fbpx

إحراق المكتبات من الإسكندرية إلى جسر الفيات ومعرض “سي سايد”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يأتي معرض بيروت للكتاب في ظل انهيار الليرة وبالتالي ارتفاع تكلفة طبع الكتب وتوزيعها وشرائها، حتى صار الكتاب رفاهية لا يملكها سوى الميسورين، ويبدو السؤال مشروعاً وإن كنا نحتفي بالمعرض كفكرة، لكن من سيكون جمهور معرض الكتاب؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

 

عام 2014، أضرم مجهولون النار في مكتبة عريقة في مدينة طرابلس شمال لبنان، تضم نحو 80 ألف كتاب. لا يمكن نسيان وجه مالك المكتبة التي تأسست عام 1970، الأب ابراهيم سروج بعدما خسر مكتبة تضم مخزوناً هائلاً من الكتب النادرة والقديمة. أتلف الحريق ثلثي محتويات المكتبة التي ورثها الأب سروج عن والده، بينما أتلفت مياه فرق الإطفاء بقية الكتب.

بعد حين، نُسي الأب سروج ومكتبته وعادت البلاد إلى يومياتها المتقلبة حتى أتى الانهيار بدءاً من عام 2019. 

وإذ ما برحت رائحة كتب الأب سروج وتلك التي أحرقها “داعش” في المناطق التي احتلها، عالقة في أنوفنا وقلوبنا، خرج خبر حزين آخر، مفاده أن مجهولين أقدموا على إحراق مكتبة تحت جسر الفيات في بيروت، تعود لمحمد المغربي، وهو مشرّد يقيم هناك ويعمل على جمع الكتب وبيعها. إنها صاعقة حقيقية، وهو الجهل ذاته في كل مكان، الجهل الذي يدفع بجهة أو شخص إلى إضرام النار بمكتبة، انتقاماً أو استعراضاً للقوة، أو بدافع التسلية أو الغباء. لكن النتيجة واحدة، المزيد من استنزاف الأشياء الجميلة في هذا العالم الذي لم يعد آمناً حقاً.

بدا محمد مثل الأب سروج تماماً، مكسوراً حزيناً وهو يتوعّد الفاعلين بأنه سيعيد بناء مكتبته. إنها المكتبة التي مررت من جانبها كثيراً، وكنت أؤكد في كل مرة أنني سأعود لالتقاط الصور واكتشاف قصة محمد المغربي. لكنّ المواعيد تأخّرت، والمكتبة احترقت!

لا نعرف من فعل ذلك وربما لن نعرف وستبقى القضية برقبة مجهول، يضاف إلى مجهولين آخرين يتحمّلون مسؤولية انهيارنا الاقتصادي والاجتماعي والفكري والسياسي. ليس إحراق مكتبة تفصيلاً في كل ذلك، إنه جزء من المجزرة، وحدث ضروري لاكتمال انهيار البلاد.

قبل أيام، كان وزير الثقافة محمد مرتضى زار الرجل الثمانيني تحت جسر الفيات ووعده بالمساعدة وأهداه بعض الكتب… لكنه نسي أن يعطيه سريراً أو غرفة ينام فيها ويحمي كتبه، وقد يزوره لاحقاً للمواساة!

صدر هذا العام (2050) في نيويورك لكاتبه مارك دبوسي، وهو صحفي أميركي من أصل لبناني عاش في بيروت قرابة عشر سنوات. الكتاب، كما يقول عنوانه، يصف واقع الجمهوريات التي انقسم إليها ما كان يُعرف حتى العام 2040 بدولة لبنان. الحلقة الأولى كانت

لماذا يحرقون المكتبات؟

يصعب حصر تاريخ إحراق المكتبات في مقال واحد، فهي ظاهرة قديمة قدم الغزوات والصراعات بين القبائل والدول، وكان أبرزها في تاريخنا الحديث ما فعله تنظيم “داعش” في مكتبات جامعة الموصل ومتحف الموصل والمكتبة المركزية الحكومية والمكتبة الإسلامية ومكتبات الكنائس والمساجد القديمة. وهي جرائم أدت إلى إتلاف محفوظات ومخطوطات عمرها مئات وآلاف السنين.

في كانون الأول/ ديسمبر 2011 احترق مبنى المجمع العلمي في القاهرة في خضم الاضطرابات السياسية عقب ثورة 25 يناير. أتت النيران على 70 في المئة من إجمالي الكتب والمخطوطات التي كان يحويها المجمع الذي أنشأه نابليون بونابرت عام 1798 وكان يضم نحو 200 ألف كتاب ووثيقة تعتبر من أبرز الكتابات عن الحضارة المصرية القديمة.

إحراق المكتبات ظاهرة قديمة تعود إلى ما قبل الميلاد، وكانت تشتد في أيام الحروب، فإحراق كتب شعب ما، إبادة حقيقية لهويته الثقافية والحضارية.

فعام 48 أشعل الإمبراطور الروماني يوليوس قيصر حريقاً بأسطول بحري في البحر المتوسط إلى أن وصلت النيران إلى مكتبة الإسكندرية الكبرى وتمّ تدميرها وسُويت بالأرض بعدما كانت خزنت فيها 500 ألف مخطوطة.

وعام 335 قبل الميلاد، أحرق الإسكندر الأكبر مكتبة برسيبولس وقيل إنها كانت تحوي عشرة آلاف مخطوطة. وعام 270 قبل الميلاد تقريباً، أحرق الإمبراطور الصيني تسي شن هوانغ جميع الكتب العلمية والتاريخيّة الصينية، التي قدّرت بمئة ألف مخطوطة. وفي السنة الأولى بعد الميلاد أحرق الإمبراطور الروماني أغسطس جميع الكتب الغريبة على الرومانيين ومصدرها الهند والتيبت ومصر الفرعونيّة وبلغت ألفي كتاب. وعام 54 أمر القدّيس بولس بإحراق جميع الكتب الموجودة في مدينة أفسوس. وعام 296 أمر الإمبراطور دقليانوس بإحراق جميع الكتب والمخطوطات الإغريقية والفرعونية الموجودة في البلاد. 

وعام 1790 أحرقت محاكم التفتيش جميع أعمال المخترع البرتغالي جيسماو، الذي توصل إلى صناعة أول طائرة إضافة إلى ما توصل إليه في الكيمياء. ناهيك عما دمّر وأحرق في الحربين العالميتين الأولى والثانية وما أحرق بحجة غيرة الدين من دون أي رحمة.

وكانت آخر تلك الأحداث الرهيبة، إحراق مكتبة محمد المغربي، الذي تلقى بعد الحادثة كتباً من نشطاء ومواطنين أرادوا مساعدته ليعيد بناء مملكته، لعلّ حزنه يخف. لكن ذلك لا يلغي مشهد النار تلتهم الكتب، وتلتهم جزءاً منا ومن تاريخنا والذي سيبقى ناقصاً، وسيزداد نقصاً مع كل كتاب يحترق وكل مخطوطة تتلف بلا أي اعتبار.

إقرأوا أيضاً:

معرض بيروت للكتاب

في خضم هذا الانهيار الذي نعيشه، زرع أحدهم وردة داخل المحرقة، إذ أعلن النادي الثقافي العربي، بدء التحضيرات لتنظيم معرض بيروت العربي الدولي للكتاب في دورته الثالثة والستين، من 3 الى 13 آذار/ مارس 2022، بعد انقطاع قسري لثلاث سنوات متتالية بداعي جائحة “كورونا” وتداعيات انفجار 4 آب/ أغسطس 2020 والأزمة الاقتصادية. 

ودعا النادي، في هذه المناسبة، الناشرين اللبنانيين والعرب الراغبين في المشاركة، إلى الاتصال بالنادي الثقافي العربي لحجز أماكنهم لأن المساحات محدودة في قاعة “سي سايد” للمعارض والتي تعرضت للهدم جراء انفجار بيروت وأعيد ترميمها.

يأتي معرض بيروت للكتاب في ظل انهيار الليرة وبالتالي ارتفاع تكلفة طبع الكتب وتوزيعها وشرائها، حتى صار الكتاب رفاهية لا يملكها سوى الميسورين، ويبدو السؤال مشروعاً وإن كنا نحتفي بالمعرض كفكرة، لكن من سيكون جمهور معرض الكتاب؟ هل سنستطيع شراء ما نرغب به؟ ولمن يتم تنظيم هذا الحدث تحديداً؟ هل ستكون الأسعار مقبولة؟ هل ستتدخل وزارة الثقافة مثلاً لدعم الكتاب والدفاع عن حقنا في القراءة، نحن المواطنين العاديين؟

هذا العجز الذي ينتاب الفقراء وأبناء الطبقة المتوسطة التي تحتضر، أمام رواية جميلة أو موسوعة علمية، بات سعرها يعادل نصف راتب أو راتباً كاملاً… ليس سوى حريق آخر تضرمه السياسات المالية والاقتصادية في رؤوسنا وفي رغبتنا في الأشياء. 

إقرأوا أيضاً: