fbpx

لماذا فشل “حزب الله” في إدارة الانتخابات اللبنانية؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ترشيح مروان خير الدين والاستماتة في محاولة انجاحه، أسقط ورقة توت أساسية كان الحزب يحاول عبرها التمايز عن حلفائه الفاسدين، وكان لهذه الحقيقة ارتدادات واضحة تمثلت في ضعف الحماسة للاقتراع من قبل ناخبين لطالما تقاطروا إلى صناديق الاقتراع لـ”حماية المقاومة”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

من غير الواقعي القول إن هزيمة انتخابية لحقت بحزب الله في لبنان، لكن يمكن بسهولة الحديث عن فشل الحزب بإدارة الانتخابات وعن عجزه عن استثمار فرصة انكفاء سعد الحريري، ويمكن أيضاً الإشارة إلى قصور واضح في الخطاب لم يمكنه من الاقتراب من حساسيات حلفائه. 

نعم عجز “حزب الله” عن حماية نظامه، على رغم أن هزيمة انتخابية لم تصبه. فالوجوه التي تهاوت في يوم الاقتراع هي وجوه النظام. طلال أرسلان ووئام وهاب وإيلي الفرزلي وفيصل كرامي وأسعد حردان، هؤلاء في واجهة الخاسرين، ولطالما كانوا جزءاً من ترسانة الحزب الأهلية. وسعد الحريري الذي أفسح للحزب، وقدم له فرصة للاستثمار في الفراغ الذي خلفه انسحابه، لم يُصِب بهديته هذه المرة أيضاً، كما أن الحزب أبدى عجزاً عن استقبال الهدية وعن توظيفها، فتدفقت جحافله الانتخابية على شوارع بيروت، وحدت من قوة الدعوة الحريرية للمقاطعة.

هذا على المستوى الرمزي، أما على المستوى الواقعي، فمسارعة الحزب وإعلامه لرأب الصدع الكبير الذي لحق بالتيار العوني جراء نتائجه المتراجعة على نحو واضح في صناديق الاقتراع، فلن يفيد في حجب الحقيقة الواضحة والمتمثلة في أن حليف حزب الله المسيحي أصيب بتراجع انتخابي سيكون له ارتداداته. أما الفشل الثالث، فهو أوضح من سابقيه، فنسبة الاقتراع الشيعي للحزب انخفضت على نحو واضح، وتمكن لائحة “معاً نحو التغيير” من خرق لائحة الحزب بمقعدين غير شيعيين، هو حدث غير مسبوق منذ نحو ثلاثين سنة!

لكن البحث في أسباب هذا التعثر يقودنا إلى أكثر من حقيقة أن الحزب يمثل نظاماً فشل وانهار وأن الانخراط المتواصل في حماية رموزه له أثمان على الحزب أن يدفعها.

الحقائق الأخرى لا تقل فداحة عن حقيقة تولي “حزب الله” قتالاً مستميتاً دفاعاً عن النظام الفاشل والفاسد. فأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله قرر أن يكرر هفوة “اليوم المجيد”، تلك التي أفضت إلى هزيمة انتخابية للحزب في العام  2009، يوم وصف احتلال حزبه بيروت بـ”اليوم المجيد”، وهو هذه المرة كثفها ووزعها في أكثر من اتجاه، فأصابت مسيحيين ومعارضين شيعة، ولم تستثنِ قوى سنية، وأضاف حزبه إليها بعداً مشهدياً، فطافت مواكب سيارة ترفع صور الحزب في البترون، معقل المسيحيين الموارنة، وانتشرت ماكينات الحزب وحركة أمل في بيروت في وقت انكفأت فيه العراضات الانتخابية السنية عنها، بما أوحى بأن “7 أيار” انتخابية على وشك أن تحصل. وفي صيدا قررت ماكينة الحزب معاقبة المرشح والنائب أسامة سعد الذي يتمتع بشعبية واسعة بسبب انخراطه بالاحتجاجات التشرينية منذ العام 2019، وجردت لهذه المهمة جيوش التخوين، وهو أمر ارتد على الحزب في بيئة لم يسبق أن كنت له العداء.

راح حزب الله يراكم الخسائر تلو الخسائر، ويمارس انتشاء غير مسبوق بالنفوذ، غير آبه بحساسيات ليست بعيدة عنه. وهو قدم حماية نظام الفساد والفشل على أي اعتبار آخر. وتمثلت ذروة عدم اكتراثه بحساسيات الناس، في ترشيحه المصرفي مروان خير الدين القريب جداً من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وترافق الترشيح مع فضيحة الكشف عن وثائق تهريب ملايين الدولارات عبر مصرف خير الدين إلى الخارج لمصلحة نجل سلامة. هذا الترشيح أضعف حجة الحزب التي كان يروج لها في مناطق نفوذه لجهة أنه لا يحمي سلامة وأنه راغب في الإطاحة به. 

ترشيح مروان خير الدين والاستماتة في محاولة انجاحه، أسقط ورقة توت أساسية كان الحزب يحاول عبرها التمايز عن حلفائه الفاسدين، وكان لهذه الحقيقة ارتدادات واضحة تمثلت في ضعف الحماسة للاقتراع من قبل ناخبين لطالما تقاطروا إلى صناديق الاقتراع لـ”حماية المقاومة”.

لا شك أن الانتشاء بالنفوذ الواسع الذي حققه حزب الله في السنوات الأخيرة ساهم في انخفاض منسوب ذكاء آلته السياسية، وأعاق قدرته على الاستفادة من هفواتٍ كـ”اليوم المجيد”، كما أن ضيقاً في قوى لم تبد الطاعة المطلقة أفضى إلى انشقاقات أصابت الحزب. فالابتعاد خطوة واحدة عن مواقف نصرالله بالنسبة لجيوش الحزب الالكترونية والإعلامية ستكون خطوة باتجاه تل أبيب. فراس حمدان خائن وعميل لأنه ترشح ضد مروان خير الدين، والمرشحون الشيوعيون الذين كانت لهم صولات وجولات في قتال الإسرائيليين وفي المعتقلات هم خونة لأنهم سمحوا لأنفسهم بالترشح ومنافسة مرشحي حلفاء الحزب.

في دائرة مثل مرجعيون حاصبيا، ضمت اللائحة المرعية من حزب الله علي حسن خليل المدعى عليه بقضية انفجار المرفأ، ومروان خير الدين المتورط مع رياض سلامة بحجز مدخرات الناس في مصرفه وأسعد حردان الساقط على المقعد من خارج أهله. حزب الله شعر أن بإمكانه أن يخوض الانتخابات بهذه الوجوه. 

كل هذا قبل أن يستعرض المرء أن هذه الانتخابات تجري على وقع انهيار كبير وفشل وظاهرة فساد تفوق نظيراتها في العالم. وحزب الله كان أعلن أنه ممنوع على اللبنانيين إسقاط النظام. 

صحيح أن مهمة اسقاط النظام صعبة وشاقة، لكن مهمة حمايته أيضاً محفوفة بأثمان كبيرة، ما جرى في هذه الانتخابات هو أحد تجلياتها.

إقرأوا أيضاً: