fbpx

سوريا: خطبة الرفاعي وزيف أولوية السياسي

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ليست خطبة الشيخ أسامة الرفاعي، التي ألقاها، في مدينة إعزاز الخارجة عن سيطرة النظام، وحذر فيها من خطر “المنظمات التي تنشر أفكاراً سيئة بين النساء منها تحرير المرأة والجندرة”، سوى استكمال لانحدار القيم، الذي بدأ في بداية الانتفاضة السورية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

إذ تم التركيز آنذاك على هدف إسقاط النظام، وسط لا مبالاة حيال قيم أخرى تتعلق بالمرأة والأقليات والمثليين، سرعان ما تطورت، إلى فصل بين الأمرين. وهو ما جعل قيمة الحرية مشروطة حصراً بتغيير سياسي يتعلق بطبيعة السلة، وليس ببناء علاقات جديدة، تسمح بمشاركة مجتمعية أوسع في الفضاء العام. 

والتنازل لمصلحة إسقاط النظام وإفقار قيمة الحرية، كانت له جذور، داخل جمهور الانتفاضة، يتصل بالبنى الاجتماعية التي تتراوح بين العائلة والعشيرة والأعراف والطائفة والدين، بحيث لم تكن هذه البنى، بريئة من أنماط سلوك وتفكير، حددت ميول الكثير من المتظاهرين ووجهتهم.

بمعنى آخر، بدت الانتفاضة، وكأنها بنى تقليدية صلبة تنتفض من أجل تغيير محصور بإسقاط النظام، من دون أي مساس بالتركيبات المجتمعية والذهنية السابقة.

 والاستثناءات القليلة، التي خرجت نسبياً من هذه الترسيمة، أي لجان التنسيق وعدد من النشطاء الديموقراطيين، سرعان ما فتك بهم قمع النظام. وهنا، اكتسب الرأي المنحاز لأولوية إسقاط النظام، على حساب تأجيل نقد البنى المنتفضة، مشروعية واسعة، بسبب هذا القمع ووحشيته. 

والانحياز لأولوية السياسي، على حساب المجتمعي والثقافي والديني، نتج عنه، إهمال علاقة الاستبداد بكل البنى التقليدية. فالنظام في سوريا، لطالما استفاد من هذه البنى في تثبيت حكمه، سواء لناحية استغلالها كعصبية لتكريس الحكم وحصره في نواة صلبة، أو عبر إقامة تسويات معها ومنحها نفوذاً لا يهدد أركانه. وبالنتيجة، بدت معركة الانتفاضة مع الاستبداد، ضمن شروطه، وفي ملعبه، ولم يتم العمل على فك الارتباط بين الاستبداد والبنى التقليدية، عبر إعادة النظر في تركيبة هذه البنى ومعالجة استعدادها لتقبل الاستبداد والتواطؤ معه.

قيمة الحرية مشروطة حصراً بتغيير سياسي يتعلق بطبيعة السلة، وليس ببناء علاقات جديدة، تسمح بمشاركة مجتمعية أوسع في الفضاء العام.

بدهي أن الانتفاضة لا تملك قدرة سحرية على تغيير المجتمع وتفتيت البنى التقليدية لمصلحة أخرى حديثة، في سنة أو سنتين، هذه عملية مركبة تتطلب ظروفاً غير تلك التي عاشتها سوريا، لا سيما القمع الوحشي. لكن الاكتفاء بالسياسي، ضمن مجتمع الثورة، أي بإسقاط النظام، يوحي برضى حيال البنى التقليدية، لا بل دفاع عنها على قاعدة “الخصوصية” و”ثقافة الأغلبية”، و”القيم الدينية”. أي أن المعركة ضد النظام، لا تجري على قاعدة تحييد المجتمع فقط، وإنما على قاعدة تنزيهه عن أي نقد.

وسرعان ما تحول التنزيه إلى احتفاء، فصارت البنى المطلوب نقدها وتغيير تركيبتها، أساس التغيير، فالطائفة أداة تعبئة، والعائلة والعشيرة باتتا أداتين للتلاحم والترابط، والذكورة أداة صمود ومواجهة. وهكذا ساهم، انعدام الحساسية النقدية حيال المجتمع، والعنف الوحشي الذي يمارسه النظام، بإفقار معنى الانتفاضة، ورد مطلب الحرية إلى حدوده الدنيا. 

التحولات من السكوت عن بنى المجتمع، فتنزيهها، والاحتفاء بها كأدوات للتغيير، شملت الدين، بطبيعة الحال، لكن الأخير ليس كبقية البنى بل هو أشد صلابة، فالمقدس يحضر في تركيبته، لا بل يشكل الجزء الحاسم فيها، عدا أن كونه، أي الدين، بات يشكل العنصر الأول في هوية المنتفضين، انطلاقاً من موقع النظام المضاد، والمصنف أقلوياً. 

 لكن، هل كلام الرفاعي، يتموضع في إدراج الدين، ضمن بنى الانتفاضة الساكنة؟ أم ينتمي إلى مستوى آخر مرتبط بتحولات الانتفاضة السورية، وما آلت إليه؟ فعلياً، يمكن ربط خطبة الرفاعي، بالأمرين معاً.

فالشيخ، الذي انحاز إلى المتظاهرين في وقت مبكر، ودفع ثمن موقفه بهجوم مناصرين للنظام على المسجد الذي يخطب فيه في دمشق، ما عرضه للضرب والإهانة، تحدث هذه المرة من مدينة إعزاز في ريف حلب، حيث تسيطر جماعات من المعارضة السورية المسلحة. بمعنى أن الدين كبنية تقليدية قائمة على المقدس، ساهم في السابق في منح المنتفضين أداة مواجهة، وتعريفاً لذواتهم مقابل النظام، لكنه يعمل اليوم، وفق ما تشير إليه خطبة الرفاعي، في ظل مناطق “محررة”، من النظام، أي بشكل مجرد من أي بعد سياسي يتعلق بالمعركة مع النظام، الذي يفترض أن منطقة إعزاز تحررت منه، والاكتفاء بالاجتماعي والثقافي، حيث الخوف “من الدوائر الاستعمارية الغربية ودوائر الكفر والضلال”، ومن “الجيوش التي تم إدخالها إلى سوريا بغرض التلاعب بعقول الشباب والبنات ودفعهم للانحراف عن القيم والأخلاق والدين”. والخطر الأكبر من ترويج مقولات مثل “حرية المرأة، وأنها مستعبدة من قبل الرجل (سواء أكان زوجاً أم أباً أم أخاً) ويطالبونها بأن تطالب بحقوقها وحريتها كفرد من المجتمع متساو مع الرجل”.

 الأرجح أن خطبة الرفاعي، كشفت زيف أولوية السياسي (التركيز على إسقاط النظام)، وتأجيل نقد البنى التقليدية أو رفضها، إذ إن هذه البنى، على، ما دل كلام الشيخ، إذا لم يتم تطويرها لاستيعاب قيم حديثة لا سيما الحرية، خلال المعركة على الاستبداد، سيكون الأخير بالنسبة إليها عدواً وظيفياً وليس موضوعياً، بمعنى عدو يمدها بالقوة والنفوذ والمشروعية، وليس كعدو وجب التخلص منه.

والدليل تركيز الشيخ الرفاعي، عند أول فرصة تحدث فيها من منطقة لا يسيطر عليها النظام، على “إصلاح” النساء والتحريض على المنظمات التي تحاول دعمهن.

إقرأوا أيضاً: