fbpx

ستيفن هوكنغ… جسور متعددة لكون بلا حدود

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الدرس الأساسي الذي يوجهه هوكينغ بصرامة، هو أن قوانين الكون ثابتة، وبالتالي لا مكان للمعجزات، وأن خالق الكون (لو كان موجودا)، لا يستطيع التدخل في العالم (إن كان ذلك ممكنا وضروريا)، إلا من خلالها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

صورته بجسده المعاق، وكرسيه المتحرك، وكلماته المتدفقة عبر جهازه الناطق، صارت أيقونة للعبقرية والتصميم، ظهرت في أشهر المسلسلات والافلام والكتب الشعبية. تنبأ الأطباء أن يموت في سنّ الثالثة والعشرين، بسب مرض نادر يؤدي الى وفاة الخلايا العصبية، لكنه عاش 55 عاماً إضافية، بعد موعد موته المفترض. وفقد قدرته على الكتابة والنطق، لكن العالم قرأ سمع آراءه حول العلم والكون والسياسة والتغير المناخي والهروب من كوكب الأرض.
إلى جانب استكشاف أسرار الكون، كان لستيفن هوكنغ مهمة أكبر، هي مدّ الجسور، وردم الفجوات بين العوالم المتباعدة.
أول جسر أقامه هوكنغ، هو ذلك الجسر الذي ربط بين عالم الكتابة العلمية المعقدة، وعالم الثقافة الشعبية، وحوّل العلم الى موضوع اهتمام شعبي واسع النطاق. كان ظهور كتابه “موجز تاريخ الزمان”، نقطة البداية لنوع جديد من الكتب هو كتب العلوم الشعبية popular science. باع كتابه في سنة إصداره نسخاً أكثر من اسطوانات مايكل جاكسون، ومن الكتاب المقدس، وبدأ رجل الشارع الشعبي، يتحدث عن أعقد مفاهيم الفيزياء، من الانفجار العظيم، الى الكون المتمدد الى النسبية العامة وفيزياء الكم.
لكنه لم يقف عند تبسيط المفاهيم، فقط بل سعى الى تثوير مفاهيم ومعارف الناس، حول الاسئلة الكبرى للكون، فكانت مغامرته الأهم محاولته إثبات أن العلم، يمتلك القدرة على الإجابة عن أسئلة الفلسفة واللاهوت، كاسراً القاعدة الكلاسيكية التي وضعها العلماء منذ ديكارت، أن العلم يمكن أن يجيب عن اسئلة “كيف”، لكن ليس من مهمته الاجابة عن اسئلة “لماذا”.
تجاوز هوكينغ تحفظات أسلافه وصار يطرح إجابات علمية وفيزيائية على أسئلة مثل:
هل للكون بداية ونهاية وخالق؟
لماذا نحن موجودون؟ ولماذا هناك شيء (وجود) بدلا من اللاشيء (العدم)؟
ولو كان هناك خالق للكون فهل يستطيع مخالفة قوانين الطبيعة (المعجزات)؟
حتى أسئلة “هل” و “كيف”، وهي جوهر التساؤلات العلمية تثوّرت على يد هوكنغ، فصار يغامر بالاجابة على اسئلة مثل:
هل هناك مخلوقات أخرى غيرنا؟
هل يمكننا السفر عبر الزمن الى الماضي والمستقبل؟
كيف هو شروق الشمس على المريخ؟
وكيف يمكننا الهروب من الثقب الأسود؟
ظلّت الفلسفة واللاهوت حائرة عشرات القرون، حول سؤال، هل الكون أبدي أم له بداية ونهاية، لكن العلم استطاع حسم هذا السؤال، فالكون له بداية محددة قبل 13.5مليار سنة، فيما يسمى الانفجار الكبير، أما نهاية الكون فتعتمد على سرعة تمدد الكون، ومقدار الطاقة، والمادة التي يمكن أن تصمد وتحمي الكون من لحظة الانسحاق العظيم، فعن طريق قياس كتلة الكون، نستطيع التنبؤ إذا ما كان سينهار أو سيستمر في التمددّ إلى الأبد.
الجسر الثاني الذي حاول هوكينغ إقامته، هو التقريب بين النظريتين الكبيرتين للقرن العشرين، “النسبية العامة” لأينشتاين و نظرية الكم لبوهر. والمشكلة التي لا زالت تؤرق مضاجع العلماء، أن هاتين النظريتين متناقضتين في الظاهر، لكن كل التجارب والملاحظات التي أجريت حولهما، تثبت في نفس الوقت أنهما صحيحتان!
ولأن العلماء يرون أن هناك نظرية واحدة يجب أن تفسر عالم وقوانين الفيزياء، كان لا بد من توحيد النظريتين معا في نظرية واحدة، أطلق عليها هوكينغ “نظرية كل شي”، أراد لها أن تكون شاملة ومبسطة للعلماء والناس العاديين. وكان أن حاول تطبيق مبادىء أينشتاين على العالم الأصغر “تحت الذري”، وأن يطبق مبادىء نظرية الكمّ على العالم الأكبر للمجرّات والثقوب السوداء والسدم.
لكن هذا أوصله إلى نتائج تتعدى حدود الخيال. الفكرة الأساسية لنظرية الكمّ أن الجسيمات لا تتواجد في حالة واحدة معينة، وإنما في عدد كبير من الحالات المحتملة في نفس الوقت. لو طبقنا هذا المبدأ على الانسان فهذا معناه، أنك في احدى الحالات قد تكون صلباً، لكن هناك حالات أخرى محتملة قد تكون فيها غازاً (لكن من حسن الحظ ان نظرية الكم لا زالت تنطبق على الجسيمات الأولية والذراتفقط).
لكن عند تطبيق نظرية الكمّ على الإنفجار الكبير، تكون النتيجة أن الكون الذي نعيش فيه ما هو إلا حالة واحدة فقط من أكوان عديدة، وأنت مجرد نسخة من نسخ أخرى في أكوان أخرى، تطورت حسب قوانين الفيزياء في ذلك الكون، وقد تكون ميتاً في إحدى تلك الأكوان.
الجسر الثالث هو بين سكان الأرض والكواكب الأخرى.
في محاضرة ألقاها عام 2017، قال إن لا مستقبل للجنس البشري، إذا لم يترك الأرض خلال 600 عام، وإذا لم يظهر جيل جديد من المستكشفين الشباب، الذين لديهم القدرة والتحدي على استعمار الكواكب الاخرى، وانتقال البشر التدريجي إليها. قد يكون الكوكب الأول القابل للاستعمار هو المريخ، أو أي كوكب آخر خارج المجموعة الشمسية، لكن مغادرة كوكب الأرض ليس خياراً، إنه ضرورة.
يرى هوكينغ أن هناك ملايين الكواكب المشابهة لكوكب الارض في الحجم والظروف المناخية، وأن المشكلة ليس إيجاد هذه الكواكب، وإنما الوصول إليها في ظل تحديين: التحدي الأول هو تكنولوجيا السفر الفضائي البدائية، مقارنة بسرعة الضوء، والتحدي الثاني أنه لا يمكن السفر عبر سرعة أكبر من سرعة الضوء أبدا، إلا إذا تمكن الإنسان من السفر عبر الثقوب الدودية. لكن المشكلة هنا أن الثقوب الدودية ممرات افتراضية داخل “الثقوب السوداء”، والثقوب السوداء هي جاذبية عملاقة تمتص وتسحق أي شيء يقترب منها حتى الضوء، لكن اذا تمكن الانسان من السفر عبر أحد هذه الثقوب، فإنه لن يستطيع فقط الانتقال الى المجرات الاخرى بل قد ينتقل الى الأكوان الأخرى أيضاً.
وهنا يأتي أحد الموضوعات الأثيرة عند هوكينغ “السفر عبر الزمن”، وهو حقيقة علمية ممكنة عنده مع استثناء واحد، هو أن السفر الى المستقبل ممكن، أما السفر الى الماضي فغير ممكن أبدا. لكن السفر الى المستقبل لن يكون عبر مركبة فضائية أو صاروح كما نتخيل، فالامكانية الوحيدة للسفر الى المستقبل، هي أن يقترب المسافر في مركبة فضائية من أحد الثقوب السوداء (دون أن يسقط فيه)، ثم يدور حوله عدة دورات لمدة شهر أو سنة أو سنوات، ولأن الزمن حول الثقب الاسود بطيء، فإن سنة حول الثقب الأسود قد تعادل 100 عام أو اكثر، في مكان آخر، وهكذا نستطيع أن نعود للمكان الآخر، وقد مضت فيه 70 سنة، بينما قضينا سنة واحدة فقط حول الثقب الأسود.
أما الجسر الرابع الذي يقدمه هوكينغ للبشرية، فهو جسر بين العجز والقدرة. فحياته الشخصية، وتغلبه على إعاقته الدائمة، واختراع كرسي متحرك، مزود بتكنولوجيا بديلة للصوت البشري، هو حكاية أخرى لقدرة العلم على اجتراح المعجزات.
هل قلت”معجزات”؟!
لو قرأ هوكينغ هذه الأسطر لغضب جداً، بسبب استخدامي لكلمة معجزة، فبالنسبة إليه، لا معجزات في الطبيعة. وأنا أراجع كتاباته لاحظت اهتمامه بشرح وتفصيل نقطتين، قد تبدوان بديهيتين في عالم القرن الحادي والعشرين وهما: أن الكون يمضي وفق قوانين ثابتة لا يمكن كسرها، وأنه لا يوجد معجزات، لأن المعجزة كسر لقوانين الطبيعة وهذا مستحيل.
ويبدو أن هاتين الفكرتين لا زالتا محتاجتين للتأكيد والتفصيل، حتى داخل العالم الغربي نفسه، مع أن جذور هاتين الفكرتين تعود الى إسحق نيوتن. لكن الدرس الأساسي الذي يوجهه هوكينغ بصرامة، هو أن قوانين الكون ثابتة، وبالتالي لا مكان للمعجزات، وأن خالق الكون (لو كان موجودا) لا يستطيع التدخل في العالم (إن كان ذلك ممكنا وضروريا) إلا من خلالها.
هذه هي الصورة العجيبة الغريبة للكون وللفيزياء كما بسّطها هوكينغ للملايين من الناس. كونٌ له بداية، ولكن ربما لن يكون له نهاية. كونٌ متمدد يزيد حجمه باستمرار وتتباعد مجراته عن بعضها بلا توقف،تتواجد فيه ملايين الكواكب الصالحة للحياة، وآلاف الاحتمالات لوجود حياة عليها. كون مليء بالطاقات والامكانيات القادرة على توفير الرفاه للبشرية لو عرفنا أسرارها وكيفية استغلالها.
[video_player link=””][/video_player]

16.03.2018
زمن القراءة: 5 minutes

الدرس الأساسي الذي يوجهه هوكينغ بصرامة، هو أن قوانين الكون ثابتة، وبالتالي لا مكان للمعجزات، وأن خالق الكون (لو كان موجودا)، لا يستطيع التدخل في العالم (إن كان ذلك ممكنا وضروريا)، إلا من خلالها.

صورته بجسده المعاق، وكرسيه المتحرك، وكلماته المتدفقة عبر جهازه الناطق، صارت أيقونة للعبقرية والتصميم، ظهرت في أشهر المسلسلات والافلام والكتب الشعبية. تنبأ الأطباء أن يموت في سنّ الثالثة والعشرين، بسب مرض نادر يؤدي الى وفاة الخلايا العصبية، لكنه عاش 55 عاماً إضافية، بعد موعد موته المفترض. وفقد قدرته على الكتابة والنطق، لكن العالم قرأ سمع آراءه حول العلم والكون والسياسة والتغير المناخي والهروب من كوكب الأرض.
إلى جانب استكشاف أسرار الكون، كان لستيفن هوكنغ مهمة أكبر، هي مدّ الجسور، وردم الفجوات بين العوالم المتباعدة.
أول جسر أقامه هوكنغ، هو ذلك الجسر الذي ربط بين عالم الكتابة العلمية المعقدة، وعالم الثقافة الشعبية، وحوّل العلم الى موضوع اهتمام شعبي واسع النطاق. كان ظهور كتابه “موجز تاريخ الزمان”، نقطة البداية لنوع جديد من الكتب هو كتب العلوم الشعبية popular science. باع كتابه في سنة إصداره نسخاً أكثر من اسطوانات مايكل جاكسون، ومن الكتاب المقدس، وبدأ رجل الشارع الشعبي، يتحدث عن أعقد مفاهيم الفيزياء، من الانفجار العظيم، الى الكون المتمدد الى النسبية العامة وفيزياء الكم.
لكنه لم يقف عند تبسيط المفاهيم، فقط بل سعى الى تثوير مفاهيم ومعارف الناس، حول الاسئلة الكبرى للكون، فكانت مغامرته الأهم محاولته إثبات أن العلم، يمتلك القدرة على الإجابة عن أسئلة الفلسفة واللاهوت، كاسراً القاعدة الكلاسيكية التي وضعها العلماء منذ ديكارت، أن العلم يمكن أن يجيب عن اسئلة “كيف”، لكن ليس من مهمته الاجابة عن اسئلة “لماذا”.
تجاوز هوكينغ تحفظات أسلافه وصار يطرح إجابات علمية وفيزيائية على أسئلة مثل:
هل للكون بداية ونهاية وخالق؟
لماذا نحن موجودون؟ ولماذا هناك شيء (وجود) بدلا من اللاشيء (العدم)؟
ولو كان هناك خالق للكون فهل يستطيع مخالفة قوانين الطبيعة (المعجزات)؟
حتى أسئلة “هل” و “كيف”، وهي جوهر التساؤلات العلمية تثوّرت على يد هوكنغ، فصار يغامر بالاجابة على اسئلة مثل:
هل هناك مخلوقات أخرى غيرنا؟
هل يمكننا السفر عبر الزمن الى الماضي والمستقبل؟
كيف هو شروق الشمس على المريخ؟
وكيف يمكننا الهروب من الثقب الأسود؟
ظلّت الفلسفة واللاهوت حائرة عشرات القرون، حول سؤال، هل الكون أبدي أم له بداية ونهاية، لكن العلم استطاع حسم هذا السؤال، فالكون له بداية محددة قبل 13.5مليار سنة، فيما يسمى الانفجار الكبير، أما نهاية الكون فتعتمد على سرعة تمدد الكون، ومقدار الطاقة، والمادة التي يمكن أن تصمد وتحمي الكون من لحظة الانسحاق العظيم، فعن طريق قياس كتلة الكون، نستطيع التنبؤ إذا ما كان سينهار أو سيستمر في التمددّ إلى الأبد.
الجسر الثاني الذي حاول هوكينغ إقامته، هو التقريب بين النظريتين الكبيرتين للقرن العشرين، “النسبية العامة” لأينشتاين و نظرية الكم لبوهر. والمشكلة التي لا زالت تؤرق مضاجع العلماء، أن هاتين النظريتين متناقضتين في الظاهر، لكن كل التجارب والملاحظات التي أجريت حولهما، تثبت في نفس الوقت أنهما صحيحتان!
ولأن العلماء يرون أن هناك نظرية واحدة يجب أن تفسر عالم وقوانين الفيزياء، كان لا بد من توحيد النظريتين معا في نظرية واحدة، أطلق عليها هوكينغ “نظرية كل شي”، أراد لها أن تكون شاملة ومبسطة للعلماء والناس العاديين. وكان أن حاول تطبيق مبادىء أينشتاين على العالم الأصغر “تحت الذري”، وأن يطبق مبادىء نظرية الكمّ على العالم الأكبر للمجرّات والثقوب السوداء والسدم.
لكن هذا أوصله إلى نتائج تتعدى حدود الخيال. الفكرة الأساسية لنظرية الكمّ أن الجسيمات لا تتواجد في حالة واحدة معينة، وإنما في عدد كبير من الحالات المحتملة في نفس الوقت. لو طبقنا هذا المبدأ على الانسان فهذا معناه، أنك في احدى الحالات قد تكون صلباً، لكن هناك حالات أخرى محتملة قد تكون فيها غازاً (لكن من حسن الحظ ان نظرية الكم لا زالت تنطبق على الجسيمات الأولية والذراتفقط).
لكن عند تطبيق نظرية الكمّ على الإنفجار الكبير، تكون النتيجة أن الكون الذي نعيش فيه ما هو إلا حالة واحدة فقط من أكوان عديدة، وأنت مجرد نسخة من نسخ أخرى في أكوان أخرى، تطورت حسب قوانين الفيزياء في ذلك الكون، وقد تكون ميتاً في إحدى تلك الأكوان.
الجسر الثالث هو بين سكان الأرض والكواكب الأخرى.
في محاضرة ألقاها عام 2017، قال إن لا مستقبل للجنس البشري، إذا لم يترك الأرض خلال 600 عام، وإذا لم يظهر جيل جديد من المستكشفين الشباب، الذين لديهم القدرة والتحدي على استعمار الكواكب الاخرى، وانتقال البشر التدريجي إليها. قد يكون الكوكب الأول القابل للاستعمار هو المريخ، أو أي كوكب آخر خارج المجموعة الشمسية، لكن مغادرة كوكب الأرض ليس خياراً، إنه ضرورة.
يرى هوكينغ أن هناك ملايين الكواكب المشابهة لكوكب الارض في الحجم والظروف المناخية، وأن المشكلة ليس إيجاد هذه الكواكب، وإنما الوصول إليها في ظل تحديين: التحدي الأول هو تكنولوجيا السفر الفضائي البدائية، مقارنة بسرعة الضوء، والتحدي الثاني أنه لا يمكن السفر عبر سرعة أكبر من سرعة الضوء أبدا، إلا إذا تمكن الإنسان من السفر عبر الثقوب الدودية. لكن المشكلة هنا أن الثقوب الدودية ممرات افتراضية داخل “الثقوب السوداء”، والثقوب السوداء هي جاذبية عملاقة تمتص وتسحق أي شيء يقترب منها حتى الضوء، لكن اذا تمكن الانسان من السفر عبر أحد هذه الثقوب، فإنه لن يستطيع فقط الانتقال الى المجرات الاخرى بل قد ينتقل الى الأكوان الأخرى أيضاً.
وهنا يأتي أحد الموضوعات الأثيرة عند هوكينغ “السفر عبر الزمن”، وهو حقيقة علمية ممكنة عنده مع استثناء واحد، هو أن السفر الى المستقبل ممكن، أما السفر الى الماضي فغير ممكن أبدا. لكن السفر الى المستقبل لن يكون عبر مركبة فضائية أو صاروح كما نتخيل، فالامكانية الوحيدة للسفر الى المستقبل، هي أن يقترب المسافر في مركبة فضائية من أحد الثقوب السوداء (دون أن يسقط فيه)، ثم يدور حوله عدة دورات لمدة شهر أو سنة أو سنوات، ولأن الزمن حول الثقب الاسود بطيء، فإن سنة حول الثقب الأسود قد تعادل 100 عام أو اكثر، في مكان آخر، وهكذا نستطيع أن نعود للمكان الآخر، وقد مضت فيه 70 سنة، بينما قضينا سنة واحدة فقط حول الثقب الأسود.
أما الجسر الرابع الذي يقدمه هوكينغ للبشرية، فهو جسر بين العجز والقدرة. فحياته الشخصية، وتغلبه على إعاقته الدائمة، واختراع كرسي متحرك، مزود بتكنولوجيا بديلة للصوت البشري، هو حكاية أخرى لقدرة العلم على اجتراح المعجزات.
هل قلت”معجزات”؟!
لو قرأ هوكينغ هذه الأسطر لغضب جداً، بسبب استخدامي لكلمة معجزة، فبالنسبة إليه، لا معجزات في الطبيعة. وأنا أراجع كتاباته لاحظت اهتمامه بشرح وتفصيل نقطتين، قد تبدوان بديهيتين في عالم القرن الحادي والعشرين وهما: أن الكون يمضي وفق قوانين ثابتة لا يمكن كسرها، وأنه لا يوجد معجزات، لأن المعجزة كسر لقوانين الطبيعة وهذا مستحيل.
ويبدو أن هاتين الفكرتين لا زالتا محتاجتين للتأكيد والتفصيل، حتى داخل العالم الغربي نفسه، مع أن جذور هاتين الفكرتين تعود الى إسحق نيوتن. لكن الدرس الأساسي الذي يوجهه هوكينغ بصرامة، هو أن قوانين الكون ثابتة، وبالتالي لا مكان للمعجزات، وأن خالق الكون (لو كان موجودا) لا يستطيع التدخل في العالم (إن كان ذلك ممكنا وضروريا) إلا من خلالها.
هذه هي الصورة العجيبة الغريبة للكون وللفيزياء كما بسّطها هوكينغ للملايين من الناس. كونٌ له بداية، ولكن ربما لن يكون له نهاية. كونٌ متمدد يزيد حجمه باستمرار وتتباعد مجراته عن بعضها بلا توقف،تتواجد فيه ملايين الكواكب الصالحة للحياة، وآلاف الاحتمالات لوجود حياة عليها. كون مليء بالطاقات والامكانيات القادرة على توفير الرفاه للبشرية لو عرفنا أسرارها وكيفية استغلالها.
[video_player link=””][/video_player]