fbpx

لاجئون شقر بعيون ملونة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تطرح الخطوات الفعالة والاستجابة السريعة الإيجابية للأزمة الأوكرانية أسئلة داخل أوساط المعنيين في الاتحاد والمنظمات الحقوقية والإنسانية حول التمييز في التعاطي مع اللاجئين الأوكرانيين مقارنة بلاجئي دول أخرى.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]


فتحت أوروبا كلها حدودها مؤخراً أمام الهاربين من أوكرانيا من ويلات الغزو الروسي. سريعاً، وافق مجلس العدل والشؤون الداخلية في الاتحاد الأوروبي على تفعيل آلية الحماية المؤقتة للأوكرانيين، ما يعني أن كل أوكراني يستطيع الإقامة لمدة أقصاها ثلاث سنوات في دول الاتحاد الأوروبي دون أي حاجة للمرور عبر إجراءات طلب اللجوء الطويلة وتعقيداتها ويسمح له بالوصول واستخدام كل خدمات الضمان الصحي والتعليم والسكن والرعاية الاجتماعية وخلافه في دول الاتحاد. ويعني أيضاً أن دول الاتحاد ستكون متكافلة ومتضامنة في استقبال اللاجئين الأوكرانيين دون أي تفاوت بينها في السياسات المحلية ذات الصلة. 

كانت هذه الآلية قد أنشأت في الاتحاد في العام 2001 كاستجابة لأزمات إنسانية في كل من يوغسلافيا السابقة وكوسوفو ولم يتم تفعيلها في أي وقت سابق قبل الآن.

تطرح الخطوات الفعالة والاستجابة السريعة الإيجابية للأزمة الأوكرانية أسئلة داخل أوساط المعنيين في الاتحاد والمنظمات الحقوقية والإنسانية حول التمييز في التعاطي مع اللاجئين الأوكرانيين مقارنة بلاجئي دول أخرى.

هناك لاجئون هربوا من أزمات وحروب طاحنة في بلدانهم واضطروا أن يعبروا البحار والغابات ليموت آلاف منهم غرقاً أمام شواطئ اليونان وإيطاليا أو في الغابات الموحشة الممتدة بين كرواتيا و هنغاريا وصربيا، أو مؤخراً جداً في تلك الغابات الباردة على الحدود البيلاروسية البولونية، لكن مُنِعَ عنهم أي وصول للمنظمات الإنسانية المعنية أو وسائل الإعلام ليموت كثيرون منهم ويدفنوا هناك بصمت. 

أضف إلى أن أياً من دول الاتحاد غير متورطة على الأقل بشكل مباشر في بداية النزاع العسكري الحالي في أوكرانيا، في مقابل حقيقة أن أغلب اللاجئين من غير الأوكرانيين جاؤوا من بلدان تورطت فيها قوات من بلدان من الاتحاد الأوروبي بشكل مباشر في النزاع كأفغانستان أو العراق أو سوريا أو من مستعمرات سابقة لدول من الاتحاد ترفض حتى اليوم الاعتراف بجرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة ارتكبتها فيها كالجزائر أو تشاد أو مالي.
تقارير دولية وإعلامية عدّة سجلت تمييزاً فاضحاً على الحدود البولندية الهنغارية في التعامل مع القادمين من أوكرانيا بين المواطنين الأوكرانيين والمقيمين هناك من غير المواطنين، من هؤلاء طلاب وعمال ومقيمين ولاجئين في أوكرانيا من الأفارقة أو بلدان الشرق الأوسط. وتداولت مواقع التواصل الاجتماعي بشكل واسع مؤخراً مقاطع عدة لمراسلين ومحللين على شاشات عالمية يتحدثون بوجوه مندهشة مستنكرة عن لاجئين شقر ذوو عيون ملونة٬ متحضرين أوروبيين بخلاف ما اعتادت أوروبا أن تستقبله من لاجئين قادمين من بلدان أقل شأناً.

في الصورة الأوسع فإن ردّ الفعل الغربي والأوروبي خصوصاً على الغزو الروسي لأوكرانيا والجرائم التي ترتكبها القوات الروسية هناك، يختلف في طبيعته وحدته في التعامل الأوروبي مع حالات مماثلة في دول أخرى ارتكبت فيها هذه القوات نفسها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية كما حدث في سوريا مثلاً. ويتعدى نقاش التمييز العنصري هنا إلى نقاش آلية التعامل مثلاً مع ملاك روس لأندية أوروبية كما في حالة نادي تشيلسي الانكليزي المملوك للملياردير الروسي رومان ابراموفيتش المقرب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وتعرض هذا المالك لضغوط العقوبات التي اضطرته لوضع ناديه برسم البيع مؤخراً في محاولة للهروب والالتفاف على خطوات العقوبات الدولية المتسارعة ضد روسيا والأوليغارشية الروسية. 

في المقابل فإن رابطة الدوري الانكليزي نفسها ترحب بملكية نادي نيوكاسل لصندوق الاستثمار السعودي وملكية نادي مانشستر سيتي الانكليزي لإمارة أبو ظبي مع تورط كلاً من السعودية والإمارات في حرب طويلة دامية وجرائم حرب دامغة في اليمن. بل أن مفاوضات قائمة على قدم وساق اليوم لضم كل من ناديي آدو دنهاخ الهولندي وإنتر ميلان الإيطالي إلى ملكية صندوق الاستثمار السعودي في الوقت الذي تقوم فيه الأندية الأوروبية والاتحادات الرياضية الأوروبية بفسخ عقود رعايتها من قبل شركات الطاقة الروسية كغازبروم كجزء من الاحتجاج والعقوبات الأوروبية على غزو روسيا لأوكرانيا.

هناك لاجئون هربوا من أزمات وحروب طاحنة في بلدانهم واضطروا أن يعبروا البحار والغابات ليموت آلاف منهم غرقاً أمام شواطئ اليونان وإيطاليا أو في الغابات الموحشة الممتدة بين كرواتيا و هنغاريا وصربيا، أو مؤخراً جداً في تلك الغابات الباردة على الحدود البيلاروسية البولونية، لكن مُنِعَ عنهم أي وصول للمنظمات الإنسانية المعنية أو وسائل الإعلام ليموت كثيرون منهم ويدفنوا هناك بصمت.



على المستوى السياسي يظهر التمييز واضحاً بين حالة اللاجئين الأوكرانيين وغيرهم ليس فقط في بولندا التي عارضت في كل وقت استقبال أي من اللاجئين أو السماح لهم بعبور حدودها إلى دول أوروبية أخرى ترحب باستضافتهم كألمانيا أو هولندا، وهي اليوم تستنفر كل طاقة منظماتها ومؤسساتها الإنسانية لمساعدة اللاجئين الأوكرانيين وترحب بهم كما يستحق كل لاجئ هارب من ويلات الحرب وفقاً لتعهدات بولندا الدولية داخل الاتحاد الأوروبي ومواثيق الأمم المتحدة ذات الصلة. أيضاً تجد دولاً كهنغاريا لا تزال على المستوى السياسي تعارض بوضوح قبول أي لاجئ على أراضيها وترفض التعامل مع قرارات بروكسل الخاصة بتوزيع اللاجئين على مختلف دول الاتحاد بل أن سلطاتها الأمنية متهمة باحتجاز مئات اللاجئين الذين كانوا يعبرون أراضيها في ظروف بالغة السوء وتعريضهم للإذلال والتعذيب في بعض الحالات.

 يفتح اليوم الرئيس الهنغاري اليميني المحافظ فيكتور أوربان المجال مع اقتراب الانتخابات العامة في بلاده لاستقبال اللاجئين الأوكرانيين الذين يحصلون على تعاطف شعبي متزايد هناك. ثم لا تكاد تسمع أي اعتراض سياسي من أي من أحزاب اليمين في البلدان الأوربية حتى تلك التي كانت حتى الأمس القريب تحج إلى موسكو وتغازل بوتين والتي اعتدنا دائماً على برامجها السياسية التي تضع في رأس أولوياتها إغلاق الحدود في وجه اللاجئين ورفض سياسات الهجرة الأوروبية والانتقاد الحاد في كل حين لأي سياسات حكومية في بلدانهم قد يصنفونها كتسهيلات لاستقبال اللاجئين بحجة الحفاظ على الهوية الوطنية والخصوصيات الثقافية.

بالتزامن مع الخطوات الإيجابية والهامة لاستقبال اللاجئين الأوكرانيين، فإن أفضل ما قد يحصل الآن هو فتح هذا النقاش واسعاً داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي كما على المستويات المحلية في كل بلد أوروبي. لكن حتى على وضوح هذا التمييز وسطوعه فإن أحداً حتى الآن لا يبدو أنه يريد أن يلقي بالاً لذلك مع قرع طبول الحرب في كل مكان في القارة. هو نقاش مؤجل يضاف إلى قائمة طويلة من قضايا عديدة خاصة بالحقوق والمساواة والعدالة من المرجح أنها ستطول أكثر مع التوجه الأوروبي الجديد نحو رفع الإنفاق الدفاعي والعسكري والأمني والذي غالباً ما تكون قضايا إنسانية من هذا النوع أول ضحاياه. في هذا أيضاً انتصار للبوتينية لا يبدو جانبياً أبداً.

إقرأوا أيضاً: