fbpx

موجة غضب عراقية تشعلها الحرارة المرتفعة والكهرباء المقطوعة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

صيف 2021 أتى شديداً على غالبية العراقيين، ومنهم أبناء العزيزية التي احتشد فيها المئات من أبنائها مطالبين الحكومة بالالتزام بساعات تغذية التيار الكهربائي، وبألا يكون قطعه وتقنينه خاضعاً لاجتهادات شخصية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يسكن نور علي (22 سنة) في قضاء العزيزية التابع إدارياً لمحافظة واسط جنوب بغداد. منذ سنوات، يتظاهر نور مع رفاقه ضد الحكومة المحلية “المتواطئة مع المركزية”، مطالبين بتحسين ساعات تغذية مدينتهم بالتيار الكهربائي مع ارتفاع درجات الحرارة ووصول الأوضاع إلى حدّ “هستيري لا يحتمل”، بحسب قوله. خصوصاً أن المحافظة تمتلك محطة كهرباء تنتج كمية يفترض أنها كافية لتغذية المنطقة كلها (2540 ميغاواط)، لكنها لا تصل إلى أبناء المدينة في بيوتهم، بل يتم جرّها إلى خارج المحافظة في استنسابية مبرمجة تتحكم فيها مركزياً الحكومة في بغداد.  

هذا الأمر دفع بأبناء قضاء العزيزية والتي يبلغ عدد سكانها  150 ألف نسمة، إلى الخروج بتظاهرات كبيرة، نتجت عنها صدامات مع القوى الأمنية، خلفت عدداً كبيراً من الجرحى. يقول نور إنها “واحدة من أعنف التظاهرات التي شهدتها العزيزية ما بعد الحراك الاحتجاجي 2019”.

صيف 2021 أتى شديداً على غالبية العراقيين، ومنهم أبناء العزيزية التي احتشد فيها المئات من أبنائها مطالبين الحكومة بالالتزام بساعات تغذية التيار الكهربائي، وبألا يكون قطعه وتقنينه خاضعاً لاجتهادات شخصية. 

المتظاهر محمد المعاضيدي اشترك في هذه تظاهرة لأنها “جامعة لشرائح المدينة بالكامل كالتربويين والمحامين وبعض شيوخ العشائر والشباب”، وتجمع المحتجون أمام محطة كهرباء العزيزية مطالبين بتحسين ساعات تغذية الكهرباء، فضلاً عن تلويحهم بالتصعيد الاحتجاجي، وهي مطالب يصفها المعاضيدي بأنها “محاولات ضغط لا أكثر”.

متظاهرو العزيزية فوجئوا بحجم القوات الأمنية التي احتشدت ضدهم لتفريقهم، ما أجبرهم على اقتحام البوابة الرئيسية للمحطة، فيما شكل بعض الشباب طوقاً أمنياً كحائط صد أمام البوابة الثانية الداخلية لمنع رفاقهم من الدخول، ومحاولة امتصاص غضبهم لإعادتهم نحو البوابة الرئيسية، ولكن الأجهزة الأمنية لم تمهلهم لتبدأ قوات فض الشغب الحكومية هجومها، مستخدمة الهراوات والعصي الكهربائية، ما أوقع عشرات الجرحى.

هذا الأمر ولّد زخماً في تظاهرات اليوم التالي، إذ التحق المئات برفاقهم، وعلى رغم مطالبات النشطاء بالتهدئة، إلا أن القوات الحكومية لم تسمع لتلك الأصوات لتبدأ مرحلة المطاردة بين الاحياء والازقة، مستخدمة القنابل الدخانية الخانقة ليتعرض الأهالي في تلك الساعات لحالات هلع كبيرة فضلاً عن حالات اختناق، ولم تنسحب القوى الأمنية إلا في الثانية بعد منتصف الليل.

إقرأوا أيضاً:

في اليوم التالي، نظم المتظاهرون وقفة احتجاجية ثالثة، هذه المرة للتضامن مع أحد التربويين المخضرمين والرصينين ويدعى حسام حمزة، وهو رجل مسنّ تعرض لاعتداء وحشي من القوى الأمنية. انضم الى هذه الوقفة ما يزيد على 5000 متضامن ساروا بخطوات هادئة نحو مبنى قيادة الشرطة لتسجيل اعتراضهم وتسليمه مكتوباً، متضمناً “وضع حد لهذه التجاوزات والانتهاكات وتحسين الواقع الخدمي”، ليتوجهوا بعد ذلك نحو مقر القائمقامية وهي المركز الإداري للقضاء، وتخرج من بينهم مجموعة صغيرة موجودة داخل التظاهرة عمدت إلى إثارة الشغب بحسب قول محمد المعاضيدي، إذ حاولت التهجم على أحد مراكز الشرطة القريبة منهم، ومُنع المتظاهرون من التمادي. 

لكن كثيرين ممن شاركوا في التظاهرة الأخيرة كانوا غاضبين من تردّي الأحوال ومن منطق القمع الذي تنتهجه القوى الأمنية، فتوجهوا بعد المسيرة نحو محطة الكهرباء مجدداً، محاولين اقتحامها، واصطدموا بالقوى الأمنية، التي أطلقت النار وأصابت 4 شبان نُقلوا إلى المستشفيات. البعض من الشباب المتظاهر وجد أن الحال في مدينة العزيزية لن يتحسن من دون تصعيد، فتوجهوا نحو محطة الكهرباء لتنشب الصدامات من جديد مع منتسبي الشرطة بسبب محاولات الاقتحام، ما دفع بالقوات الأمنية إلى إطلاق النار وإصابة أربعة شباب ليتم نقلهم الى المستشفى، فيما اعتقلت القوى الأمنية العشرات، وضُرب آخرون بالعصي والهراوات إضافة إلى مطاردة من بقي في الأحياء والأزقة، لتنتهي التظاهرة في الخامسة فجراً، وتفرج السلطات الأمنية عن 18 متظاهراً اعتُقلوا خلال الأحداث. 

إثر ذلك، منحت حكومة محافظة واسط، قائمقام العزيزية إجازة مفتوحة وتم تكليف شخصية أخرى لإدارتها، لأنه “مرفوض من قبل المتظاهرين”، وتم سحب القوى الأمنية التي استنفرت في القضاء. 

الناشط المدني عليوي هنيدي من قضاء العزيزية يعزو سبب ما حصل من صدامات وجرحى إلى إهمال وزارة الكهرباء والتصريحات المتعاقبة بأن محافظة واسط يتم تجهيزها بـ21 ساعة من التيار الكهربائي، كما جاء على لسان الناطق الرسمي باسمها، وهذه التصريحات كانت سبباً في استفزاز المواطنين والمحتجين، فيما تشهد المدينة عدم انتظام القطع المبرمج خلال ساعات التغذية والتي من المقرر أن تكون ساعتَي تغذية في مقابل ساعة تقنين.

هنيدي يجد أيضاً أن عدم تحسن المنظومة الكهربائية يعود لأسباب خارجية أيضاً، ففيما تشهد حقول النفط في واسط حرقاً للغاز الطبيعي المصاحب للنفط المستخرج وقيام وزارة الكهرباء باستيراد الغاز من إيران، كان يفترض أن تقوم وزارة النفط منذ سنوات بإنشاء محطات استخراج وتكرير، تمكّنها من الاستفادة من الغاز الطبيعي بدل اهداره، إضافة إلى حجم الفساد المالي والإداري الذي تعاقب على هذا القطاع بشكل كبير، حتى بلغت المبالغ التي صرفت على قطاع الكهرباء في العراق 81 مليار دولار أميركي، ولكن بلا جدوى، فمعظم الأموال ذهبت هدراً بسبب الفساد.

تظاهرات العزيزية انتقلت الى مدن أخرى وفي مقدمتها مدينة الناصرية جنوب العراق، إذ توجه متظاهرو الناصرية نحو المحطة الكهربائية مقتحمين البوابة الخارجية مرددين شعارات منددة بالحكومة الحالية، ليغادروا بعد ذلك بساعات من دون أي صدامات مع الأجهزة الأمنية.

محطة الناصرية شهدت إطفاء كاملاً لمحطتها التوليدية، نتيجة تأثرها بمحطة توليد الرميلة والتي انطفأت لأسباب لم تعلن عنها الوزارة، ومع انطفاء عدد من الوحدات التوليدية في مدينة البصرة، عمّ الظلام في ثلاث محافظات رئيسية هي البصرة والناصرية وميسان. 

لم ينته الامر عند هذا الحد. فجر الجمعة دخل العراق في عتمة كاملة بعد انقطاع تام شمل المنظومة الكهربائية بالكامل نتيجة انفصال بعض خطوطها بحسب الناطق الرسمي باسم الوزارة. واظهرت مقاطع فيديو وصور المدن العراقية وهي غارقة في العتمة، فيما خرجت اصوات تتهم الحكومة بسوء ادارة هذا الملف، واخرى تحمّل ايران مسؤولية ما آلت اليه الامور. وفي الوقت ذاته انضمت ثلاث مدن عراقية لتكون من بين 15 مدينة في العالم هي الاعلى حرارة بحسب محطة “بلاسيرفيلي” الأميركية لقياس درجات حرارة المناخ، ما دفع الاهالي في مدن الناصرية والبصرة والعمارة للخروج في تظاهرات عند الساعات الاولى من صباح يوم الجمعة (2 تموز/ يوليو 2021) امام محطات الكهرباء ودوائرها محتجين على سوء تعامل الحكومة العراقية مع هذا الملف متخذين خطوات تصعيدية بحرق للاطارات وقطع الطرق الرئيسية الرابطة بين المدن.

إقرأوا أيضاً: