fbpx

في خلفيات البرج الشمالي… أحلام فرج وقبضة السنوار وأزمة دحلان

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا يمكن فصل ما حصل داخل مخيم البرج الشمالي عن سياق التحديات الفلسطينية وتحديداً منذ الحديث عن تحييد أبوظبي لمحمد دحلان عن الساحة الفلسطينية والإقليمية كقربان للعلاقة مع الأتراك والقطريين.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لا يمكن فصل سياق الأحداث التي شهدها مخيم البرج الشمالي في صور، جنوب لبنان (انفجار بقيت أسبابه غامضة وتوتر أمني إثر تشييع  العنصر الأمني في حركة “حماس” حمزة شاهين، الذي قضى في الانفجار) عن تطورات المنطقة وتحديداً المتعلقة بمسارات القضية الفلسطينية منذ معركة سيف القدس التي خاضتها “حركة حماس” في رمضان المنصرم مع إسرائيل بظروف مساعدة وواقع متغير لا يمكن إلا الوقوف ملياً عنده.

وفي المشهد الإقليمي الكبير، لا تعتبر “حماس” حركة ذات تأثير فلسطيني فحسب، بل إنها نقطة تلاقٍ عجيب لمجموعة من القوى الإقليمية المتصارعة في الشرق الأوسط، على رغم أزماتها الداخلية وما أفرزته من تقاسم للسلطة بين جناحي يحيى السنوار وخالد مشعل في الانتخابات الأخيرة التي شهدتها الشتاء الماضي.

 و”حماس” جماعة سياسية ذات انتماء مباشر للتنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين وهي المؤثر الأساسي في قرارات الجماعة العالمية وشريك في صناعة قيادات إخوانية في الكثير من دول المنطقة (لبنان والعراق والأردن)، إضافة إلى أن “حماس” حليف فعلي لإيران وحرسها الثوري ودرة تاج النظام الإيراني أي “حزب الله”، كما تتمتع الحركة بعلاقات متقدمة مع القيادتين التركية والقطرية ولديها تواصلها المستمر مع موسكو عبر ميخائيل بوغدانوف وسيرغي لافروف (إذا احتاج الأمر) وعليه لا يمكن التعامل مع “حماس” إلا من بوابة تأثيرها في النزاع الإقليمي الدائر في الإقليم.

حضور “حماس” لبنانياً… الحزب أولاً وأخيراً

على مدى العشرين عاماً المنصرمة استطاعت جماعات الإخوان على امتداد المنطقة تسويق فكرة باتت مدخلاً لأي حوار حول علاقة “حماس” السنية مع إيران الشيعية، وهذه الفكرة تعتبر أحد نجاحات الإخوان القليلة منذ 90 عاماً، وهي “أن حماس المقاومة في فلسطين معذورة في كل ما تفعله لاستجلاب دعم لقضيتها المحقة”، وهذا الخطاب استطاعت الماكينة الإعلامية المتواضعة لحماس والإخوان تسويقه حتى داخل دول الخليج العربي والتي كانت مصدراً كبيراً لحركة حماس في التبرعات المالية.

لبنانياً فتحت “حماس” مكاتبها في بيروت منتصف التسعينات من القرن الماضي برعاية “حزب الله” ونظام الأسد في سوريا ونشطت بشكل كبير داخل المخيمات الفلسطينية وخارجها، وباتت الحركة محظية أكثر من الجماعة الإسلامية لدى المجموعة الممسكة بالبلاد حينها، أي الحزب شعبياً وغازي كنعان ورستم غزالة رسمياً وهذه الحظوة استفادت منها “حماس” لتكون بيروت مساحة مفتوحة للنشاط السياسي والمالي والإعلامي (قناة القدس كان مقرها الضاحية الجنوبية لبيروت) وباتت الحركة ممراً لأي نشاط داعم للقضية الفلسطينية بعد انكفاء حركة “فتح” عن النضال المسلح وانخراطها في الحلول السياسية المباشرة مع إسرائيل.

بالتوازي لا يمكن فصل ما أحدثته الثورة السورية على العلاقة بين “حماس” وحلفائها في محور الممانعة، استمال الربيع العربي والذي تصدرته جماعات إخوانية في مصر وسوريا وتونس، قيادة “حماس” بزعامة خالد مشعل والذي بات يعتبر الوجه المزعج لإيران و”حزب الله” ونظام الأسد، لم يتردد مشعل للحظة واحدة في رفع صوته حول ما يحدث سوريا وقال عبارته المشهورة “من يدعمنا في الحق لا ندعمه في الباطل”، هذه العبارة كانت كافية لوقف الدعم الإيراني عن جناح حماس السياسي وخروج مشعل ومكتبه السياسي من دمشق إلى الدوحة.

كان الربيع العربي شتاءً ساخناً على “حماس” وملتهباً في بعض ثناياه، عندما أخرج الجيش المصري الإخوان المسلمين من المشهد صيف عام 2013 كانت أولى نكسات “حماس”، رفعت القاهرة في ظل حكم السيسي لافتة العداء للحركة، وكان إعلام النظام في القاهرة يفتح الهواء لاتهام “حماس” بالمسؤولية عن جرائم سيناء، لا بل إن أحد أبرز الاتهامات التي وجهت لمرسي وقيادات الإخوان كانت “التخابر مع حماس” كتهمة رئيسية وضعت إلى جانب اتهامات بالخيانة، فيما تحول إعلام بشار الأسد منصة شتائم لمشعل وأبو مرزوق واتهامات بالغدر والخيانة.

كل هذا المسار دفع جناحاً ناشئاً في الحركة لإعادة رفع صوته لضرورة إعادة وصل ما انقطع مع إيران ومحورها كبوابة رئيسية للتواصل مع كل الأطراف الأخرى، بخاصة أن إيران حينها كانت توقع اتفاقها مع الدول الكبرى وتتمدد في سوريا واليمن والعراق وشدّت بقبضتها على لبنان، هذا الجناح والذي عقد اجتماعات سرية كان يخطط للإطاحة بمشعل وفريقه داخل الجماعة الفلسطينية وهذا ما حدث، إذ أطاح يحيى السنوار بمشعل وأتى بإسماعيل هنية واجهة للحركة في سيطرة حديدة للجناح الأمني داخل التنظيم الإسلامي الأبرز.

هذه الإطاحة كانت وفقاً للمعلومات أبرز مطالب طهران والضاحية الجنوبية لإعادة وضع الحركة على قوائم الدعم المالي والسياسي، فيما تولى صالح العاروري فتح قنوات قطعت مع حزب الله استهلت بلقاءه مع أمين عام الحزب حسن نصرالله وحرص الحزب على تسريب تلك الصورة للقول أن حماس عادت إلى بيت الطاعة وأن الحزب اولاً وأخيراً.

حضور في المخيمات… قبضة السنوار الخارجية

أسر السنوار عام 2019 لبعض من مجالسيه في غزة أن واقع المخيمات الفلسطينية في لبنان يقلقه نتيجة تقارير ترفع لزعيم غزة الجديد عن تطور حضور القيادي الفتحاوي السابق محمد دحلان في المخيمات على صعيدين الاجتماعي، والتنموي والمشاريع التي تنفذها الجمعية التي تديرها زوجة دحلان (وليد جنبلاط طالب بمنعها من الدخول إلى المخيمات عام 2017).

وفيما نمي إلى السنوار عبر قيادات “حماس” في بيروت بتأسيس دحلان مجموعات مسلحة في عين الحلوة والبداوي، فإن حضور “حماس” داخل المخيمات قائم على الوجهة السياسية والاجتماعية ومشاريع دعم الطلاب فيما حضورها الأمني والعسكري يقتصر على عناصر حماية الشخصيات وبعض المقرات وعناصر الأمن في النشاطات الأخرى.

لذا فإن قراراً اتخذ داخل “حماس” بتوسيع النشاط العسكري والأمني في مخيمات لبنان وهذا القرار ترجمته “حماس” بتشكيل فصيل مسلح ومدرب ظهر بعض من حضوره المباشر خلال استقبال اسماعيل هنية في مخيم عين الحلوة، محاطاً بقوات مسلحة وبلباس موحد وببنادق متطورة والمبرر لتشكيل هذا الفصيل هو تأمين خط دفاع سريع إذا ما حصلت أحداث طارئة أو عمليات اغتيال لقادة ومسؤولين وكوادر مهمين داخل “حماس”.

كان الربيع العربي شتاءً ساخناً على “حماس” وملتهباً في بعض ثناياه.

تتحدث إسرائيل عن اتخاذ قرار إنشاء وحدة “حماس” في لبنان بعد الحرب في غزة ، “حين وجد قادة حماس أنفسهم معزولين في القتال ضد إسرائيل”. ويرى مركز القدس للشؤون العامة الإسرائيلي بأن على إسرائيل فضح النشاط العسكري السري لحماس في لبنان، وتحميل الحكومة اللبنانية المسؤولية عن أي عمل عدائي ضد إسرائيل. منوهاً بأن إنشاء جناح عسكري جديد لحركة “حماس” في لبنان استعداداً لعملياتها ضد إسرائيل يرمز إلى تقوية الحركة التي أصبحت، بسبب قدراتها العسكرية، قوة إقليمية مهمة يمكن أن تزعزع استقرار دول عربية.

ويختم المركز بدعوة إسرائيل كي تدمر قدرات حماس العسكرية في قطاع غزة، في حين تتحول الحركة بسرعة إلى “وحش عسكري” يهدد إسرائيل ليس من غزة وحسب، ولكن أيضاً من لبنان. وبذلك يقترح المركز تحييد قادة الجناح العسكري للتنظيم الذين يقودون هذا التوجه الخطير وعلى رأسهم صالح العاروري.

في مواجهة دحلان ومصالحته

كانت “حماس” تخوض منذ عام 2007 حرباً ضروساً في مواجهة محمد دحلان والذي تولى لسنوات طويلة جهاز الأمن الوقائي في سلطة رام الله وقطاع غزة حيث اتهمته “حماس” بالمسؤولية عن تصفية قيادات سياسية وعسكرية في قطاع غزة خلال عامي 2006-2007 وهذا الصراع استمر بأوجه مختلفة حتى بعد تولي الرجل مسؤوليته إلى جانب ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد كمستشار خاص، ودحلان هو الحاضر في ملفات إقليمية معقدة منذ الربيع العربي، حيث لم يستحِ الرجل من إعلان دوره في إجهاض وصول الإخوان المسلمين للسلطة في العالم العربي، كما وصلت الأمور إلى أن تتهمه أنقرة بالمشاركة في التخطيط للإنقلاب الفاشل عام 2016 ووضعت جائزة لمن يزودها بمعلومات عنه.

وهذا المسار كان لا بد من ان ينعكس على العلاقة بين حماس ودحلان، وثمة من وشى لحماس بضرورة الاستفادة من صراع دحلان مع أبو مازن والدخول على هذا الخط الشائك للاستفادة من صراع الأجنحة والسير بين حقل ألغامه، ولقاء خالد مشعل مع محمود عباس عام 2016 تطرق بشكل مستفيض لأداء دحلان وأدواره وسبل مواجهته وفريقه الممول إماراتياً.

 لكن كل شيء انتهى بلحظة تلاقي جمعت رفيقي الزنزانة أي يحيى السنوار ومحمد دحلان في القاهرة، استعاد الرجلان لحظات السجن المشترك عند إسرائيل واتفقا على إدارة الخلاف بينهما. السنوار يقول إن عهداً جديداً في “حماس” يفتتح معه وكذلك دحلان يؤكد لرفيق سجنه إنه جاهز لفك عزلة غزة وجلب مساعدات إنسانية وطبية للقطاع بدعم أبوظبي. في لقائهما سعى دحلان للقول إن محمد بن زايد ليس خصماً ولا شيطاناً كما يصوره أعضاء التنظيم الدولي للإخوان، بل إن الرجل يتمتع بمرونة عالية وجاهز للنقاش وليس مغلقاً، وهذا التعاون الذي بدأه دحلان مع السنوار عبر عنه في إطلالته الإعلامية مشيداً بوطنية السنوار وأخلاقياته.

وقبيل هذه التصريحات الصادمة، أقام السنوار من باب رد المجاملة عبر تقنية الفيديو كونفرنس لقاءً مباشر بين أعضاء “حماس” في غزة وبين دحلان استمر لأكثر من ساعة، ما أغضب الأتراك والقطريين (عبروا لمشعل حينها عن سخطهم) فيما يرتكز زعيم “حماس” في غزة على أمرين، قدرته في جمع التناقضات: الإخوان ودحلان- قطر وإيران- تركيا ومصر، فيما الأمر الثاني هو القبضة الحديدية على أمن “حماس” ومن ثم على قرارها السياسي.

ثمة من يؤكد أن دحلان خرق جدار الخصومة الإماراتية مع “حماس”، وأجرى ترتيبات لمجموعة لقاءات بين ضبط في الأمن الوطني الإماراتي وبين قيادات “حماس” في القاهرة بخاصة أن السعوديين تواصلوا خلال حرب غزة مع خالد مشعل برعاية دولة عربية أخرى.

أحداث البرج الشمالي… يدا ماجد فرج وطموحاته

لا يمكن فصل ما حصل داخل مخيم البرج الشمالي عن سياق التحديات الفلسطينية وتحديداً منذ الحديث عن تحييد أبوظبي لمحمد دحلان عن الساحة الفلسطينية والإقليمية كقربان للعلاقة مع الأتراك والقطريين، وعليه ما حدث في مخيم البرج وبعيداً مما حدث (انفجار مخزن أوكسجين أو مخزن سلاح لحماس) لكن ملف المخيمات الفلسطينية عاد ليستخدم ضمن إطارات سياسية سبقته إعلان وزير العمل في لبنان (ينتمي لحزب الله) سلة إجراءات تسمح للفلسطينيين بالعمل في مجالات مختلفة، ما استفز اليمين اللبناني وبقايا فريق 14 آذار، وعادت خطابات تعود إلى مرحلة الصراع اليميني مع الفلسطينيين وقوى اليسار اللبناني.

بالمقابل فإن ما شهدته جنازة حمزة شاهين (أحد كوادر حماس ويقيم في إسطنبول وكان في زيارة للبنان) كان بداية لمرحلة جديدة في الصراع بين “فتح” و”حماس”، هناك من يتهم ماجد فرج بالمسؤولية عن الأزمة كإحدى أوراق الاعتماد التي يقوم بها، بخاصة أن الرجل بات يسوق لنفسه خليفة لعباس في رام الله والاشتباك مع “حماس” في أرض يقودها “حزب الله” ليس أمراً يمكن المرور عليه من دون تمعن، وهو أراد توجيه رسائل في كل الاتجاهات منها للأميركيين الذين يفاوضون طهران في فيينا والثانية للداخل الفلسطيني، بأنه “الرجل الحديدي” .

 وفرج وفقاً لمعلومات زار الرياض وأبوظبي، وسعى للقول أمام المسؤولين في السعودية والإمارات أنه يصلح بديلاً لرئاسة السلطة بعد وفاة عباس، بدلاً من محمد دحلان، وأن يمكنه السير في القضايا السياسية المتعلّقة بالقضية الفلسطينية بشكل أفضل من دحلان، في ظلّ سيطرته الأمنية على مراكز السلطة في الضفة الغربية المحتلّة، بينما لا يستطيع دحلان فعل ذلك. ويروّج لكونه الطرف الفلسطيني الأقوى الذي يحظى بالدعم الأميركي لخلافة عباس، فيما لا يجد اعتراضاً عليه من قِبَل إسرائيل نظراً إلى مواقفه السياسية المتعلّقة بالتنسيق الأمني ومواجهة حماس. 

ويقول فرج إن لديه معطيات دقيقة حول الأزمة بين الإماراتيين ودحلان خلال الفترة الماضية، نتيجة فشل الأخير في تحقيق اختراقات على مستوى تعزيز مكانته داخل “فتح”، وتضاؤل فرصه في خلافة عباس بعد تعزيز ماجد فرح وحسين الشيخ وجبريل الرجوب سيطرتهم على مناطق السلطة، ومحاربتهم أيّ تحرك لدحلان فيها، إضافة إلى تقارير عن اختراقات أمنية نفّذها جهاز المخابرات العامة داخل تيّار دحلان.

إقرأوا أيضاً: