fbpx

القاهرة تجمّد حربها الباردة مع قطر… استعداداً لجبهة مع الإمارات

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يبدو أن القاهرة تدير سياسة جديدة وتقف على مسافة واحدة من الجميع موقتاً حتى ترى ما يستعدون لتقديمه لها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“لا صداقة دائمة ولا عداوة دائمة في السياسة، بل مصالح دائمة”. تختصر مقولة رئيس الوزراء البريطاني الشهير، وينستون تشرشل، سنوات طويلة من الصراع والوفاق في الشرق الأوسط، إذ يبدو للمراقبين أنّ الأصدقاء أصبحوا شبه أعداء، والأعداء في طريقهم إلى السلام مرة أخرى.

حصلت تطورات في ملفات إقليمية كثيرة، على المستويين العربي والدولي، قادت إلى “حرب باردة” بين مصر والإمارات، أكبر حليفين في الشرق الأوسط منذ الربيع العربي، فقد نشأت العلاقات بين أبو الظبي والنظام المصري، قبل نشأة النظام نفسه، مذ كانت أموال الخليج لاعباً أساسياً ضد حكم الإخوان في القاهرة.

في الفترة الأخيرة، دار حديث حول خلاف مكتوم بين مصر والإمارات، تبلوَر في الموقف المصري الحاد، الذي يختلف تماماً عن الرؤية الإماراتية، في ملف الحرب الإسرائيلية على غزة، فللمرة الأولى، تحمل البلدان موقفاً مختلفاً حيال قضايا إقليمية، بعد سنوات من التحالف في الحرب على اليمن، ودعم حفتر في ليبيا، ومطاردة الإخوان المسلمين، وحصار قطر، ومقاطعة تركيا.

حمل عام 2021 جديداً في الموقف المصري تجاه تلك الملفات كلها، فانفجرت العلاقات بين البلدين، وبدا أن “أشهر العسل” انتهت، وبدأ سداد الضربات تحت الحزام سياسياً وديبلوماسياً، وكي يكذِّب “بن زايد” ما يقال عن خلاف مصري- إماراتي، زار القاهرة في نيسان/ أبريل الماضي زيارة خاطفة، أكَّدت الأقاويل المتناثرة، ولم تنفِ شيئاً ممَّا يقال، فالقاهرة تعيد هندسة علاقاتها من جديد لتناسبَ العالم الذي يتشكَّل الآن بعد زوالِ الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، و”أبو ظبي” تسرع الخطى نحو إزاحة مصر والسعودية من قيادة المنطقة العربية، بخطوات منظمة، لم تكن تشغل القاهرة سابقاً، وسط استغراقها في مشكلاتها الداخلية، لكنها الآن، تنتبه أكثر ممَّا مضى لما يدبره “أبناء زايد”. 

من الأمام يدعمون مصر كلامياً عبر إعلامهم، ومن الظهر يطعنونها ويتحالفون مع إثيوبيا لإنجاز سد النهضة، ويتواطأون مع إسرائيل لكتابة شهادة وفاة قناة السويس، ويموّلون جيش “حفتر” لمضاعفة التهديدات من ليبيا.

ملفات متشابكة وراء العلاقات المرتبكة التي تنذر بمزيد من الصراع بين البلدين مع تفكك التحالفات على المدى البعيد… والسؤال الآن: كيف سيطر “شيطان الغضب” على مصر والإمارات؟

رسائل الإمارات لمصر في أزمة “سد النهضة”… أبي أحمد رجلنا الأول!

لوقت طويل، اعتقدت مصر أن الحل النهائي لأزمة سد النهضة بيد الإمارات، التي دعمت رئيس الوزراء الإثيوبي، أبي أحمد، اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً بسخاء، إذ يصل عدد مشروعاتها الاستثمارية في أديس أبابا إلى 92 مشروعاً في قطاعات الزراعة والصناعة والعقارات والتعدين، وأقامت معه علاقات وطيدة لأهداف تخصّ أطماعها في إفريقيا، لتصبح إثيوبيا حليفها الاستراتيجي في منطقة القرن الأفريقي.

بحسن نية، ظنَّت القاهرة أن ذلك يأتي في مصلحتها، فالإمارات– بحسب الظن المصري– ستتدخَّل في الوقت المناسب للضغط لإنهاء النزاع، حال فشل إنهائه بالمفاوضات، لكن “أبو ظبي” لم تستخدم أوراق الضغط الهائلة التي تمتلكها لإجبار رجل إثيوبيا القوي على تبنى موقف عاقل تجاه سد النهضة، الذي يمثل “حياة أو موتاً” بالنسبة إلى المصريين، ويقول الخبير الإستراتيجي، اللواء محمد إبراهيم، إن مصر حاولت أكثر من مرة الإيحاء لـ”أبو ظبي”، بحاجتها إليها في إنهاء هذا الملف، إلا أنها لم تلتقط الرسالة، أو التقطتها ولم تستجب. 

يبدي إبراهيم دهشته من التجاهل الإماراتي لملف مصيري بالنسبة إلى حليفه العربي الأول، ويقول: “القيادة المصرية اعتقدت أن مساعدة أبو ظبي لها في أزمة سد النهضة شيء مفروغ منه، وعندما جاءت لحظات حاسمة، فوجئت بالإمارات تنحاز لإثيوبيا، على رغم أهميتها المحدودة، مقارنةً بمصر بقيمتها الإستراتيجية والعسكرية والسياسية الكبيرة”.

“لا صداقة دائمة ولا عداوة دائمة في السياسة، بل مصالح دائمة”.

ويوضح: “لم تتقدم الإمارات خطوة لدعم مصر، حتى بإصدار بيان أو التلميح السياسي والديبلوماسي، حتى في ذروة الغضب المصري والتهديد بالحرب على أديس أبابا، كان العجيب إعلان الإمارات تأييدها حرب رئيس الوزراء الإثيوبي في إقليم تيغراي، وكانت الدولة الوحيدة في العالم، ثم أرسلت الإمارات مساعدات إنسانية لضحايا تلك الحرب”.

تقطع الإمارات أشواطاً نحو دعم إثيوبيا، فأطلقت طائرات مسيّرة من قواعد عسكرية إريترية لقصف قوات جبهة تحرير شعب “تيغراي” المتمردة على حكومة أبي أحمد، بينما لا تجد القاهرة رد فعل واحد يوحي بتضامن الإمارات معها على أي مستوى، وهو ما يفسّر رفض مصر الوساطة الإماراتية للحوار مع إثيوبيا، على رغم قبولها الحوار الذي دعت إليه الكونغو الديموقراطية، باعتبارها ترأس للاتحاد الأفريقي. فشلت تلك المفاوضات، وكان معروفاً أنها ستفشل، وكذلك، لن تقدم وساطة الإمارات السياسية “المحايدة” بين البلدين جديداً، ستبيّض صفحة الإمارات فقط، وهو ما لا تريده مصر في الوقت الراهن.

 ويتوقع اللواء محمد إبراهيم أن يكونَ ذلك نتيجة خلافات سابقة تدفع أبو ظبي للتململ من مصر لعدم تطابق مواقفهما بالكثير من الملفات الحسَّاسة حالياً.. وقد بدأ ذلك الخلاف في ليبيا.

حفتر… جنرال الوقيعة المهزوم

كانت ليبيا ملعباً لجيوش وأجهزة مخابرات عدة في حرب تتقدمها قوات السراج، المعترف بها دولياً، وجيش الضابط حفتر، الذي تصفه معظم التقارير بـ”المدعوم إماراتياً”، على رغم ما يشاع عن قُربه من السيسي بحكم خلفيتهما العسكرية المشتركة، لكن الحقيقة أن مصر كانت وسيطاً يمرِّر التسليح والتمويل – من الإمارات – عبر أراضيه إلى ليبيا كي تصل إلى حفتر، الذي حصد ثمرة التعاون بين مصر والإمارات، وكان أكثر الملفات اتفاقاً بين البلدين، لأن الطرف الذي يقف ضده مدعوم من الرئيس التركي أردوغان، العدو التاريخي للسيسي وبن زايد معاً، فقد عمل ضباط مصريون وإماراتيون لحساب حفتر، كيْ يستمر تسخين المشهد الليبي لأطول فترة ممكنة حتى ينتصر على قوات السراج. لكن القاهرة لاحظت شيئين بخصوص الملف الليبي: الأول أن حفتر لن ينتصر، والثاني أن استمرار الوضع الملتهب الذي تريد الإمارات الإبقاء عليه ملتهباً في ليبيا، التي ترتبط معها بحدود مباشرة سهلة الاختراق، هو تهديد كبير لأمنها. 

ويقول الخبير الإستراتيجي، اللواء محمد إبراهيم، إن مصر صارحت “أبو ظبي” بتلك المخاوف، فلم تجد تقديراً لديها، وكانت تدفع إلى المزيد من الصراع والقتلى، وتخصِّص لذلك مبالغ طائلة وذخائر لا حصر لها، وصفتها لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة لمراقبة حظر الأسلحة في ليبيا، بـ”الصارخة التي تتجاهل العقوبات المحتملة”، بينما تميل القاهرة إلى التسوية لحماية حدودها من الاختراق. 

ويكشف مصدر سياسي، رفض نشر اسمه، أن أجهزة أمنية مصرية تواصلت مع حفتر مراراً للتهدئة، فلم يتجاوب معها، وتهرَّب منها، معتمداً على اتصالاته بضباط إماراتيين، لتصبحَ ليبيا نقطة الخلاف الأكبر بين مصر والإمارات، تحديداً في الفترة التي سبقت محاولات حفتر الفاشلة لاقتحام طرابلس.

وكان الجانب المصري يرى استحالة نجاح حملته على طرابلس، لمعرفتها بقوته الحقيقية في أرض المعركة، ويقينها من عدم قدرته على تحقيق أي انتصار، على عكس الإمارات التي تريد إشعال الأمور في طرابلس، وإرباك جميع الحسابات، مهما كان الثمن، كونها لن تخسر شيئاً سوى بعض المال، الذي حافظ على استمرار حملة حفتر 14 شهراً حتى وصول الدعم التركي الذي اقترب من طرد قواته من معقلها الأساسي في “سرت“.

ومن نتائج تلك الهزيمة الصاعقة، اضطرار مصر إلى احتواء الموقف لتحديد “خط أحمر” ودعوة القبائل الليبية، واستضافة عناصر من الإسلاميين الذين يديرون زمام الأمور في ليبيا لحساب قوات السراج للتفاوض ودعم الانتخابات الليبية والحكومة الجديدة على خلاف هوى أبو ظبي، ويضيف اللواء محمد إبراهيم: “تقدير مصر الموقف كان صحيحاً، وفشل حفتر في الحفاظ على مواقعه السابقة، دفع المسؤولين المصريين لتقديم تنازلات”.

على الجانب الآخر، كانت الإمارات تشجع حفتر على رفض التسوية، والاستمرار في إثارة النزاعات، لكن تدخل مصر الحاسم قضى على النفوذ الإماراتي. شلَّت مصر أيدي أبو ظبي في ليبيا، خوفاً من أن يتطوّر الصراع ويتمدَّد داخل أراضيها، فقلصت الإمارات قوة القاعدة العسكرية التابعة لها بمدينة بنغازي إلى النصف، وخرجت جزئياً من التراب الليبي، لعلمها بعدم قدرتها على الاستمرار هناك، طالما أن الخلاف في وجهات النظر مع القاهرة مستمر.

مصر تقلب الطاولة على تحالف “أبو ظبي – تل أبيب”

كان ذلك يوم 16 نيسان/ أبريل، في قبرص، حيث عقد لقاء رباعي ضم وزير خارجية قبرص ونظيريه اليوناني والإسرائيلي، والمستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات، أنور قرقاش، وغابت مصر، ولم يكن غيابها سوى رسالة من أطراف عدة بخروجها المحتمل من حلف دول شرق المتوسط بعدما تقاربت مع تركيا.

كانت مصر اللاعب الأول في الحلف القائم للسيطرة على ثروات الغاز بالمتوسط، وأول المدعوين لمثل هذه الاجتماعات، لكن غضب “أبو ظبي” التي أشرفت على تشكيل هذا الحلف المناوئ لأنقرة دفع بها إلى خارجه، رداً على انفتاحها على أنقرة التي منعت قنوات الإخوان من إثارة القلق حول النظام المصري، وأعلنت نيتها التحالف لتأتي كلمة السر الثالثة في الخلاف المصري- الإماراتي، تركيا.

أسباب وجيهة للغضب؟

مصر غاضبة من عدم تعاون الإمارات معها في ملف سد النهضة، والإمارات متألِّمة من إفساد القاهرة خطتها في ليبيا، ورفض استمرار الصراع عبر دعم الذراع الإماراتي “حفتر”، وأخيراً، التهدئة بين القاهرة وأنقرة، التي سعت إلى مصر والسعودية لاحتواء الخلافات، في الوقت الذي توجّه فيه تهديدات صريحة إلى الإمارات، وتتوعّدها بعقوبات دولية على ما ارتكبته في ليبيا.

ويرى خبير اقتصاديات البحار، أحمد الشاملي، أن مصر تأخَّرت كثيراً في التقارب مع أنقرة، الذي يظلّ في مصلحتها تماماً، في ملف غاز شرق المتوسط.

ويضيف: “مصر فقدت آلاف الكيلومترات المربعة من المساحة البحرية، وما تحتويه من ثروات لحساب قبرص واليونان، بضغط من الإمارات، للتضييق على النظام التركي، فكانت تقيم التحالف على حسابها الخاص، على أمل التوصل إلى اتفاق في قضية غاز شرق المتوسط، وضمّت تحت جناحها دولتين تعانيان، ولم تربح شيئاً طول السنوات الماضية”. 

لم يكن بُعد مصر من تركيا، وتحالفها مع اليونان، في مصلحتها، فالاتفاق اليوناني يمنح القاهرة مساحة أقل بآلاف الكيلومترات، والسبب هو قرب الجزر اليونانية التي سترسّم منها الحدود إلى مصر، على عكس تركيا، فهي الأبعد من حيث المساحة، وقد أكدت تركيا مرات عدة، أنها ستترك للقاهرة مساحة بحرية أكبر (بما تحتويه من ثروات) حال التوصل معها لاتفاق، كما أن التحالف مع اليونان يغرق مصر في أزمة مع تركيا التي تمتلك أكبر أسطول بشرق المتوسط، وهو الأمر الذي يعني فشل أي محاولات لترسيم الحدود البحرية، تمهيداً لاستقبال الشركات الكبرى للتنقيب عن الغاز والثروات الأخرى في بطن المتوسط.

يقلق الشركات الدولية العابرة للقارات العمل في تلك المنطقة الآن، خوفاً من أي مناورة أو اشتباك بحري بين الدول المتصارعة على الثروات، فالبيئات غير المستقرة أو الآمنة لا تجذب الشركات للعمل، لكن قوة الأسطولين المصري والتركي، الأكبر في شرق المتوسط، حال اتفاقهما، يمكن أن تجذب الشركات.

إتمام أي اتفاق بين مصر وتركيا – وهو ما يُرجَّح حدوثه – يفسد محاولات الإمارات المستمرة منذ سنوات لترجيح كفة حلفائها بالمتوسط، إسرائيل واليونان وقبرص، وإبعاد مصر عن عدوتها الكبرى، تركيا، مقابل دعم مالي، لكن هذا الدعم – مهما بلغت ملياراته – لم يعد كافياً، مقارنة بمياه النيل، وآلاف الكيلومترات البحرية التي كانت تتأهّب مصر للتنازل عنها، إرضاءً لأبو ظبي. ويفسّر “الشاملي” الموقف التركي، الذي كان داعماً أشدّ الدعم للقاهرة في أزمتها مع تركيا، ومتراجعاً لأبعد مدى في الأزمة مع إثيوبيا، بأنّ “الإمارات تؤيد مصر ضد تركيا فقط، لا تؤيّدها في حماية مصالحها بالكامل، وهذه علاقة ودّ مشروطة، ولا يعتمد عليها، وهو ما كان غائباً عن مصر، فكانت تتنازل أحياناً عن بعض مكتسباتها بناءً على طلب إماراتي، لتحصد تلك المكاسب من ناحية أخرى، لكن ذلك لم يعد مجدياً”.

يبدو أن القاهرة تدير سياسة جديدة، وتعيد رسم خريطة حلفائها، وتقف على مسافة واحدة من الجميع موقتاً حتى ترى ما يستعدون لتقديمه لها، ولا يخلو الأمر من مناورات ومؤامرات، فمؤخراً، استخدمت دولة فلسطين (السلطة الفلسطينية التي يمثلها محمود عباس أبو مازن، المقرّب من السيسي) حق الفيتو اعتراضاً على انضمام الإمارات لمنتدى غاز شرق المتوسط، ووفق محللين، لم يكن هذا الموقف فلسطينياً خالصاً، فدائماً ما كانت القاهرة الوسيط الأبرز بين السلطة الفلسطينية ومسؤولي أبو ظبي، لأنّها تميل إلى حل القضية الفلسطينية الذي يتبناه “أبو مازن”، بينما تريد الإمارات عزله لحساب “مبعوثها” محمد حلان، وهو ما يعني أنّ مصر كان يمكنها تغيير القرار، لكنها- بحسب مصادر ديبلوماسية– شجعته لعدم رغبتها هي الأخرى في انضمام الإمارات، لكنها تجد حرجاً في إعلان ذلك.   

القرن الأفريقي يدير ظهره للقاهرة… المال الخليجي يتكلم

بات طموح الإمارات تهديداً للأمن القومي المصريّ، تحريك قطع الشطرنج لا يحصل في ليبيا وإثيوبيا فقط، فمنطقة القرن الأفريقي التي تعتبر امتداداً للنفوذ المصريّ، تندفع الإمارات نحوها بكل قوتها، وهو ما يفسّر التقارب الإماراتي الإثيوبي الكبير، حتى إن أبو ظبي بدأت تشارك في قواعد عسكرية (أحدثها القاعدة العسكرية الروسية)، وتتفاوض لإقامة قواعد وتغدق بالأموال على دول أفريقية فقيرة، كيْ تعيد هندسة المنطقة السمراء بحسب علاقاتها الجديدة بإسرائيل، الطامعة في الالتفاف حول القاهرة لتصل إلى ماء النيل في النهاية. وأحدث تلك الترتيبات التعاون الأمني الثلاثي الذي جمع الإمارات بالصومال وإثيوبيا. تزيد تلك العلاقات الناشئة قلق القاهرة، إذ تؤثر على سيطرتها بالبحر الأحمر وبالقارة الإفريقية، وتحاول اللجواء إلى علاقات بديلة لتطويق تلك التحالفات الجديدة عبر زيارات قادها السيسي إلى دول إأفريقية، لكن المال الخليجي هو الذي يتكلم، مهما تعمَّقت العلاقات الودية.

وتضيف الإمارات السيطرة على الامتداد الأفريقي لمصر إلى سيطرتها على بعض الدول العربية التي ربطتها بدعم مالي واستثمارات، أو معاهدات تطبيع مع إسرائيل، وكذلك دول شرق المتوسط التي تتزعّمها حالياً، وإسرائيل “الصديق الأول لها”، لتجعل القاهرة ضيفاً و”زائدة دودية” بلا قيمة في تلك الملفات لتقفز على دورها العربي التاريخي المتصدّر “إلا قليلاً”… وأخيراً أصبح “متصدراً إلا كثيراً”، ما يثير غيرة مصر وقلقها من أن تصبح تابعاً أبدياً للإمارات، وهو ما لا يليق بها، كما أنه يؤثر في أمنِها القومي، بخاصة أن الإمارات تعبث بأمن الدول المحيطة عبر وكلاء، ولعبت مصر دور الوكيل أكثر من مرة، لكن ما يحصل في ليبيا وشرق المتوسط، ينبئ بعدم القدرة على التمادي في أداء هذا الدور، في ظلّ لهو الإمارات بملفات “مصيرية” بالنسبة إلى مصر، آخرها قناة السويس.

“دبي – عسقلان” منافس قناة السويس.. الورقة المعلقة بين مصر والإمارات 

لم تقلق مصر كثيراً حيال التحالف الإماراتي- الإسرائيلي، الذي بدأ بالتطبيع. اعتبرت ما يحصل في سياق خطة ترامب للسلام في الشرق الأوسط إضافةً لها، لتصبح دولاً أخرى ترتبط مع إسرائيل بمعاهدات سلام، لكن اندفاع الإمارات نحو الأحضان الإسرائيلية سياسياً وشعبياً نحَّى مصر جانباً، وأعادها عشرات الخطوات للخلف، فلم تعد الوسيط الوحيد بين إسرائيل ودول في المنطقة العربية، وخسرت دعماً سياسياً كان مرتَّباً له مقابل إقناع الفلسطينيين بصفقة القرن، فاستحوذت الإمارات من مصر على أهم ملف حيوي في السياسة الدولية كانت تشرف عليه، وهو رعاية أي هدنة، والتنسيق الأمني مع الفصائل الفلسطينية، والترتيبات الأمنية بين إسرائيل والفلسطينيين، وغيرها من الملفات التي تسمح لها باتصالات ومصالح دائمة مع الولايات المتحدة. 

بدا الأذى الذي شكلته القفزة الإماراتية على مصر واضحاً، تزامناً مع تولي الرئيس الأميركي الجديد، جو بايدن، السلطة، فلم يتواصلْ مع السيسي، أو يجعل التواصل بين البلدين على المستوى الرئاسي، واقتصر الأمر على وزراء الخارجية والمسؤولين الدبلوماسيين، لشعوره بعدم أهمية دور مصر حالياً، الأمر الذي عدَّلته مصر بالهدنة التي تمّت برعايتها في غزة، ليتصل بايدن بالسيسي مرتين خلال أسبوع واحد، وهو ما منح القاهرة ثقلاً إقليمياً وثقة في ما تقدم عليه من زعزعة للتحركات الإماراتية الهوجاء، التي لا تراعي أي مصالح لدول عربية أخرى، لجني ثمار التطبيع باتفاقيات تجارية وسياحية وسياسية سريعاً ومبكراً.

وبقيت الطعنات المتبادلة في الخفاء…

كان العالم يتابعُ المشهد، الذي يؤثر في اقتصاده وتجارته تأثيراً مهولاً، بينما ترتب الإمارات الشرق الأوسط لاستضافة معبر تجاري ينافس قناة السويس، فجاء تلميح السيسي مع الانتهاء من تعويم السفينة الجانحة إلى سعي البعض لإيجاد طرق بديلة.

وكان يقصد الإمارات، التي لم تكتفِ بإزاحة القاهرة من ملفات إقليمية عدة، فبدأت التحضير لمشروع “دبي عسقلان”الذي يربط الخليج بالمواني الإسرائيلية على البحر المتوسط عبر سكك حديدية وأنابيب نفط وغاز، وفي نهاية 2020، وقعت مع تل أيب اتفاقاً لإقامته، وراهن عليه بن زايد ونتانياهو.

يحلُّ هذا المشروع بديلاً عن قناة السويس، ليرتكب بحقها أمرين، إما تعطيلها تماماً، أو خفض أسعار المرور بها للسفن والحاويات إلى مستويات ضعيفة للغاية، بينما تعتمدُ مصر على القناة في تدبير معظم دخلها من العملة الصعبة، فأهمية قناة السويس بالنسبة إلى مصر لا تقبل التفاوض او الجدل بشكل لا يقل كثيراً عن مياه النيل.

وسبق للفريق أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس، أن حذر علناً من تأثيره في القناة المصرية؛ إذ أنه يسحب منها 16 في المئة من السفن التي تمرُّ بالمجرى الملاحي. وتؤكد مجلة “فورين بوليسي”، في أحد تقاريرها، أن حركة التجارة في قناة السويس ستقل بنسبة 17 في المئة، بناءً على الاتفاق الإماراتي- الإسرائيلي. ويبشّر محللون بأنه فور إقامة ذلك الخط سيصبح خط “سوميد” المصري، المسؤول عن نقل النفط الخليجي من ميناء العين السخنة في البحر الأحمر إلى ميناء سيدي كرير على البحر المتوسط، بلا قيمة. 

تهديدات عدّة يرتّبها المشروع الإماراتي الطموح، الذي يمكن أن يتطوّر مستقبلاً وفي غضون 5 سنوات فقط لينقل نفط الخليج كله إلى العالم، بدلاً من مرور سفنه وحاوياته عبر قناة السويس ليكتب شهادة وفاتها. 

وفي ذلك اليوم، يمكن أن تُقرأ الفاتحة للعلاقات المصرية- الإماراتية المرشَّحة للتدهور بنسب كبيرة، مع تقدم القاهرة في علاقاتها مع تركيا، وإتمام اتفاقيات غاز تضرب مخططات شرق المتوسط، فضلاً عن الفشل الكامل “المتوقَّع” لمفاوضات سد النهضة.

إقرأوا أيضاً: