fbpx

سوريا… حيث تُبكينا موسيقى دار الأوبرا 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

في بلد آيل للسقوط لا يمكنك أن تتمتّع بالفنون. لا يمكن فصل المحيط الخارجي الغارق في العتمة للشارع عما يدور داخل الصالات المضيئة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أمسية جليدية، والشوارع التي تؤدي إلى دار الأوبرا  في دمشق كلها غير منارة. اتّخذت السيارة طريقها مستعينة بكاشفيها الأماميين. وصار الطريق يقودنا خلال ظلال الأعمدة الكهربائية الميتة كأننا في غابة جذوعها بلا أوراق. لم يكن الظلام قد خيّم تماماً وكان القمر يحاول أن يدعمنا بإشعاعات باهتة عندما تسمح له الغيمات المهرولة في السماء. 

كانت أمسية جليدية لطيفة. وكنا مجموعة صديقات مرحات نحاول اصطياد ساعات طرب لم نحظَ بها منذ زمان طويل. داخل السيارة اختلطت روائح عطورنا المختلفة وضحكنا بصوت عالٍ من لا شيء لعلنا ننسى بؤس الظلام. عندما ظهرت ساحة الأمويين تحمّسنا قليلاً فقد كانت دار الأوبرا مضاءة. عند حاجز  المدخل ضحكنا مع رجل الأمن الذي مسح أسفل السيارة والرجل الذي سمح لنا بالعبور ناقلين جوّنا المرح إليه لثوانٍ. لذعتنا النسمات الباردة على وجهنا من “بوغاظ كيوان” الشهير فور نزولنا من السيارة، ودخلنا ضمن حشد مترف لنساء بجاكيتات من فرو ورجال بمعاطف “شاموا” طويلة وشبان وشابات بأحذية مدرّعة وعيون ملتمعة. 

كانت الصالة ممتلئة. لم يراعَ فيها أي تباعد اجتماعي. لأن ” صفوان بهلوان” لا يحيي حفلة كل يوم. وجمهور دمشق السمّيع كان هناك. المقاعد الأمامية خصصت لوزيرة الثقافة وراعية الحفل ووزراء حاليين وسابقين لاحقتهم كاميرات المصورين. 

قدّم الفنّان حفلته بلغة فصيحة وأنيقة. سرد لنا ذكرياته مع شعراء قصائده المغنّاة بطريقة سلسة وممتعة. عزف الفنان على عوده فأبدع وغنّى طربه الأصيل ووراءه الفرقة السيمفونية السورية وكورس ضخم من رجال ونساء.

كان عزفه على العود احترافياً وصوته شجياً. 

فلماذا ما زلنا قلقين ومهمومين؟ لماذا نصفّق مترددين؟

أذكر أيام الحفلات الموسيقية الكبرى. هنا في هذه القاعة. عندما كنا نتبادل الابتسامات ونشجع بعضنا على الوقوف والتصفيق آخر الحفل. أين سرور الأيام الماضية؟ 

 كل شيء لم يكن على ما يرام. 

في بلد آيل للسقوط لا يمكنك أن تتمتّع بالفنون. لا يمكن فصل المحيط الخارجي الغارق في العتمة للشارع عما يدور داخل الصالات المضيئة. التعثُر بحجارة رصيف بلاطاته مكسورة ومتناثرة ومملوء بالحفر قبل الدخول إلى معرض فني يشوّش ذائقتك الفنية. حتى لو كانت اللوحات المعروضة لبيكاسو نفسه.  وكذلك يفعل بك مشهد الازدحام والاقتتال على موقف باص سعياً لوسيلة مواصلات قبل أن تلج صالة عرض سينما لمتابعة مشاهد فيلم جديد.

الاستماع إلى الموسيقى لن يوحي بالطرب في دار الأوبرا حتى لو عزفت الفرقة السيمفونية السورية وغنّى المبدع صفوان بهلوان. السعي إلى الطرب يفاقم معاناتنا.

ما هو دور الفنون في ظرفنا الذي لا يشبه أي ظروف أخرى؟ التذكير بالهوية بعدما فقد المجتمع هويته؟ التذكير بالماضي بعدما كفر الشعب بماضيه وحاضره؟ أم الإيحاء بالأمل وهو وهم كاذب؟

وبكل ما يعانيه الفن اليوم من اضطراب وحشرجة أنفاس ما زلنا بانتظار مبدعين يعبرون عنا. أغنيات تتنفّس أنسامنا. لوحات تسبق إحساسنا بخطوة. أفلام ترشدنا إلى منفذ وخلاص. ما زلنا نؤمن بفن جديد وننتظر ولادته. 

إقرأوا أيضاً: