fbpx

نزار قباني الشاعر الذكوري في “المختبر النسوي” 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

خطر نزار قباني يكمن في أنه شاعر عظيم، وهو قادر على تجميل الذكورية وتقديمها بطبق دسم، لتأتي الألحان في الأغاني لتفعل فعلها في تسويق الذكورية كما ينسلّ الرمل من بين الأصابع. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لفتني على حساب “نقطة” على انستغرام وهو “مختبر نسوي” حديث التأسيس، يتناول القضايا النسوية من زوايا نقدية، استخدام أغنية من كلمات نزار قباني كمضمون نسوي ضد النظرة النمطية الذكورية للنساء. كلام القصيدة مناسب تماماً لمنصة نسوية، وهي تحمل عنوان “الخرافة” وتنتقد ما تتوارثه الأجيال من خرافات حول المرأة والجنس والحب والعلاقات. لكن لا يمكن فصل مضمون القصيدة عن صاحبها، الشاعر العظيم نزار قباني. فاسمه، إذ يظهر على منصة نسوية، يوحي بواحد من أمرين: إما أنّ المنصة تعرف من هو نزار قباني وما هي مضامين شعره الذكورية بامتياز، وهذا يعني وضعه تحت مجهر النقد النسوي القاسي، وإما أنّ المنصة لا تعرف شيئاً عن قباني، وبالتالي يصير الاستشهاد به لدعم النسوية، بمثابة خطأ فادح شائع يستوجب التصويب. 

وشاعرنا عظيم على مستوى الشعر، لا جدال في ذلك، وهو ساحر قادر على إحداث زلازل في قرّائه. هو شاعر استثنائي، لا شكّ. بل أذهب أبعد لأقول إنه لعنة، متى أصابت واحدنا، مسّته في الصميم. وفي لعبته الساحرة، يقدر الشاعر الكبير على اقتحام الجماهير بالملايين، خصوصاً حينما يقترن كلامه بالموسيقى، ويغني من كلماته مشاهير الغناء العربي من محمد عبد الوهاب الى أم كلثوم وعبد الحليم حافظ ونجاة الصغيرة وأخيراً، في زمننا المتأخر، كاظم الساهر. كل هؤلاء حملوا كلمات نزار قباني الى ملايين الآذان، ورددتها ملايين الشفاه والألسن، وتناقلها العشاق، بما تحمله من “ألغام” بعضها شعري ساحر، وبعضها محمّل برسائل غاية في الذكورية، إذا ما قيست بمعايير اليوم كما بمعايير الزمان الذي عاش الشاعر.

خطر نزار قباني يكمن في أنه شاعر عظيم، وهو قادر على تجميل الذكورية وتقديمها بطبق دسم، لتأتي الألحان في الأغاني لتفعل فعلها في تسويق الذكورية كما ينسلّ الرمل من بين الأصابع. 

في ذلك شيء من “الخرافة” تماماً كالخرافات التي ينتقدها قباني في قصيدته التي اختارتها “نقطة” لتكون مادة نسوية في مختبرها. وكان حرياً بالقائمات والقائمين على هذا المختبر أن يخضعوا صاحب القصيدة للفحوصات اللازمة قبل إعلانه، من حيث لا تدرين ولا يدرون، صوتاً “نسوياً”، في وقت كانت تبدو قصائده، حتى في عام 1960، مع إصدار اغنية “أيظن” أول مرة، مزعجة في ذكوريتها المهينة للنساء. ففي هذه القصيدة التي لحنها محمد عبد الوهاب وغنتها نجاة الصغيرة، وفي النسخة الأولى التي سنحت لنا الظروف أن نسمعها بصوت محمد عبد الوهاب على العود، كان هناك بيت يقول فيه الشاعر: “سامحته وسألتُ عن أخباره، وركعتُ ساعات على قدميه”، وهذا المقطع أزعج نجاة الصغيرة، وقالت إنه قد يسبب مشكلة لدى الجمهور النسائي الذي سيزعجه تصوير المرأة ضعيفة وراكعة عند قدميّ الرجل. لذا اضطر نزار الى تعديل القصيدة قبل أن تسجلها نجاة بصوتها، لتصير: “وبكيت ساعات على كتفيه”، تخفيفاً من إذلال المرأة التي يكتب نزار قصيدته بصوتها، ويضع على لسانها كلاماً ذكورياً يعزز خضوع المرأة، ويصورها باكية جاثية على ركبتيها من أجل الرجل.

وهذه القصيدة ليست الوحيدة التي تحمل هذا النوع من شحنات الإذلال، وإن كانت للشاعر قصائد كثيرة على منوال “الخرافة” التي اختارتها “نقطة”، تحمل مضموناً قد يبدو لمتلقيه نسوياً. 

مثال آخر من زمن متقدم، حين أصدر كاظم الساهر أغنية “زيديني عشقاً” من كلمات قباني في العام 1997 قبل وفاة الشاعر الكبير بعام واحد، يكشف لنا عن إهانة ذكورية شبيهة، بل أكثر فداحة، حين يقول نزار “من أجلكِ أعتقت نسائي وتركت التاريخ ورائي”، ويتغنى بها كاظم الساهر وتذوب النساء من معجباته بالأغنية، فيما كلامها ومعناه يبدوان كلغم يمكنه ان ينسف دبابة: “أعتقتُ نسائي”. ليست امرأة واحدة فقط من تخضع لعبودية الشاعر، بل “نسائي” بالجمع. ومن أجل الحبيبة، يُعتقهن، بعد استعبادهن. وتمر القصيدة مرور الكرام ولا يتغير كلام الأغنية كما حدث في العام  1960 مع “أيظنّ”، بل تبقى على ما هي عليه تتناقلها الألسن الى يومنا هذا، وكثير منها يردد الكلام من دون ان ينتبه الى معناه، وغالباً بسبب خفة هذا النوع من المستمعين، لا ينفجر بهم اللغم (المخصص للأوزان الثقيلة)، بل ينفجر بمن يمتلكون حساً شعرياً وحساسية نسوية “ثقيلة”، يتشظّى معها الكلام ويتفكك ليكشف سحر الساحر و”خبثه” الذكوري. 

هذان مثالان، يمكن العثور على غيرهما الكثير في شعر نزار قباني، لكنهما الأكثر شيوعاً بسبب تداولهما عبر الغناء، ووصولهما إلى الملايين على متن اللحن وأداء المطربين والمطربات من المشاهير. 

إقرأوا أيضاً:

للشاعر “النسوي”(!) أيضاً قصيدة غير مشهورة (غالباً) يتحدث فيها عن تحرك رغبته الجنسية تجاه قاصر، من عمر ابنته، خمسة عشر عاماً. يقول فيها: 

منطق الأربعين .. يلجم أعصابي

فعفوًا .. إن لم تُثِرني الطيوب

ما أنا فاعل بخمسة عشر

شهد الله .. أنّه تعذيب

شفتاكِ الصغيرتان أمامي

وضميري عليهما مصلوب

وثب الأرنبان نحوي… فمالي

كجدار الجليد لا أستجيب

كلما فكرتْ يداي بقطف

ردّني الطهر عنهما… والحليب

اذهبي .. فالصداع يحفر رأسي

والرؤى، والدخان، والمشروب

لا تصبّي الكحول فوق جراحي

فالصراع الذي أعاني رهيب

لكِ عمر ابنتي… ولين صباها

وتقاطيعها… فكيف الهروب؟

ربما كان هذا الكلام مقبولاً في زمن الشاعر، مع انه تعرض لانتقادات في ستينات القرن الماضي بسبب مضمون “أيظنّ” المهين للمرأة، لكن القصيدة هذه نُشرت في احد دواوينه، ولم تثر اعتراضاً ملحوظاً، وهي تعبّر بوضوح عن شخصية الشاعر، الذكوري بامتياز، والنسوي بامتياز أيضاً إذا اقتطع بعض شعره من السياق العام، ووضع في قالب نسوي كما حدث مع “نقطة” في منشورها، الذي كان من الأفضل تفاديه، أو على أقل تقدير وضعه في قالب نقدي، مختبري، يحلّل نزار قباني ويفصل كرياته الذكورية البيض عن كرياته النسوية الحمر.

هذا كلام لا يعيب الشاعر، ولا يشكّك في عظمته الشعرية. لكن هذه العظمة يجب ألا تهب صاحبها حصانة ولا عصمة من النقد، هو الذي يكره الأوثان، والذي كتب يوماً مقالاً( في أيلول/سبتمبر 1974) ينتقد فيه من لا يتقبّلون فكرة اعتزال أم كلثوم، وكأن اعتزالها يعني انتهاء الغناء وانتهاء الموسيقى. يكتب في ذلك المقال البديع معترضاً على ما يسميه “توثين البشر وإعطاءهم أوصافاً تتجاوز بشريتهم وتدخلهم في نطاق الخرافة… كما أنني ضدّ أن يتجمّد الزمن العربي كله في نقطة واحدة، ليس قبلها قبل وليس بعدها بعد”، ويشير بوضوح إلى أن “سلطة صوت أم كلثوم هي سلطة زمنية، لا سلطة إلهية، أي أنها سلطة قابلة للجدل والنقد”. وفي هذا الكلام ما يشجّع على الخوض في الجدل حول شعر نزار قباني، وسلطته الزمنية، وإخضاعه للنقد، حتى بعد وفاته. ففي هذا النقد إحياء له، وتكريم لذكراه، وانتصار لنسوية نزار قباني على ذكوريته البائدة. 

إقرأوا أيضاً:

محمد أبو شحمة- صحفي فلسطيني | 24.04.2024

مع زيادة التهديدات الإسرائيلية… عائلات تترك رفح

للمرة السادسة، اضطرت عائلة أمير أبو عودة إلى تفكيك خيمتها من مكان نزوحها في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، والتوجه بها إلى خان يونس التي تبعد عنها قرابة الأربعة كيلومترات، بعد تزايد الضربات الجوية الإسرائيلية على المدينة الحدودية مع مصر، وزيادة التهديدات بقرب تنفيذ هجوم عليها.