fbpx

العلم المصري يرفرف على الأنقاض

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
عمر حاذق

منذ أيام قرر محافظ الإسكندرية إيقاف هذه “المهزلة”، فهدم العقارات التي اشتراها مواطنون بـ “تحويشة عمرهم”! لم يُتخذ أي إجراء حقيقي لحل المشكلة. لم يُحاسب مقاول بناء واحد، لم يتم تفعيل أي رقابة على مواد البناء ولا منح التراخيص أو تنظيمها. وترك المواطنون مصدومون جراء خسارتهم أموالهم. لكن وبعد هدم تلك العقارات، هل سيتضرر المقاولون الذين قبضوا أثمانها، أم سيتضرر مواطنون عاديون كل ذنبهم أنهم عاجزون عن التنبؤ بنوايا المسؤولين الجدد؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يا لها من صورة!
أعني الصورة التي يظهر فيها العلم المصري على ظهر العامل البائس، الذي يهدم بهمة واضحة شقة فاخرة في حي راق بالإسكندرية. العامل على الأرجح، يعمل باليومية مع المقاول الذي سلّمته محافظة الإسكندرية قراراً بهدم بعض الشقق السكنية. اللقطة لافتة حقا لأنها معبرة بصدق عن جنون المرحلة.
الأرجح أن الذي صوّرها تابع لقوة التنفيذ، حيث يتم إبعاد المواطنين عن الموقع. في صور أخرى يظهر أحد مسؤولي التنفيذ يتحدث في ميكروفون أحد البرامج. ليس واضحاً إن كان العلم ملفقاً في الصورة، ومنسوجاً ضمن كنزة العامل أم تمّ لصقه عليه.
ذكّرني هذا العلم بعلم آخر أفضل حظاً؛ ارتدته الراقصة صافيناز في حفلة، فنهضت مالكة فندق وأقامت دعوى ضدها متهمة إياها بإهانة العلم المصري، استناداً إلى قانون أصدره الرئيس السابق عدلي منصور، يجرم إهانة العلم المصري، أو رفض الوقوف أثناء عزف النشيد المصري. نتج عن القانون الذي اشعل وسائل التواصل الاجتماعي المصرية بالسخرية، حبس صافيناز لستة أشهر، وهو حكم ألغته محكمة الاستئناف التي ضاعفت غرامتها إلى 30 ألف جنيه مصري.أما العلم البائس على ظهر العامل فلم يلتفت إليه أحد، مع أنه أوضح دلالة على حال البلد؛ عامل بائس يهدم بحماس حائطاً كلّف تزيينه آلاف الجنيهات، انتهي إلى كومة من الأنقاض أمام الحوائط المُذهبة والمثقوبة في آن معاً.
منذ سنوات طويلة تعاني مصر من فساد هائل في مجال التخطيط العمراني، وهو فساد دفع ثمنه مصريون كثر أرواحهم جراء تهدم المنازل ذات البناء المخالف للأصول فوق رؤوسهم. ذهبت مليارات الجنيهات إلى مشروعات مثل “توشكى” وتفريعة قناة السويس والعاصمة الإدارية..
لكن أين ملامح التخطيط العمراني للمدن المصرية الكبرى؟ ما الحل الذي تقدمه العاصمة الإدارية الجديدة لملايين المواطنين المكدسين في القاهرة مثلا؟

تبقى الحكاية هي نفسها تتكرر منذ عقود، يبحث مواطنون من محدودي الدخل عن شقق للسكن، فيطمع المقاولون في بناء أدوار كثيرة مخالفة. لا يوقفهم أحد، مع أن القانون موجود والحي موجود والمحافظة موجودة. إذا أرادت السلطات المختصة إيقاف البناء المخالف فهي لن تعجز عن على ملاحقة المقاولين قضائيا، ولن تعجز عن إيقاف البناء المخالف قبل اكتماله.
الاستهتار العام بمصير أرواح السكان من خلال تجارة العقارات غير الصالحة للسكن والسيئة البناء له أسباب مختلفة، منها الارتفاعات التي لا تتحملها أساسات العقارات، ومنها الغش في استخدام مواد بناء غير صالحة، أو غير كافية، وهو ما صرحت به جهات رسمية مثل الشعبة العامة لمواد البناء أو قطاع الإسكان بوزارة الإسكان. كذلك تحدثت  تقارير مختلفة عن أسباب انهيار العقارات، كما حدث في كارثة انهيار وتصدع الآلاف من منازل محافظة دمياط في فترات متقاربة، ومنها فساد الادارات المحلية وفق تقرير الهيئة العامة لتعاونيات البناء والإسكان.
منذ أيام قرر محافظ الإسكندرية إيقاف هذه “المهزلة”، فهدم العقارات التي اشتراها مواطنون بـ “تحويشة عمرهم”! لم يُتخذ أي إجراء حقيقي لحل المشكلة. لم يُحاسب مقاول بناء واحد، لم يتم تفعيل أي رقابة على مواد البناء ولا منح التراخيص أو تنظيمها. وترك المواطنون مصدومون جراء خسارتهم أموالهم. لكن وبعد هدم تلك العقارات، هل سيتضرر المقاولون الذين قبضوا أثمانها، أم سيتضرر مواطنون عاديون كل ذنبهم أنهم عاجزون عن التنبؤ بنوايا المسؤولين الجدد؟
الأرجح أنه بعد شهر أو أكثر سيعود المقاولون إلى جميع مخالفات البناء، مطمئنين إلى أن المسؤولين القادمين سيهدمون العقارات التي اشتراها مواطنون لا يجدون مسكناً.
أين خطط التوسع العمراني؟ أين المدن الجديدة (التي كان يمكن بناؤها وتأسيس خدماتها الأساسية بمليارات العاصمة الإدارية الجديدة؟) هل سيختار المواطن العادي شراء أو تأجير شقة باهظة في مدينته المتكدسة أم سيختار شقة أوسع وأرخص في مدينة جديدة مجاورة؛ مدينة شابة ذات خدمات طازجة وبنية أساسية حديثة، أقل ازدحاما وأكثر نظافة؟
في الفترة الأخيرة، وقبل قرارات محافظ الإسكندرية، أرسلت الحكومة إلى مجلس النواب قانون التصالح في مخالفات البناء، وبدأ المجلس في مناقشته، حيث يقترح هذا القانون تشكيل لجان هندسية ومعمارية لفحص العقارات المخالفة وتوقيع مخالفات على ساكنيها، على أن يتم التصالح معهم حال دفع الغرامة.
ومع أن هذا القانون، الذي يُناقشه المجلس هذه الأيام، يعتبر استمراراً لسياسة النظام المصري الضاغطة اقتصاديا واجتماعياً والمعتمدة على تعويم غير مدروس للجنيه، ورفع للدعم عن سلع أساسية، وفرض غرامات ورسوم عبثية غير واضحة ولا محددة. ومع أن هذا القانون يحمّل المواطن تقصير السلطة التنفيذية في تطبيق القانون على مقاولي البناء، لكنها تبقى مندرجة ضمن سياق يبقى على عسفه مفهوماً على عكس قرارات محافظ الاسكندرية بهدم بعض الشقق المسكونة، كما يظهر في بعض الصور المنشورة على الـ “فيسبوك”، حتى تظاهر أهالي منطقة العجمي والبيطاش أمام مقر الحي هناك مطالبين بتنفيذ الإزالة في العقارات المبنية حديثاً قبل بيعها للمواطنين حتى يتحمل المقاول خطأه. كم يبدو طلباً بديهياً!
حالياً تعيش شريحة واسعة من سكان مدينة الإسكندرية قلقاً شديداً لأن الملايين منهم يسكنون في عقارات مخالفة منذ عشرات السنين، دون أن يفهموا لماذا تقدم الحكومة مشروع قانون للبرلمان هدفه التصالح معهم بعد دفع غرامات، بينما يجتهد المحافظ (الذي وظّفته الحكومة!) في هدم العقارات ذاتها التي سيتصالحون مع الحكومة عليها؟
ربما يتضح السبب إذا انتبهنا الى خبر صغير نشرته صفحة “الإسكندرية الآن” بين أخبار الإزالة وصور الأنقاض؛ يقول الخبر إن جزءاً من كوبري الدخيلة بالإسكندرية سقط صباح اليوم!

[video_player link=””][/video_player]