fbpx

ماذا لو انقرضت الحيوانات؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تواجه الأنواع النباتية تهديدات انقراض متعددة مثل الاجتثاث والازالة من أجل الزراعة والمراعي، نشوب الحرائق، الجفاف والعطش وكذلك فقدان الحيوانات.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“أيها السنجاب العارف بالأشجار، الجوز لذيذ في الشتاء، فخبئ حبات كبيرة منه، وضعها في جوف الأشجار”، كنا نستمتع نحن الصغار في المدارس الابتدائية بحفظ هذا النص للشاعر الكُردي فَرَيدون علي أمين، الذي يظهر مهارة السنجاب وحيله وجمال عيونه الفائق. وهو في الحقيقة نص شعري جميل للصغار كنا نغنيه وفق إيقاعات خاصة بنا، لكنه في الحقيقة كان نصاً ناقصاً ولم يعلمنا بأن السنجاب ماهر في النسيان أيضاً، إذ ينسى في أغلب الأوقات مكان حبات الجوز التي خبأها للشتاء. كما لم يعلمنا الشاعر بأن حبات الجوز المخبأة تحت التراب تنبت في فصل لاحق وتصبح شجيرات صغيرة الى جانب أفراد أسرتها؛ وذلك جراء حكمة النسيان لدى حيواننا الصغير الجميل، السنجاب. 

إنه دور من بين الأدوار العظيمة التي تلعبها الحيوانات في النظام البيئي وتساعد النباتات على التكاثر والبقاء. وتتجسد هذه الأدوار في أشكال أخرى أيضاً، يبادل فيها الحيوان والنبات المنافع ويحافظان على بعضهما بعضاً. الطيور والثدييات العاشبة التي تأكل الثمار اللحمية (الغضة)، تنقل البذور في النطاق الجغرافي الذي تتحرك فيه، سواء عبر ترك البذور بعد تناول لحم الفاكهة وعصيرها أو عبر خروجها مع البراز. وتساهم الحيوانات بذلك في هجرة النبات والإنبات تالياً بعيداً من الشجرة الأم. 

الانخفاض الكبير في قدرة النباتات على التكيّف مع تغير المناخ عبر تحولات النطاق، يظهر وجود تآزر بين فقدان الحيوانات وتغير المناخ الذي يقوض مرونة الغطاء النباتي في مواجهة الجفاف وارتفاع درجات الحرارة

 الأشجار، وعلى رغم شبكة علاقاتها وحركتها والاتصال الوثيق بين أفراد الأسرة الواحدة عبر الجذور، تبقى ثابتة في مكانها وليست قادرة على الهجرة والذهاب بعيداً، ولكن كيف انتقلت إلى مَواطن جديدة لتتكاثر بالشكل الذي نراه في حياتنا؟ كيف قاومت الغابات كل تلك الحرائق التي نشبت وتنشب فيها حول العالم جراء ارتفاع درجات الحرارة والنشاط البشري؟ وكيف تستعيد العافية بعد القطع والإزالة؟ إنها الأسئلة التي تشغل العلماء اليوم أكثر من أي وقت آخر، بخاصة أن النباتات هي الحوض الأكبر لامتصاص غاز الكربون وتعد الوسيلة الطبيعية الفعالة لمواجهة تغير المناخ، ناهيك بأنها مصدر الأمطار والغذاء والهواء النظيف. من هنا تشير دراسات كثيرة إلى أن الحيوانات لا تعيش على النباتات وحسب، بل تساعدها على التكاثر وبينهما تبادل في المنفعة والشراكة من أجل البقاء والاستمرار؛ بخاصة بين الثدييات والطيور والنباتات. ففي حين تنشر بعض النباتات والأشجار بذورها عبر الرياح في فصول التكاثر أو تقوم الحشرات بتلقيحها في فصل التلاقح، يعتمد نصفها على الحيوان للتكاثر والتوسع من كيلومتر واحد إلى 10 كيلومترات. ولهذا السبب يؤدي فقدان عدد الحيوانات على الأرض إلى شلّ قدرة النباتات على مواجهة تغير المناخ، ذاك أن 50 في المئة من الأنواع النباتية كما تمت الإشارة تعتمد على الطيور والثدييات لنقل بذورها إلى مَواطنها الجديدة. 

تتناول دراسة جديدة في جامعة رايس في ولاية تكساس الأميركية، آثار فقدان الحيوانات على قدرة النباتات على تتبع تغير المناخ. ويقول الباحثون في الدراسة التي نشرتها الدورية العلمية الأميركية (ساينس) أواسط كانون الثاني/ يناير 2022: “نحن نقدر بشكل متحفظ بأن انحسار الثدييات والطيور قد قلل بالفعل من قدرة النباتات على تتبع تغير المناخ بنسبة 60 في المئة على مستوى العالم”. 

هذا الانخفاض الكبير في قدرة النباتات على التكيّف مع تغير المناخ عبر تحولات النطاق، يظهر وجود تآزر بين فقدان الحيوانات وتغير المناخ الذي يقوض مرونة الغطاء النباتي في مواجهة الجفاف وارتفاع درجات الحرارة، بحسب الدراسة المذكورة. 

إقرأوا أيضاً:

وبما أن تغير المناخ يجعل الأمور أسوأ، وتفقد النباتات على إثره، القدرة على مقاومة درجات الحرارة وتناقص الأمطار، فإن توسع انتشارها هو السبيل الفعال للبقاء. وتعد الحيوانات العامل الأبرز بهذا الخصوص، إذ تقوم بهذا الدور عبر تناول الثمار ونشر بذورها في النطاق الجغرافي الذي تتحرك فيه. وأي تعطيل لهذا الدور عبر قتل الحيوانات أو تهجيرها من موائلها جراء الزراعة وإزالة الغابات ونشوب الحرائق، سيؤدي الى تعطيل المنفعة المتبادلة بين الحيوان والنبات، ما يشلّ قدرة هذا الثاني على مواجهة تغير المناخ. وأراد رئيس فريق البحث إيفان فريك، وهو عالم بيئي في جامعة رايس، معرفة مدى قدرة النباتات في جميع أنحاء الكوكب على الانتقال إلى موطن جديد. لذلك قام هو وزملاؤه بتجميع البيانات من آلاف الدراسات التي تناولت الكيفية التي تنشر بها الطيور والثدييات البذور، بما في ذلك المسافة التي تقطعها والنسبة المئوية للإنبات. وقد ركزوا على البذور التي يتم نثرها على بعد كيلومتر واحد، وهي مسافة كبيرة بما يكفي لزيادة النباتات بشكل كبير ومساعدتها على التعافي من آثار الحرائق أو الاضطرابات البيئية الأخرى. ويضاف إلى ذلك قدرة كل حيوان على أكل النباتات والثمار ونقل البذور الى مواطن جديدة. على سبيل المثال ينقل الفيل ما يقارب 3200 بذرة في يوم واحد الى أماكن جديدة بحسب عالم البيئة جوزيف بادلي الذي درس الأفيال وأنماط حياتها في زيمبابوي في العقد الأخير من القرن المنصرم. 

وتواجه الأنواع النباتية تهديدات انقراض متعددة مثل الاجتثاث والازالة من أجل الزراعة والمراعي، نشوب الحرائق، الجفاف والعطش وكذلك فقدان الحيوانات. وعندما تتعرض هذه الأخيرة للقتل جراء الصيد والتجارة البرّية أو عند إبعادها من موائلها الطبيعية بسبب الزراعة والحراجة أو قلة الغذاء، تبدأ الأشجار والنباتات التي تعتمد على الحيوانات في نقل بذورها في الاختفاء، وقد تتلاشى بمرور الوقت، ما لا يضر بالتنوع البيولوجي وحده، بل يؤثر أيضاً، في قدرة النظم البيئية على تخزين الكربون وتوفير الغذاء والمياه النظيفة. 

إقرأوا أيضاً: