fbpx

أورام السوريين تختزلها باحة مستشفى…

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الانتظار جزء من المرض، لكن الدواء المجاني يبعث الشعور بالامتنان ولا مانع من استكمال العلاج خلال رحلة العودة إلى البيت.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كلما قصدته شعرت بأنه نموذج مصغّر عن سوريا. فهو أحد المستشفيات الرئيسية حالياً في البلاد التي تقدم الخدمات الطبية لمرضى الأورام. 

تمثّل إدارته نموذجاً عن بيروقراطية الحكومة، وموظفوه يشكلون نموذجاً عن أخلاقيات سوريا بصيغتها الراهنة، فيما يبدو مبناه نموذجاً عن المباني الشعبية التي ورثناها من النظم الاشتراكية المتعفنة، والصيانة فيه ليست سوى نموذج عن الفقر وقلة الحيلة. لكنه يعالج مجاناً. 

في البقع المصممة لتكون مساحات خضر، زجاج مكسور وبعض مخلفات قصف قذائف الحرب، ويتوقع أن السجائر المطفأة ستغمرها قريباً. المدخل مهيب يتناسب مع هيبة مرض السرطان.

 الشجر بقي أخضر. ثمة أنابيب سود لشبكة ري بالتنقيط مرمية عشوائياً هنا وهناك. الشجر لا ينتظر التنقيط ولا ينتظر الصيانة. جذوره تتعشّق الأرض الخصبة.

 تفترش مجموعة نساء بأثواب سود محزومة عند الخصر و أغطية رأس سود بتصميم أنيق، بلاطات المدخل. نظرت إحداهن إلي بعينيها الخضراوين ووشم من ثلاث خطوط خضر أيضاً يمتد من الشفة السفلى حتى الذقن. جمال ساحر. من أي أرضٍ سورية بعيدة أتين؟

في الداخل… نوافذ متسخة وأثاث مهترئ وأطباء وممرضات وموظفون ومرضى بدون كمامات واقية ولا أحد يأبه لوباء “كوفيد- 19” في محيط أشخاص فاقدي المناعة عملياً.

في الداخل… تتسرب من قسمات الوجوه قصص أبطال يصارعون مرضاً قد يقضي عليهم إذا غفلوا عنه لحظة. عدوّ داخل حدود الجسد. وسر الشفاء في أروقة المستشفى المتباعدة. الممرات الطويلة والإجراءات الروتينية التي يجب إتمامها قبل أن يحصل المريض على جرعة الحياة. لكنّها مجانية في النهاية. وهذا ما يستوجب الابتسام عندما تكتمل التواقيع والأختام على الملف وتسمح الموظفة بالمرور…

في الداخل… تصطف مقاعد جلدية على محيط القاعات ويعدّل المريض جلسته منتظراً أن تفتح ممرضة وريده وينادى على اسمه عندما تصل جرعات الدواء، إلى أن تعلّق أكياس الدواء ثم تنزل القطرة الأخيرة من الكيس حتى تأتي ممرضة لتنزع الإبرة. 

الانتظار جزء من المرض، لكن الدواء المجاني يبعث الشعور بالامتنان ولا مانع من استكمال العلاج خلال رحلة العودة إلى البيت. فمعظم المرضى من خارج دمشق. وبعضهم انضم إلى مجموعة لمشاركة المواصلات من ضيعته البعيدة في حافلة تغادر في وقت محدد.

فإذا لم تنته جرعة الدواء يحمل المرض كيس الجرعة بمساعدة زملاء حالفهم الحظ وأنهوا العلاج ليلتحقوا جميعاً بموعد الحافلة. ينزل المريض ماشياً وابتسامة الرضا على شفتيه لأن السبل لم تتقطّع به وسوف يصل إلى بلدته في آخر المشوار وبكلفة اقتصادية يسمح بها ظرفه.

النساء هن الأكثر عدداً بسبب أورام الثدي. وغالباً ما تمتلئ بهن صالة العلاج والصالة المخصصة لانتظار المرافقين. 

شابات أو سيدات في منتصف العمر أو في آخره. كلهن خضن حيوات متشابهة. قصصهن تكاد تكون واحدة كما أوجاعهن. يتشاركن المخاوف والانتصارات ويتبادلن التشجيع والدعاء. في الصالة حلقة علاج نفسي مجانية أيضاً تمارسها المريضات.

المستشفى نموذج مصغّر لسوريا بتنوع شرائح سكانها وجمالهم.

المستشفى نموذج مصغّر لسوريا بإهمالها تفاصيل الجودة والأمان وبمحاولاتها التعافي بالمجان.

المستشفى نموذج مصغّر لسوريا المصابة بمرض ينخرها من الداخل وما زالت تصارعه بما بقي فيها من قدرة على المقاومة. 

 أيها القهر
أيها الزمان المثقل بالنحيب.
لقد رسم الإله لوحاته بإعجاز مبهر
لكنه تركنا لبؤسنا…

إقرأوا أيضاً: