fbpx

مصر: لماذا سُرق شنودة من حضن والديه وأصبح “يتيماً”؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“الموظفون داخل دار الرعاية قالوا لي الطفل الآن مسلم وأنت مسيحية لا تحق لك رؤيته أو كفالته، طلبت منهم أن أعمل خادمة في دار الرعاية حتى أتمكن من رؤيته لكنهم عاملونا بطريقة مسيئة”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“كلموني من وزارة التضامن الاجتماعي يوم 7 شباط/ فبراير 2022 وقالولي تعالي عايزينك في مقابلة أنت وشنودة ووالده، لما روحت انتزعوا مني ابني عنوة، كان بيصرخ وأنا بترجاهم يسبيوه لينا، لكنهم أخدوه في عربية وحطوه في دار رعاية الأورمان بمنطقة الهرم، قالولي أمشي من هنا، ولحد اليوم مشفناش شنودة تاني”.

ما زالت آمال ميخائيل تبحث عن مخرج يمكّنها من رؤية شنودة، الطفل صاحب الأربعة أعوام الذي تولت رعايته وتربيته، معتبرة أنه “هدية من السماء” فعاش في كنفها هي وزوجها فاروق فوزي. تقول آمال لـ”درج”: “عثرنا على شنودة داخل كنيسة السيدة العذراء بمدينة النور بالزاوية الحمراء، كان عمره يوم واحد، تركه أهله ولم يسأل عنه أحد، كنت أنا وزوجي محرومين من الإنجاب لأكثر من ربع قرن، ولم أصدق أن بإمكاني أن أصبح أماً لطفل صاحب وجه ملائكي، سميناه شنودة وأصبح ابننا وقطعة منا”.

في مطلع هذا العام قام أحد أقارب فاروق فوزي بإبلاغ الشرطة بأن شنودة ليس ابناً لآمال وفاروق، وكان سبب هذا البلاغ عدم رغبة الأقارب في أن يحصل شنودة على ميراث بعد موت قريبهم، لم تتخذ النيابة إجراء ضد آمال وفاروق لنسبهما الطفل إليهما واعتبرت أنهما حسنا النية.

القضية فتحت تعقيدات لا نهاية لها حول التبني- الممنوع في مصر- أول هذه التعقيدات أن آمال وفاروق نسبا الطفل لهما على الديانة المسيحية، وهذه خطوة محظورة في مصر، فالأطفال “مجهولو النسب” يتم إلحاقهم أتوماتيكياً بالإسلام في الأوراق الرسمية، بعد أن تتسلمهم دور الرعاية التابعة لوزارة التضامن الاجتماعي، وذلك  استناداً إلى المادة الثانية من الدستور التي تقر بأن الإسلام هو دين الدولة، وبالتالي فإن الطفل “مجهول النسب” طالما لم تتوصل التحقيقات إلى ديانة أبويه، فهو مسلم طبقاً للدستور إلى أن يثبت المدعي العكس.  وبرغم أن الطفل تم العثور عليه داخل الكنيسة وفقاً لرواية الأم، إلا أن دار رعاية “الأورمان” في الهرم سمته “يوسف” وبدلت ديانته للإسلام فور استلامه في شباط 2022.

طوال هذه الشهور وقبل أن تظهر قصة شنودة للعلن، كانت آمال تطلب رؤيته ولو لساعة، لتطمئن على أحواله لكن طلباتها قوبلت بالرفض، تقول: “الموظفون داخل دار الرعاية قالوا لي الطفل الآن مسلم وأنت مسيحية لا تحق لك رؤيته أو كفالته، طلبت منهم أن أعمل خادمة في دار الرعاية حتى أتمكن من رؤيته لكنهم عاملونا بطريقة مسيئة”.

لم تعترض آمال ميخائيل على تحويل ديانة شنودة للإسلام وترغب في كفالته في بيتها وهو مسلم، لكن لا يحدث أن يكفل مسيحي طفلاً مسلماً في بيته في مصر، ويضع القانون عقوبات مغلظة تصل إلى السجن خمس سنوات وغرامة 100 ألف جنيه (5147 دولاراً أميركياً).

يقول سامح أبو مينا أحد أقارب آمال ميخائيل لـ”درج”: “طوال الفترة الماضية كانت وزارة التضامن تتجاهل طلباتنا في زيارة شنودة أو كفالته، حتى قررنا إظهار أزمتنا للعلن، والآن تقدمنا بتظلم ضد نيفين القباج، وزيرة التضامن الاجتماعي عند المحامي العام والنائب العام وننتظر الرد بشأن رؤية شنودة أو كفالته”.

قضية شنودة أخذت أبعاداً حساسة تقترب من الطائفية والاتهام بـ”نصرنة” الأطفال مجهولي النسب، يقول سامح أبو مينا: “آمال خافت من البقاء في منزلها بمنطقة الدراسة وتركت مسكنها هي وزوجها ليقطنا عند أقاربها خوفاً من أي رد فعل غير محمود من الجيران”. 

مكاريوس لحظي، المحامي السابق في المفوضية المصرية للحقوق والحريات سرد لـ”درج” النسق التاريخي الذي مر به وقف التبني عند المسيحيين في مصر بعدما كان مشروعا طبقاً للائحة الأقباط الأرثوذكس الصادرة عام 1938.

يقول مكاريوس: “في الفصل الثالث من اللائحة بداية من المادة 110 حتى 123 هناك تنظيم قانوني لحق التبني للمسيحيين بشروط محددة، ومنذ صدور اللائحة عام 1938 وحتى عام 1970، كانت موادها مطبقة على جموع المسيحيين الأرثوذكس في مصر، وكان يحق للمسيحي التبني وتطبيق قانونه الخاص في الميراث، حتى بداية حبرية المتنيح قداسة البابا شنودة الثالث الذي أصدر قراراً بابوياً بوقف تطبيق بنود اللائحة بسبب وجود ما يخالف تعليم الكتاب المقدس وفقه”. 

لم يكن إيقاف العمل باللائحة العائق الوحيد أمام التبني عند المسيحيين في مصر، حتى قام الرئيس الراحل السادات بوضع أساس المادة الثانية في دستور عام 1971، لتكون “مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي من مصادر التشريع” ثم قام بتعديلها مرة أخرى لتصبح “المصدر الرئيسي للتشريع” خلال الاستفتاء على تعديل الدستور ومع التعديل وإضافة الألف واللام للمادة الثانية تعامل المشرع القانوني أن مواد التبني في شريعة المسيحيين الخاصة تخالف النظام العام القائمة على الشريعة الإسلامية التي تحرم التبني بشكل قاطع.

يعتبر مكاريوس أن هناك تراخياً حكومياً وإدارياً متناغماً، مع أن الإسلام دين الدولة، والتبني على هذا الأساس “محظور/ محرم” ويذكر أن هذا الحظر يتسبب في ابتكار أساليب ملتوية وغير قانونية لتسهيل التبني، منها تزوير شهادات ميلاد الأطفال للتمكن من نسبهم للآباء الجدد، وهناك واقعة شهيرة للمواطن “مدحت بسادة” الذي زور شهادة ميلاد طفل من دار الرعاية وسماه ماركو ونسبه إليه، وفي هذه القضية تم القبض على تسعة أشخاص ولاقوا أحكاماً بالسجن لفترات من ثلاث إلى خمس سنوات. 

وسط كل هذه التعقيدات جاءت قصة الطفل شنودة لتكشف على السطح بشكل مكثف كل التعقيدات التي تحدث في ملف التبني في مصر، وملف تبني المسيحيين بشكل خاص، ولن يدرك شنودة بالطبع لماذا أصبح اسمه “يوسف” بين يوم وليلة، ولماذا لا يرقد في فراشه الذي اعتاده لسنوات، ولماذا أصبح بلا أب أو أم للمرة الثانية، ولماذا لم تعطِ وزارة التضامن الاجتماعي والديه الفرصة لشرح أسباب انتزاعه منهم عنوة ولماذا أصبح اسمه “يوسف اليتيم” بدلاً من “شنودة فاروق فوزي”.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.