fbpx

“سر سال”: فسحة الأيزيديين للتعبير عن أنفسهم بعيداً من التكفير 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“نحن منعزلون ومنغلقون على أنفسنا لتجنّب القمع الذي لاقيناه منذ عقود، لا نطلب من أحد دخول ديننا، ولا نجبر أحداً على ممارسة طقوسنا، لكن اتركونا نعيش ونؤمن بما نشاء”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“لا نعبد النار ولسنا كفرة، هذه المعتقدات هي من ذبحت واستباحت دماء الآلاف من أبناء هويتنا على يد داعش”.

بهذه العبارات، وبحزن يخرج من عينيها، وسط أصوات الزغاريد والموسيقى الايزيدية المبهجة، وارتداء النساء زيهن التقليدي، تخرج دمعة من عين تالا راسم، تحاول مسحها بكمّ ثوبها المطرز بجميع الالوان، وتقول، “برغم كل شيء، سيبقى العراق مسقط رأس الايزيدية وهذا مكاننا الذي سنحتفل فيه كل مرة”. 

تعيش مدينة بعشيقة  في محافظة الموصل، مع بقية المناطق التي يعيش فيها المكون الايزيدي، هذه الأيام، احتفالات مستمرة بمناسبة بدء رأس السنة الايزيدية، ويُعد عيد رأس السنة (السري سال) من أهم الأعياد الدينية والاجتماعية لدى الإيزيديين وتشترك في هذا العيد مدن وقرى إيزيدية. 

يشبه هذا العيد، “أكيتو” أي عيد رأس السنة البابلية والاشورية، إذ يبدأ في الأول من نيسان/ أبريل من كل عام وهو، بحسب الاعتقادات القديمة، رمز ميلاد الأرض والحياة عليها. 

كلمة “السر سال” تعني “رأس السنة” وهي كلمة كردية مركبة من مقطعين “سرّ” بمعنى رأس و”سال” بمعنى السنة، ويوافق هذا العيد سنوياً يوم الأربعاء الأول من شهر نيسان الشرقي، وبهذا فالايزيديون بدأوا السنة من شهر نيسان وجعلوه أول الشهور عندهم، علماً أن الأربعاء من الأيام المقدسة عندهم على مدار السنة. 

وتوضح راسم، أنه بحسب معتقدات الأيزيديين فإن الربّ خلق الكون في ستة أيام ويوم الاربعاء كان هو اليوم السابع، فتخثرت الارض “بلالش” اي “خميرة الارض” وان يوم الاربعاء يوم إلهي، يدل على الخلق بالبركة والعطاء.

فرحة لا تكتمل أبداً 

توضح تالا، التي خسرت 3 من اشقائها عام 2014، أن التحريض المستمر ونشر الاشاعات والاكاذيب حول الأيزديين والتحريض عليهم، جعل البعض يتحسر على أيام “داعش”، إخوتها قتلوا بحجة انهم “كفرة”. 

“احلم بأن يعود الزمن وأرى إخوتي وهم يحتفلون معنا قرب معبد لالش، حيث نمارس طقوسنا وافراحنا معاً، لكن “تحقير وترهيب كل مختلف في هذه الارض، سرق منا اخوتنا وجعلنا نعيش الغصة يوماً بعد يوم”. 

تريد تالا مكاناً تمارس فيه قناعاتها ببساطة من دون ان تُتهم بالكفر، وأن تصبح هذه التهمة عبارة عن تهديد يلاحقها ويلاحق أبناء بيئتها. 

وبرغم كل شيء، تقول “أؤمن بالحياة في بلادي، وأطمح إلى أن يتقبّل المجتمع اختلافنا، وأن يتوقف القتل”.

ديانة مرتبطة بالكون 

لا تعرف سناء شنكالي، في أي سنة وجدت الديانة الايزيدية على الأرض، مؤكدة لـ”درج” أن “ليس للايزيدية سنة تاريخية محددة تحدد بحدث معين وإنما الحدث بالنسبة إلى الايزيدية هو الخلق والتكوين وربطهما بصفاء الروح”.

“هناك من يتهمنا بعبادة النار والشمس والشيطان، فقط لأننا نقدّس النور وكل مصادر الضوء التي تنير الظلام، وبعضهم يقول إننا نعبد ابليس! ما هذا يا رب؟”، تطلق سناء ضحكة عالية، إلّا انها سرعان ما تضيع في ضجيج الاحتفال، وتكمل حديثها لـ”درج”: “من أين يأتون بهذه الخرافات؟ وصل الامر بهم ان يتهمونا بأننا نحتفل في عاشوراء، الا يعلمون أن إثارة الفتن من خلال الكذب واتهام مجتمعات كاملة قد تبيدهم كما حصل معنا؟ من يتحمل مسؤولية قتل آلاف الايزيديين؟”. 

وتبين شنكالي أيضاً، أن من البدع التي تم اتهام الايزيدية بها هي اتباعهم ليزيد بن معاوية نظراً للتقارب بين اسمه واسم دينهم. تقول إن معظم الايزيديين لا يعرفون من هو يزيد!”. وتشرح الباحثة في الانثروبولوجيا آمنة المحمداوي ان أصل كلمة “الأيزيدية” في اللغة المحلية تعني “عَبدة الرب”، أي أنهم يصفون أنفسهم بعُبّاد الله، عكس اتهامهم بأنهم “عبدة الشيطان”. 

شهد الايزيديون مأساة كبرى مع إقدام تنظيم “داعش” على قتلهم وطردهم وسبي نسائهم اللواتي لا يزال من بينهن نحو 2500 مفقودة. 

سناء كانت سبية من سبايا “داعش”، ونجت واستطاعت الهروب: “بعدما استعدت حريتي، عشت أياماً سيئة، إذ خسرت اختي وابنة عمي، كانتا مخطوفتين معي، لكن منحني الله عمراً جديداً وزوجاً صالحاً، جعلني أتعايش مع ذكرياتي تلك، وهذه المرة الاولى لنا معاً في هذا الاحتفال، والسنة الاولى دون عائلتي والسنة الثامنة دون اختي وابنة عمي وبقية اقاربي”.

وتوضح سناء ان الطائفة الأيزيدية هي من أكثر الطوائف معاناة من العنصرية والكراهية في العراق، وليس “داعش” وحده من كفّرهم. توضح أنها ومنذ الصغر كانت تسمع شكوى أبيها من تنمّر زملائه في العمل ورفضهم تناول الطعام الذي يجلبه او حتى مصافحته او تهنئته في اعياد الأيزيديين كما يفعل هو معهم جميعاً، بحجج واهية كثيرة.

“نحن منعزلون ومنغلقون على أنفسنا لتجنّب القمع الذي لاقيناه منذ عقود، لا نطلب من أحد دخول ديننا، ولا نجبر أحداً على ممارسة طقوسنا، لكن اتركونا نعيش ونؤمن بما نشاء”.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.