fbpx

ولاية ثانية لماكرون ويمين متطرّف أقوى من أي وقت مضى

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

على الرئيس المنتخب أن يجهّز نفسه لصيف ساخن جداً، بخاصة إذا ما فشل في حصد 289 مقعداً نيابياً من أصل 577، ليستطيع حكم البلاد وتطبيق برنامجه.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“يستحق الرجل فرصة ثانية لكن علينا أن نراقبه”. هكذا عنونت صحيفة courrier Picard على صفحتها الأولى صباح الإثنين 25 نيسان/ أبريل، مستعيدة جملة للممثّل والمخرج الأميركي جون واين، في إسقاط واضح على إعادة انتخاب ايمانويل ماكرون لولاية ثانية، ستكون الأصعب لرئيس فرنسي منذ سنوات طويلة.

إذاً، طويت الانتخابات الفرنسية بفوز الرئيس الحالي ماكرون بنسبة اقتراع بلغت 58.4 في المئة،؜ مقابل 41.6 في المئة لمرشحة اليمين المتطرّف مارين لوبان، وسط تسجيل نسبة مقاطعة استثنائية بلغت 28 في المئة، هي الأعلى منذ عام 1969، وهذا إن دلّ على شيء فعلى سخط فرنسي عام على السياسة التي أدارت البلاد في السنوات الأخيرة وعلى وضع البلاد عموماً. وقد علّقت صحيفة Midi Libre في هذا الصدد “عليه أن يسمعنا اليوم… ويعمل من أجلنا”. وأضافت في معرض تفنيدها الخارطة الديموغرافية والجغرافية في جولة الإعادة، “لقد أنقذت أصوات اليسار البلاد من كارثة حقيقية، كارثة وصول اليمين المتطرف الى الحكم لكنّ الأسوأ ما زال ممكناً، إذ نعيش زمناً سجّل فيها حزب آل لوبان نتيجة تاريخية. إنها خسارة لكنها بطعم الفوز. حقّقت مارين لوبان الصدارة في أكثر من 22 ألف بلدة فرنسية من أصل 35 ألفاً”. صحيفتا “الايكو” الليبرالية و”لو فيغارو” (يمين الوسط) وحدهما عبّرتا عن سعادة باستكمال ماكرون برنامجه الإصلاحي الحقيقي الذي بدأه عام 2017. 

في ليلة “النصر” كما أطلق عليها مناصروه ووزراؤه ونوابه، شكر ماكرون جموع المصوّتين له من غير المنتسبين والمؤيدين لسياسته. وقال في كلمة مقتضبة في champ de Mars إنّه يعلم جيّداً مدى الخطورة التي تعيشها البلاد اليوم ووعد بأن يأخذ في الاعتبار تلك الأصوات التي رجّحت كفّته دون تأييد لسياسته الليبرالية، التي يصفها البعض بالـ”قاسية اقتصادياً” والتي “تعزّز البرجوازيات والأغنياء على حساب الفقراء”.

ملاحظات عدة يمكن تسجيلها في هذا النهار الانتخابي الذي شهد في نهايته، إثر إعلان النتائج، بعض التظاهرات العفوية من مجموعات يسارية راديكالية، تطوّرت إلى اشتباكات مع قوات الأمن في باريس وتولوز ومرسيليا. لعلّ أبرز تلك الملاحظات هي نسبة الـ42 في المئة التي حصدتها مارين لوبان، وهي نسبة كبيرة جداً، وتعني أنّ صعود خطاب اليمين المتطرّف ليس عبثياً بل يأخد منحى خطيراً، مؤداه إمكانية نجاحه في أي انتخابات مقبلة، بخاصة إذا ما استمرّ تشتت القوى التي تستطيع طرح أجندة اجتماعية تواجه فيها شعبوية الوعود الاقتصادية التي يحملها اليمين المتطرّف.

قبل 5 سنوات، وعد ماكرون بمحاربة اليمين المتطرّف وقال إنه سيفعل كل ما في وسعه لإضعافه، لكن من الواضح أنه فشل في ذلك. يكفي فقط الاطّلاع على نسبة الذين صوّتوا للرئيس الشاب دون اقتناع بسياسته إنما رفضاً لمرشحة اليمين المتطرّف، لنتأكد من أمرين: الاوّل هو عدم قدرة السياسة التي انتهجها ماكرون في السنوات الخمس الماضية على إحباط زحف اليمين المتطرّف الذي يجد نفسه اليوم أقوى من أي وقت مضى. أما الثاني، فهو أنّ فكرة “القوس الجمهوري” التي بدأت عام 2002 في المواجهة بين شيراك ولوبان الأب في الدورة الثانية ما زالت موجودة، إنما ضعيفة ومترهّلة، وأنّ خطاب اليسار ما زال قادراً على تحريك جزء واسع من ناخبيه لمنع اليمين المتطرّف من الوصول إلى السلطة.

جغرافياً، و من دون مفاجأة تذكر، صوّتت المدن الكبرى بكثافة لماكرون فسجّل أرقاماً قاربت الـ80 في المئة،؜ في مدن كتولوز ومونبيليه وبوردو ورين وستراسبورغ وليون. حتى المدن المتوسّطة أعطته نسبة 70 إلى 75 في المئة ككليرمون فيران وليموج وبواتييه. ولم يكن جو الضواحي الباريسية بالبعيد، فحصد ماكرون أصوات 75 في المئة في معاقل الشيوعيين واليسار كأوبيرفيليه ومونتروي وسان دوني مع نسبة مقاطعة كبيرة. قد تكون المفاجأة الوحيدة هي تفوقه في مدن جنوب الشرق كنيس وكان، حيث تتركّز قواعد اليمين القاسي واليمين المتطرف. وحافظت الخارطة الفرنسية عموماً على تصويت الغرب وجنوب الغرب حيث قواعد اليسار للمرشح الذي يواجه اليمين المتطرف، فيما التزم الشمال والشرق بتصويته الكثيف لمرشحة اليمين المتطرّف. ولا بدّ من الإشارة إلى استفادة لوبان من مخزون الأصوات الكبير الذي وفّره لها ناخبو اريك زيمور في الدورة الأولى.

ديموغرافياً، قاطعت نسبة كبيرة من الشباب هذه الجولة (نسبة 47 في المئة وهو رقم قياسي)، وتراجعت نسبة “الشباب الذي يعمل” المؤيدة للرئيس الشاب (24- 35 سنة) حيث أصبح على كفة متعادلة مع مارين لوبان عند هذه الفئة. عند كبار السنّ من هم فوق الـ65 سنة، وعلى عكس ما هو شائع، اكتسح ماكرون غريمته وحقّق 75 في المئة من أصوات المقترعين. وحافظ ماكرون على نسبة اقتراع عالية (68 في المئة) لدى الفئات التي تتراوح أعمارها بين 18 و24. ويمكن فهم تصويت جزء كبير من الشباب لمارين لوبان وجان- لوك ميلانشون في الدور الأول بوعودهم الخاصّة بالطلاب كتأمين منحة شهرية لكلّ طالب وذلك حتى إنهاء تعليمه لقاء التزامه الشغل في مناطق تحتاج لشباب عامل ويشمل ذلك تحديداً قطاعي الصحة والتربية. إضافة إلى وعد بإلغاء الضريبة على الدخل على كلّ من هم تحت الـ30 السنة.

وفي السياق نفسه، صوّت العمّال بنسبة كبيرة لمارين لوبان (63 في المئة) فيما أعطت الكادرات 75 في المئة لماكرون. أسباب عدة تمكن العودة إليها لفهم هذا التصويت، أبرزها تلك الفروقات بين المركز (باريس العاصمة والمدن الكبرى) والاطراف (المناطق الريفية أو فرنسا الهامشية)، إذ يرى عمّال المصانع والمزارعون والحرفيّون وأصحاب المهن الحرّة في الارياف أنّ ماكرون هو المثال الأبرز للعولمة وللنيوليبرالية بنسختها الأكثر تكثيفاً للعداء مع أبناء الهامش، ويستذكر بعضهم حديثه عن “الذين نجحوا والذين هم لا شيء”. تصويت عقابي واضح لليد العاملة البيضاء التي ترفض أوروبا، سوقها وعملتها، كما ترفض الهجرة والمهاجرين وتعتقد أنّ الخلاص يكون ببرنامج وطني/ قومي أولويته فرنسا وإنتاجها المحلّي. برنامج بحسب هؤلاء تجسّده مارين لوبان.

وإذا كان ماكرون قد حقّق فوزه الثاني في معركته مع اليمين المتطرّف، فإنّ 5 سنوات صعبة تنتظره. بين قانون التقاعد، وتهديد السترات الصفر بالعودة الى الشارع، وزيادة الغضب الاجتماعي، إضافة إلى الحرب في أوكرانيا والملفّات الأوروبية والعالمية العالقة، على الرئيس المنتخب أن يجهّز نفسه لصيف ساخن جداً، بخاصة إذا ما فشل في حصد 289 مقعداً نيابياً من أصل 577، ليستطيع حكم البلاد وتطبيق برنامجه.

مهمّة تبدو صعبة إذا لم تكن مستحيلة، مع دعوات متزايدة على اليسار واليمين لتشكيل تحالفات هجينة تفرض حكومة مساكنة تقيّد عمله وتمنعه من الحكم. ولعلّ أفضل اختصار لتلك المرحلة، العنوان الذي وضعته Ouest France على غلافها “عليه أن يصالح الفرنسيين… وبسرعة !”، وذلك الذي نجده على صفحة ال Humanité الشيوعية التي عنونت “أما وقد هزمت مارين لوبان، فعلينا الآن مواجهة ماكرون”. ودعت إلى أكبر تحالف يساري- اشتراكي- شيوعي- بيئي لفرض حكومة Cohabitation على ماكرون ومعاقبته.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.