fbpx

تحديات الثورة المضادة… بين تونس والسودان

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

عدم تطوير “الإسلام السياسي” في مصر عقب الثورات العربية نظرة جديدة للحكم، واستسهال العنف، وعدم طمأنة قطاعات واسعة من المجتمع. كل ذلك، جعله خصماً مناسباً، تستثمر فيه “الثورة المضادة”، لتوسع القمع.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

برغم تشابه أحوالهما لناحية تقدم “الثورات المضادة”، لكن فروقاً كثيرة يمكن رصدها بين حالتي، السودان وتونس. تصدر الجيش وميليشيات “الدعم السريع”  للمشهد في الأول، يوازيه، دعم الجيش من خلف الستار لرئيس شعبوي يسعى إلى بناء نظام سلطوي في الثاني، كما أن موقع الإسلاميين، يختلف بين البلدين، الثورة في السودان قامت ضدهم، وتم استبعادهم من المشهد السياسي، من دون أن يؤثر ذلك في بعض نفوذهم، لا سيما داخل المؤسسة العسكرية. أما في تونس، فقد كان الإسلاميون، من ضحايا النظام الذي انتفض الشعب ضده، وانخرطوا في توافقات سياسية، بعد إسقاط الاستبداد، ومحاولة بناء نظام جديد، بحيث أخطأوا كما أخطأت بقية الأحزاب لكن لم يكونوا الخطأ الأساس.

اختلاف موقع الإسلاميين بين البلدين، يحرج قوى “الثورة المضادة”، لا سيما في السودان، لكنه يدفعها للمحاولة في تونس، بهدف تكرار سيناريوات قوامها ثنائية العسكر والإسلاميين، لإجهاض الثورة وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه، إذ نشهد حالياً، استفزاز حركة “النهضة الإسلامية”، عبر اعتقال نائب رئيسها، ودفعها إلى ردود فعل، تستخدم لاحقاً، كرافعة لإنتاج ثنائية، عسكر يدعمون رئيساً شعبوياً أو إسلاميين. “حركة النهضة”، ليست “إخوان مصر”، الذين تفردوا بالحكم عبر رئيس محدود القدرات. أخطاؤها في الحكم، خلال السنوات العشر الماضية هي جزء من أخطاء الطبقة السياسية التي حكمت بشكل توافقي. ما يعني أن مهمة “الثورات المضادة”، لن تكون سهلة كما حدث في مصر، حيث سهل الإسلاميون، بأدائهم السيئ واستعدادهم للعنف، تحقيق سيناريو تفرد الجيش بالحكم وصولاً إلى سلطوية عبد الفتاح السيسي.  

 في الواقع، ثنائية عسكر- إسلاميين، ليس غرضها استئصال الإسلام السياسي، تلك إحدى النتائج، الغرض، إسكات الشارع، وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الثورات، بدليل أن سجون مصر لا تضم حاليا الإخوان فقط بل، وكذلك معارضيهم، والحياة السياسية كلها معطلة وليس فقط مشاركة الإسلاميين فيها، وعلى رغم اختلاف السياقات والزمن، يمكننا في هذا الإطار استذكار معركة نظام الأسد الأب مع الإسلاميين، في الثمانينات، إذ نتج عنها إسكات كل الأحزاب بما فيها اليسارية والقومية القريبة إيديولوجياً، من النظام نفسه.

عدم تطوير “الإسلام السياسي” في مصر عقب الثورات العربية نظرة جديدة للحكم، واستسهال العنف، وعدم طمأنة قطاعات واسعة من المجتمع، فضلاً عن الافتقار لسياسات اقتصادية لتحسين أوضاع الناس المعيشية، كل ذلك، جعله خصماً مناسباً، تستثمر فيه “الثورة المضادة”، لتوسع القمع، فيطاول المجتمع. 

المفارقة أن الإسلام السياسي هنا، هو ضحية الثورات المضادة وجزء منها في الآن نفسه، الإخوان في مصر تنافسوا مع العسكر على السلطة، صحيح أن الجيش، كان يتحايل على عمل المؤسسات ويعطلها عبر إعلانات دستورية، لكن الإسلاميين كذلك أرادوا ابتلاع هذه المؤسسات وتسخيرها لصالحهم بإعلانات مضادة.

عدم التشابه في التجارب بين إسلاميي تونس وإسلاميي مصر، يعرقل عمل الثورة المضادة، أو أقله يبطئه قليلاً، فشعبوية الرئيس قيس سعيد، تجعله يوسع “عدوه” ولا يحصره بالإسلاميين، إذ لا يفوت فرصة في خطاباته الإنشائية، إلا ويستغلها لانتقاد الطبقة السياسية، على رغم أن أجهزته تستهدف “النهضة” بشكل مباشر لا سيما عبر اعتقال نائب راشد الغنوشي. الرئيس يحتاج عبر استخدام الشعبوية لاستغلال النقمة الشعبية على الأحزاب السياسية، والمرحلة الانتقالية، لجذب جمهور من حوله، في حين أن “كاتالوغ” الثورة المضادة، يقضي بالتركيز على الإسلاميين، وجرهم إلى العنف، بحيث يكتمل السيناريو المفضل والثنائية المكرورة. هذه الإشكالية ليست بسيطة بالنسبة إلى القوى الحاكمة بشكل غير شرعي في تونس حالياً، جذب الناقمين على السياسيين، والتركيز في الوقت ذاته على أبلسة إسلام سياسي لا تنطبق عليه أصلاً، مواصفات “إخوان” مصر، حيث الهدف هناك سهل جداً. وفي الوقت نفسه، حرب سعيّد على الأحزاب، خلق رد فعل حزبية ضده وضد انقلابه، ما زاد من صعوبة حصر المشكلة بـ”النهضة”، تمهيداً لاستئصالها، حيث باتت الحركة جزء من معارضة، وليس المعارضة وحدها. 

انتفاء عنصر الإسلاميين، في السودان، حرم الثورة المضادة، من إنهاء حراك الشارع عبر رافعة استئصال الإسلاميين، لكن، استراتيجيات أخرى جرى اتباعها، بينها استغلال نقمة الشارع على السياسيين الذين مثلوه في العملية الانتقالية، لفصل الطرفين عن بعضهما. حين أبعد انقلاب عبد الفتاح البرهان، قوى “الحرية والتغيير” من الشراكة في الانتقال السياسي، لم تكن هذه القوى تحظى بالدعم الذي حظيت به عقب الثورة، صراعات مكونات هذا التحالف وضعف أدائه وتسوياته مع العسكر، خلقت نقمة عليه في الشارع. 

فصل الشارع عن “الحرية والتغيير” كان هدفه، الأبلسة وخلق انطباع أن التظاهرات المناهضة للانقلاب، باتت بلا استراتيجية، وصولاً إلى اتهامات برزت قبل أيام حول ممارسة المتظاهرين للعنف و”قتلهم” عميد في الشرطة. ما تغفله الثورة المضادة أن الشارع في السودان أصلب وأشد قوة من الشارع في تونس. ففي البلد الأخير مرت عشر سنوات على الثورة، وتسلل اليأس إلى نفوس الناس عقب استهلاك المرحلة الانتقالية وصرعات الأحزاب، فكرة التغيير. في السودان لم يمض على الثورة سوى ثلاث سنوات، والشارع ما زال منظماً وقادراً على حشد نفسه بدليل خروج أكثر من 18 تظاهرة حاشدة، منذ انقلاب البرهان. الشارع في تونس بات بفعل اليأس، من جمهور الأحزاب فقط، ما يفسر الأعداد القليلة للتظاهرات المنددة بالانقلاب هناك. في السودان، الشارع غير مرهون بالأحزاب، وتحديداً “الحرية والتغيير”. من ينظم التظاهرات حالياً هي “لجان المقاومة” التي تشكلت في الأحياء، أثناء الثورة لحث الناس على المشاركة وإسقاط النظام وهي تعكف حالياً على وضع استراتيجية سياسية لمواجهة الانقلاب.

في الخلاصة، وبرغم أن الثورات المضادة حققت تقدماً في البلدين، لكن ثمة صعوبات تعترضها، مع العلم أن الحل القمعي الجذري ليس متاحاً بفعل الرقابة الدولية، إذ يرهن الغرب مساعدته ومنح الشرعية، بإشراك المعارضين وعدم أخذ البلاد إلى الفوضى، ما يفسر القمع المقنن الذي يتبعه قيس سعيد وعبد الفتاح البرهان، أقله، في الوقت الحالي.  

إقرأوا أيضاً: