fbpx

داريا دوغينا: لماذا يجب معرفة من اغتالها؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

عقدة مقتل داريا دوغينا ما زالت خيوطها شائكة، بل تزداد تفرعاتها لتكبر وتتراكم مع مرور كل يوم . موسكو تتهم أوكرانيا و مخابراتها، والاخيرة تنفي موضحة بأن لا احد في أوكرانيا يعرف داريا وأباها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تعتقد وكالات الاستخبارات الأميركية أن أطرافا من الحكومة الأوكرانية سمحت بشن الهجوم الذي استهدف الصحافية الروسية داريا دوغينا ابنة القومي المتطرف ألكسندر دوغين، المؤيد للغزو الروسي، بسيارة مفخخة بالقرب من موسكو في آب/أغسطس الماضي.

دوغين هو السياسي عدو العولمة و الحداثة ومنظر ما يعرف بالاتحاد الاوراسي والعالم الارثذوكسي الروسي ، ونهاية النظام الغربي الليبرالي بزعامة الولايات المتحدة.

داريا دوغينا

هزت حادثة مقتل داريا روسيا والعالم، وفي حفل تشييع جثمانها، ردد والدها عن وريثة رسالته الايديولوجية ما يفترض حسب  كلماتها الاخيرة التي كما يدعي انها نطقت بها “يا ابي، اشعر بأنني محاربة، انني بطلة. اريد ان اكون واحدة منهم، لا اريد مصيرا مختلفا. اريد اكون مع شعبي، مع بلدي. اريد ان اكون الى جانب قوى الضوء .هذا هو الشيء الأكثر أهمية”. ربما يكون هناك من صدق انها فعلا قالت هذه الكلمات، ام ان والداها اراد ان يلهم انصاره بتحويلها الى اسطورة روسية جديدة من اساطير الحقبة السوفياتية، واعطاء شحنات من القوة الى الدعاية الروسية ضد أوكرانيا والغرب. بعض الصحف والمواقع الروسية المعارضة سخرت على ( تليغرام) من دوغين، ووصفته بالكاذب لان ابنته لم يتسن لها الوقت للافصاح عن مكامن روحها في تلك اللحظة القاتلة، ورجحت ربما ايضا من باب السخرية انها  ربما قالت له كلمات اخرى مثل ” أبي ،كنت مستعجلة العودة الى البيت لإطعام القطة”.

من قتل داريا؟ وهل كانت هي المستهدفة بالعملية ام والداها الذي كان برفقتها ولم يستقل السيارة في اللحظة الاخيرة لارتباطه بموعد آخر، ام الاثنان الاب والابنة؟

اذا كان الهدف دفن أيديولوجيا ما يعرف باسم ( العقيدة الرابعة) الذي يتبناه ذلك التيار من النخبة الروسية التي برزت بعد تفتت الاتحاد السوفياتي، وتحولت إلى أسيرة لايديولوجيا دوغين التي صاغها معلمه إيفان إيلين، و من بعده دعا إلى احتلال كل أوكرانيا وإقامة “أوراسيا الكبرى”. هذه العقيدة ( الرابعة) التي صاغها دوغين بعد ذلك مستلهما ما تعلمه منهما، حوّلها الى ايديولوجية راسخة في الوعي الروسي الرسمي. وبهذا وضع الأساس الجيوسياسي والاستراتيجي والفكري للأوراسية في كتابه “النظرية السياسية الرابعة”، التي رآها البديل عن “ثالوث الليبرالية والاشتراكية والفاشية”.دوغين يطرح مسألة اختراق الحدود وخرائط الدول  والثورة ضد النظام القائم على معاهدة وستفاليا، وهو ما رددته ابنته التي دعت في آخر مقال كتبته إلى “قيام قوة عظمى أوراسية عبر اتحاد روسيا والجمهوريات السوفياتية السابقة ودول أخرى، لتشكيل “مركز قرار دولي، وقوة اقتصادية وسياسية ضاغطة”. 

ايديولوجيا دوغين التي   سرعان ما اختطفها بوتين معلنا انه يريد “تحقيق المهمة التاريخية لروسيا كفضاء للأوراسية”، رأى الكثير من المحللين أنها “تجمع بشكل عجائبي المنجل و المطرقة للشيوعيين المتعصبين، بالشعارات الفاشية لليمين القومي والرموز التاريخية للكنيسة”.

اذن نعود للسؤال الاساسي: من قتل داريا؟

اتهامات موسكو لاوكرانيا بأرتكاب ما سمته جريمة وعملاً ارهابياً، أثارت حفيظة خبراء الاستخبارات الدوليين وشكوكهم حول مدى قدرة كييف على تدبير وتنفيذ مثل هذا العمل المعقد وبالتحديد في موسكو التي تعج شوارعها وفنادقها برجال الامن والاستخبارات. وقال مدير البحوث في مركز صوفان الاميركي كولين كلارك “ان عملية اغتيال دوغينا وقعت في موسكو التي تعتبر هدفا صعباً جداً بالنسبة إلى الاستخبارات الاوكرانية لايمكن اختراقه بمثل هذه السهولة” منبها الى” انه” اذا ارادت أوكرانيا اغتيال شخصية  روسية رفيعة المستوى فهي لن تختار دوغينا. مازلت ارى ان الاغتيال نفذته جهة أخرى، ربما تكون روسية من الداخل”. إلا أن خبير الاستخبارات الدولية في معهد ( كنام) للبحوث في باريس ابدى رأيا مغايرا تماما قال فيه” تمتلك أوكرانيا شبكات لوجستية وتشغيلية اوكرانية في روسيا”. واضاف” يوجد هناك أوكرانيون على الجانب الآخر من الحدود”، مع انه وفي الوقت نفسه شدد على أن مثل هذا النوع من عمليات الاغتيال يستلزم فريقاً كاملاً لتتبع الهدف، وفريقا آخر للتنفيذ، كما وسيحتاج الى شخصين او ثلاثة لتفخيخ السيارة “موضحاً ان شخصاً واحداً ليس بإمكانه القيام بذلك بمفرده”.كما لم يستبعد احتمال تدخل اوكراني، ربما مع جماعة روسية  محلية معارضة، على خلفية قيام أجهزة الأمن الروسية بتفكيك شبكات اوكرانية كثيرة في السنوات الاخيرة”.وقال “منذ قيام روسيا بضم جزيرة القرم في العام 2014 تشن أوكرانيا حربا سرية ضد روسيا، ولهذا الغرض اقامت شبكات تجسس في ضوء الاستعداد لمثل هذه التطورات في العلاقات مع روسيا”. ورأى المحلل لدى معهد القدس للامن و الاستراتيجية الكسندر غريبنرغ انه “لا أساس منطقي لهذه العملية،كما ان الاوكرانيين ليس بمستطاعهم تنفيذ مثل هذه العملية المعقدة”، وأضاف: “لا استطيع ان اتخيل ان الاميركيين او البريطانيين سمحوا لهم بذلك.وبالتالي يبدو انها خدعة من خدع جهاز الامن الفيدرالي الروسي، وريث الكي جي بي ،هدفها الحاق اكبر الضرر بكييف خاصة وان دوغين ليس له تأثير حقيقي في الكرملين”.اما كلارك فلقد نبه الى انه” اذا قامت اوكرانيا باغتيال شخصية روسية رفيعة المستوى فهي لن تختار دوغينا”. 

تشكيك وخدعة روسية فاضحة

 خبراء الاستخبارات في العالم يشككون في الرواية الروسية. ويتساءلون، ليس فقط إن كانت كييف قادرة، بل أيضاً عما ستحققه من فوائد من جريمة يستفيد منها الرئيس فلاديمير بوتين في مزيد من حشد العصبية الروسية ضد أوكرانيا. وإذا  كانت  أوكرانيا متضايقة من الاوراسية، فما الذي يفيدها لو اغتالت دوغين نفسه لا ابنته، أو الاثنين معا؟ يتفق الكثير من خبراء الاستخبارات على ” ان مقتل دوغينا يخدم على الأرجح مصالح بوتين، مع تأجيج  الضغط الذي قد يعزز الدعم للتعبئة العامة لحشد المزيد من الجنود للمشاركة في الحرب التي تراوح مكانها الى حد كبير في جنوب وشرق اوكرانيا”.ونقلت وكالة فرانس برس عن مصدر استخباراتي فرنسي قوله: “لا استبعد ان دوغينا قتلت على ايدي الروس بهدف تصعيد الحرب على اوكرانيا، بأسلحة غير تقليدية مثل القنابل الحرارية”.

داريا دوغينا كان لها أعداء كثيرون غالبيتهم في بلادها،وتقول المحللة السياسية في “ذا نيويوركر” ماشا غيسين في مقابلة مع “سي ان ان” ان “هناك أطرافاً متعددة لديها المصلحة في اغتيال داريا، على الرغم من أن الأفكار التي تنتجها مع والدها كانت متجانسة مع التوجهات الايديولوجية للكرملين”. ينبغي الإشارة من دون تردد الى ان دوغين “ليس شخصية مركزية في الكرملين، وإنما ايديولوجيته”. دوغين وابنته داريا اذن بتأكيد الكثر من الخبراء في السياسية الروسية “لا يعدان جزء من الدائرة الداخلية للكرملين”.

المتهم جاهز دائماً ورواية تستلهم افلام هوليوود

لم تكد تمر ساعات قليلة على اغتيال داريا في انفجار سيارة مفخخة حتى القت موسكو بالمسؤولية على اوكرانيا، وحددت الاجهزة الامنية الروسية الفاعل وهي سيدة أوكرانية حضرت الى موسكو مع ابنتها وسكنت في العمارة السكنية التي تقطنها داريا،ومن ثم غادرت بعد التنفيذ الى استونيا ومن ثم بعد ايام معدودة ذكرت صحيفة نمساوية انها وجدت في المكان الذي تسكت فيه، وهو خبر لم تؤكده السلطات الرسمية، بل ولم يصدر عنها اي تعليق. وعلى الرغم من ان هذه القصة موضع شك كبير، لانه من غير المنطقي ان تكرس الاجهزة الامنية الاوكرانية جهودها في الوضع العصيب الذي تواجهه البلاد لتقوم بشئ لن يؤثر على مسار الحرب، بل وسيؤدي الى تأجيجها. الا ان هذا لم يمنع المستشرق الروسي المعروف بقربه من الكرملين فيتالي نعومكين الذي يتولى رئاسة  معهد الاستشراق التابع لاكاديمية العلوم الروسية من ترديد رواية نسج خيوطها جهاز الامن الروسي مستلهما افلام التجسس الهوليودية في مقال نشرته صحيفة “الشرق الاوسط” اعرب فيه بيقين كامل ان “تحقيقا منظَّما فوريا، شارك فيه أفضل المتخصصين في مكافحة الإرهاب،اظهر أن هذه الجريمة الفظيعة كانت عملاً إرهابياً هادفاً، وقعت ضحيته شابة مدنية لم تشارك في الأعمال القتالية في أوكرانيا أو في دونباس. وقال إن “الشكوك سرعان ما دارت حول ناتاليا فوفك (هذه كنيتها الحقيقية، التي دخلت بها إلى روسيا، حيث تم تحديدها بسرعة من هيئات التحقيق، وتعني «الذئب» باللغة الأوكرانية)، وهي مواطنة أوكرانية من مواليد ماريوبول، المدينة التي تم تحريرها مؤخراً من القوات الروسية. وقد سكنت فوفك مؤقتاً في موسكو بجواز سفر كازاخستاني مزوَّر باسم يوليا زايكو، البالغة من العمر 43 عاماً، وتعتقد هيئة التحقيق أن الهجوم تم تنظيمه من الاستخبارات الأوكرانية. واتضح أنه عند دخولها موسكو في 24 تموز/ يوليو، كانت زايكو تحمل على سيارتها لوحات رقمية من دونيتسك، بينما قادت سيارتها في المدينة بلوحات سيارة كازاخستانية، وغادرت روسيا إلى إستونيا فور وقوع الهجوم الإرهابي وهي تحمل على سيارتها لوحات أوكرانية.
أخبر أقارب فوفك  بحسب نعومكين التحقيق والصحافيين بأن المشتبه بها قد تكون وافقت على التجسس على الفتاة بسبب مشكلات مع ابنها الأكبر، ومن الممكن أنه تم ابتزازها في هذا الصدد. ويقولون إنه بعد أن أُخذ ابنها دانيل قسراً للخدمة في بداية العملية الخاصة، بكت المرأة بشدة لفترة طويلة وبحثت عنه لمدة طويلة أيضاً. ويتوقعون كذلك أن فوفك حصلت على أموال فقط مقابل التجسس على الفتاة، بينما نفّذ شخص آخر تفجير السيارة المفخخة. وخلص الى الاشارة الى عدم اليقين الكامل بالرواية الامنية البوليسية: “إذا تأكدت الشكوك في التحقيق، فسيكون من الواضح أننا نواجه ما يسمى «إرهاب المرأة»، وهي ظاهرة مألوفة في التاريخ الحديث لروسيا وللكثير من الدول الأخرى، بما في ذلك الشرق العربي. في هذه الحالات، يبدو من المهم تحديد الدوافع التي تجعل المرأة، طوعاً أو تحت الإكراه، تشارك في هجمات إرهابية، وحتى انتحارية في بعض الأحيان”.

شكّك الكثير من خبراء أسرار عمليات التجسس الدولي والدعاية السياسية، في السردية الروسية الرسمية. بحسب رأيهم، “من غير المفهوم ان تكرس الاجهزة الامنية الاوكرانية جهدا وموارد كبيرة لعملية بهذا التعقيد، لقتل شخص بعيد عن المجهود الحربي، لن يؤثر في شئ على المعركة الجارية، بل كانوا سيوجهونها نحو قيادات لها علاقة مباشرة في الميدان، كما لا تراهن كييف على انهيار معنويات الروس لمقتل درايا أو والدها الكسندر دوغين. في السياق نفسه سخر هؤلاء الخبراء من سرعة اكتشاف الاجهزة الروسية الامنية مشتبه به آخر نسبت إليه عملية الاغتيال وهو تنظيم وصفته بالمتطرف (NRA) – الجيش الوطني الجمهوري- الذي لم يعرف سابقا ولم يسمع أحد به من قبل، ما أثار شكوكا جديدة من قبيل “كيف لمنظمة غير معروفة من قبل تولد فجأة بعيداً عن عيون وأذان جهاز الامن الروسي الفيدرالي الحديدي، لتنفيذ عملية بهذا المستوى من التعقيد والحرفية من دون ان تكتشفها الاجهزة، فضلاً عن أن هذه المنظمة وعناصرها ليس بأمكانها ان تنشط او تختبئ  في بلد يتمتع فيه رئيسه بنحو 80% من الدعم الشعبي  لمغامراته العسكرية الطائشة والعبثية”؟ ولعل المفاجأة المثيرة للسخرية هي أن الطرف الثالث الجديد الذي حملته بعد ذلك الاجهزة الأمنية الروسية المسؤولية عن الاغتيال، هو الولايات المتحدة الأميركية!

جيش التحرير الاسلامي في عين العاصفة

يكاد يكون هناك إجماع بين المحللين على ان هذه المنظمة يمكن ان تكون مجرد” كذبة اعلامية فبركها (FSB)  وريث جهاز الأمن( الكي جي بي). لكن وكما تشير معلومات استخباراتية توجد في روسيا الكثير من الحركات السرية المعارضة  التي لها خلايا نائمة تتلقى الدعم من أوكرانيا، وفي مقدمتها حركة تحرير أوكرانيا وحزب التحرير الإسلامي الذي يتبنى الدفاع عن التتار في القرم. واللافت ان الاجهزة الامنية الروسية أعلنت بشكل مفاجئ قبل اكثر من اسبوع القضاء على عناصر من تنظيم حزب التحرير الإسلامي، في شبه جزيرة القرم. ونقلت وكالة سبوتنيك الروسية عن جهاز الأمني الفيدرالي الروسي، أنه قضى على خلية تابعة لحزب التحرير الإسلامي، المحظور في روسيا. ولم تكشف الوكالة عن هوية الذين قضوا خلال هذه العملية، واكتفت بذكر عددهم. وجاء في البيان: “تمكن عناصر جهاز الأمن الفيدرالي الروسي من تحييد خلية تآمرية في منطقة سفيردلوفسك، تتألف من خمسة مواطنين من بلدان منطقة آسيا الوسطى”. وجاء في البيان: “تمكن عناصر جهاز الأمن الفيدرالي الروسي من تحييد خلية تآمرية في منطقة سفيردلوفسك، تتألف من خمسة مواطنين من بلدان منطقة آسيا الوسطى”. من جانبها نقلت وكالة “تاس” الروسية  عن مكتب الأمن الفيدرالي الروسي قوله: “لقد ثبت أن ممثلي حزب التحرير الموجودين في أوكرانيا، قاموا بتجنيد مواطنين روس مسلمين في صفوفهم في اجتماعات سرية”.وتابع بيان المكتب الأمني الروسي، “استولى عناصر الحزب على مواد دعائية، وأجهزة اتصال، وأجهزة تخزين رقمية استخدمت في عملياتهم الإرهابية. ويسعى خبراء إلى البحث عما إذا كانت هناك خيوط تربط هذا الاعلان باغتيال داريا وهذه  يمكن أن تكون الرواية الرابعة عن عملية الاغتيال ما يعكس الارتباك في تقديم الادلة. وقال محلل الشؤون الروسية رائد جبر متحدثا عن سر التوقيت في هذا الإعلان : “بينما تشتد الحرب يمكن إلصاق تهم الإرهاب بأي كان، ولا سيما أولئك الذين يميلون إلى عدوك”. وكانت صحيفة “نيويورك تايمز” قد سلطت الضوء على “تضارب المواقف” بشأن مقتل دوغين، مشيرة الى وصف التلفزيون الروسي الحكومي الانفجار بأنه كان قوياً لدرجة أنه حطم نوافذ المنازل المجاورة. واختتمت الصحيفة تقريرها بالقول “مهما كانت المواقف فإن الهجوم فتح فصلاً جديداً من تاريخ الاغتيالات في روسيا وأوكرانيا”.

ازمة عميقة بين النخب السياسية 

ظلت داريا  بحسب مصادر متعددة مطلعة خارجية وداخلية، تمتلك علاقات وثيقة مع الاوليغارشيا المرتبطة بالكرملين وبالرئيس بوتين نفسه، ورددت الصحف الروسية المستقلة والمعارضة التي تصدر في الخارج روايات كثيرة عن ثروتها الطائلة. والشئ الجديد هو ان داريا دخلت في الفترة الأخيرة في صراعات مع حلفائها الاوليغارشيين وبدأت في كيل الاتهامات والانتقادات لهم، بل وحتى طالبت بمصادرة اموالهم وتحوليها الى المجهود الحربي. ونقل عدد من المواقع الالكترونية الروسية تفاصيل توجيه داريا انتقادات لبوتين لعدم فعل ما هو مطلوب في الحرب على أوكرانيا، ودعته الى الذهاب لاستخدام اقصى مستويات القوة في الداخل والخارج، الامرالذي وفقاً لمراقبين أخذ يحرج الزعيم الروسي الذي كما يقول  المحلل سمير تقي “يسعى إلى النزول عن السلم في اوكرانيا، والتوصل الى حالة من وقف اطلاق النار عند مرحلة معنية”.

لم تستبعد مصادر أمنية غربية وأوروبية أن يكون اغتيال داريا سببه الازمة العميقة بين النخب السياسية الروسية، لان بينهم بالتأكيد خاسرون من الحرب وتطوراتها ومن العقوبات الغربية، ولهذا فإنهم لن يجلسوا مكتوفي الأيدي. ولكن آراء المراقبين حول المستهدف الفعلي بهذا الاغتيال تتقاطع وتتباين في الوقت نفسه، ويعتقد الصحافي الروسي سيرغي تشابنين اعتقاداً راسخاً بأن محاولة الاغتيال هذه كانت ضد دوغين. لماذا ضده؟ لأنه برأيه “الأقل حماية ولا يختبئ في قبو”، موضحاً: “اذا كان شويغو اوغيراسيموف او بيسكوف في مكان ما في عمق المخابئ، الا ان دوغين لا يحظى بمثل هذا الترف لانه ببساطة واعظ ومكان الواعظ هو بين الناس، بينما رأى محللون آخرون ان ابنته داريا هي المستهدفة لأنها دخلت في مواجهة مع الأوليغارشيا، وكان بمقدورها ان تحرض فئات كثيرة من المجتمع ضدهم وضد السلطة التي تتحالف معهم، واعتبرتها غير حاسمة في المواجهة مع الغرب في أوكرانيا، والأهم من ذلك انها كانت تمتلك مشروعاً سياسياً كان سينتهي الى تشكيل  حزب سياسي يستقطب الكثير من الشباب الروس و فئات اخرى من الروس ساخطة على السلطة لتردي وتفاقم اوضاعها المعيشية والاجتماعية. ويقول الصحافي الروسي سيرغي تشابنين “ان دوغين لم يتوقع يوما ان تكون ابنته رئيسة لروسيا، ولكنه كان على اعتقاد صارم بأنها ستكون زعيمة حزب سياسي يتمثل في الدوما و رئيسة كتلته النيابية. وأفاد ان طموحه منذ ثلاثين سنة هو أن تدخل ابنته تاريخ روسيا كزعيمة محافظة ناجحة مثل ماري لوبن الفرنسية.

داريا تتمرد على الاوليغارشيين الحلفاء

في اطار حربها  المفاجئة مع الاوليغارشيا الروسية المقربة من بوتين قالت داريا: “اذا بدأنا عملية عسكرية خاصة، يجب ان تتم على ارضنا، وداخل المجتمع، لأن هذه العناصر التي درست في الغرب أو كان لها الكثير من الاتصال مع الاجانب ذات خطر كبير”. وتساءلت: “لماذا فرض الغرب العقوبات الاقتصادية على روسيا؟”. وأجابت: “من حيث المبدأ تفرض العقوبات الاقتصادية لاتاحة الفرصة لهذه الحاشية  في التخريب: موضحة” لقد حدثت محاولات للانقلاب، وهذا يعني في الواقع أن الغرب يعمل مع هذه النخب”.

الأمر الآخر الذي أثار انتباه المراقبين والمحللين هو مطالبة داريا بما سمته “عملية خاصة في الاقتصاد لتأميم كل شئ من الاوليغارشية الروسية، لخدمة اهداف الحرب، والتخفيف من معاناة الروس”.

من هي داريا دوغينا؟ هي ابنة المفكر القومي الروسي الكسندر دوغين ،صحافية وخبيرة سياسية ولدت في العام 1992، تبنت رؤية والدها اليمينية المتطرفة حول دور روسيا في العالم، وكانت تتمتع بحيوية ونشاط في تشكيل تيار سياسي يقوم على البحث عن امجاد روسيا والامبروطورية الروسية، ولطالما ترددت على دونباس حيث كانت تقابل الانفصاليين وتلقي عليهم الخطب والمحاضرات النارية حول العالم الأوراسي وتحثهم على تكريس الانفصال و التقدم إلى الامام. وبحسب المراقبين فإن تحركاتها لم تكن مدعومة من الكرملين. وداريا هي خريجة الجامعة المركزية الروسية في اختصاص الفلسفة. يعرف عنها تقليدها لوالدها في دعمه الصارخ لما تتجنب روسيا تسميته بالحرب، وتصر على مصطلح العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا. وكانت مدرجة في لائحة العقوبات البريطانية المتحدة باعتبارها “مساهمة كبيرة وفعالة بشكل كبير في التضليل الإعلامي فيما يتعلق بالحرب على أوكرانيا”. لم تكن داريا دوغين اسما شهيراً في روسيا، لكن على الرغم من ذلك ومنذ الحرب على أوكرانيا، كان لها ولوالدها بطبيعة الحال، حضور كبير في وسائل الإعلام، إذ تبنت خطاباً دعائياً مناهضاً لأوكرانيا ومعادياً للغرب. كما كانت صوتا حيا لأفكار والدها، كما وكانت ضيفاً دائماً على العديد من القنوات التلفزيونية الروسية وعلى موقع يوتيوب. كما كتبت في عدد من الصحف و المواقع المؤيدة للحكومة وكانت نشطة على وسائل التواصل الاجتماعي. وعلى غرار أيديولوجية والدها، تحدثت عن استعادة “الموقع والمكانة العظيمين” لروسيا عبر أوراسيا، بدءا من الاتحاد السلافي الشرقي الذي يضم روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا. ونقلت وسائل الإعلام الروسية عن معلميها وأساتذتها قولهم إنها اكتسبت سمعة طيبة كطالبة موهوبة وذكية.

في عامي 2012 و 2013 درست لفترة وجيزة في جامعة بوردو 3 في فرنسا، حيث ركزت على الفيلسوف الإغريقي القديم أفلاطون، الذي أصبحت أعماله موضوع أطروحتها النهائية وأيضا محور بحثها بعد التخرج.

داريا واليمين الروسي المتطرف

تحدث موقع ميدوزا Meduza الروسي المستقل الذي يصدر من لاتفيا إلى العديد من أصدقاء داريا الذين عرفوها في منتصف عام 2010. وأشار الى انهم يصفونها بأنها شابة لطيفة ومنفتحة تشاركوا معها الاهتمام بالموسيقى الإلكترونية. حتى أن البعض غنوا معها في نفس الفرقة التي كانت تعزف فيها على آلة “الفلوت”.

قال أحد أصدقاء داريا للموقع: “لقد كانت شخصية مثيرة للاهتمام وحديثها ممتع، كانت ذكية، كما أنها كانت تمتلك  براءة الأطفال”.

“شعرت أن بمقدورنا الحديث عن أي شيء إلا عن أفكار والدها.. ليس لأنها تجنبت الحديث عنها ولكن لأنها كانت شخصية غنية لديها الكثير من المعرفة بالكتب والأفلام، وكانت تمتلك ذوقا رفيعا”.

وفي منتصف حزيران/يونيو زارت داريا مصانع الصلب في آزوفستال، بعد فترة وجيزة من احتلال القوات الروسية لمدينة ماريوبول التي كانت محاصرة لفترة طويلة.

وقبل اغتيالها، كانت تتعاون مع دار نشر روسية يمينية متطرفة هي ذا بلاك هندريد “The Black Hundred” في إصدار كتاب ذا بوك أوف زد “The Book of Z”، الذي وصفه الناشرون بأنه “مجموعة من الشهادات والقصص من قبل المشاركين وشهود العيان في الحرب على أوكرانيا”.أصبح الحرف “Z” رمزاً للغزو الروسي لأوكرانيا، إذ حملت المركبات العسكرية وأفراد القوات الروسية هذا الحرف. بحلول أواخر عام 2010، بدأت داريا في الظهور على قنوات تلفزيونية روسية مختلفة، فضلاً عن الكتابة لمواقع إلكترونية موالية للحكومة، وغالبا ما كانت تعلق على السياسة الأوروبية وتعرب عن دعمها للقوى السياسية التي وصفتها بـ “اليمين الجديد” وتوقعت انتصارهم على الليبراليين.

في عام 2018 كتبت داريا في موقع روسيا اليوم (RT)، عن أفول نجم إيمانويل ماكرون كرئيس لفرنسا، وأعربت عن دعمها القوي للمرشحة الرئاسية اليمينية المتطرفة مارين لوبان. وفي وقت الانتخابات الرئاسية الفرنسية في عامي 2017 و 2022، أعربت عن آمالها في فوز لوبان. وفي كل هذه الوسائل الإعلامية، استخدمت داريا الاسم المستعار “بلاتونوفا”، الذي يقال إنه مرتبط بولعها بالفيلسوف الإغريقي أفلاطون.  وعرف عن داريا وصفها للأوكرانيين بأنهم “دون البشر”، وهي أيضاً من الدعاة إلى “الاحتلال الروسي لأوكرانيا وإبادة الهوية الأوكرانية”.

من هو الكسندر دوغين؟

في عام 2014 انتشر مقطع فيديو يظهر دوغين يقول باللغة الروسية: “أعتقد أنه ينبغي(قتل الأوكرانيين)، لا يمكن أن يكون هناك أي حديث آخر”.

 دوغين فيلسوف وكاتب قومي وباحث سياسي روسي يوصف بأنه “عقل بوتين”، يتقن 8 لغات، درس الطيران في معهد موسكو قبل أن يغير مساره إلى الفلسفة والعلوم السياسية وعلم الاجتماع. يرفض خبراء كثيرون في الشؤون الروسية الأوصاف التي يطلقها الصحفيون الغربيون عليه واحدها بأنه “عقل بوتين”،ويؤكدون انه “ليس مقرباً من الكرملين وليست له علاقة خاصة ببوتين، كما ان الاعلام الروسي لم يتناول اي معلومات حول هذه العلاقة. دوغين لا يتمتع بهذا الثقل السياسي في روسيا على الرغم من محاولاته ركوب الموجة البوتينية حول فكرة اوروآسيوية لانشاء امبروطورية روسية واسعة. الا أنه يمكن ومن دون مبالغة اعتباره نجما سياسياً خارج روسيا وليس داخل البلاد مثل ابنته،التي كانت أشهر منه كونها كانت حديثاً دائماً في الميديا الروسية.

من “الاسرار” الشائعة ان دوغين قطع علاقاته مع بوتين، ومع انه أعاد تطبيع العلاقة بينهما، الا انه لا يمتلك أي تأثير على صنع القرار السياسي في الكرملين. ونبه مراقبون الى دوغين اعترف علانية بأنه لم يكن يوماً من الدائرة الضيقة المحيطة بالرئيس، ولكنه يزعم ان بوتين يتبع افكاره. ولكن بوتين شخصياً لم يستشهد يوما بأي فكرة لدوغين وبدلا من ذلك استشهد مرارا بأفكار منظر الفاشية الروسية الراحل أيفان أيلين. قبل دوغين كان  نيكولاي تروبيتزكوي قد دعا المثقفين الروس إلى “تحرير أنفسهم من التعلق بأوروبا والتركيز على إرث جنكيزخان لإنشاء دولة روسية أوروآسيوية تقف أوكرانيا عقبة في وجهها”. وكذلك المهاجر المعادي للشيوعية إيفان ،وكان  فلاديمير إيفيسيك هو الآخر قد دعا إلى احتلال كل أوكرانيا وإقامة “أوراسيا الكبرى”. غير ان دوغين  هو من وضع الأساس الجيوسياسي والاستراتيجي والفكري للأوراسية في كتاب “النظرية السياسية الرابعة“، التي رآها البديل من “ثالوث الليبرالية والاشتراكية والفاشية”، فهو مع اختراق الحدود وخرائط الدول ضد النظام القائم على معاهدة وستفاليا، كما كتبت ابنته في المقال الأخير لها، وهو يريد قيام قوة عظمى أوراسية عبر اتحاد روسيا والجمهوريات السوفياتية السابقة ودول أخرى، لتشكيل “مركز قرار دولي، وقوة اقتصادية وسياسية ضاغطة”.

يؤمن دوغين بمفهوم روسيا الجديدة الذي يعني “استرجاع الأمة الروسية الكبرى قوتها بالعودة إلى قيمها المحافظة”، واستخدم هذا المفهوم لتبرير السيطرة على مناطق كانت تخضع تاريخيا للاتحاد السوفياتي، مثل ضم شبه جزيرة القرم عام 2014 والحرب الروسية على أوكرانيا  تحت مبررات تصفية التيارات النازية ومنع تمدد نفوذ واشنطن ومنعها من نيل العضوية في الحلف الاطلسي، وهي أسباب ظلت تتغير بشكل متواتر.

ولد ألكسندر دوغين في السابع من يناير/كانون الثاني 1962 في العاصمة موسكو لوالد كان جنرالا في دائرة الاستخبارات العسكرية في هيئة الأركان العامة السوفياتية، ووالدة تعمل طبيبة. تزوج دوغين من الناشطة الروسية إيفجينيا ديبريانسكايا، وأنجبا ابنهما أرتور، ثم تزوج من الفيلسوفة ناتاليا ميلينتيفا، وأنجبا ابنتهما داريا.

وبعد  دراسة الطيران في معهد موسكو عام 1979،  غيّر دوغين مساره فيما بعد إلى الفلسفة ليتخرج بماجستير في الفلسفة، ويحصل بعدها على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية وعلم الاجتماع. يتقن دوغين 8 لغات، ويقول إنه يعرف أساسيات اللغة العربية لكنه لا يلم بها جيدا. ويرجع دوغين نشأته وانطلاقته الفلسفية والعلمية إلى تعرفه على العالم الإسلامي والفيلسوف الأذربيجاني حيدر جمال.

بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991 انضم دوغين إلى المعارضة وشارك في الانتفاضة الشعبية التي ساهمت في إسقاط الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسين، الذي كان يعده “شموليا سلطوياً”، في المقابل أعلن تأييد الرئيس فلاديمير بوتين بعد وصوله للسلطة.

وعزا سبب سقوط الاتحاد السوفياتي إلى اعتماده على “حضارة اليابسة” في مقابل حضارة البحر الأطلسي التي عمل عليها الأميركيون والأوروبيون على حد سواء، وليس بسبب الحرب الباردة. في عام 2019، انخرط دوغين في نقاش مع المفكر الفرنسي برنار هنري ليفي حول موضوع ما أطلق عليها “أزمة الرأسمالية وتمرد الشعبوية القومية”.

يعتقد دوغين أن النظريات الرئيسية المؤثرة في العالم في عصرنا الراهن هي الشيوعية والفاشية والليبرالية، التي يعتبرها قائمة على “تحرير أعضاء الجسم من سيطرة العقل”.

ويضيف دوغين أن الليبرالية وزعيمتها أميركا القائمة على توفير الحرية الفردية والسوق الحرة، انتصرت على الفاشية عام 1945 وعلى الشيوعية عام 1991، لكنها تعاني “أزمة قاتلة” تهددها بالأفول الآن.

تعتمد رؤية دوغين على فكرة تداعي الأيديولوجيات المذكورة ومعها الليبرالية، وفي المقابل يطرح فكرة أسماها “النظرية السياسية الرابعة”، التي لا تركز على الفرد أو العرق أو القومية، بل على الوعي الذاتي الإنساني الذي همّش من قبل التكنولوجيا.

ولأن الوعي الذاتي يختلف من إنسان إلى آخر، فلابد للعالم أن يكون متعدد الأقطاب وليس كما تحاول أميركا جعله “حكومة عالمية” تقودها نخبة معينة ومديرو أعمال عالميون، وتستهدف الناس لمصالح شركاتها الخاصة. ويرى أن الصراع بين روسيا وأميركا صراع “جيبوليتيكي” (جغرافي) وليس كما كان سابقا “صراعاً أيديولوجيا” بين الليبرالية والشيوعية.

يعتبر دوغين إن روسيا كانت إمبراطورية بعقيدتها وتصورها، لكنها أصيبت بتغييرات جذرية بدأت بعد قيام الثورة البلشفية وعلى إثرها تغيرت الهوية الروسية عام 1991، مما جعل روسيا جزءا من العالم الغربي، حتى جاء بوتين وأعاد القوة للبلاد مدافعا عن القيم المحافظة الخاصة بها. وصف حرب بلاده على أوكرانيا بأنها “ليست حربا على الشعب الأوكراني ولا على الدولة، ولكنّها حرب على الدمى الغربية التي تحاول السيطرة على العالم، وعلى النازيين الجدد الذين انقلبوا على إرادة الشعب الأوكراني في 2014”. والغى في كتابه المعنون “أسس الجغرافيا السياسية” وجود كيان دولة اوكرانية وشعب له هويته الخاصة قائلا أن “أوكرانيا كدولة ليس لها معنى جيوسياسي”، ودعا إلى أن تستوعبها روسيا بالكامل تقريباً وترك معظم المناطق الغربية من أوكرانيا خارج نطاقها.

دوغين والضرورة الجيوسياسية لسوريا

 يرى دوغين أن التدخل الروسي في سوريا يعتبر خطوة استراتيجية هامة لوقف التمدد الأميركي المتمثل في تنظيم الدولة الإسلامية، الذي يعدُه منتجاً أميركيا يهدد الوجود الروسي بشكل مباشر، ما يلزم موسكو باحتوائه للضرورة الجيوسياسية التي يؤمن بها. ويقول دوغين إن “سوريا هي خطنا الخارجي للدفاع، والخط القادم بعد سوريا هو على أراضي الاتحاد الأوراسي وحتى داخل الاتحاد الروسي”. ويذهب إلى أن انهيار سوريا سيتسبب في انهيارات متتالية في منطقة الشرق الأوسط، وسيخلف فوضى في المنطقة بزيادة أعداد اللاجئين وتمددهم نحو أوروبا، الذي اعتبره سببا “سيرجع أوروبا سياسيا إلى الوراء”. وبنظر المفكر الروسي، فإن حل المشكلة السورية يجب أن يكون داخل سوريا نفسها، بالتعاون مع روسيا وإيران وقطر والإمارات والسعودية، أي أن ما سماها الأيديولوجية الليبرالية لا ينبغي أن تكون حاضرة في الملف السوري. وكان  دوغين زار إيران عام 2016، متوجاً زيارته بلقاءات في مدينة قم التي تحتضن مركزا لعلوم آل البيت والمذهب الشيعي، ولم يخف دوغين سروره وسعادته لوجوده في تلك المدينة، حين عبر قائلاً “إنني سعيد للغاية لأنني أتيت إلى المعقل الرئيس لمكافحة الحداثة، فإنني كرست حياتي لمكافحتها، لأنني اعتبر أن الحداثة تعني الشيطان”. وتحول دوغين في الصين و ايران وتركيا الى المتحدث الرسمي بأسم من يريد القضاء على الهيمنة الاميركية.ووثق علاقاته في اوروبا و الولايات المتحدة مع القوى اليمنية المتطرفة و الشعبوية ،وقدم نفسه حيلفا لمن يريدون مواجهة العولمة.وفي محاضراته دعا الى تعاون الصين وروسيا معا لبناء عالم متعدد الاقطاب للقضاء على هيمنة الغرب.وفي ايران تملق لايات الله قائلا لهم” ان ايران هي القاعدة الرئيسية للحرب ضد الحداثة”.وفي اوروبا وبمساعدة الاوليغارشي الروسي قسطنطين مالوفيف اقام علاقات مع الاحزاب اليمينة المتطرفة مثل حزب الحرية النمساوي ،و رابطة الشمال الايطالية و التجمع الوطني الفرنسي.وبعد فوز ترمب بالرئاسة اعطى دوغين مقابلة لداعية نظريات المؤامرة أليكس جونز حيث اعلن ” ان انصار ترامب الذي ادعمه من كل قلبي سيتوحدون مع انصار بوتين ضد عدونا المشترك ،دعاة العولمة”.والتقى ايضا بمستشار ترامب الاستراتيجي آنذاك ستيف بانون الذي شكل تنظيم  (الحركة ) الشعبوي و اليمني المتطرف ضد العولمة.

كان مدير مركز ( كارنيغي ) الاميركي للبحوث في موسكو ديمتري تيرنين كما ينقل الصحافي رفيق خوري تنبأ قبل نصف قرن بأن “لا شيء أهم من أوكرانيا”. ثم قال بعد سقوط الاتحاد السوفياتي “روسيا خرجت من القرن العشرين من بابين، باب يقود إلى السوق المعولمة في القرن الحادي والعشرين، وآخر مفتوح على اللعبة السياسية الكبرى في القرن التاسع عشر”. فسياسة بوتين هي اللعب عبر البابين. فمن جهة، يقول في “المنتدى الاقتصادي الأوراسي”، إن روسيا “تدرك المزايا التكنولوجية الهائلة في التقنيات العالمية في الاقتصادات المتقدمة، ولن نقطع أنفسنا عن ذلك”. ومن جهة أخرى، يخوض في أوكرانيا واحدة من حروب التوسع الإمبراطوري في القرن التاسع عشر وقبله. وكما بريجنيسكي قال قبل سنوات “من دون أوكرانيا روسيا لن تكون إمبراطورية”.

ان عملية الاغتيال سواء اكان المستهدف فيها داريا ام ابوها دوغين تكشف أن داخل النخبة السياسية الروسية تدور المواجهات و الصراعات الخفية التي لا يعرف أحد تفاصيلها وأسرارها ومداها حتى الان. وعملية الاغتيال تطرح تساؤلات خطيرة ما إذا كانت روسيا دخلت مرحلة الاغتيالات و المتفجرات والعبوات الناسفة. ونقلت المواقع الالكترونية و الميديا الروسية المعارضة أنباء عن مقتل قادة عسكريين ومدنيين روس من بينهم ايفان سوشكو رئيس الدائرة العسكرية و المدنية لمدينة ميخائيلوفكا شرق أوكرانيا بانفجار لغم زرع في سيارته. وتحدث خبراء عسكريون لموقع “سكاي نيوز” مشيرين الى الى ان تلك الاغتيالات هي رسالة لموسكو ومؤشر على فشل اي حلول سياسية مستقبلية. هذا، مع غيره من الأحداث، يعكس تطوراً جديداً يظهر قدرة أوكرانيا على استفزاز روسيا وقدرتها على اختراق مواقع حصينة داخل روسيا ايضا ما يعرف باسم “تكتيك الاغتيالات”. وبحسب صحيفة “نيويورك تايمز” إن ” مقتل دوغينا يعيد الى الاذهان فوضى التسعينات و الاغتيالات السياسية التي أعقبت تفكك الاتحاد السوفياتي”. وأكدت “أن استهداف انصار بوتين ،ليس حدثا جديدا ،فلقد قتل الصحافي الاوكراني البارز أوليس بوزينا، المؤيد للكرملين العام 2015 وهي جريمة لم تكشف تفاصيلها حتى الآن. الا أن اغتيال داريا برأي الصحيفة يفتح باب الاغتيالات السياسية في روسيا مجددا”.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.