fbpx

عاشوراء العراق: “تزخيم الطقس الحسيني في ظل الانقسام الشيعي”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“يتذكر العراقي أنه غير قادر على مجابهة جور وطغيان الطبقة السياسية التي تحكمه، فيمارس طقوسه التي تكون بمثابة تنفيس وحرية صغيرة وسط حالة قمع كبير”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كنوع من الولاء والمساندة للإمام الثالث لدى الشيعة الحسين بن علي بن أبي طالب، يواظب مواطنون من مختلف محافظات العراق، على القدوم إلى مدينة كربلاء، حيث ضريحه ليتذكروا موقعة كربلاء التي بدأت في السابع من محرم سنة 61 هجرية، بين الحسين وقلة قليلة من أتباعه، وجيش يزيد بن معاوية، واستمرت لمدة ثلاثة أيام متواصلة، فانتهت يوم العاشر من محرم، بمقتل الحسين وجزء من عائلته، حيث تم سبي الجزء الآخر. ليصبح هذا اليوم لدى الشيعة، بمثابة تذكير بالظلم والأذى، واستخلاص العبر من الأئمة. لكن فعل المواظبة هذه الأيام يجري تزخيمه سياسياً، فتتولى  الأحزاب الدينية الحاكمة تنظيم المواكب نحو المدينة، وتقيم الاستراحات على الطريق، فيما يجري تضخيم الطقوس على نحو غير مسبوق.

تصطف المئات من السرادق على امتداد الطريق المؤدية الى كربلاء، بقماش أسود، ورايات حمراء وخضراء، تعلوها عبارة “يا حسين يا شهيد كربلاء” فيما يقف رجل يرتدي السواد في مقدمة “السردق” والذي يسمى في العراق “الموكب” ليقدم جميع الخدمات المجانية، من توفير السكن والمنام والطعام المجاني، وحتى بطاقات تعبئة رصيد الهاتف والثياب الجديدة، للسائرين والمتجهين من مدن ومحافظات مختلفة، صوب مدينة كربلاء في أيام محرم.

طوعية البكاء 

لا تقتصر حكاية “المواكب الحسينية الطوعية”  في محرم، على فكرة مؤازرة الحسين و”المشّاية”، وهي كلمة تطلق على السائرين مشيا على الأقدام- بل تحتوي على مجاميع عديدة، في كل موكب، لتأدية مهام اللطم والضرب بـ”الزنجيل”، وهي أداة حديدية مكونة من عدة سلاسل تخصص لضرب الظهر وحتى ضرب الرأس، أي “التطبير” وتقوم فكرة هذه الطقوس، ومهما اختلفت الافكار والاراء حولها، على موروثات شعبية يدافع عنها البعض ويعتبرها البعض الآخر “بدعة وضلالة”. 

حمد الساعدي، وهو متطوع في موكب “أحباب الحسين” منذ اكثر من سبعة اعوام يقول لـ”درج” انه وعائلته، يتركون كل شيء في شهر محرم، من أجل الموكب وخدمة “الزوار” فيتم تقسيم العمل بينهم جميعاً، حيث تقوم زوجته، بطبخ الطعام كل يوم، ويقوم بتوزيعه هو وأولاده، على المارّة: “أشعر بامتنان لكل من يقف عند موكبي ومنحي طريقة صالحة لكسب الثواب، حيث أقوم بجمع مبلغ من المال كل عام لهذا الموكب، وما اقدمه كله، مجاناً وعلى نفقتي الشخصية، ولا اريد سوى الأجر بعد الممات”.

ويوضح الساعدي، انه سابقا، كان قد مارس طقوس ضرب الظهر بـ”الزنجيل” والتطبير، لكنه تركها، بعد ان تيقّن، ان “حب الأئمة في قلبي”، دون الحاجة لتعذيب جسده: “كلّ يعبر عن حبه للحسين بالصورة التي يراها مناسبة، طالما انه لا يؤذي الآخرين، لكنني تركت التطبير بعد أن استشعرت قوة تمسكي بقضية الطف، من خلال توفير الطعام والمؤونة للمارين، أكثر مما أفعله بجسدي، فلربما أحد الزوار، فقيراً وجائعاً، هو أحوج إلى الطعام من إيذائي لجسدي”.

ثورة تشرين الحسينية 

يؤيد هذا الكلام، سجاد الحسناوي، وهو احد المواطنين المواظبين على المشاركة عن طريق المشي من مدينته الزبير الواقعة جنوب البصرة حتى كربلاء، موضحا، ان رسالة الحسين، لم تتطلب “إظهار المزيد من الدم” لاعلان الولاء، وان “قضيته وثورته أكبر من فكرة تطبير او مشي على الجمر”، مؤكداً ان هذه الممارسات لا تقدّم شيئاً نافعاً، ولا حاجة لها: “اتباع ثورة تشرين، هم اتباع الحسين الحقيقيين، لأنه كان ثائرا ضد الظلم ورافضاً لطغيان السلطة آنذاك”.

كل مرة يتجه سجاد الى كربلاء، يحمل راية “نريد وطن” وهو شعار حمَلهُ ثوار “تشرين” في ساحات التظاهر ضد السلطة وضد الفساد.

بداية المواكب 

أصول طقوس الندب الحسينية بحسب السردية الشيعية تعود إلى من بقي من آل بيت الحسين بعد وقوع المجزرة، حيث أقاموا طقوساً بكائية وراحوا ينشدون الشعر الحزين ويندبون أهلهم وأطفالهم. والبعض يقول إن زينب، اخت الحسين، وحفيدة النبي محمد، حينما رأت رأس أخيها مقطوعة ومرفوعة على رمح للمرة الأولى، راحت تدق رأسها في مؤخرة الموكب، ما تسبب بجرح جبهتها وسيلان الدم عليها، وعلى هذا يعتمد من يدعون لشج الرؤوس أو التطبير. 

ويوضح الباحث الانثربولوجي حيدر زوين، ان تفسير فكرة الموكب الاولى يفتقر الى المنهجية، الحكاية هي حزن عائلي خاص، تقوم به اي عائلة إذا حل بها ما حلّ بعائلة الحسين: “عند وفيات الانبياء والائمة في الديانات الأخرى قامت جميع عائلاتهم بأمور مماثلة لكن الأمر لم يتحول الى طقس ديني. إذا الطقس الحسيني بكل تفصيلاته العقيدية، موضوع اكثر تعقيدا من تكرار لفعل قام به من بقي من اهل بيت الامام الحسين”. وهنا يجب ملاحظة عوامل التنافس بين التشيعين العراقي والايراني في إحياء ذكرى عاشوراء، وهو تنافس يعود بجذوره إلى أزمنة سحيقة، ولكنه انبعث اليوم مجدداً في ظل الاحتقان الذي يشهده العراق بين حلفاء طهران من الفصائل المسلحة وبين الصدريين.

ويبيّن أن في السرديّة الشيعية “حثّ كبير من قبل الائمة من ذريّة الحسين على إقامة الطقس الحسيني، وكما هو معلوم أن غالبية هؤلاء الائمة عاشوا في العراق، بيد أن الموضوع يتجاوز الحدود الوطنية الحديثة. وقد تسببت العقيدة السياسية للشيعة بأن يواجهوا السلطات تاريخياً، وأن تمنع طقوسهم الدينية، ويعيشون المطاردات والقتل، وترتّب على شعور الشيعة بالمظلومية، رمزية عالية تعبّر عنها،  فكانت واقعة كربلاء بكل ما تحمله من تراجيديا.

في المأثور، يقول زوين، أن طلب جعفر الصادق(وهو سادس الأئمة لدى الشيعة الاثني عشرية) من أحد الشعراء أن ينعى جده الحسين. فانبرى بقراءة أبيات بأداء شعري. لكن الصادق طلب منه أن يضيف إليها لحناً في الأداء، وهو ما بات يعرف اليوم في العراق بـ ” النعاوي” أو ” المواويل”. 

أما ما يتصل بالفعاليات الاخرى، ومنها دق الطبول وإشعال النار ورفع جذوع الاشجار والرايات فهذه، كما يقول زوين، من الموروث القديم لغير العرب والمسلمين وأعيد إنتاج معناها بما يتناسب مع الثقافات العربية والاسلامية: “ليس الطقس الحسيني فحسب، بل أن أي فعل طقسي لاتبقى بنيته ثابتة تاريخيا، فإذا كان يرمز الى بنية نفسية أو دينية واقتصادية حين التأسيس فقد يتحول إلى رمز للتحدي في يوم ما، وقد يرمز الى الشعور بالخطر الوجودي كما في حالة بعض الشيعة”.

اموال وثواب 

من جهته، يوضح عدنان صبيح ثامر وهو باحث انثروبولوجي، أن ميزانية المواكب الاقتصادية تعتمد على منافذ متعددة لتمويلها، وذلك بسبب حاجة هذه المواكب لأموال طائلة لإن تأسيسها على الأغلب، يأتي من أفراد، وليس جماعات: “قبل سنوات عديدة وحينما كانت ميزانية الدولة عالية، وزعت مبالغ قليلة لبعض المواكب، لكنها لا تقارن مع حجم الصرف العالي من قبل المواكب لأيام متتالية، فهي على الأغلب جهود فردية من أشخاص يبحثون عن الأجر، وهناك أبواب عديدة منها التجار الشيعة الذين يعتبرونها زكاة عن تجارتهم، أو أفراد عاديين يعتقدون ان ما صرفوه سيحصلون عليه مضاعفا من الدنيا بمنطق الأجر والثواب”. 

والفئة الثالثة المتبرعة للمواكب، بحسب ثامر، “هم أصحاب النذور الذين تتحقق طلباتهم وامنياتهم، فيرجعون تحققها إلى إيمانهم وإقامتهم الطقوس لأنهم يجدون ان استمرار هذه الثقافة الدينية هو جزء من الامتنان الروحي للإمام الذي لبى حاجاتهم”.

“ضد القمع”

المواكب الدينية عانت الكثير من الصد إبان حكم صدام حسين ورافق الممارسين لها القمع والتنكيل، ذلك أن النظام يعتقد ان هذه الممارسات تحيي روح الثورة في الإنسان ضد الظلم خصوصا ان مبدأ القضية الحسينية والكثير من مصطلحاتها تتحدث عن المظلومية، كما ان الطقوس كالنعاوي وضرب الصدور(اللطم) لها رمزيتها داخل المجتمع ولها معان كثير يفهمها ممارسوها دون أن يضطروا إلى التلفظ بأي خطاب سياسي كما يقول ثامر: “يتذكر العراقي أنه غير قادر على مجابهة جور وطغيان الطبقة السياسية التي تحكمه، فيمارس طقوسه التي تكون بمثابة تنفيس وحرية صغيرة وسط حالة قمع كبير”. 

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.