fbpx

أحمد ناجي: عن ملاحقة الأفكار و”مدن اللجوء” وطعنة سلمان رشدي

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

هل شطحات الخيال تستحق أن يضع الكاتب من أجلها حياته على المحك خوفًا من متشدد أو طائش أو تكفيري يكبده ثمن كتابته سواء بالسجن أو التهديد بالقتل؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أثارت حادثة طعن الكاتب سلمان رشدي بعد 33 عاماً من فتوى هدر دمه التي عاش بموجبها متخفياً قلقاً حتى الهجوم عليه ونجاته بأعجوبة، الكثير من الجدل والنقاش. نجا رشدي من الموت لكن الجريمة أثارت مخاوف وشجون كتاب ومثقفين عرب نالهم من الملاحقة والتضييق بسبب كتاباتهم الكثير. 

هنا نحاول تلمس كيف تفاعل الكاتب أحمد ناجي الذي جرت ملاحقته ومحاكمته في مصر بسبب روايته “استخدام الحياة”.

كان صباحًا عاديًا اصطحب فيه الكاتب أحمد ناجي ابنته سينا إلى حضانتها، سمع في الراديو خبر طعن سلمان رشدي فتأرجحت مشاعره بين قلق وغضب، قلق على حياة سلمان وغضب من الجرح النازف الذي فتحته من جديد هذه الطعنات. 

بات القلق شعورًا قرينًا بالكُتاب، من يعرفون جيدًا أنهم سيدفعون ثمن الكلمة التي يكتبوها حتى لو كانت خيالاً. دفع أحمد ناجي الثمن من قبل، حاكموا خياله بسبب نشر فصل من روايته “استخدام الحياة” -التي اعتبروها خادشة للحياء- في جريدة “أخبار الأدب”، ولشهور رفع الكتّاب والمثقفين شعاراً ضد محاكمة الخيال تضامنًا معه، لكن الأمور لم تفلح. 

حوكم ناجي عام 2016 وقضى سنوات العقوبة في السجن، ومنذ ذلك الحين بات الكثير من الكتاب محبوسين في خيالهم. بعد أن خرج ناجي من سجنه وطأ إحدى مدن اللجوء التابعة لبرنامج City of Asylum الذي أسس فكرته سلمان رشدي.

رحلة الخروج

في فترة سجنه تلقى أحمد ناجي دعمًا من عشرات المؤسسات الأدبية والفنية، أبرزها جاء من نادي القلم الدولي ونادي القلم الأمريكي -الذي منحه جائزته عام 2016- لكن بعد خروجه من السجن لم تكن الحياة وردية، ضاقت فرص العمل وتعطلت كل مشاريعه وبات العيش في مصر جحيماً.

 يستدعي ناجي في حديثه مع “درج” ذكريات تلك الفترة الشائكة التي دفعته هو وزوجته المحامية ياسمين حسام الدين عمرو إلى ترك البيت الذي لم يعد آمناً، بات السفر بعيداً بحثاً عن الأمان المفقود هو ملجأهما الوحيد للنجاة من حملات الهجوم وتشويه السمعة التي طالت زوجته، “أنا طلعت من السجن بفتح التلفزيون لقيت المذيعين بيقولوا على مراتي “المحامية اللعوب” وبينشروا صور وتسريبات شخصية لها، ونشر بيانات وأرقام تليفونات وتفاصيل أخرى. بالتالي كان لازم نمشي من مصر”.

لم تكن رحلة الخروج سهلة، بل ورطة جديدة في المزيد من المضايقات والوشايات واستجوابات في مكتبة الأمن الفكري والإعلام بجهاز الأمن الوطني انتهت بخروج أحمد وياسمين من مصر إلى أمريكا بفيزا سياحية في أغسطس 2018.

 انتهت رحلة لتبدأ أخرى جديدة في مدينة تحاول أن تحتوي غرباء بحقائب ممتلئة بالمخاوف والاحتمالات اللانهائية “هنا طلبت مساعدة من نادي  القلم الأمريكي الذي رشحني للمنحة، ومعهد الجبل الأسود  Black Mountain institute رحبوا بي وانطلقت إلى لاس فيجاس في نيسان/ أبريل 2019”.

يرعى المعهد منحة City of Asylum أو “مدن اللجوء” وهي واحدة من منح إقامة أخرى يدعمها المعهد ومدعومة بالكامل لدراسة الماجستير او الدكتوراة في كتابة الشعر، الرواية، القصة، أو الكتابة غير التخيلية. 

في مدن اللجوء

يتتبع ناجي في حديثه مع “درج” الجذور التي نبتت منها فكرة تأسيس منحة “مدن اللجوء”، جذور بدأت من فتوى الخميني التي أصدرها عام 1989 مهدرًا دم سلمان رشدي وواضعًا أكثر من 3 مليون دولار مكافأة لمن يأتي برأسه.

 يصف أحمد ناجي فتوى الخميني بهدر دم سلمان رشدي بأنها “قفزة وتطور كبير في الفكر الإرهابي” مستشهدًا بأن سنوات الإرهاب والاغتيالات في مصر سواء في الأربعينات أو السبعينات والثمانينات كانت تستهدف الشيوخ مثل الشيخ الذهبي أو سياسيين مثل الرئيس أنور السادات أو رئيس مجلس الشعب الأسبق رفعت المحجوب. 

لم تكن الاغتيالات تشمل الكتاب والأدباء، “فجأة وضعتنا فتوى الخميني أمام موجة من استهداف الكتاب وخصوصًا الأدباء في باكستان، ومصر، والجزائر … في عام 1993 كان الوضع في الجزائر بشعاً، وكذلك الحال مع الكثير من الكتاب الصينيين الذين عانوا ظروف صعبة ومحاولات للخروج خصوصًا بعد احتواء حراك الميدان السماوي”.

عاش سلمان رشدي في أعقاب الفتوى متخفيًا محاطاً بالحراسة المشددة “كل مصادر دخله استنزفت، خسر أسرته، وأصدقائه وحياته، لكنه كان يرى أن وضعه أفضل بكثير من غيره من الكتاب”. 

اختبأ سلمان أيضًا خلف جوزيف أنطون، الاسم المستعار الذي كتب به مذكراته، لكن هذا الاختفاء لم يحرمه من الكتابة، والفتوى نفسها التي تلاحقه حتى اليوم يقول عنها سلمان إنها كانت خير دعاية لروايته آيات شيطانيه بل ولكتبه كلها. يمر الزمن وينسى الناس الرواية والفتوى، لتعيدنا الطعنة إلى أن الفتوى لا تزال حية تستحوذ على بعض العقول حولنا.

اختبر سلمان رشدي شعور الحصار والمطاردة، عرف معنى أن تكون كاتبًا يدفع ثمن كلماته. في أثناء انعقاد مؤتمر اتحاد الكتاب العالمي في عام 1993  طرح سلمان فكرة تخصيص مدن لجوء هدفها استضافة الكتاب المهددين تحت ظروف أمنية تستهدف حياتهم خصوصًا في الجزائر والصين.

 يستطرد ناجي موضحًا: “بالفعل اتحادات الكتاب الدولية ضغطت على الحكومات الأوروبية، وعدد من المدن الأوروبية أعلنت أنها ستستضيف الكتاب وأعلنت مدنها كذلك. في نهاية التسعينات راسل بانكس الكاتب الأمريكي رئيس الاتحاد الدولي للكتاب، وعمل جهداً كبيراً مع مجلس إدارته لتوسيع البرنامج. وقتها (بداية سنوات الألفية) نظّم الاتحاد رحلة لكسر الحصار عن ياسر عرفات ولدعم الانتفاضة الثانية وشارك فيها راسل بانكس، وول سونيكا وكتاب آخرين وبدعم من سلمان رشدي اللي طبعاً مقدرش يسافر”.

ويوضح ناجي أنه حتى عام 2003 كان برنامج “مدن اللجوء” مقتصراً على مدن أوروبية، حينها رأى سلمان رشدي ضرورة توسيع نطاق البرنامج ليشمل مدناً أمريكية، وبالفعل نجح التعاون مع مؤسسات المجتمع المحلي في بيترسبرج لتأسيس برنامج في مدن أمريكية، وأصبح للبرنامج وجوداً في بيترسبرج، إيثاكا، ولاس فيجاس حيث يعيش ناجي. يحكي ناجي قصة انضمام لاس فيجاس إلى مدن اللجوء، جاءت من فكرة اقترحها الكاتب وول سونيكا -أحد الكتاب الحاصلين على منحة من المعهد- “لم يكن هناك إمكانيات مادية للتمويل، فاقترح سونيكا إقامة حفل لجمع التبرعات، ووجه الدعوة لصديقته الكاتبة الأمريكية توني موريسون التي سافرت إلى لاس فيجاس وأقيم حفل عشاء على شرفها، والطاولة الواحدة فيه بيعت بحوالى 35 ألف دولار، وأقيم أيضًا مزاد رمزي للقصائد الوحيدة التي كتبتها موريسون واهدتها للمعهد”. 

تحولت هذه الاموال إلى وديعة تمول إقامة أحمد ناجي وكتّاباً آخرين قبله إلى جانب دعم مؤسسة بفرلى روجرز، إحدى مؤسسات المجتمع المدني في لاس فيجاس والتي تدعم الحركة الأدبية والفنية في المدينة. قبل استضافة ناجي استضاف البرنامج كاتب السيناريو الإيراني حسين مرتزيان أبكنار.

تلك الرائحة

“كنت تجلد نفسك على ما ورطت نفسك فيه، تعاقب نفسك بينما تستحم وسط الصراصير التي ترعى على جدران الحمام: لماذا فعلت بنفسك ما فعلت يا أحمد؟ ولماذا ألزمت نفسك بالكتابة على هذه الشاكلة؟ هل تستحق تلك الأوهام التي تطاردها في الكتابة هذه التضحية؟”، كتب أحمد ناجي.

يذكرني المقطع السابق من كتاب ناجي “حرز مكمكم: القراءة والكتابة داخل السجن” بالسؤال الذي يطارد كثيرين مذ عرفوا بحادثة سلمان رشدي: هل كانت الكتابة الإبداعية نقمة على صاحبها؟ هل شطحات الخيال تستحق أن يضع الكاتب من أجلها حياته على المحك خوفًا من متشدد أو طائش أو تكفيري يكبده ثمن كتابته سواء بالسجن أو التهديد بالقتل؟ 

يقول أحمد ناجي لـ”درج”: “أحد الدروس المهمة التي تعلمتها من سلمان رشدي أن حرية الرأي والتعبير هي مجال العمل السياسي للكاتب، وأن التضامن من أهم خطوات الفعل السياسي والإنساني. ومشاعري منذ حادثة طعن سلمان هي القلق على أصحابي الكتاب في السجن، مثل الناشر خالد لطفي، والكاتب علاء عبد الفتاح، والشاعر أحمد دومة، والشاعر جلال البحيري، وغيرهم من سجناء الرأي”. 

بين أصوات المتعاطفين مع حادثة سلمان رشدي ظهرت أصوات تشتبك معه باعتباره أديباً متوسط الموهبة، في تمرير ضمني إلى أن التعاطف معه لا يغفلنا أنه كان مسيئًا في روايته “آيات شيطانية”. لا يشتبك ناجي مع هذه التعليقات التي تقلل من شأن المنجز الأدبي لرشدي، يقول: “لا أفهمها أصلا ولست مهتماً بالاشتباك مع أصحابها، ولست مندهشًا لوجودها. أنا عملت في أخبار الأدب منذ 2003، وعشت مع الوسط الأدبي المصري والعربي وعارف أن التيار السائد فيه رجعي ومحافظ في أفكاره للغاية وهذا شيء معلن وواضح، الأفكار الفاشية القومية، والخطابات الذكورية البائسة، وتصورات أخلاق الطبقة الوسطى عناصر أساسية في المشهد الأدبي المصري”. 

يرى ناجي أن التعليقات الحالية على حادثة سلمان رشدي مبشّرة، إذ يضعها في مقارنة مع المشهد الثقافي المصري في بداية التسعينات وكيف تعامل عدد كبير من الكتاب بشراسة وهجوم على رشدي، بل وصل الأمر إلى حد إصدار أعداد خاصة من مجلات أدبية وثقافية لتكثيف الهجوم عليه، وهو ما وثقه ريشار جاكمون في كتاب “كتاب وكتبة”.

 يقول ناجي “أنا قريت بوستات ومقالات كتير داعمة ومؤيدة وحزينة على ما حصل. وأعتقد ده السبب إن كتير من الكتاب المصريين الرجعيين حسوا ان معدش ينفع يعملوا زى زمان لما فاروق جويدة طلع كتب قصيدة شتم وسب في سلمان رشدي، فكان حلهم استغلال تصريحات نجيب محفوظ القديمة ضد سلمان علشان يستخبوا وراه، وضحكت جدا الحقيقة”.

يختم ناجي حديثه مع “درج” مستبشراً وسعيدًا بشجاعة أجيال شابة أعلنت رفضها لجريمة طعن رشدي ودعمها لحرية الرأي والتعبير وتضامنها مع الكاتب الجريء. تلك هي المواقف التي يهتم ناجي بالانغماس فيها والتعرف إلى أصحابها وقراءة أعمالهم، لتغيير الخطاب السائد في المؤسسة الأدبية المصرية بحثًا عن طرق لخلق روابط تعبر عن انحياز الكتاب لحرية الرأي والتعبير والعدالة الاجتماعية.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.