fbpx

عليك أن تموت وإلا… مشروع قانون مصري
لمعاقبة من فشل في الانتحار!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يمكننا أن نتخيل مواطناً حاول الانتحار، ربما لأنه غارق في الديون وأسرته بالكاد تجد قوتها ولا يقدر على الإنفاق عليها ولا يجد عملاً، فتم إنقاذه، ليجد نفسه متهماً في المحكمة وتلاحقه الشرطة لعدم سداده الغرامة الموقعة عليه، والمقدّرة بـ50 ألفاً!

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لم يكتف مجلس النواب المصري بالأعباء التي يتحملها المقدمون على قرار الانتحار لإنهاء حياتهم بسبب اليأس والبؤس، فقد تقدم النائب أحمد مهني، الموالي للنظام، بمشروع قانون فاق التوقعات للحد من الانتحار مع تفاقم الظاهرة في الفترة الأخيرة.

 المشروع جاء استمراراً لتوجّه النظام المصري لجمع الأموال، حتى من المنتحرين، فأبرز مواده، فرض عقوبة على من يحاول الانتحار ويفشل- للمرة الثانية- بغرامة تتراوح ما بين 10 آلاف و50 ألف جنيه مصري (ما بين 640 و3200 دولار)، وكأنه يحرّض من يقدم على الانتحار، وهو يضيق بحياته ذرعاً، من كثرة الديون والهموم، على إحكام أساليب انتحاره، حتى يكون موته أكيداً ولا يضطر إلى دفع غرامة تزيد عذابه.

أتى مشروع القانون محبطاً في ظل أوضاع اقتصادية وسياسية واجتماعية وأمنية قاسية يواجهها المواطن المصري، زادت محاولات الانتحار، لتنتشر الأخبار على السوشيل ميديا وتفتح نقاشات حول المعاناة والحلال والحرام. 

وتبدو حاضرة في ذاكرة قصة نور، الذي يعمل في إحدى شركات خدمة العملاء بما تحمله من أعباء نفسية ومهنية، فألقى بنفسه من مقر الشركة إلى الشارع، بسبب ضغوط مديره، ثم الفتاة بسنت التي تمّ تهديدها وابتزازها بصور إباحية مُفبركة لها، فقررت الانتحار. 

أثارت الحادثان غضباً كبيراً كان طبيعياً أن يتبلوَر إلى تحرك سياسي وبرلماني يُفضي إلى قانون، بخاصة أن القوانين المصرية “عاجزة” عن التعامل مع حالات الانتحار، فلا تعاقب المحرّض ولا المساعد ولا المتسبب… ولا تضع مساراً صحيحاً لمن يحاول الانتحار وينجو حتى تعيدَ تهيئته وبناءه وتقويمه نفسياً فلا يحاول مرة أخرى.

محاولة الانتحار من أجل دخول مصحة!

يمكننا أن نتخيل مواطناً حاول الانتحار، ربما لأنه غارق في الديون وأسرته بالكاد تجد قوتها ولا يقدر على الإنفاق عليها ولا يجد عملاً، فتم إنقاذه، ليجد نفسه متهماً في المحكمة وتلاحقه الشرطة لعدم سداده الغرامة الموقعة عليه، والمقدّرة بـ50 ألفاً!

مشروع القانون الذي قوبل بالكثير من السخرية والتهكّم، ينصّ على إيداع من يحاول الانتحار في مصحة تنشأ لهذا الغرض بقرار من وزير العدل وبالاتفاق مع وزارات الصحة والداخلية والتضامن الاجتماعي ليعالج فيها طبياً ونفسياً واجتماعياً، ويبقى هناك بين 3 أشهر و3 سنوات، “ما لم يقرر القاضي غير ذلك”. يمنح ذلك البند في مشروع القانون المقدمين على الانتحار حلولاً بديلة للحياة، فبدلاً من أن يعيشوا فقراء ومعدمين، يمكن أن يحاولوا الانتحار للمرة الأولى، حتى يضمنوا حياة أكثر هناءً واستقراراً داخل المصحات، ففعلياً، لا يعرف البعضُ في مصر كيف يعيش يومه، وكيف يدبر احتياجاته، بينما قد تكون محاولة الانتحار الفاشلة فرصته لإيجاد الرعاية الاجتماعية والطعام والشراب لأشهر وربما سنوات.

77% من حالات الانتحار حول العالم في دول تغرّم المنتحرين!

سيناريوات كثيرة تحاصر مشروع قانون الانتحار الجديد، بخاصة أنه يوشك على الخضوع للمناقشة وربما الحصول على الموافقة، فهو مُقدم من داخل أروقة النظام السياسي. 

يضيف المشروع مصر إلى دول أخرى تجرم الشروع في الانتحار وتعاقب من يقدم على تلك الخطوة مالياً وجنائياً، وهي دول تتزايد فيها حالات الانتحار ولا تقل، إذ فشلت القوانين في القضاء على الانتحار أو تقليله، وهي نيجيريا وجزر البهاما وبنغلاديش وكينيا، وبروناي وغانا ومالاوي وسانت لوسيا والصومال والسودان وتنزانيا وجنوب السودان وأوغندا. وأكدت دراسة أعدّتها منظمة “متحدون من أجل الصحة النفسية العالمية”، أن تجريم الانتحار يأتي بـ”نتائج عكسية”.

وفسّرت ذلك بأن “تجريم الانتحار لا يمنع الناس من ارتكابه، إنه يمنع الأشخاص من طلب المساعدة في وقت الأزمات الحادة، ويمكن أن يمنع الأشخاص من الحصول على الدعم الذي يحتاجونه لصحتهم العقلية”، كما أنها “تلحق وصمة عار بالأشخاص وأسرهم وتؤثر بشكل مباشر في الأشخاص الأكثر ضعفاً في البلدان الهشة”. 

وتسجّل المنظمة ملحوظة قد تنعكس على الواقع المصري تماماً، وتفسّر إقدام بعض الدول، ومن بينها مصر الآن، على تحصيل غرامات من الناجين من الانتحار، إذ إن “هذا التشريعات تفرضها بلدان ذات دخل متوسط ومنخفض تسجّل 77 في المئة من حالات الانتحار حول العالم”. 

وبحسب إحصاءات حول الانتحار، فهذا النوع من العقوبات يزيد جرائم الانتحار وارتكابها بطرائق أكثر دقة ويضاعف حالات الوفاة الناتجة عنها، وهو ما قاد بعض الدول إلى إلغاء تشريعات تجريم الانتحار أو إبطالها بتشريعات جديدة.

كانت جزر كايمان، أبرز الدول التي ألغت تجريم الانتحار في كانون الأول/ ديسمبر 2020، وذلك بعد حملة أظهرت أن 5 في المئة فقط من الأطفال والشباب المعرضين لخطر التفكير في الانتحار كانوا يطلبون المساعدة خوفاً من “وصمة العار”، وظلوا يواجهون آلامهم بصمت، فانتهى بهم الحال بالانتحار. 

إقرأوا أيضاً:

توصيات “حقيقية” لاحتواء الناجين من الانتحار

لم يكشف النائب أحمد مهني أي دراسات أو تجارب سابقة أو تشريعات عالمية أو أجندات دولية تستند في مشروع قانون تجريم الشروع في الانتحار، برغم أن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية المصري أعدّ دراسة موسعة للوقوف على أسباب الانتحار في المجتمع لتحديد آليات المواجهة، ووضعت عام 2021 توصيات، لكنها لم تدخل ضمن مقترح مشروعات القانون القائم حالياً.

ومن بين التوصيات تجريم التحريض والمساعدة على الانتحار والترويج للأفكار الانتحارية، وإنشاء “بنك معلومات” لإعداد قاعدة بيانات دقيقة حول الانتحار بالتنسيق بين الوزارات والجهات المعنية وتُعدة النيابة العامة، لتوحيد البيانات والمعلومات بين جميع الجهات، وأيضاً، إقامة تشريعات للحد من الوصول لوسائل الانتحار عبر دعم الوعي المجتمعي بمخاطر الإنترنت والألعاب الإلكترونية، بخاصة بين المراهقين، وتقنين استخدام المبيدات، التي تُستخدم أحياناً، وتحديداً في القرى، وسيلة سريعة للانتحار، وتشتهر في ذلك الصدد ما يعرف بـ”حبوب الغلال” القادرة على إنهاء الحياة في نحو 24 ساعة.

تتطرق الدراسة إلى الأسباب والوسائل الأكثر شيوعاً للانتحار في مصر، وهي التي إذا شملها مشروع القانون قد تحدّ فعلياً من الانتحار والشروع فيه والوفيات الناتجة منه، وقد يكون تجريم تلك الأشياء والتوعية بخطرها أكثر جدوى في مواجهة الانتحار، بدلاً من الغرامات التي أثبتت في تجارب أخرى بدول أخرى عدم جدواها، ففي دولة كمصر تضم أكثر من 100 مليون مواطن، لا إحصاءات دقيقة أو قواعد بيانات شاملة لجميع محاولات وحالات الانتحار، وذلك في الوقت الراهن أكثر جدوى من إنشاء مصحات لاستضافة الناجين من الانتحار، بخاصة أن المصحات النفسية بإمكانها استقبالهم.

وطبقاً لحالات الانتحار المتزايدة،  تقول مصادر صحافية إن النظام المصري منع تداولها في الصحف والقنوات التابعة له بوصفها حوادث يومية وأوقف نشرها، حتى تظل ظاهرة “طي النسيان”، حفاظاً على ما يسميه “تماسك المجتمع”، ومنعاً لإثارة الفتنة، وهو ما يمنع حالياً صدور أرقام وإحصاءات حقيقية حول حالات الانتحار، فالنظام لا يعترف بتزايدها من الأساس، أو بكونها ظاهرة تهدد حياة كثيرين، ويدفن رأسه في الرمال كي لا يراها، ويحاول منع المواطنين من رؤيتها، كي لا ينعكس ذلك على تعليقاتهم على الأداء الحكومي والمستوى المتدني للرفاهية والصحة ورداءة الحياة في مصر.

من جانب آخر، يبدو أن الألعاب الإلكترونية تثير فزعاً، إذ تشكل سبباً لمحاولات الانتحار، لا سيما ألعاب كـ”الحوت الأزرق” و”مريم” وغيرها، التي يديرُها أشخاص بهدف التلاعب بالأطفال وإدخالهم دوامات من الاستغلال الجنسي والدعارة والاستعباد و”البيدوفيليا”. وتضعهم هذه الألعاب في تحديات خطيرة تنتهي بقتلهم أحد أفراد الأسرة أو الانتحار، أو الخضوع للابتزاز…

مشروع القانون يتجاهل “المتهم الأول” 

لم يقترب مشروع القانون من المتسبّب في الانتحار، لوضع تشريعات تقضي بإجراء تحقيقات حقيقية وملائمة لكشف المتسبّب ودوره في دفع المنتحر إلى حافة الموت، سواء كان مديراً، أو مدرساً، أو مسوؤلاً، أو أستاذاً جامعياً، أو مبتزاً…

وبينما ترقد قضية الطفلة بسنت (17 سنة) في أروقة النيابات والمحاكم، لكونها انتحرت بعد ابتزاز تعرضت له، لم تنبئ الخطوات حتى الآن بقرار نحو تشديد عقوبة الابتزاز، أو التنمر، أو تنظيم العلاقة بين الموظف والمدير أو صاحب العمل، أو رعاية الموظفين نفسياً، وهي العوامل التي تؤدي إلى الانتحار في معظم الحالات. فبعيداً من حالات الانتحار التي لا تلقى صدى إعلامياً، شهدت مصر خلال العام الماضي حالات تؤكد أنه يمكن الإمساك بالأسباب ومحوِها، بدلاً من عقاب من يشرع في الانتحار، فقد شهد عام 2021 انتحار طالبين في كليتي الطب والهندسة لصعوبة المناهج وتكرار الرسوب، برغم كونهما طالبين متفوقين، كما ألقت فتاة جامعية نفسها في ترعة بأسيوط، وانتحر طالب في كلية الطب ملقياً نفسه من أعلى مبنى جامعة في مدينة السادس من أكتوبر.

تؤكد دراسة مركز البحوث الاجتماعية والجنائية لتفسير ارتفاع وفيات الانتحار بين الذكور والمحاولات لدى الإناث، أن حالات الشروع في الانتحار تتركز وتتزايد في الفئات العمرية من 15 إلى 20 سنة، بينما تتضاعف حالات الانتحار في الفئات العمرية من 30 إلى 40 سنة، وهو ما يعني، أن الطلاب يحاولون، والموظفين يصرّون على الانتحار حتى ينجحوا. وتوصلت الدراسة إلى أن سبب ذلك غياب الوعي بإمكانية الوقاية من الانتحار، وشعور الأهالي بالعجز، فيلجأ معظمهم إلى الغيبيات والسحر والشعوذة أملاً في الوقاية والعلاج وحماية ذويهم، بهدف واحد فقط، هو إزالة الوصمة الدينية عن الأبناء، فمن ينتحرُ يوصف بـ”الكافر”، وهو ما لا يرضاه الآباء والأمهات، بينما تزيد تلك الحيل شعور الأبناء بالعزلة، ورغبتهم في الموت.

وحتى الآن، لا توجد رقابة أو توعية منظمة على ذلك النوع من السحر والشعوذة والشيوخ الذين يدّعون أنهم معالجون روحانيون “يفكّون المربوط” ويداوون المُتعبين نفسياً بالقرآن والسحر وغيرها من الأشياء.

مصحات جديدة… ماذا عن القديمة؟ 

ينصّ مشروع قانون الشروع في الانتحار على تأسيس مصحات لاستضافة الناجين لفترات تتراوح ما بين 3 أشهر و3 سنوات، وربما يكون ذلك البند وجهاً مشرقاً للقانون سيئ السمعة، لكن إذا كانت مصر لا تستطيع رعاية المُتعبين نفسياً في المصحات والمستشفيات القائمة بالفعل، فكيف ستؤسس مصحات جديدة لحالات المنتحرين؟

في مستشفى “الخانكة”، التي تضم أعداداً كبيرة من المرضى النفسيين، وقعت أزمة في وقت قريب، إذ كانت الغرف بالغة السخونة صيفاً، ولا تجد طريقة للتهوية أو ترطيب الأجواء، فأدت سخونة العنابر إلى وقوع وفيات، كان يمكن تلافيها بالقليل من الإمكانات، التي لم تكن متوفرة لقلة المخصص المالي المتوفر للإنفاق على الصحة النفسية في وزارة الصحة، والذي لا يتعدى 2 في المئة من مجمل الإنفاق الصحي الحكومي، فضلاً عن نقص أعداد الأطباء ومساعديهم المتخصصين في الرعاية النفسية، طبقاً للمعايير العالمية. 

وتعاني مصر، في المجمل، من نقص الموارد الخاصة بقطاع الصحة النفسية، وعدم إتاحة هذه الخدمات، وتشتد هذه الأزمة في المناطق الريفية المنسية.

وتختلف أسعار المصحات والعيادات النفسية الخاصة في مصر، لكن متوسط التكلفة يجعل الطب النفسي “للأغنياء فقط”، فقد تلتهم جلسة أسبوعية راتب شهر لشاب في منتصف حياته المهنية، أما المصحات والعيادات والمستشفيات النفسية الحكومية فبلا أطباء ولا إمكانات حقيقية لمساعدة المرضى النفسيين. وهو ما يجعل البند الخاص بإنشاء مصحات نفسية خاصة ضرباً من خيال…

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.