fbpx

السويد: عن راسموس بالودان وحرق المصاحف برنامجاً انتخابياً

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ما تزال بعض مدن السويدية تشهد احتجاجات على حرق المصحف من قبل سياسي دنماركي-سويدي يميني متطرف. فمن هو وما هدفه؟ وكيف يجري التعامل معه؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أجرى محادثات جنسية مع أطفال عبر الإنترنت لكنه زعم أنه لم يكن يعرف أعمارهم. في حقه أحكام بالسجن بجرائم عنصرية. مُدان بالقذف والإهمال في القيادة؛ وسُحِبت رخصة قيادة السيارة منه لسنة. أوقف عن ممارسة المحاماة لثلاث سنوات وتورط حزبه في محاولة تزوير الانتخابات في الدنمارك عام 2019.

وبرغم من كل ذلك، يصرّ المحامي والسياسي الدنماركي-السويدي اليميني المتطرف راسموس بالودان، 40 عاماً، على حرق المصحف. وبالرغم من اعتقاله بسبب ذلك في فرنسا ومنعه من دخول ألمانيا وطرد مناصريه من بلجيكا، إلا أنه يركز في هدفه. إذ يسعى لجذب اهتمام الإعلام وحشد مناصرين ليدخل البرلمان السويدي بعد أن فشل في الدنمارك عام 2019.

فمن هو وما هدفه؟ وكيف يجري التعامل معه؟

“إنقاذ السويد”

مع انشغال السويد بتداعيات الحرب في أوكرانيا، ومع تصاعد التهديد الروسي للمملكة الاسكندنافية من احتمال انضمامها لحلف شمال الأطلسي (ناتو)، أطلق بالودان، رئيس حزب “سترام كورش” (النهج الصلب) الدنماركي-السويدي اليميني المتطرف، حملته الانتخابية للوصول إلى البرلمان السويدي. فقد صرح مؤخراً أنه يعتزم خوض الانتخابات في الخريف المقبل بسلسلة تظاهرات يحرق فيها المصاحف في السويد والدنمارك والنرويج.

“ثمّة شيء عَفِنٌ داخل دولة الدنمارك.” قد تكون تلك العبارة التي قالتها شخصية مَرسِلُس في مسرحية هاملت لوليام شكسبير أكثر ما يعبر عمّا يجول في خاطر بالودان اليوم. فمَرسِلُس، هو أحد حراس مدينة هيلسنكور، أو إيلسينور الدنماركية كما سماها شكسبير، وهي نفسها المدينة التي ترعرع فيها بالودان.

فبالودان يؤمن بضرورة “الحفاظ على الصفاء العرقي في الدنمارك” حيث قال إنه “سيستمر في القتال يومياً للترشح للبرلمان”. ولأنه يرى “عملية الأسلمة في السويد متطورة أكثر مما هي عليه في الدنمارك”، فهو يعتقد أنه يؤدي أيضاً خدمة للدنماركيين من خلال الترشح في السويد. لأن “إخواننا السويديين يتعرضون للإبادة في بلدهم” من قبل المسلمين.

ولا توجد إحصائية رسمية لتعداد المسلمين في السويد. إلا أن “مركز بيو للأبحاث” الأمريكي قدر في عام 2017 أن في المملكة الاسكندنافية بحوالي 810 آلاف مسلم، ما شكل حوالي 8.1 بالمئة من تعداد السكان.

ويحتاج حزب  “سترام كورش” الذي لا يصرح عن عدد منتسبيه إلى 20 ألف توقيع ليتمكن من دخول الانتخابات. ولذلك فهو يعتزم تنظيم ما لا يقل عن 50 مظاهرة لحرق المصحف في مدن سويدية ودنماركية. وحتى منتصف شباط / فبراير الماضي، جمع ما يقرب من 460 توقيعاً.

فقد فشل بفارق ضئيل في انتخابات 2019 في الوصول إلى عتبة دخول البرلمان والبالغة 2 بالمئة من إجمالي الأصوات جمع منها 1.8 بالمئة. وتوجه الحزب إلى صناديق الاقتراع يومها هادفاً إلى حظر الإسلام في الدنمارك ووقف الهجرة من الدول غير الغربية وترحيل المهاجرين واللاجئين غير الغربيين.

ويجب على الراغب بالانتساب لحزب “سترام كورش” أن ينأى بنفسه عن العنصرية والنازية والفاشية والإسلام والشيوعية و “الإيديولوجيات العنيفة” عموماً، بحسب النظام الأساسي للحزب.

استجداء الاهتمام

يحاول بالودان أن يستغل الظروف ليجذب الانتباه. لكنه فشل في ذلك حين أحرق مصحفاً في مالمو في شباط / فبراير بالتزامن مع مظاهرات غالبيتها من المهاجرين احتجاجاً على سياسة “سحب الأطفال” من قبل هيئة الرعاية الاجتماعية السويدية (السوسيال). فلم يلقَ الاهتمام الذي يتوسله من وسائل الإعلام ومن المجتمع المسلم في السويد.

لكنه عاد مؤخراً واجتذب اهتمام الإعلام نسبياً إثر اندلاع احتجاجات ضده أفضت إلى أعمال شغب وإصابات في صفوف الشرطة في مدن ذات كثافة مهاجرة مثل نورشوبيغ ولينشوبينغ وأوريبرو ومالمو وغيرها. 

وفيما بادر شبان في أوريبرو إلى تنظيف ما خلفته الاحتجاجات وقدموا لعناصر الشرطة الورود والشوكولاته، استمرت الاحتجاجات الليلية في تلك المدن حتى ساعة كتابة هذه السطور. وأشعل شبان إطارات وأحرقوا سيارات ورشقوا عناصر الشرطة بالحجارة.

وأدانت رئيسة وزراء السويد، ماغدالينا أندرسون، أعمال الشغب التي قالت إنها استهدفت الشرطة وتسببت بإصابة عدد من أفرادها وحرق عدد من سياراتها. وأكدت أندرسون أن “الشرطة تدافع عن الديمقراطية” وأنها تتمتع “بكامل الدعم الحكومي والمجتمعي”، وأنها “ستواصل التصرف بحزم لاستعادة السلم والنظام”. وشددت على أن للجميع الحق بالتعبير عن آرائهم من غير اللجوء للعنف.

ولا يعتبر حرق المصحف جريمة في القانون السويدي. فقد أسقط القضاء السويدي عام 2020 القضايا المقامة ضد بالودان بشأن حرقه المصحف في مالمو في العام ذاته. وكان تحقيق النيابة العامة قد أفضى إلى أن حرق المصحف لا يشكل تهديداً ضد فئة دينية أو عرقية ولا هو بالأمر غير قانوني.

في المقابل، قال المحامي محمد عنيزان المقيم في مالمو إن الجالية المسلمة في السويد ورمزها الأكبر يتعرضان للإهانة فيما تتذرع الحكومة بحماية حرية التعبير. وأضاف: “هي نفسها حرية التعبير التي تقول بأن الإساءة لمعتقدات الناس أو التهجم بالرأي على فئة معينة أمر ينبذه القانون وأكدت ذلك الممارسات القضائية.”

وتابع: “نراقب كحقوقيين أداء الحكومة وننتظر منها أن تقوم بمهامها. ونرفض اللجوء للقضاء لاستصدار مذكرات لأن الموضوع يجب أن يكون قراراً سيادياً يحمي طيفاً من المجتمع السويدي من هجوم فئة حاقدة تحاول النيل منه.”

واعتبر عنيزان أن “طلب إسناد موضوع بهذه الحساسية للروتين والإجراءات الطويلة هو استخفاف بطيف من الشعب” محملاً الحكومة مسؤوليته وتبعاته.

كما حمل عنيزان الحكومة مسؤولية القرارات التي وصفها بـ”الفاشلة والمستهترة” والتي أدت للغضب الشعبي معتبراً أن إصابات عناصر الشرطة هي “مسؤولية فشل الحكومة بإدارة شؤون رعايا الدولة”.

“مواقف”

منذ آذار / مارس الماضي، يخضع أحد مراسلي التلفزيون السويدي العمومي (SVT) لتحقيق داخلي إثر مناداته بالودان بـ “الأحمق” و”المريض” أثناء تغطيته إحدى مظاهرات السياسي اليميني. ورفض التلفزيون السويدي تصرف مراسله ووصف سلوكه بـ”غير اللائق بمراسل صحفي خلال أداء عمله”. وأكد أن على مراسليه أن يتصرفوا بنزاهة وألا يكونوا طرفاً في الأحداث التي يغطونها.

في المقابل، دعا موقع “الكومبس” السويدي الخاص الناطق بالعربية الجمعيات والمنظمات الحقوقية الإسلامية إلى رفع دعاوى أمام القضاء ضد بالودان. وقال الموقع الإخباري في منشور على فيسبوك في 15 نيسان / أبريل إن بالودان يستغل حق التظاهر “بالتطاول على الرموز الدينية واستفزاز مشاعر المسلمين (…) ويستغل حماية الشرطة لما تعتقد أنه حق التظاهر للإيقاع بين جمهور عريض والشرطة.” وأكد الموقع أن “الشتائم التي يوجهها بالودان يجب اعتبارها ‘جريمة كراهية ضد مجموعة من الناس’.”

ومن ناحية أخرى، وفي تصريحات نشرها موقع “أكتر” السويدي الخاص الناطق بالعربية في شباط / فبراير الماضي، وصف رئيس مجلس الإفتاء السويدي، الشيخ سعيد عزام، ما يقوم به بالودان بأنه “عمل إرهابي”. وأضاف: “لا نريد أن يأتي شخص موتور ويقوم بقتل راسموس بالودان لأننا عندها سنقع بإشكاليات كبيرة.” 

وحذر عزام من أن أفعال بالودان تؤثر على النسيج الاجتماعي وتحض على الكراهية. وأردف: “للأسف اليهود محميون، والنصارى لديهم البابا، لكن نحن ليس لدينا أحد كي يدعمنا. (…) نحن أصبحنا مليون شخص [في السويد] (…) للأسف نحن لا قيمة لنا والدولة متمترسة حول حرية التعبير.”

وتساءل عزام عن مكمن حرية التعبير في والفكر في حرق المصحف “في الوقت الذي يقال بمحاربة الإرهاب والتطرف، يسمح لشخص متطرف بأن يأتي ويحرق المصحف.”

ووصف عزام بالودان بـ”المخبول وفاقد العقل وأسود القلب والحاقد حتى على الناس الذين لا يعرفهم”. وطالب بسن قوانين تحمي المسلمين ورموزهم الدينية، “لأن الكراهية ككرة الثلج؛ قد تبدأ في حرق المصحف وتنتقل إلى المسجد ثم تأتي لتهاجم الناس.”

ويجرم القانون السويدي التحريض على المجموعات العرقية أي نشر تصريحات علنية تهدد أو تحط من قدر مجموعة من الأشخاص، في إشارة إلى العرق أو اللون أو القومية أو العقيدة أو التوجه الجنسي. ومع أن الشرطة تلقت مراراً بلاغات بخصوص تصرفات بالودان، غير أنه يواصل “نشاطه” حيث يكفل الدستور السويدي حرية التعبير.

عاقل أم مريض؟

لكن اختزال بالودان بوصفه بـ”الأحمق” و”المخبول”لا يكفي لفهمه. فأخواه شاعر وكاتب ووالده صحفي وتظهر سيرته الجامعية تفوقاً دراسياً. فقد أنهى الخدمة العسكرية بعد أن نجح في دراسة المرحلة الثانوية عام 2000. وأثناء دراسة الحقوق، عمل في مكتب “كرومان رويمرت” (Kromann Reumert)، أحد أكبر مكاتب المحاماة في الدنمارك؛ وتدرب في المحكمة الجنائية الدولية بلاهاي. ثم حاز شهادة بكالوريوس في الحقوق عام 2008 بالرغم من عملية جراحية في الدماغ خضع لها بعد أن صدمته سيارة عام 2005.

وأدى حادث صدمه إلى إصابة دماغية جعلته يعاني من أحد أشكال القصور الإدراكي أو الاضطراب العصبي كما بين فحص طبي أُخضع له عام 2015 أثناء محاكمته بتهمة تهديد الشرطة. وأوضح بالودان يومها أن الحادث تسبب في تغيير في سلوكه وجعل من الصعب عليه تحمل أخطاء الآخرين.

لكنه برغم ذلك مارس المحاماة وحاضر في القانون بجامعة كوبنهاغن. وكان عضواً في حزب “البديل من أجل السويد” اليميني المتطرف، ثم أسس عام 2017 حزبه “سترام كورش” لـ”يوقف أسلمة الدنمارك” رابطاً إياه بشخصه ونشاطاته.

دراسته للقانون وسلوكه القنوات الشرعية أربك خصومه. فقد حصل على الجنسية السويدية منذ نحو عامين بحكم أن أمه تزوجت بسويدي عام 1989. وبذلك عطّل قرار السويد بمنعه من دخولها بعد أن خطط لحرق مصحف أمام أحد مساجدها عام 2020. يومها خشيت السلطات أن يرتكب هو أو تحدث بحقه جريمة ما. فحياته قبل ذلك مهدد بالخطر وفقاً لتقييم الاستخبارات الدنماركية (PET).

حرائق مكلفة

ستستلزم تصرفات بالودان من السويد تخصيصه بميزانية لا بأس بها. فأثناء حملته الانتخابية لدخول البرلمان الدنماركي عام 2019، أنفقت الدنمارك لحمايته أكثر من 160 مليون كرونة دنماركية (أكثر من 23 مليون دولار أمريكي في حينه). وفي عام 2018، أقام 53 مظاهرة كان إجمالي كلفة حمايتها 53 مليون كرونة دنماركية (حوالي 8,4 مليون دولار أمريكي في حينه).

ولتقدير إنفاق السويد على حماية بالودان، يجدر النظر إلى أنه ما بين عامي 2008 و2011، أنفقت الشرطة السويدية سنوياً حوالي 6 ملايين كرونة سويدية (حوالي 923 ألف دولار أمريكي في حينه) لحماية الرسام والمؤرخ الجدلي لارش فيلكس (1946 – 2021) المعروف برسومه التي تسخر من نبي الإسلام محمد.

وما يزال من المتوقع أن يصعّد بالودان نشاطه ليعود إلى واجهة الأخبار. وتدرك وسائل إعلام وسياسيون في السويد أنه يسعى لاستخدامهم للترويج لنفسه. إذ لم يعد خبراً مثيراً أن يظهر محاطاً بعناصر الشرطة ليحرق مصحفاً بينما يجتمع حوله بضعة شبان يشتمونه. ويبدو أنه قد نجح في استدراج ردات فعل كان يستجديها ظهرت باحتجاجات عنيفة اندلعت ضده في الأيام الماضية في عدة مدن سويدية.

وتراوحت ردود الفعل على بالودان بين العنيفة والسلمية. واكتسبت الردود العنيفة اهتماماً محلياً وعالمياً خصوصاً في احتجاجات مالمو في آب / أغسطس 2020 اعتراضاً على حرقه للمصحف. وينجم عن أعمال الشغب تلك، إلى جانب الصورة السلبية التي يظهر فيها المنخرطون فيها، إصابات في صفوف عناصر الشرطة وتخريب لمرافق عامة. وقد كلفت تلك الاحتجاجات التي استغرقت ثماني ساعات إصلاحات في البنى التحتية بحوالي مليون كرونة سويدية (114 ألف دولار أمريكي)، ثم الحكم لاحقاً بسجن عدد من المنخرطين فيها.

كما سلط الإعلام الضوء على بالودان أثناء مظاهرة نظمها عام 2020 في الدنمارك حين أوقفت الشرطة رجلاً حاول أن يهاجمه بسكين. وكان من المقرر ترحيل المهاجم وأن يمنع من دخول البلاد لست سنوات؛ فيما صدر حكم بسجنه لستين يوماً لإلقائه حجراً على بالودان.

من ناحية أخرى، لاقت ردود الأفعال السلمية اهتماماً إعلامياً أقل اتساعاً. فقد قرع الكاهن فريدريك هولرتس أجراس كنيسة في مدينة يونشوبينغ للتشويش على مظاهرة لبالودان واضطره للمغادرة. ويواجه هولرتس تهمة “إزعاج تجمع عام”.

من جانبه، اعتبر سامح إيجبتسون، الكاتب والباحث في العلاقات الدينية في جامعة لوند السويدية، أن فرداً واحداً من اليمين المتطرف استطاع أن يصل إلى أهدافه باستفزاز مشاعر الجاهلين الذين يعطون انطباعاً عاماً بأن عوام المسلمين لا يتقبلون نقد الدين أو الإساءة إلى المعتقدات؛ وهي مفاهيم مسموح بها في السويد بموجب القانون.

يضيف ايجبتسون أن سلطات علماء المسلمين في السويد “لا تتعدى أنفسهم” وأن عليهم أن ينتظموا في أحزاب تحصل على الأغلبية حتى يتمكنوا من سن قوانين. وأضاف: “للأسف لم يتعلم هؤلاء العلماء أن الشعب السويدي قاوم سلطات الكهنة والكنيسة لمئات السنين وأن عجلة التاريخ لا تعود للوراء.”

وأضاف أن “المطالبة بتغيير القوانين عن طريق العنف والإرهاب تفسح المجال لليمين المتطرف لكسب شعبية تمكنه من الوصول إلي أغلبية برلمانية تعطي نتائج سلبية على عموم المهاجرين والمسلمين خاصة”.

وختم أنه من الإساءة للديمقراطية السويدية ما جرت عليه سياسات الحكومات الأخيرة بإعطاء إذن الإقامة لأفراد من دون تعريفهم بالنظام السياسي والاجتماعي السويدي وأن من واجبهم احترام قوانين البلاد.

إقرأوا أيضاً:

محمد أبو شحمة- صحفي فلسطيني | 24.04.2024

مع زيادة التهديدات الإسرائيلية… عائلات تترك رفح

للمرة السادسة، اضطرت عائلة أمير أبو عودة إلى تفكيك خيمتها من مكان نزوحها في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، والتوجه بها إلى خان يونس التي تبعد عنها قرابة الأربعة كيلومترات، بعد تزايد الضربات الجوية الإسرائيلية على المدينة الحدودية مع مصر، وزيادة التهديدات بقرب تنفيذ هجوم عليها.