fbpx

حبّ بانتظار لمّ الشمل!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لقد جئنا إلى الحياة جميعنا كأطفالٍ جميلين، واثقين بالحياة، ومفطورين على الحب. إذا لم نعد كذلك الآن فلأن عوائق كثيرة سممت أرواحنا وثقبت ثقتنا فتسرب إلينا الخوف من كل أمل.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“أصبحُ جائعاً لك في كل مدينة جميلة، الشوارع الجديدة تنمو كعروق جديدة في يدي اللتين مهما امتدتا لا تصلان إليكِ. أصبحُ شرساً في الأماكن الطرية، دفؤها يذكرني بنعومة وجهك وأنا أكره الدفء!”.

هذا ما كتبته يوماً لحبيبتي من مطار ليون الفرنسي، عائداً إلى السويد.

مر عيد الحب وأنا أمضي أيام الحب هذه السنة وحيداً أيضاً، وقد توقفت عن الاحتفال به منذ سنوات واستبدلته بأعياد أكثر تعقيداً على قياس المرحلة. أسأل نفسي هل الحب رفاهية الأقوياء؟

من أنا دون وحل الهوية، طفل مخيمات في طريق مثقوب! 

أن تُحب فتاة تسكن في قارة أخرى وأنت لاجئ بإقامة موقتة، تلك جرأة تتطلب العقاب، وتعني أن تعيش أيامك قيد الانتظار، كل شيء مؤجل إلى أن تلتقي بها، إلى أن تنجح في الحصول على الأوراق الرسمية التي تتطلب منك أصفاراً كثيرة في رصيدك البنكي، أصفاراً تتكاثر كل شهر تغذي منها نظام الضرائب فتحصل على الإقامة الدائمة وحق لم الشمل.

لا عائلة لمن لا يستطيع الصرف عليها. هذا ما تؤكده الدولة بوضوح. وتحدد لك سقف المعيشة الذي يجب ألا تحيا دونه. أغنية صباح “عالبساطة البساطة والخبز والبطاطا” لا يقنع دائرة الهجرة هنا. عليك أن تزيد على انتمائك هويات كثيرة لتنال الشبع. شبع العاطفة، شبع الجسد، وحتى شبع تقدير الذات. هناك بلاد إذا أنت ولدت فيها، ستبقى جائعاً ما حييت مهما هربت منها.

في الأيام الحاضرة ألا تمتلك المال يعني أن تدفع ثمن ما تريده مرتين! في الأولى ثمنه الحقيقي وفي الثانية ثمن الوصول إليه. الأنظمة الاقتصادية الجديدة تبرمجنا على ذلك وتجعل المادة هي المحور الذي يدور حوله كل شيء فنخسر إنسانيتنا كل يوم أكثر. حتى الحب أصبح له ثمن أو لنقل على الأقل حق التمتع به.

في السويد كثيرون هم اللاجئون من حولي الذين يعيشون أزمة لم الشمل. المرتبط بشرط توفر العمل الدائم في بلاد عقود العمل فيها موقتة، وتزيد فيها البطالة كل يوم. يمر العمر على غفلة وأنت غارق في كتابة سيرتك الذاتية مراتٍ ومرات، تدرس اللغة الجديدة، تسعى لنيل شهادة قيادة السيارة، تزيد من كفاءتك في مجلاتٍ عدة. تصبر وتُصبِّر الطرف الآخر. 

مع الوقت تزيد لحظات الصمت خلف سماعة الهاتف، وتتغير نوعية الحديث لتصبح ما يشبه شؤون العمال، دائرة الهجرة، نشرة أخبار اللاجئين، الكساد الاقتصادي، أحوال الأهل في البلاد، الفواتير، الضرائب، الأوراق والأوراق، والوقت يمر…

تقول (د) صديقة لي هنا تركت شهادتها الجامعية في الدرج وذهبت للعمل في محل لبيع الخضار والفواكه بعقد عمل موقت للسنة الثالثة على التوالي في محاولة للحصول على لم الشمل.

“بدي ولد كل ورقة بدنا نقدمها بدها سنة وسنتين يدرسوها، بكون خلص عقد العمل أو خلصت الإقامة و صار بدها تجديد”.

إقرأوا أيضاً:

لم تكن المرة الأولى التي تتقدم فيها بطلب لم الشمل. هذه المرة الثانية وهي إلى الآن تنتظر. لكن مرور الوقت يعني قلة فرص الإنجاب. فالعمر لا ينتظر القوانين. 

أما أنا فلن أنجب… لن أحضر طفلاً أورثه “بلا وطن” على وثيقة السفر الخاصة به.

آخرون لم يستطيعوا الانتظار دون شركائهم، اعتمدوا على قروض مالية من البنوك مع فائدة مرتفعة، ثمناً للقاء أحبتهم الآتين من طريق البحر. لكنهم إلى الآن ما زالوا يسددون كلفة الاجتماع معاً. كل ما يفعلونه في الحياة هو العمل وسداد أقساط البنوك.

يقول أحدهم: “صاير روبوت، بفيق بالعتمة، باكل عالسريع، بطلع عالشغل، وبرجع والدنيا عتمة. وهيك عالتوالي! نسيان كيف كنت قبل، وحيد، ويابس”. 

الأصعب هو صديقي (ز) ذلك أنه ترك الفتاة التي يُحبها، وحين سألته عن السبب مستغرباً وأنا أعرف تماماً ما تعنيه له، قال لي: “تركتا لأني بحبها، ما بدي أظلمها معي، شوفة عينك تركت جامعتي للاقي شغل. ما في! سنتين ومش ملاقي. وإنت بتعرف ما بتفرق معي بشتغل شو ما كان. بس حدا عم يوظفني”.

من يحتفل بعيد الحب؟ نحن ابناء التجارب الصعبة والطرق الوعرة. محركات البحث في أجهزتنا المحمولة تعج بالأسئلة. ما الدول التي يستطيع السوري السفر إليها دون فيزا؟ ما الدول التي تمنح السوريين تأشيرة؟ ما الدول الآمنة لـ”ميم عين”؟ من يقتل غولة التاريخ في أيامنا؟ من يقلم أظفاره حتى لا تخدش حاضرنا؟ لقد جئنا إلى الحياة جميعنا كأطفالٍ جميلين، واثقين بالحياة، ومفطورين على الحب. إذا لم نعد كذلك الآن فلأن عوائق كثيرة سممت أرواحنا وثقبت ثقتنا فتسرب إلينا الخوف من كل أمل.

إقرأوا أيضاً: