fbpx

الجمهور التونسي في مواجهة انكسار شيرين 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ما حصل مع شيرين في حفلها في مهرجان قرطاج طرح علامات استفهام حول إلى أي مدى يمكن للفنان أن يعتمد على تعاطف الجمهور ورحابة صدره أثناء أوقاته الصعبة التي ستنعكس حتماً على قيمة أدائه؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ملابسات عديدة شابت حفلة المغنية المصرية شيرين عبد الوهاب في حفل الاختتام للدورة 56 من مهرجان قرطاج الدولي.

ظهرت شيرين أمام جمهورها ملتحفة في ثوب أسود، ومشت مثقلة الخطى تحمل معها مآسيها وآلامها فكان صوتها حزينا معبئا بالدموع التي ما انفكت تذرفها بين الحين والآخر، بين أغنية وأخرى على خشبة المسرح. لم تكن في كامل تألقها، بدت متعبة وكأنها تتحامل على نفسها لتبقى واقفة. وُضعت لها مقاعد على المسرح حتى تستطيع أن تجلس عليها إذا ما خانتها قدماها وهي تغني. وبالفعل فقد راوحت بين الجلوس والوقوف أثناء الغناء.

بدت مهتزة من الداخل، وهشة إلى أبعد الحدود تطلب من الجمهور أن يُساندها حتى تحيي هذا الحفل الذي تحوّل إلى “مهمة صعبة”، أو بالاحرى “صعبة جداً” إلى الحد الذي لم تستطع معه إكمال السهرة إلى الأخير، فقد كان يتفرض أن يستمر الحفل لمدة ساعتين لكنها لم تستطع أن تغني إلا لمدة ساعة ونصف الساعة تقريباً، قبل أن  تركض هاربة من المسرح وتدخل الكواليس وكأنها تستنجد بها. هذا الأمر أثار حفيظة شريحة واسعة من الجمهور التونسي الذي جاء منذ ساعات المساء الأولى وانتظر في طوابير طويلة ليحظى بمتعة الحضور في حفلها، من دون إغفال أولئك الذين لم يسعفهم الحظ في الدخول أساساً إلى المسرح.

انتظرها الجمهور التونسي بكل حب وتعاطف مع حالتها النفسية، بعدما ذاعت خلال الأسابيع الماضية حكاياتها مع زواجها الفاشل وتعرضها للتعنيف وانعكاس ذلك على هيأتها ومظهرها كما صرحت هي في مقابلات سابقة. كثيرون بقوا واقفين على حواف المسرح الروماني بقرطاج، هدفهم الوحيد أن يحظوا بلحظة رؤيتها وهي تغني. حاول الجمهور مواساتها بكل طاقته، غنى معها، تفاعل مع أغنياتها الحزينة التي لم تنفك تذكر فيها بمأساتها وقصة طلاقها الأليم، تأثر بدموعها، وغفر لها أدائها المتوسط والذي لم يكن في مستوى تطلعاته، ولكنه لم يستطع أن يتحمل أن تتركه وتذهب فجأة دون سابق إنذار، مُنهية الحفلة على عجل بكلمات شكر مقتضبة قبل أن تدير له ظهرها وترحل راكضة. 

حاول الجمهور مواساتها بكل طاقته، غنى معها، تفاعل مع أغنياتها الحزينة التي لم تنفك تذكر فيها بمأساتها وقصة طلاقها الأليم، تأثر بدموعها، وغفر لها أدائها المتوسط والذي لم يكن في مستوى تطلعاته.

لم تكن هذه الحادثة الوحيدة التي أثارت الجدل في حفل شيرين وأشعلت وسائل التواصل الإجتماعي وإنما أيضاً ما صرّحت به في بداية الحفل، حين أرادت أن تُرحّب بالجمهور في مصافحة أولى معه فعبرت عن امتننانها للسفير المصري في تونس الذي دعاها إلى مهرجان قرطاج، “الذي يُحيي أي إنسان ممكن أن يكون ميتاً وأنا كنت ميتة”، لتُردف بشكر الطبيب “نبيل عبد المقصود” وهو المعالج النفسي الخاص بها الذي ذهبت إليه مباشرة وقبلت يده قائلة: “منذ أسبوعين قلت له أنني لن أستطيع الغناء في قرطاج، فقال لي ستستطيعين وسأكون معك”.

هذا التبرير لم يرق لكثيرين مثل الإعلامي برهان بسيس الذي عبر في إحدى تدويناته عن استيائه من “النشاز” الذي لاحظه في أداء الفنانة شيرين وما اعتبره سوء تقديرها للمهرجان الذي تغني فيه والجمهور الذي ستظهر أمامه. 

ما حصل مع شيرين في حفلها في مهرجان قرطاج طرح علامات استفهام حول إلى أي مدى يمكن للفنان أن يعتمد على تعاطف الجمهور ورحابة صدره أثناء أوقاته الصعبة التي ستنعكس حتماً على قيمة أدائه؟

هنا اختلفت التقييمات بين الملاحظين للساحة الفنية، بين من اعتبر أن شيرين قامت بخطوة جريئة عندما استمعت إلى نصيحة معالجها بتقديم الحفل رغم عدم جهوزيتها الكاملة لذلك، مُخاطرة بالتعرض إلى موجة انتقادات واسعة على وسائل التواصل الإجتماعي، وبين من رأى أن قرارها كان متسرعاً، وفيه سوء تقدير لرسالتها تجاه الجمهور الذي ينتظر منها أن تطربه. 

ثم هل كان ذلك حقاً اختياراً مدروساً من شيرين أم فقط محاولة هروب إلى الأمام، لتناسي الأزمة وإثبات أنها ما زالت قادرة على العمل والوقوف من جديد على قدميها بعد طلاق مدمر؟

الكثير من النساء ضمن الجمهور حين سئلن بعد العرض عن مدى تفاعلهن مع حفل شيرين، كانت إجاباتهن تصب كلها في الخانة ذاتها: تعاطف تام مع المرأة قبل الفنانة: المرأة التي خذلها زوجها وحبيبها وحوّلها إلى كائن منكسر يلملم أجزاءه المتناثرة بصعوبة.

كل امرأة تونسية بين الجمهور رأت في قصة طلاق شيرين، معاناتها مع الرجال الذين أحبتهم وخذلوها. كان تعاطفاً نسائياً بامتياز.

شريحة من الرجال كانوا أكثر قسوة وحكموا على الفنانة قبل المرأة واعتبروا أن رسالة الفنان يجب أن تأتي على حساب كل الأزمات التي يمكن أن يمر بها.

في الواقع، فإن الحكم على ما حصل مع شيرين في حفل مهرجان قرطاج يبدو صعباً، إذ يتداخل فيه الطابع الإنساني مع الطابع المهني، الحب مع الخذلان، الانتظار مع الخيبة. إنه يشبه الحكم على الحياة في تقلباتها وما تفعله بالإنسان حين تهديه المجد والنجاح ثم تسرق منه كل ذلك في غفلة ليجد نفسه وقد هوى على الأرض وتحطم. حينها لا يبقى له سوى التحلي بالعزيمة والصبر ليلملم نفسه حتى يستطيع الوقوف من جديد. ربما احتاجت شيرين إلى هبة تعاطف وحب من جمهورها كي تجد القوة اللازمة لتواجه الأزمة. والجمهور التونسي لم يبخل عليها بذلك. وهل كان يستطيع أن يفعل غير ذلك وهو يرى فنانة كل شيء في هيئتها يوحي بأنها تمر بفترة عصيبة: وزنها الزائد، انقباض ملامحها، الحزن العميق في عينيها، وهشاشة جسمها. 

ربما لا يمكن تحليل العلاقة الخصوصية بين الفنان وجمهوره بعقلانية لأننا في مجال تحكمه العواطف بامتياز. وكأي علاقة حب بين طرفين، فإن التجاذبات والتناقضات هي التي تحكمها.

ولكن الثابت أن رصيد الفنان من النجاح والشعبية لا يمكن أن ينهار فجأة نتيجة أزمة يمر بها.  فكم من فنان مر بظروف عصيبة من إدمان على المخدرات ومحاولات انتحار وانهيارات عصبية ولكن ذلك لم يقلل أبداً من القيمة الفنية لإبداعاته، لأن الإبداع يبقى حتى وإن اختفى صانعه. ثم يجب ألا ننسى أن الفنان كائن حساس وهش بطبعه، فليس غريباً أن يكون إحساسه بالأشياء والأزمات أكثر من الشخص العادي وليس غريباً أن يجد صعوبة في تخطي المحن. 

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.