم الأمر الذي يجعلها فاقدة للإحساس بأي شيء تلمسه مما اضطر والدها إلى تقييدها وحبسها”. وهذه الشهادة هي في الواقع ورقة إدانة بحد ذاتها، فأي طفل مصاب بمرض نادر كهذا يجب أن يعامل معاملة خاصة ويوضع في مكان آمن، حيث يتلقى العلاج والدعم، لا أن يُرمى كالحيوان. وفي مكالمة مع والدة الطفلة عبر إذاعة “زمان الوصل”، أكدت أن أبناءها لا يعانون من أي أمراض وهم في صحة جيدة بعكس ما أشيع، وأن جميع بناتها يتعرضن للتعنيف من قبل والدهن.

تعتبر سوريا من البلدان التي لم تعترف حتى الآن بتعنيف الأطفال إلّا في حال ترك عاهة أو أثر، وبحسب “هيومن رايتس ووتش” يتعرض الأطفال في الشرق الأوسط لأعلى نسبة من العقاب البدني فأكثر من 90 في المئة من الأطفال يتعرضون لعقاب بدني على الأقلّ مرّة في الشهر في بلدان مثل مصر، والمغرب، وتونس، فكيف قد يكون الوضع داخل سورية وفي المناطق الخاضعة لسيطرة جماعات مسلحة أو قوات أجنبية!

وبحسب المحامي السوريّ رامي هاني الخير، فإن القانون السوري يعاقب من قتل ابنه بالإعدام لكن الإشكال في قضية نهلة يكمن في أن القانون في محافظة إدلب هو قانون غير مهني وغير شرعي وغير قانوني، وأمام هذه المعادلات الثلاث وبالإسقاط الخوارزمي القانوني، لم يفاجأ الخير من إخلاء سبيل الأب، بخاصة أن طابع هذه المحاكم شرعي وليس قانونياً. يعقّب الخير بأن هذه الجريمة لو وقعت في منطقة أخرى أو في المناطق التي ما زال يسيطر عليها النظام فحينها ستكون عقوبة الأب إما الاعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة بشكل قاطع. يرى الخير أن القوانين السورية قبل الحرب كانت تتلاءم مع حقوق الطفل، لكن تقلّصت اليوم فعاليتها بسبب الفقر والنزوح والصراع الدائر. 

من جهة أخرى، تجيز المادة 185 الضرب التأديبي، شرط ألّا تتسبب في عاهة أو تترك أثراً وهو ما يحدده الطبيب الشرعي، وهذا يعني أن ولي الطفل كالمعلم والأهل قادرٌ على الضروب التأديبية للطفل بما يبيحه العرف العام، لكن يبقى الجانب النفسي للطفل غير واضح، يقول الخير إنه وفي في بعض الأحيان يؤخذ الجانب النفسي للتعنيف في الاعتبار.

ربط الأطفال وتقييدهم عادة سورية

تلجأ العديد من العائلات إلى تقييد أطفالها بطرق مختلفة ولأسباب مختلفة، فلم يمضِ أيام على حادثة نهلة حتى انتشر فيديو آخر قيل أنها يعود لطفل من ذوي الإعاقة في ريف مدينة دير الزور يدعى “خليل عواد الحمد”، تظهر في الفيديو جدة الطفل تفكُّ وثاق قدمه وسط غرفة بلا أثاث وحين تسألها مصورة الفيديو من فعل ذلك؟ ترد الجدة بأنها زوجة أبيه، تتابع الجدة أنها لم تستطع أخذ الطفل لتربيته بسبب العلاقة السيئة مع ابنها الذي يعنفها لفظياً بشكل مستمر. 

تقول سمر (اسم مستعار): “كانت إحدى جاراتنا تربط قدم ابنتها بالخزانة لأنها كثيرة الحركة ولم تتجاوز الطفلة الست سنوات في حينها حتى إنها كانت تغفو وهي مربوطة بقدم الخزانة”. وجِد هذا النوع من الفعل قبل الحرب، فلنتخيل حجم ما يحصل اليوم بعد عشر سنوات من العنف والقتال والنزوح! تقول سارة (اسم مستعار): “تقوم صديقتي الممرضة بجلب طفلها سراً معها إلى المستشفى، إذ يمنع إحضار الأطفال، ولا تستطيع تسجيله في روضة وتقوم بربطه خلف طاولتها كيلا يلعب في الغرفة وتنتبه الإدارة إلى وجوده”، وهذا ما تعتقده الأم صحيحاً في ظل انعدام الخيارات أمامها، وبحسب دراسات ترتبط أفعال التأديب والتعنيف بشكل مباشر بالأفكار الانتحارية لدى الأطفال وبمدى الاستيعاب العقلي والتسرب من المدارس.

ليس الآباء وحدهم من يقتلون الأطفال، لقيت الطفلة السورية “سيما مصطفى النبهان” مصرعها دهساً بمدرعة عسكرية تركية، في منطقة “النيرب”، التابعة لمحافظة “إدلب”، ضمن مناطق سيطرة “هيئة تحرير الشام”، ووفقاً لـ”المرصد السوري لحقوق الإنسان”، فإن المدرعة لم تتوقف لإسعاف الطفلة، أو الاطلاع على حالتها بل تابعت طريقها وكأن شيئاً لم يحصل.

وبحسب تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” في ذكرى مرور عشر سنوات على اندلاع الحرب في سوريا، فإن الاقتتال تسبب في مقتل وإصابة حوالى 12 ألف طفل، إضافة إلى أن 90 في المئة من الأطفال السوريين بحاجة إلى المساعدة الإنسانية، كما يعاني أكثر من نصف مليون طفل دون الخامسة من التقزُّم، نتيجة سوء التغذية المزمن. وبحسب البيانات التي تم التحقق منها تم تجنيد أكثر من 5700 طفل للقتال بين عامي 2011 و2020، بينهم من لا تزيد أعمارهم عن سبع سنوات. كما أن أكثر من 75 في المئة من الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال المسجلة عام 2020 وقعت في شمال غربي سوريا.

إنها القصص التي تطفو على السطح، فيما تحدث أخرى قد تكون أكثر فظاعة إنما خلف الأبواب، وفي بعض المخيمات يصبح الأمر أكثر رعباً، فهناك لا يملك الأطفال في مواجهة العنف سوى الخوف والصمت… وأحياناً الموت، كما حصل لنهلة. 

إقرأوا أيضاً: