fbpx

أطفال يتعرضون للضرب والمعاملة السيئة:
دور رعاية أم مراكز تعذيب؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

كان هذا التحقيق والمآسي التي عرضها، نموذجاً صغيراً لما يتعرض له الأطفال في بعض مراكز الرعاية وما الجمعيتين اللتين تناولناهما، سوى جزء من منظومة تغيب عنها حقوق الطفولة وسبل التربية الحديثة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يُنشر هذا التحقيق بالتعاون مع “الجمعية اللبنانية لدعم البحث العلمي”  تحرير باسكال صوما

تنتشر في مدينة طرابلس شمال لبنان وغيرها من المدن دور الرعاية بالأيتام، الاحتياجات الخاصة وغير ذلك من الفئات المهمّشة أو المحتاجة إلى رعاية. وفي ظل الفوضى التي تعم مختلف القطاعات، يوثّق هذا التحقيق شهادات من قلب جمعيتين في طرابلس، رواها أهالٍ وعاملون سابقون، عن تعرّض أطفال للتعنيف وسوء المعاملة… وقد اضطررنا إلى إخفاء الأسماء الحقيقية والكاملة نزولاً عند رغبة الأشخاص ولعدم تعريضهم لأي ضغوط.

‎ “كانوا يقومون بتعنيف الأطفال بطريقة وحشية ويطلبون منا ضربهم بحجة قلة انضباطهم، قلبي كان ينفطر عليهم بعد الضرب، كانوا مثيرين للشفقة. كان يعتري الأطفال خوف رهيب من هؤلاء (المربين)، لدرجة أنهم كانوا عاجزين عن الإفصاح لما يتعرضون له من عنف جسدي ومعنوي”. 

تتحدث ريما عن اثنين من المربيات أ.ن ور.م، وتشير إلى أنهما كانتا تعاملان الأطفال بطريقة سيئة. تؤكد ريما التي عملت في المؤسسة منذ نحو عامين، ولمدة شهرين تقريباً، أنها لم تستطع البقاء بسبب ما رأته وعايشته فتوقفت عن العمل بعد فترة وجيزة.

“جمعية الإنماء الخيري الإجتماعية” هي جمعية معروفة في طرابلس تُعنى بالأطفال الأيتام، مركزها في باب الرمل- الحدادين طرابلس، وهي منطقة تعاني من الكثافة السكانية والصعوبات المعيشية. تضُم الدار عشرات الرُضَّع والأطفال الأيتام وهي مدرسة داخلية لبعض هؤلاء الأيتام، إذ تُقسم إلى قسمين داخلي وخارجي. تدير الدار عائلة نابلسي وتحديداً أنيس نابلسي حالياً.

‎يروي أشرف (اسم مستعار) لمعدّي التحقيق معاناته مع هذه الدار، حيث كان أولاده الأربعة بسبب الوضع الاقتصادي الصعب وبسبب طلاق الأبوين، وقد تعرضوا للتعنيف والضرب ومنهم من يعاني من اضطرابات ومشكلات صحية تفاقمت بسبب الضرب والتعنيف، فابنته التي كانت في الخامسة من عمرها وتعاني من مشاكل صحية، أدى الضرب المستمر إلى تفاقم حالتها، فيما ابنته الكبرى (12 سنة) أصبحت تعاني من اضطرابات نفسية بسبب المعاملة السيئة، على حد قوله.

يروي وائل (اسم مستعار، 10 سنوات)، أحد الأطفال الـ4: “كنا نتعرض للضرب المبرح  بالإضافة إلى حرقنا بالماء الساخن وكانوا يقدمون لنا مأكولات فاسدة”.

اضطر الوالد إلى نقل أولاده إلى مكان آخر بسبب المعاملة السيئة التي تركت آثاراً واضحة على أجسادهم. “الأمر لم يقتصر على التعنيف ونوعية الأكل السيئة، فحتى المساعدات  التي كانت تأتي إلى الجمعية، لم نشعر بأن أولادنا استفادوا منها” يقول الأب.

“قد ما قلك في ظلم قولي أكتر، كانوا يخفون الألبسة التي يتم تقديمها للأيتام على السطح حتى تتعفن من الرطوبة ولا يعطونها للمحتاجين، ربما يستفيدون منها في مكان آخر، ويحاولون الحصول على مساعدات إضافية، كما كانوا يخبئون علب الحلوى داخل دكك المراحيض ولا يطعمونها للأطفال لكي يقتسموها بينهم في ما بعد”، يقول أحد العاملين السابقين مؤكداً أن إدارة الميتم كانت تتلقى مساعدات كثيرة للأطفال الذين لم يستفيدوا منها بشيء. 

فيديو تعذيب

عام 2018، انتشر فيديو يظهر طفلاً كان يحاول الهرب من الميتم ذاته، بسبب الضرب. وأجرت يومها جريدة المدن تحقيقاً جاء فيه: 

“وفق معلومات المدن إن بعض المدارس التي يتعلم فيها أطفال هذا الميتم، تلحظ عليهم الإدارات سلوكاً غير طبيعي، لجهة حزنهم وغضبهم الدائمين والتعبير بعنف عن أنفسهم، إلى جانب عدم نظافتهم وتسوس أسنانهم. ما جعلهم عرضة للتنمر، حتى أنه أصطلح على التعريف عنهم بـ (يي هول ولاد الميتم)”.

450 طفلاً معرّضاً للخطر… سنوياً

تواصلنا مع وزير الشؤون الإجتماعية حينها بيار بو عاصي لسؤاله عن الإجراءات التي تم اتخاذها بما يخص مركز الإنماء الاجتماعي بعد انتشار فيديو يوثق صراخ طفل يحاول الهرب وقد تعهد الوزير حينها بمتابعة هذه القضية، لكنه اعتذر عن الإجابة على أسئلتنا بسبب مضي أكثر من 5 سنوات على كونه وزير شؤون إجتماعية.

أما مستشار وزير الشؤون الإجتماعية القاضي عبد الله أحمد فقد أكد لنا في اتصال معه أن الوزارة تقوم بمتابعة دورية للمراكز عبر إرسال فريق للمراقبة. وأضاف أن التحقيقات التي تقوم بها الوزارة سرية ولا يمكن نشرها على العلن، مشيراً إلى أن هناك سنوياً حوالى 450 طفلاً معرضون للخطر وأن الوزارة تقوم بمعالجة جميع هذه القضايا إما عبر القضاء أو مع إدارة المراكز. 

وعن حادثة فيديو الطفل، أجاب “أكيد بتكون تتابعت”، إلا أن ذلك يتعارض مع شهادات الأهالي التي تؤكد استمرار حصول تجاوزات وتقصير بحق الأطفال. 

كما تواصلنا مع الناشط الاجتماعي ابراهيم وهبي الذي كان تابع ملف الفيديو وقتها، وقد أكد مجدداً حصول هذه التجاوزات، “كان الأطفال يتعرضون للضرب ويحصلون على وجبة واحدة في اليوم”. 

 وأشار إلى أنه بعد انتشار الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، لم يتغير شيء ولم يصر إلى توجيه أي إنذار للدار، وبذلك بات الأهالي يخشون من فضح ما عاشوه خوفاً من الفضيحة أو لأنهم لا يملكون حلاً آخر سوى الدار بسبب الظروف المعيشية والمادية، ما قد ينبئ بتعرض المزيد من الأطفال للعنف، فيما تبقى الدار وإدارتها من دون محاسبة.

وقد تواصل معدو التحقيق مع إدارة الجمعية لطلب التعليق على ما جمعوه من شهادات، إلا أن أي رد لم يصل حتى نشر التحقيق.

آثار التعنيف…

في هذا الإطار، توضح المختصة التربوية منال صوما لمعدي التحقيق أثر التعنيف السلبي على صحة الطفل النفسية، “فمرحلة نمو الطفل هي مرحلة النمو النفسي العاطفي ومرحلة نمو المهارات والسلوكيات، والتعنيف يحد من تطورات النمو والمهارات، ما يجعل من الطفل شخصاً غير متمكن المهارات ويذهب إلى خيارات غير إيجابية من ردود فعل وسلوكيات. وتضيف أن هذا النوع من التعامل مع الطفل قد يجعله شخصاً انطوائياً ومهزوز الثقة بنفسه وعدائياً تجاه الأطفال الآخرين، إضافة إلى تراجع قدرات الاكتساب لديه، ويختلف الأمر بين طفل وآخر”. 

‎وتشير صوما إلى أن “الشخص المعنف يمكن أن يعتبر نفسه مجرداً من الحقوق إذ يخيل إليه أنه لا يملك الحق بالكلام والتعبير عندما تمارس عليه الأعمال العنفية”. 

‎مركز “رعاية” لذوي الاحتياجات الخاصة

منذ أشهر انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي منشور طفل، تعرض للتعنيف في جمعية “ثروة” التي تعنى بذوي الاحتياجات الخاصة بعدما لاحظت والدته وجود كدمات على وجهه وأُذنيه.

تقع جمعية “ثروة” (تأسست عام 2017) في منطقة القبة- طرابلس وتضم عشرات الأطفال من ذوي الاحتياجات الذهنية الخاصة والتوحد؛ شلل دماغي؛ صعوبات تعليمية. وتقوم بالخدمات اللازمة لتأهيل ذوي الإحتياجات الخاصة: الحسي الحركي، التقويم التربوي، دعم نفسي، كما ورد في موقعهم الإلكتروني.

على أثر هذا المنشور الذي رصدناه، تواصلنا مع والدة الطفل، لتخبرنا حقيقة ما حصل. وأوضحت أن طفلها البالغ أربع سنوات مصاب بطرف توحد، والمشكلة الاساسية تكمن في أنه لا يستطيع النطق والتعبير عن مشاعره، “كنت أملأ حقيبته بالطعام، لكنه كان يعود إلى المنزل جائعاً جداً”، وهنا بدأت الأم تستغرب الوضع…

وكانت كلما تذهب لرؤية ابنها خلال الدوام، ترفض المديرة، بحجة أن الطفل يتلقى جلسات مع المعلمين المتخصصين ولا تمكنها رؤيته، إلى أن عاد الطفل في إحدى المرات وخده مخدوش، وأذناه تنزفان، وتظهر عليه آثار الضرب. راجعت الأم الجمعية وقيل لها إن أحد الأطفال قام بضربه. كيف يحدث ذلك كله أمام المسؤولين والمعلمات والمختصين؟ سألت الأم، فكان الرد بأن “المعلمة عندها ظروف”.

في اليوم التالي، لاحظت الأم أن طفلها لا يريد الدخول إلى الجمعية، وبعد شجار مع المعنيين، أخذته ورحلت ولم تعد إلى هناك مرة أخرى. المفارقة، أن الجمعية رفعت دعوى ضد الأم بسبب منشور على “فيسبوك” روت فيه تجربتها.

الأم تحدثت عن تجاوزات الجمعية، وطلبت عدم نشر اسمها في التحقيق، مع أنه بات معروفاً وذلك لتفادي أي مشكلة قانونية. تؤكد الأم لفريق التحقيق أنها حققت غايتها بكشف اعتداء الجمعية وفضحها على مواقع التواصل الاجتماعي وأخبرتنا أن الكثير من الأهالي تشجعوا وتحدثوا معها، منهم أحد الآباء الذي أخبرها أنه ذهب الى الجمعية بعدما رأى المنشور على “فيسبوك”، وطلب مراجعة الكاميرات فكان الرد أن الكهرباء مقطوعة! 

كما أخبرنا والد لطفلين يعانيان من التوحد، عن تراجع حالة طفليه وصراخهما لأسباب غير مفهومة، ناهيك عن إصابتهما بكدمات (عضّ على جسم طفل وآثار أظافر على وجه طفل آخر)، إضافة إلى حبسهما مع أطفال آخرين في بعض الأحيان، في المركز.

 وإلى جانب التجاوزات المتعلقة بالعنف ضد الأطفال، تروي والدة إحدى الطفلات معاناتها مع دفع القسط الشهري الذي يتجاوز قدراتها، مع أن الجمعية تتقاضى مساعدات كثيرة كما تقول  إنما لا يستفيد منها الأطفال، وحجة الإدارة أنها تدفع للمختصين، إلا أن الأم تشير إلى أنها لم تلحظ وجود مختصين، برغم أن الأطفال المسجلين هم من ذوي الاحتياجات الخاصة ويحتاجون إلى رعاية متخصصة.

‎وهو ما أكدته أيضاً والدة طفلة تعاني من النمو البطيء والتأخر الذهني. وقد ساءت حالة هذه الطفلة وأصبحت عدائية بعد وضعها في المركز وعند مراجعة الأم للإدارة، كان الرد بأنها ربما تعود إلى البيت متعبة. وقد نقل أهالٍ آخرون شكواهم من وجود آثار أظافر مغروزة وضرب على وجوه أطفالهم، ولم تكن الإدارة متجاوبة، بحسب الشهادات التي جمعناها.

محاولة طمس الحقيقة   

‎منذ سنتين تقريباً، أرادت ريان (اسم مستعار) تسجيل ابنها الذي يعاني صعوبات تعلمية، وقد وعدتها المديرة بمساعدتها وبأن طفلها سيُدمج مع بقية الأطفال في التعليم. إلا أن حالة الطفل لم تتحسن كما تعرض لشد أذن، إلى جانب أن الغرفة الواحدة في المركز تضم أطفالاً من حالات مختلفة، بحسب الأم. وخلال حديث مع المديرة سمعت تكسير زجاج وتبين أن أحد الأطفال قام بكسر الزجاج بيده وبدت على وجه المديرة علامات الخوف والارتباك، ولم يبق الطفل بعدها في المركز أكثر من 3 أشهر تقريباً…

كسر يده بالزجاج…

بقي عادل (اسم مستعار) في الجمعية لمدة سنتين ونصف السنة تقريباً، ولكن في السنة الأخيرة تغير كثيراً وأصبح عدائياً ويرفض الذهاب إلى المركز. 

وبحسب رواية الأم والصور التي ارفقتها، في الأشهر الأخيرة، كان عادل يعود أحياناً إلى المنزل مع آثار عض على يده وعندما حاولت الأم أن تستفسر، كانت ذريعة الإدارة، هي الشجارات بين الأطفال. 

بعد فترة، عاد الطفل إلى المنزل وعظم يده قد خرج من مكانه، اتصلت الأم بجمعية “ثروة” فوراً وأتى الرد بأن الطفل كان في حالة هستيرية من التعصيب (كرّز) وطفق يصرخ، لكن الأم تعلم أن هذه التصرفات ليست من عادات طفلها. بعد ذلك اعترفت الإدارة بأن الولد فعلاً ضرب يده بالزجاج وطلبت من الأم أن تعيده إلى المركز من دون أن تقدم شكوى ودون أي مقابل مادي…

رد جمعية “ثروة”

تواصل معدو التحقيق مع جمعية “ثروة” لطلب التعليق على الشهادات التي تفيد بوجود تعنيف وسوء معاملة بحق الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، وقد أكدت “وجود مختصين لرعاية الأطفال وحمايتهم.

وقالت الجمعية، “لم يسبق أن حصل في المركز أي تجاوزات تجاه الأطفال من قبل الفريق، غير أنه في حال حصول تجاوزات من أي فرد من الفريق، لا شك سيتحمل المسؤولية الكاملة عن تجاوزه من قبل الإدارة وفق الاصول الادارية. غير ان الاطفال قد يلحق أحدهم اذى طفيفاً بطفل اخر وهذه حالات نادراً ما تحصل وتتم معالجتها بإبعاد  الطفل المذكور جانباً ووضعه على طاولة منفردة حتى لا يكرر ويخضع لعلاج سلوكي عن طريق جلسات مع المختص”. 

وأشار رد الجمعية الممهور بتوقيع محاميها إلى أن “المركز قد تعرض لحملة تشهير وافتراء واساءة كبيرة وبث الاكاذيب من إحدى السيدات على احد مواقع  التواصل  ويدعى موقع مزاد، حيث زعمت أن ولدها قد تعرض للعنف في مركز جمعية ثروة مرفقة صور له تظهر أثر احمرار على اذنه، في حين ان ابنها لم يكن يرتاد الى المركز وغير مسجل به”.

وأفادت الجمعية بأنها بالفعل تقدمت بشكوى ضد السيدة المذكورة أمام النيابة العامة الاستئنافية في الشمال بجرم التشهير والتحريض والذم والقدح على مواقع التواصل وأحيلت للتحقيق لدى المخفر المختص الذي أبلغها للحضور، لكنها لم تأتِ، ثم أعيد ابلاغها للحضور مرة أخرى فوعدت بالحضور عند عودة زوجها الى المنزل لرعاية أطفالها، لكنها ايضا لم تحضر، وبعد مراجعة المحامي العام الاستئنافي في الشمال، أشار بالعمل على ابلاغها مجدداً للحضور خلال 48 ساعة، غير انها اغلقت هاتفها ولم تحضر نهائياً إلى المخفر، فأعيدت الشكوى إلى النيابة العامة في الشمال التي ادعت عليها بجرم المادة 584 عقوبات.

قصص عنف أخرى

الاعتداء على الأطفال لم يقتصر على هاتين الجمعيتين، فعام 2015، انتشرت قصص اعتداءات على أطفال في دار الأيتام الإسلامية في بيروت، منها قصة الشاب طارق الملاح الذي صرّح بأنه تعرض للاغتصاب، إضافة إلى انتشار فيديو وثقه أحد الأشخاص لصراخ أطفال يتعرضون للتعنيف داخل هذه الدار. وحينها شن وزير الشؤون الاجتماعية السابق رشيد درباس هجوماً على الملاح واتهمه بالكذب واعتبر أن ما يحصل هو استهداف للطائفة السنية. 

تم طي الملف ولم تحصل محاسبة. وهذا أمر يتكرر مع مؤسسات اجتماعية ورعائية تابعة للطوائف والتي تغيب المحاسبة عن ممارساتها. 

وراهناً، ظهرت في جمعية “رسالة حياة” الواقعة في أدما جبل لبنان تجاوزات وتعديات على القوانين وعلى الطفولة، وتم ربط محاسبتها وقتها أيضاً بحقوق الطائفة المسيحية وتستمر محاولات لفلفة الأمر.

وهناك جريمة سائق في مدرسة الشروق بمدينة بنت جبيل جنوب لبنان، الذي اعتدى على فتاتين من ذوي الاحتياجات الخاصة وتم توقيفه في مخفر حبيش لفترة قصيرة قبل اطلاق سراحه. 

وفي واحدة من أشهر الانتهاكات القضية التي ارتبطت باسم أستاذ “التربية المدنية” سامر المولوي المتهم بالتحرش الجنسي بطالباته القاصرات في ثانوية جورج صراف الرسمية في طرابلس، واللواتي شنّت حملات مضادة عليهنّ لأنهنّ تجرأن وقلن الحقيقة.

 تشير تقارير إلى تسرب من 60 إلى 80 في المئة من الأطفال من المؤسسات الرعائية بعمر 11 سنة، فنمط الرعاية المعتمد داخلها هو عبارة عن عنف.

معضلة النظام الرعائي

توضح “جمعية حماية” المعنية بقضايا الأطفال، أن حماية الأطفال داخل الجمعيات يجب أن تخضع لوضع شروط المكان الملائم للأطفال ونظام داخلي واضح وصريح من حيث تطبيق هذه الحماية، فالأمر لا يقتصر على إعطاء علم وخبر بل يجب أن يستوفي المركز الشروط من ناحية فريق العمل، دوامات العمل، الاختصاصات، معايير الاستقبال…

‎أما بالنسبة إلى العنف الذي يمارس داخل بعض الجمعيات ودور الرعاية، فتؤكد “حماية” أن وزارة الشؤون الاجتماعية لا تقوم بالمراقبة المطلوبة، وتتباطأ في إجراء تحقيقات في حال ورود شكاوى تفيد بوجود عنف داخل المراكز، فالبيروقراطية تتولى تبريد القضايا، وهوما يؤدي إلى غياب المحاسبة، إضافة إلى أن التدخلات السياسية تلعب دورها في تأخير الملاحقات حتى إبطالها.

توافق الخبيرة الدولية في قضايا حماية الأطفال زينة علوش هذا الرأي، وترى أن “موضوع الرعاية المؤسساتية بالشكل المعتمد في لبنان هو بحد ذاته عنف ضد الأطفال، فهذا النموذج من الرعاية أثبت فشله عالمياً”.

تقارير اليونيسف والإحصاءات الدولية أظهرت أن عدداً كبيراً من الأطفال يتعرضون للاعتداءات الجنسية والجسدية ضمن نظام الرعاية المؤسساتية.

‎”فهذا النمط يوفر فرصة سانحة للاعتداء على الأطفال”، تقول علوش “فالكثير من العاملين في هذه المراكز هم غير مؤهلين للقيام  بأعمال الرعاية”.

 تشير تقارير إلى تسرب من 60 إلى 80 في المئة من الأطفال من المؤسسات الرعائية بعمر 11 سنة، فنمط الرعاية المعتمد داخلها هو عبارة عن عنف.

‎وتعتبر أن حماية هؤلاء الأطفال يكون بدعم الأسر المهددة لتقليل عدد الأطفال الذين يذهبون إلى الرعاية البديلة، مشيرة إلى ضرورة وضع آلية للكشف المبكر عن حالات العنف.

المحاسبة المؤجلة

نصت المادة 19 من شرعة حقوق الطفل على أنه “يملك جميع الأطفال الحقّ في الحماية من العنف وسوء المعاملة التي يمكن أن يتسبب بها أيّ شخصٍ في حياتهم، سواء الأهل أو الأساتذة أو الأصدقاء أو الشركاء أو الغرباء. وتعتبر جميع أشكال العنف التي يتعرّض لها الأطفال، بغضّ النظر عن طبيعة أو شدّة الفعل، ضارة. ويمكن أن يضرّ العنف بإحساس الأطفال وتقديرهم لذاتهم وإعاقة نموهم”.

كما نصت المادة 498 من قانون العقوبات اللبناني على أنه من طرح أو سيّب ولداً دون السابعة من عمره أو أي شخص آخر لا يملك حماية نفسه بسبب حالة جسدية أو نفسية، عوقب بالحبس من ثلاثة أشهر الى سنة. وإذا طُرِح الولد أو العاجز أو سُيِّب في مكان مقفر، كان العقاب من ستة أشهر الى ثلاث سنوات.

كما نصت المادة 499 من القانون ذاته على أنه إذا سببت الجريمة للمجني عليه مرضاً أو أذى أو أفضت به الى الموت، أُخذ بها المجرم وفقاً لأحكام المادة 191 (الجريمة غير المقصودة) في حالة الطرح والسيب في مكان غير مقفر إذا لم يكن قد توقع تلك النتيجة أو اعتقد أن بإمكانه اجتنابها؛ أما إذا أدى فعل التسيب الى موت الطفل، فيعاقب الفاعل بجريمة القتل عن غير قصد بالأشغال الشاقة 5 سنوات على الأقل (م550 عقوبات). وفي حالة طرح أو تسيّب الطفل في مكان مقفر مع توقع النتيجة وقبول المخاطرة، يعاقب المجرم وفقاً لأحكام المادة 189 (الجريمة المقصودة)؛ فإذا أدى فعل التسيب الى موت الطفل عوقب بجريمة القتل عن قصد والتي تصل عقوبتها الى الإعدام.

إلا أن هذه النصوص الواضحة في مضمونها لا تبدو رادعاً لبعض الجمعيات التي تتصرف على هواها، ولا تتم محاسبتها أو مراقبتها، ويدفع الأطفال الثمن، كونهم غير قادرين على الدفاع عن أنفسهم أو حتى البوح بما يتعرضون له.

‎في هذا الإطار، تشير المختصة التربوية منال صوما إلى إمكانية أن يؤدي العنف إلى انحرافات معينة، وصعوبات في التعبير، ما قد يزعزع ثقة الطفل بكامل المجتمع كما يمكن أن يدخل في علاقات حب خاطئة عبر انتقائه الناس العنيفين. 

كما يمكن أن تتأذى كثيراً علاقة الولد بجسده وأعضائه، تقول صوما، ففي حال أصبح هذا الجسد مصدر وجع، يمكن أن يسبب ذلك قصوراً في الإبداع وأن يتجه الطفل إلى خيارات غير آمنة.

كان هذا التحقيق والمآسي التي عرضها، نموذجاً صغيراً لما يتعرض له الأطفال في بعض مراكز الرعاية وما الجمعيتين اللتين تناولناهما، سوى جزء من منظومة تغيب عنها حقوق الطفولة وسبل التربية الحديثة، خصوصاً وأن لبنان يعيش انهيارا اقتصاديا ومالياً يجعل من الفقراء والمهمشين المنسيين ضحايا على نحو مضاعف.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.