fbpx

التعليم في اليمن: تسرّب مدرسي وأطفال غيّبتهم الحرب عن صفوفهم

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يؤكد المعلمون، أن إيجاد بيئة آمنة لاستمرار التعليم، أهم شرط للتقليل من آثار النزاع على التعليم. إضافة إلى تقديم الدعم النفسي والمادي للمعلمين، وكذلك الدعم النفسي للتلاميذ. فجميع شرائح المجتمع بحاجة إلى التوعية بأهمية التعليم.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

دراسة لـ“مواطنة لحقوق الإنسان” تعكس العواقب الكارثية للحرب على قطاع التعليم

ما زال الطريق إلى المدرسة اليمنية غير آمن، حتى مع تراجع النزاع المسلح في مناطق كثيرة، وتعرض أكثر من ربع الطلاب والطالبات اليمنيين لمخاطر فعلية، أثناء الذهاب إلى صفوفهم، بحسب دراسة أجريت راهناً، وأفصحت عن الآثار المختلفة للحرب على قطاع التعليم الحكومي في اليمن. الأرجح أن الصورة أكثر فظاعة في سنوات الحرب الأولى، لكنها مجرد زاوية ضمن مشهد فاجع ألحقته الحرب بالتعليم.

وأصدرت “مواطنة لحقوق الإنسان” دراسة عنونتها بـ”حرب التجهيل”، اعتمدت على 700 حالة بالطريقة العشوائية، مقسمة إلى أربع عينات، والعينة الرئيسة مكونة من 400 تلميذٍ وتلميذة، موزعين على 137 مدرسة ومن جميع المراحل التعليمية، تشمل تسع محافظات هي الأكثر تضرراً في مجال التعليم بسبب الحرب. بينما يمثل 100 تلميذ وتلميذة عينة الطلاب والطالبات النازحين، و100 آخرون يمثلون الطلاب والطالبات المتسربين خلال سنوات الحرب. كما أفردت عينة استطلاعية لمئة معلم يمثلون النطاق الجغرافي والمدارس الخاصة ذاتها.

ويتضح من الدراسة أن الحرب عمقت تصورات تشاؤمية لدى الطلاب والطالبات حول مستقبل الطريق إلى المدرسة. إذ يشعر 51 في المئة من التلميذات والتلاميذ المستجيبين للدراسة، بمخاوف أن تصبح الطريق أكثر خطراً في المستقبل. وهذا الشعور بعدم الأمان ناجم عن خبرة حسية، على صلة بالمظاهر العسكرية المنتشرة في طريق المدرسة، إذ يشاهد تلك المظاهر 62 في المئة من التلاميذ، بينما يضطر 29 في المئة إلى اجتياز حواجز عسكرية أو نقاط أمنية لبلوغ المدرسة أو مغادرتها.

وجد كثر من الطلاب أنفسهم مجبرين على الانقطاع عن الدراسة، وتحديداً عندما بلغ النزاع المسلح ذروته، وأصبح طريق المدرسة أكثر عرضة للأخطار.

غير أن تلك الطريق تظل محل قلق مستمر لدى الأهالي، وهناك 38 في المئة من التلاميذ قالوا إن عائلاتهم حاولت منعهم بصورة موقتة من الذهاب إلى المدرسة. وخلصت الدراسة إلى وجود علاقة طردية بين ارتفاع معدل الانتظام في المدرسة وانخفاض حدة النزاع المسلح. وبالتالي ينبغي تبني استراتيجية فعالة، بحسب الدراسة، لتوفير بيئة تعليمية آمنة، من خلال تجنيب المدارس كل أشكال القتال.

ووجد كثر من الطلاب أنفسهم مجبرين على الانقطاع عن الدراسة، وتحديداً عندما بلغ النزاع المسلح ذروته، وأصبح طريق المدرسة أكثر عرضة للأخطار. واضطر 81 في المئة ضمن الشريحة الرئيسية للتلاميذ، بالانقطاع عن التعليم، لفترات متفاوتة، وقال أكثر من 53 في المئة من التلاميذ إنهم خسروا عاماً كاملاً من التعليم بسبب الحرب؛ أي فصلين دراسيين. وتراوح انقطاع البعض بين فصل دراسي واحد وأقل من فصل دراسي.

وتظافرت عوامل عدة، بما فيها تعرض مدارسهم لهجمات أو وقوعها في نطاق اشتباكات مستمرة، كما تعددت استخدامات بعض المدارس لجوانب، ليس ضمنها التعليم، مثلاً: ثكنات عسكرية أو مراكز إيواء، وكذلك مواقع لتخزين المساعدات. بينما كان توقف المعلمين المحتجين عن انقطاع رواتبهم عاملاً لتجميد الدراسة، فتسرب بعضهم للتدريس في مدارس خاصة أو امتهنوا أعمالاً أخرى.

وعجز أكثر من 61 في المئة من الذين انقطعوا عن التعليم، عن الالتحاق بمدارس بديلة، حكومية أو خاصة، أثناء توقف مدارسهم.

ومعظم الذين شملتهم الدراسة ينتمون لأسر محدودة الدخل، وعجز أكثر من 61 في المئة من الذين، انقطعوا عن التعليم، عن الالتحاق بمدارس بديلة، حكومية أو خاصة، أثناء توقف مدارسهم، إما لعدم وجود مدارس خاصة، أو لعجزهم عن الالتحاق بإحداها.

وينتمي معظم التلاميذ الذين شملتهم الدراسة إلى أسر محدودة الدخل، وللحرب مسؤولية مباشرة في زيادة المعاناة والفقر. وأكد 47 في المئة من التلاميذ أن أسرهم لم تعد قادرة على تحمل نفقات تعليمهم. وكان سوء الأحوال، وراء خروج نصف التلاميذ، ضمن فئة المتسربين، من المدرسة.

واعتبر المعلمون أن الفقر وسوء الأوضاع المعيشية للتلاميذ من أسباب تدني مستوى التحصيل العلمي، ولا تغفل الدراسة مسؤولية الحرب في ذلك، وبصورة ملحوظة تراجع مستوى التحصيل العلمي، تحديداً في المواد العلمية أو اللغتين العربية والإنكليزية. وبنظر التلاميذ، يعود ذلك، إلى عدم توفر الهدوء في الفصول المكتظة أثناء الشرح، كما رأوا أن قصور المعلم سبب في ذلك. وبينما ربط المعلمون بين تدني التحصيل العلمي والفقر وضعف متابعة الأسرة، وعدم توفر كتب مدرسية لأكثر من نصف الطلاب لم يذكر أي منهم وجود أي جوانب قصور لدى المعلم.

يحصل أكثر من نصف الطلاب على كتبهم المدرسية من سوق الكتاب المدرسي. فالمدرسة بكل ما أصبحت عليه تعكس ما بلغه التعليم من انهيار. وزادت الحرب تدهور الخدمات الأساسية، فلا تتوفر أي إسعافات أولية أو مياه نظيفة، كما لا توجد في معظم المدارس حمامات صالحة للاستخدام أو أطعمة نظيفة، بحسب معظم الطلاب. كما يأخذ التلاميذ دروسهم في فصول مزدحمة، وهناك أكثر من 52 في المئة يدرسون في فصول يزيد عدد الطلاب فيها عن 50، بينما 29 في المئة يدرسون في فصول يتراوح فيها عدد التلاميذ ما بين 25 إلى 50.

وتشير الدراسة إلى أن جماعة أنصار الله (الحوثيين)، أجروا تعديلات جذرية على مناهج بعض المقررات، خصوصاً الوطنية والإسلامية منذ 2016. لكن 71 في المئة من المعلمين يرون أن لا وجود لأي محتوى منحاز لطرف. غير أن الدراسة عزت ذلك إلى أن نسبة كبيرة من المعلمين المستجيبين، يعملون في مناطق لا تخضع لسيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين). إضافة إلى أن الكثير من الكتب المدرسية المتداولة بين طلاب المدارس، تعود طباعتها إلى ما قبل نشوب الحرب.

إقرأوا أيضاً:

وتشير الدراسة إلى صعوبة حصول الطلاب على الكتب الدراسية، وبحسب العينة الاستطلاعية، حصل حوالى 60 في المئة من التلاميذ على الكتب من خارج المدرسة.

على صعيد آخر، تقول الدراسة إن هناك تنامياً للعنف وسط الطلاب، ويميل 70 في المئة من المعلمين للاعتقاد بأن ذلك مرتبط بالحرب، فالنزاع المسلح أضعف من هيبة المعلمين، وتسبب في اضمحلال القواعد النظامية في الوسط المدرسي، نتيجة عدم احترامها.

ولا تمنع العتمة في وضع التعليم، من رؤية الخيط الأبيض، فعلى رغم المساوئ أكد أكثر من 78 في المئة بأنهم يشعرون بحب التعليم، لعوامل عدة، منها: حبهم الذاتي للتعلم، وتشجيع أسرهم، إضافة إلى تكوينهم صداقات جيدة في المدرسة.

في سياق مماثل، قال أكثر من 75 في المئة من عينة التلاميذ المتسربين، إن لديهم الرغبة في الذهاب إلى المدرسة متى ما تحسنت أوضاع عائلاتهم المادية، أو تلقوا دعماً نفسيّاً وحظوا ببيئة تعليم مناسبة. فمعظم الذين تسربوا من المدارس، كان ذلك نتيجة لأسباب قاهرة.

استهلت الدراسة أول محاورها الستة، كإطار نظري وقانوني لها، استعرضت فيه أهم المواثيق والصكوك الدولية الخاصة بالحق في التعليم وحمايته. إضافة إلى ما تضمنته التشريعات الوطنية بخصوص ذلك. واستطرد هذا المحور حول وضع التعليم في اليمن قبل الحرب، مظهراً جوانب مثل: معدلات الالتحاق بالتعليم الأساسي، ومعدل التسرب منه، إضافة إلى الفجوة بين الجنسين، وحجم الإنفاق على التعليم، والكتاب المدرسي وجودة التعليم.

إيجاد بيئة آمنة لاستمرار التعليم، أهم شرط للتقليل من آثار النزاع على التعليم.

وتناول المحور الرابع، النزوح والتعليم، وفيه حللت الدراسة أسباب نزوح التلاميذ مع أسرهم، وآليات إدماجهم في مدارس المجتمعات المضيفة. وكانت المواجهات العسكرية في مناطق النازحين الأصلية، وراء نزوح 67 في المئة من التلاميذ المستجيبين. بينما نزح البقية لأسباب مختلفة، مثل تعرض منازل البعض للقصف العشوائي أو الغارات الجوية، ونزح البعض مع أولياء أمورهم الذين تضاءلت أمامهم فرص العمل في مناطقهم الأصلية.

وحظي 52 في المئة من التلاميذ النازحين المشاركين في الدراسة، بتسهيلات جيدة خارج مجتمعاتهم، وتم تسجيلهم مباشرة بعد النزوح، بينما واجه الآخرون صعوبات في ذلك، ولا صلة للأمر بأي تمييز مناطقي، فالسبب الغالب ضياع وثائقهم الرسمية، إذ قال 71 في المئة من التلاميذ النازحين، إنهم لم يشعروا بأي نوع من التمييز أو عدم المساواة في المدارس.

ويثير القسم المتعلق بتأثيرات النزاع على المعلمين، ملمحاً أكثر مأساوية، وتضمن تصويراً لمعاناتهم والآثار السلبية التي تركتها الحرب، فنتيجة لانقطاع مرتباتهم عانى المعلمون أوضاعاً معيشية صعبة، تركت لديهم تأثيرات نفسية بالغة، لمعاناتهم مع الفقر، وتراكم الإحباط في هيئة تراجع ثقتهم بأنفسهم. وما هو أشد قسوة، إحساسهم المتنامي بتراجع مكانتهم في محيطهم، وكذلك وسط طلابهم.

وفاقم ذلك من مشكلاتهم العائلية، بل إن البعض عانى من ملاحقات أمنية، أو الضغط والتهديد من أجل توظيف ممارسته التدريسية لخدمة أحد أطراف النزاع.

يؤكد المعلمون، أن إيجاد بيئة آمنة لاستمرار التعليم، أهم شرط للتقليل من آثار النزاع على التعليم. إضافة إلى تقديم الدعم النفسي والمادي للمعلمين، وكذلك الدعم النفسي للتلاميذ. فجميع شرائح المجتمع بحاجة إلى التوعية بأهمية التعليم.

اختتمت الدراسة بمحور “التأثير المقابل للتعليم على النزاع”، ويتحدث عن دور التعليم في احتواء تأثيرات النزاع في التلاميذ. ووفق ما بينته الدراسة، فإن 77 في المئة من المعلمين يشجعون تلاميذهم على التسامح ونبذ العنف. ولدى المعلمين حساسية إزاء القضايا بالنزاع، ويستنتج أن المعلمين يقومون بدور إيجابي لا يغذي استمرار النزاع، على خلاف الواقع العام، إذ تتأثر المدارس بسياسات أطراف النزاع المختلفة، في محاولة منهم لجعلها منصات دعائية تخدم أهدافهم.

ورصدت الدراسة ميدانيّاً، مظاهر عدة لزج التعليم في الحرب، مثل محاولة تجنيد التلاميذ دون سن 18، وكذلك تحويل ساحات المدارس إلى منابر للتعبئة ولترويج أفكار متطرفة وغير محايدة. وتقول الدراسة إن استجابة التلاميذ لمحاولات التجنيد ضعيفة، بمعنى أن ظاهرة تجنيد الأطفال غالباً ما تتم خارج المدرسة. كما أن 67 في المئة من التلاميذ المشاركين لا يشاركون في أي نشاط على صلة بالنزاع، سواء تظاهرات أو مهرجانات أو دورات ثقافية. أي ما زال التعليم، بحسب الدراسة، على رغم آثار الحرب، عنصراً مهمّاً لمقاومة القيم السلبية، وتعزيز السلام يتطلب تدخل المجتمع الدولي لمصلحة التعليم.

فأطراف الحرب تضامنوا على قتل المعلم، ووضع المخاطر في طريق المدرسة. وما تثيره هذه الدراسة شديدة الأهمية، ليس معدلات إحصائية عن واقع التعليم وحسب، إنما لإحاطتنا بوثيقة شمولية عن العنصر، الذي تزدهر على حسابه الحروب أو العكس.

إقرأوا أيضاً: