fbpx

فاصل سوريالي: تظاهرات للسلطة اللبنانية تعمّ البلاد!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ربما سأل كثيرون في خضم الحماسة ليوم الغضب هذا، “ما هو الاتحاد العمالي العام أصلاً؟”، إنه لسؤال مشروع، ذلك أن اسمه نادراً ما يذكر إلا في سياقات تعبيد الطرق لرغبات السلطة والاحتجاج بالاتفاق معها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

حشد “الاتحاد العمالي العام” السلطة بأركانها وأدواتها وأحزابها، واتفق الجميع على إضراب عام شامل لجميع العاملين والموظفين والنقابيين، بما فيهم “جمعية المصارف” التي أعلنت إقفال أبوابها. بدت الصورة في البداية أن مناصري “تيار المستقبل” و”حركة أمل” نزلوا للتظاهر ضد “التيار الوطني الحر” الذي يعرقل تشكيل الحكومة وفقهما. إلا أن التيار الوطني ذاته ما لبث أن سارع بدوره إلى إعلان تأييده تظاهرة “الاتحاد العمالي العام”. وبذلك يمكن القول إن السلطة كلها تتظاهر ضدّ جهة ما، قد تكون نفسها!

وبذلك «تحت شعار الإسراع وعدم التلكّؤ في تأليف حكومة فوراً»، اجتمع الاتحاد العمالي مع جميع معرقلي الحكومة العتيدة ومؤلفيها، من أجل الاعتراض على عدم تشكيلها، من دون تجاهل الشعارات المعيشية الرنانة التي تحترف السلطة السياسية التستّر خلفها، وكأنّ الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد تسبب بها زلزال أو كارثة طبيعية أو لعنة ربانية، في تهرّب واضح من مسؤولية جميع أركان السلطة عن الانهيار متعدد الجوانب.

ربما سأل كثيرون في خضم الحماسة ليوم الغضب هذا، “ما هو الاتحاد العمالي العام أصلاً؟”، إنه لسؤال مشروع، ذلك أن اسمه نادراً ما يذكر إلا في سياقات تعبيد الطرق لرغبات السلطة والاحتجاج بالاتفاق معها.

تأسس “الاتحاد العمالي العام” في 1 أيار/ مايو 1970، بعد مسارات نضالية عمالية طويلة، منها العاميات و”اتحاد عمال لبنان”، (دفعت إلى إقرار قانون العمل وتحسين ظروف العمال)، ثمّ جاءت الحرب وبعدها الوصاية السورية التي كان أبرز أهدافها، تصفية الاتحاد العمالي العام وإفراغه من المعنى، بالتعاون مع القوى السياسية اللبنانية الفاعلة حينها. وهذه القوى سطت سطواً كاملاً على “الاتحاد العمالي العام” الذي فقد دوره وحيثيته ومكانته كأعلى قوة منظمة لعمال لبنان.

يمكن القول إن السلطة كلها تتظاهر ضدّ جهة ما، قد تكون نفسها!

فوفق دراسة أعدّها الاتحاد الأوروبي ومؤسسة “فريدريش إيبيرت” عام 2002، تبيّن أن عدد المنتسبين إلى جميع الاتحادات التي تكوّن “الاتحاد العمالي العام” يقدّر بـ58690 منتسباً من أصل 745760 عاملاً وأجيراً يحق لهم الانتساب، وفقاً لدراسة القوى العاملة الصادرة عن إدارة الإحصاء المركزي. وبذلك يمكن القول إن “الاتحاد العمالي العام” لا يمثل سوى نسبة ضئيلة من القوى العاملة، إذا اعتبرنا أن المنتسبين إليه ناشطون أصلاً أو موجودون. فبالعودة  إلى عدد المقترعين في انتخابات هذه النقابات كمؤشر إلى التمثيل الفعلي، يتبيّن أنهم لا يتجاوزون 3.5 في المئة من عدد الأجراء، وفق الدراسة. وما ذلك سوى دليل على سيطرة السياسة والأحزاب على العمل النقابي، الذي تحوّل إلى مجرّد أداة تستخدمها السلطة حين تُحشر شعبياً في الزاوية.

وسطوة السياسة على عمل “الاتحاد العمالي العام” يتعارض بطبيعة الحال مع نظامه الداخلي، الذي وفق مادته الرابعة، “الاتحاد العمالي العام في لبنان مستقل عن كل حزب سياسي أو فئـة سياسية ولا يستلهم في مجال نشاطه سوى المصلحة العامة للعمـــال في لبنـان”.

الصمت والبصيرة

منذ احتجاجات عام 2015 مع تراكم النفايات على الطرق وتحوّلها إلى أزمة جامحة، وتزامناً مع مطالبات “هيئة التنسيق النقابية” بسلسلة الرتب والرواتب، سجّل “الاتحاد العمالي” غياباً واضحاً عن صوت الشارع. وانسحب ذلك على احتجاجات تشرين الأول/ أكتوبر 2019. فقد نزل الجميع إلى الشارع باستثناء “الاتحاد العمالي العام”، الذي يفترض أن يكون محرّك الفئات الفقيرة ومحدودة الدخل، والمحرّض الأول على التظاهر والاحتجاج.

وواصل الاتحاد صمته، مع انهيار قيمة الليرة مقابل الدولار، وثبات الحد الأدنى للأجور على عتبة الـ675 ألف ليرة، التي لم تعد تكفي لشراء خبز وحليب. وحتى بعد انفجار مرفأ بيروت، حافظ الاتحاد العمالي على “الصبر والبصيرة”، وضبط أعصابه، ولم تهزه البطالة التي طاولت أكثر من مليون شخص وفق “الدولية للمعلومات”. وتحمّل المرارة، حتى حين بات أكثر من 50 في المئة من اللبنانيين تحت خطّ الفقر، في حين تخطّت نسبة التضخّم 140 في المئة عام 2020، ومع صرف آلاف العمال وإقفال عدد كبير من المؤسسات.

وصمد أمام الصعاب يوم سرقت الدولة ومصارفها أموال المودعين (البالغة 127  مليار دولار وفق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة) بكل وقاحة.

لكنّ كيل “الاتحاد العمالي العام” طفح تماماً ونفد صبر السنوات، فقرر إعلان إضراب عام يوم 17 حزيران/ يونيو 2021. وبسرعة حاز تأييد الأصدقاء في الأحزاب اللبنانية، التي دعت جماهيرها إلى المشاركة في الاحتجاجات، دعماً لحليفها القديم “الاتحاد العمالي العام”!

هذا فيما يقف “اتحاد الشغل التونسي” (الذي يفترض أن يكون مرادفاً للاتحاد العمالي اللبناني) في وجه حكومة هشام المشيشي في إجراءات رفع الدعم عن المواد الأساسية. و”اتحاد الشغل التونسي” يشكل منذ انطلاق شرارة الثورة التونسية عام 2011 كابوساً يومياً للسلطة، إذ لا يتوقف عن قتالها دفاعاً عن حقوق العمال والفقراء. أما هنا في لبنان، فيتصافح اتحاد العمال مع السلطة، ضد الناس!

إقرأوا أيضاً: