fbpx

لبنان: ميقاتي بوصفه “عصفاً ذهنياً” يكثف بؤسنا

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ميقاتي اليوم رئيس مكلف لتشكيل الحكومة، فيما التسمية ستكون غالباً محاكاة للانشطار بين الاسم كاسم مثقل بنفاق المعاني الوطنية، وبين تسييله في الممارسة التي لن تكون سوى اجترار لسوابقها التي وضعت اللبنانيين على أبواب جهنم.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في كانون الثاني/ يناير 2011، شكل نجيب ميقاتي حكومة “قولنا والعمل” بعد خمسة أشهر من إسقاط حكومة سعد الحريري، لكن الحكومة الميقاتية انتهت باستقالة رئيسها في آذار/ مارس 2013.

    منذ شهرين، وفي جلسة نقاش مع شخصية حزبية، جزمتُ بأن المرشح البديل لسعد الحريري في حال اعتذاره عن التكليف بتشكيل الحكومة لن يكون إلا أحد أسماء نادي رؤساء الحكومة السابقين، وجزمت أكثر بأنه سيكون نجيب ميقاتي، ويومها جزم المسؤول الحزبي بأن ميقاتي قد ذهب بعيداً في خصومته مع “حزب الله” وحليفه العوني تحديداً، وبالتالي صارت الرئاسة الثالثة حلماً ميقاتياً بعيداً، طالما أن الحكومات ومُكلَّفيها لا يمكن إلا أن يعبروا من باب “حزب الله”.

    منذ عام 2013 تاريخ استقالة حكومته، باشر ميقاتي جفاءً هائلاً مع “حزب الله” وحليفة العوني، وهذا صحيح، وبدا أن الاتكاء على الجفاء المذكور والمواقف السياسية التي ترفده، كفيلان شكلاً بمآل ما ذهب إليه المسؤول الحزبي، لكن المتن يشي بشيء آخر تماماً. فالذهاب إلى خصومة الحزب من غالبية السياسيين المحكومين بجموح السلطة، هو غالباً استدراج عروض من خصوم الحزب الذي تستهويه غالباً هذه المقايضات التي أسس لها تفاهم مار مخايل. وبما أن رئاسة الحكومة معقودة دستورياً للطائفة السنية، فإن الغلو في المواقف السياسية لشخصيات كميقاتي وفؤاد مخزومي ونهاد المشنوق، تستبطن عروضاً رئاسية في سياق يتقن الحزب تلقفه وتسويقه غالباً عبر حليفه الشيعي، وتكليف ميقاتي هو نموذج عن هذا السياق. 

تكليف ميقاتي هو عصف ذهني يضع اللبنانيين أمام معضلة تتكثف في بؤس حياتهم بتواتر ملموس.

   قبل تكليف ميقاتي في كانون الثاني 2011، كان الراحل عمر كرامي أقرب الشخصيات السنية، ومن موقع الحليف الموثوق، لتشكيل الحكومة، والرجل كان يتصرف على أن باب السراي سيفتح له من جديد، بعد استقالته الشهيرة التي أعقبت اغتيال الرئيس رفيق الحريري، إلى أن “نعاه” أمين عام “حزب الله” على ما تهكم حينها كرامي بعد سردية نصرالله عن وضعه الصحي الذي شكل المعبر الذي سلكه ميقاتي ذلك العام إلى الرئاسة الثالثة.

ميقاتي اليوم رئيس مكلف لتشكيل الحكومة، فيما التسمية ستكون غالباً محاكاة للانشطار بين الاسم كاسم مثقل بنفاق المعاني الوطنية، وبين تسييله في الممارسة التي لن تكون سوى اجترار لسوابقها التي وضعت اللبنانيين على أبواب جهنم.

    وتكليف ميقاتي هو عصف ذهني يضع اللبنانيين أمام معضلة تتكثف في بؤس حياتهم بتواتر ملموس. فميقاتي رجل أعمال “ناجح”، ورصد ثروته مؤشر كاف على هذا التلازم بين العمل والنجاح، وليس مهماً هنا ما يشوب هذا النجاح من روائح فساد، فهو نموذج عن غالبية الطبقة السياسية في إدارة مصالحها الخاصة وفي سطوها على مقدرات الدولة، إذا ما استثنينا سعد الحريري الذي تفتح سيرته الشخصية أبواباً كثيرة عن مآل وضعه المالي راهناً، كانعكاس لمآل بلد لم يكن جشع الحريري السلطوي سوى رتق للإفلاس الخاص بالمال العام.

المعضلة التي تعصف بنا إذاً، هي هذا التناقض الرهيب بين حسن إدارة المصالح الخاصة، وبين قبح إدارة الشأن العام، وهو عطب ناتج عن عقلية لا تني ترى الأخير مشاعاً تجارياً، طالما أنها محكومة بعقلية التاجر الذي يرى الوطن استثماراً يفضي إلى حقائب مالية. وإذا كانت السياسة بتشعباتها المحلية والإقليمية والدولية تفرض شراكات متعددة في آلية الحكم والقرار، فإن شراكات كهذه انتهت غالباً بجشع سلطوي جمعي، حيث شكل المال العام رافداً إضافياً هائلاً للثروات الشخصية، والذي سيكون بالضرورة على حساب المواطن اللبناني، وهو مآل يكتسب راهناً أقسى تجلياته في الهوة العميقة بين المتسلط والمتسلط عليه، وقطعاً دون القفز عن أن السياسة لا شك حاضرة في النجاح الذي يصيبه رجل الأعمال في بلد يستحيل فيه هذا القطع بينها وبين المال.

متن آخر يفتحه تكليف ميقاتي موضوعه التماهي العجيب لمكونات السلطة في ما بينها، وكي لا نقع من جديد ضحايا لها وهي تمارس انقساماً ظاهرياً، فإن تماهياً كالذي نقتفيه حالياً، هو بالضرورة سياق غير ظرفي، بل حتمية عندما يتعلق الأمر بمصيرها الذي خضع خلال العامين الأخيرين لاختبارٍ قاسٍ، يندرج تكليف ميقاتي اليوم كمثال فاقع عنه، وبنفاق معلن حيناً، ولا تواريه التقية السياسية حيناً آخر.

عام 2011 إذاً، اتخذت حكومة ميقاتي لنفسها اسم “قولنا والعمل” في محاكاة لعبارة من نشيدنا الوطني الذي يختصر بكلماته صورة متوهمة ومتورمة عن وطن لم يكن يوماً مرادفاً، وإن بتفاوت بيِّن، لواقع حاله الذي هيمنت على تاريخه الحديث حقبات ثلاث، مارونية وسنية وشيعية، وتدرج الانقلاب السياسي الطائفي على مساره الإجتماعي بين السيئ والأسوأ، فيما يُثري معنى تكليف ميقاتي راهناً النموذج الأكثر تعبيراً عن وهم الخصومة المبتذلة بين سلطويين لا ينفكون يثقلون حياتنا بتكاتف في السر والعلن، ويرفعون جداراً هائلاً بين القول والعمل.

إقرأوا أيضاً: