fbpx

سيدة المترو ورقيب الغونة… 
حراس الفضيلة يحكمون شوارع مصر

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا يمر عام دون حدوث واقعة تخص فتاة أو أكثر، تثير الرأي العام، ثم تنتهي إلى اللاشيء، إما اعتذار أو حتى أحكام هزيلة لا تكفي لردع المعتدين أو حماية الفتيات.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

مقطع مصور لم يتخطَّ 5 ثوان لسيدة تتعدى على فتاة في مترو الأنفاق داخل عربة السيدات، كان كفيلاً بتحويل المشهد إلى قضية رأي  عام في مصر.

 البداية حين تطوعت سيدة بتقديم نصيحة لفتاة لم ترق لها ملابسها: “انتي ايه اللي لابساه ده… إحنا في رمضان الرجالة هاتنهش لحمك… لمي أكتافك الرجالة طالعة نازلة علينا انتوا بمناظركم دي تتمسكوا دعارة”.

جنة وآية وسلمى، لم يخضعن لنظرات السيدة التي بدت بوضوح خلال الفيديو مرعبة. تروي جنة محمد (24 سنة، طالبة في جامعة حلوان)، لـ”درج” أن صديقتها آية بطلة الواقعة ردت على السيدة: “انتِ مالك؟”… قالت ذلك بعد عبارة استفزازية للواقفات: “منظرك كله على بعضه مش عاجبني”، لكنها لم تكتفِ بدور الوصي، بل سارعت للتشابك معهن بالأيدي: “قلعت الشبشب وأقدمت علينا تضربنا لولا تدخل فتيات وسيدات المترو ووقوفهن في صفنا، عندها كانت جنة تصور الواقعة”.

من فتاة الفستان إلى فتاة المترو… اعتذار الرجعية مقبول

لم تأتِ واقعة المترو من عدم، هي تطور طبيعي لمواقف سابقة مشابهة. لا يمر عام دون حدوث واقعة تخص فتاة أو أكثر، تثير الرأي العام، ثم تنتهي إلى اللاشيء، إما اعتذار أو حتى أحكام هزيلة لا تكفي لردع المعتدين أو حماية الفتيات.

لعل استدعاء واقعة الطالبة حبيبة طارق أو التي عرفت إعلامياً بـ”فتاة الفستان”، تخبرنا بالكيفية التي تسير بها الأمور وتتطور مع الوقت في درجة العنف والتضييق في الشوارع والمواصلات والجامعات.

 في أيار/ مايو 2021، فوجئت الطالبة في جامعة طنطا حبيبة طارق بمراقب الامتحان يسألها: “أنت مسلمة أم مسيحية؟” ثم جاءتها مراقبتان- إحداهما منقبة- سألتها: “نسيتي تلبسي بنطلونك ولا إيه”. لترد المراقبة الثانية: “دي مسلمة وقلعت الحجاب وقررت تبقى مش محترمة”، داعية لها بالهداية والعودة إلى ارتداء الحجاب.

كان بإمكان تلك الحادثة أن تغير قوانين، وتصنع آليات جديدة لوضع حد فاصل بين الحرية الشخصية والتعدي على الخصوصية، وتوقيف الآخرين بدعوى النصح والهداية، إلا أنها مرت مرور الكرام، بمصالحة الفتاة والمراقبين ورئيس جامعة طنطا، إذ وجدت الفتاة نفسها وحيدة تواجه مجتمعاً بأكمله ينتفض من أجل فستان قررت ارتداءه يوم الامتحان، وسلطة تعليمية تستفيد من الوسائل المتاحة لنشر فكرتها الرجعية والوقوف في صف المراقبات، ولم تجد أيضاً آلية قانونية تردع من تنمرن عليها.

يقول إسحاق إبراهيم الباحث في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية لـ”درج”، هناك فرق كبير بين التدخلات الاجتماعية للسلم والحفاظ على الهدوء بين المواطنين، وبين الصلح العرفي واللعب على ضعف الضحايا وإجبارهن على التنازل عن حقوقهن. 

ويرى إبراهيم أن منح منظمات المجتمع المدني حرية العمل بين الأفراد والمجموعات لنشر قيم التعددية ومضمون حرية الدين أو المعتقد، مع التوقف عن ملاحقة النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان كلها أمور على صناع القرار أخذها في الحسبان إذا صدقت النية لحماية الحريات الفردية.

إقرأوا أيضاً:

مصالحة مخزية مع أصحاب الوصاية

“فرض الوصاية” و”الإرهاب”، وجهان لعملة واحدة، وهو ما فعلته السيدة الأربعينية وقبلها مراقبات الامتحان اللواتي انتفضن من أجل فرض وصايتهن على أخريات يعشن بشكل مختلف.

التصالح نفسه الذي وقعت حبيبة (فتاة الفستان) عليه، وقعت عليه أيضاً فتيات المترو جنة وآية وسلمى، وإن اختلف الدافع.

تقول آية لـ”درج”، “سألنا عن العقوبة المنتظرة، فوجدنا أنها يمكن أن تصل إلى 3 أعوام سجن، وابن السيدة رجانا لكي نترك والدته، فشعرنا بأن ما حصل بات كافياً بالنسبة إلينا”.

هذا التصالح مفهوم وتمكن قراءته في ضوء تعاطف الفتيات مع السيدة برغم ما فعلته معهن، غير أن الخطورة تكمن في قبول “النيابة” به عموماً في قضية تمس السيدات جميعاً ونمط حياتهن في مصر، دون الأخذ في الحسبان الإجراءات التأديبية التي تمكن الدولة من أخذ حق ما يعرف بحق المجتمع يبقى غير عادل، ومنذراً بحوادث أخرى يمكن تكرارها إذا بقي الوضع كما هو عليه. 

يقول فتحي فريد، وهو باحث في قضايا المرأة والنوع الاجتماعي، “لدينا مشكلة في أن الدولة لا تهتم بحق المجتمع في ما يتعلق بقضايا الحريات الفردية، برغم أننا رأينا أشخاصاً سجنوا بتهم هز قيم المجتمع وهدم مبادئ الأسرة المصرية، وتكدير السلم العام والإخلال بالسلم الاجتماعي بالبنية التحتية للمجتمع المدني”، مضيفاً: كل هذه التهم موجودة في القانون المصري، فلماذا لا تظهر الآن في قضية تهدد قيمة الحرية الفردية وتشكل حياة العامة وفق قناعات متشددة، تسأل: “ألم يهز التعدي على الآخرين وترويعهم قيم الأسرة المصرية؟ ولماذا قُبل تصالح الفتيات مع السيدة في حين لم يقبل في قضايا أخرى؟”.

أما عن السيدة نفسها فيرى فريد أنها نموذج لجانية وضحية في الوقت نفسه: “الذين حملوها بأفكار معادية لبني جنسها بالأساس مدانون أيضاً في ما وصلت إليه هذه المرأة من عنف وكراهية تجاه حريات النساء”.

كانت نقطة الأمل الأخيرة في القصة هي سرعة القبض على السيدة والتحقيق معها، إلا أن إخلاء سبيلها وقبول تصالح الفتيات معها بعد تنازلهن عن المحضر دون أي تعهدات مكتوبة تلزمها بعدم تكرار تصرفها، أنذر بمزيد من التخوف وتأجيل الدفاع عن حقوق النساء ليوم آخر.

يشير فريد إلى أن هناك الكثير من رجال الدين المتروكين لنشر أفكار التحريض ضد النساء لا سيما غير المحجبات، ويتابعهم ملايين الشباب ويتأثرون بهم، لافتاً إلى عبد الله رشدي، كنموذج لأشهر الأئمة الموجودين حالياً، إذ يتم استحضار مواقفه العدائية ضد النساء في تلك الحوادث التي تعد إفرازاً طبيعيا لخطاباته.

ففي حادثة التحرش الجماعي بفتاة في ميت غمر 2020، كتب عبد الله رشدي منشوراً يدعو فيه الشباب إلى غض بصرهم، لكنه أنهاه بوجوب ستر الفتاة جسدها وعدم خروجها بملابس فاضحة، وإلا تكون آثمة “على البنت أن تستر جسدها وألا تخرج بملابس فاضحة بين الناس، فإن خالفت ما أمرها الله به فهي آثمةٌ هي ومن يُزَيِّنُ لها ذلك، وعلى أهلها أن يربوها على الاحتشام”. وإذ ساوى بين الضحية والجاني، قال “لا بد من مواجهة الخطأ وإصلاحه عند الجميع”، وكأنه يفتح باباً خلفياً لتبرير جرائم التحرش/ الاعتداء/ فرض الوصاية/ على الآخرين طالما أنهم لم يلتزموا بلائحته الأخلاقية. 

الرجعية في وجه الجميع

كتب عماد جاد، عضو مجلس النواب السابق في منشور على “فيسبوك”،  إثر واقعة مشابهة حصلت مع ابنه قبل حادثة فتيات المترو بأيام، يقول: “مصر مدنية أم دولة دينية تحكمها مؤسسات طالبانية؟”… “ابني خاطب مواطنة أوروبية، وجاءت الأسرة للسياحة في مصر وللتعرف إلى بلدنا وأسرتنا المصرية، التقينا بهم في الغونة، وكنا سعداء بفرحتهم بجمال بلدنا ووصفوا الغونة بأنها أجمل من مارسيليا وأنهم سوف يشجعون  مواطنيهم على زيارة مصر والتمتع بجمال  منتجعاتها  لا سيما الغونة”.

 ويتابع الحديث: “للأسف الشديد ما إن عدنا إلى القاهرة ونحن سعداء حتى اتصل بي ابني الذي بقي مع أسرة خطيبته، ليبلغني وهو في غاية الصدمة والحزن أنه بينما كان مع الأسرة الأجنبية في تراس الفندق في الجونة طلبت الأسرة بيرة، وعزموا ابني على كوب من البيرة، ويبدو أنهم كانوا يخضعون للرقابة الشديدة من حراس الفضيلة الذين انتفضوا بسرعة شديدة مشتبكين مع ابني قائلين له أنت مصري وممنوع تشرب بيرة في رمضان… ونحن دولة إسلامية تطبق الشريعة”.

وفق جاد، ثمة ترابط بين زيادة وتيرة الحوادث التي تعبّر عن نهج القمع والعدائية تجاه الحريات الشخصية، وهو ليس وليد اليوم، بل نتاج تراكم من ارتياح الدولة المصرية لعقود لهذه الأفكار الرجعية.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.