fbpx

سنة دامية في السودان لم تعدّل بوصلة العالم!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

وفي ظل الانتهاكات الكبيرة التي تقترفها ميليشيات “الدعم السريع” بخاصة ضد المدنيين السودانيين، والتي باتت مكشوفة وموثّقة لدى بعض المنظمات، فإن الأطراف الخارجية التي تقف وراء هذه القوى من المرجح أن تتراجع عن دعمها حرجاً من تزايد الانتهاكات المروّعة وخوفاً من أن تجد نفسها لاحقاً متورطة في جرائم حرب وحرب إبادة قد يفتح ملفها لاحقاً.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

دخلت الحرب السودانية عامها الثاني بحصيلة ثقيلة جداً على مستوى القتلى والجرحى والنازحين، من دون أي بوادر تُذكر عن وقف قريب للاقتتال بين طرفي النزاع، في ظل تجاهل المجتمع الدولي إحدى أكبر الأزمات الراهنة على الإطلاق. 

ففي ذروة الانشغال العالمي بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ أكثر من سبعة أشهر من جهة، والحرب الأوكرانية – الروسية من جهة أخرى، أصبحت الحرب السودانية الدامية التي تفتك بالمدنيين قتلاً وتهجيراً واغتصاباً، طي النسيان. وكأن العالم طوى صفحة هذه الحرب على رغم اتّساع رقعتها وصيحات الفزع التي تطلقها المنظمات الدولية، والأرقام المخيفة لنتائج هذا القتال الذي تغذيه أطراف خارجية عدة.

في 15 نيسان/ أبريل 2023، اندلعت المعارك في الخرطوم بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان ونائبه آنذاك قائد “قوات الدعم السريع” محمد حمدان دقلو، المعروف بـ”حميدتي”، واتّسع نطاقها تدريجياً ليطاول مدن البلاد كافة. 

وعلى مدار سنة دامية، عاش السودانيون على وقع أهوال كبيرة في ظل الانتهاكات الكبيرة التي أقدم عليها طرفا النزاع، لا سيما ميليشيات “الدعم السريع”، وسط غياب شبه تام للتغطية الإعلامية والاهتمام الدولي، الذي انصبّ أخيراً على الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. 

نسيان المجتمع الدولي أو تجاهله المتعمّد للحرب السودانية والتركيز على الأزمة الأوكرانية والحرب في غزة على رغم فداحة الخسائر البشرية والاقتصادية والصحية وغيرها، ذلك كله عزز في أذهان السودانيين بخاصة، الخيبة المتكررة من القوى الكبرى التي تنظر دائماً لإفريقيا ونزاعاتها على أنها لا تستحق أن تتصدر دوائر الاهتمام، وكأن حياة أبناء هذه القارة هي أدنى بكثير من البقية، وألا شيء في هذه القارة يستحق العناء سوى ثرواته الطبيعية المنهوبة.  

وأمام هذه الخيبة وهذا الخذلان، وجد السودانيون أنفسهم يواجهون حرباً لم يريدوها ولم ينخرطوا فيها، وحيدين خارج دائرة اهتمام عالم لا يكترث لحياة السود حتى لو كان قتلاهم بالآلاف.

 لا كاميرا توثّق الجرائم المروّعة المرتكبة بحقهم أو تنقل صرخاتهم وموتهم المستباح بكل الطرق وفي كل حين وفي كل مكان، لا قوى كبرى تضغط بالعقوبات أو التدخل العسكري لدفع طرفي النزاع على وقف الحرب، لا آذان تصغي الى نداءات المنظمات بشأن الوضع الكارثي الذي وصلت إليه البلاد، لا شيء سوى التجاهل وعدم الاكتراث.

 ويبدو أن السودانيين قد أيقنوا أنهم منسيون، فلم يعودوا يطلبون العون أو يصرخون في وجه هذا العالم، بل باتوا يلجأون الى مواقع التواصل الاجتماعي مثلاً لتدشين حملات للبحث عن حبوب منع الحمل أو الاجهاض، قبل وصول ميليشيات “الدعم السريع”، التي اعتمدت الاغتصاب كسلاح منذ بداية الحرب أو للبحث عن فتوى تجيز الانتحار قبل وصول الميليشيات ذاته، لتجنّب الاغتصاب أو التعذيب والتنكيل. 

الجرائم توثَّق من دون اهتمام أحد

يقول المحلل السياسي السوداني بشير الصادق لـ”درج”: “كشعب سوداني، ننتظر أن يحدث تغيير في مجريات الأحداث في الفترة المقبلة، لكننا لا نعتمد على الجهود الخارجية لأنها أثبتت أن تأثيرها كان ضعيفاً. نحن الشعب الذي انكوى بالجحيم وبتنا مقدمين على مجاعة، لا بد أن نضغط على طرفي النزاع للجلوس على طاولة التفاوض وإنهاء الحرب. على رغم أن هناك تعقيدات أخرى مرتبطة باشتراط الجيش السوداني عودة السياسيين السودانيين الى البلاد للتفاوض، وهم يعرفون أن ذلك يعني اعتقالهم وإيداعهم السجن، ولكن نبقى نراهن على ضغط الشارع السوداني وإلا ستطول الحرب أكثر وأكثر”.

ويضيف “هناك جملة من العوامل أدت لجعل الحرب السودانية تعرف كل هذا التغافل الدولي، أولها اندلاع الحرب في غزة التي جعلت كبريات القنوات والمؤسسات الإعلامية في العالم تسلط الضوء عليها في المقابل باتت الحرب في السودان منسية كما صرنا نسميها في السودان الحرب المنسية. وهناك أيضا عوامل داخلية مرتبطة باصرار الطرفين على الحل العسكري وإعلانهم في كل مرة تطلق فيها مبادرة عدم اعترافهم بأي تفاوض وبأي جهة تقف وراءها على غرار المبادرات التي أشرفت عليها السعودية والاتحاد الافريقي وبعض دول الاتحاد الأوروبي وأمريكا التي قوبلت كلها بتعنت طرفي النزاع وتمسكهم بالقوة كخيار لحسم الحرب. أعتقد أن أوروبا بشكل خاص لم تعد ترغب في الانخراط في هذا الصراع لأنها لم تجد تجاوبا من المتنازعين في السودان وتركت الحسم للسودانيين”.

ولم يدرك المدنيون السودانيون وحدهم أنهم بعيدون عن اهتمام العالم بل إن طرفي النزاع بدورهم قد وصلوا إلى ذات الاعتقاد ولا سيما مليشيات الدعم السريع التي أصبحت توثق جرائمها لعلمها أن لا أحد يكترث بما تفعله أو يهتم بمعاقبتها. فباتت مشاهد التنكيل بالمدنيين السودانيين بمختلف أشكالها بما في ذلك فيديوهات لعمليات اغتصاب، على قارعة مواقع التواصل الاجتماعي دون خوف من المحاسبة في ظل نسيان أو تناسي القوى الكبرى لما يجري في هذا البلد.

حصيلة مروعة

أمام هذا التعاطي الدولي مع الحرب السودانية، كانت الحصيلة بعد سنة من القتال مروّعة، ـ15 ألف قتيل وعدد لا يحصى من الجرحى والمصابين، وأكثر من 8 ملايين نازح ولاجئ.

بحسب تقارير أممية، فإن أعمال العنف ضد المدنيين ازدادت في الآونة الأخيرة حتى مع انخفاض عدد المعارك، إذ ارتفعت أحداث العنف ضد المدنيين بنسبة 89 بالمائة. ويؤكد السودانيون أن عدد القتلى أكبر بكثير مما هو معلن، وأن الأعداد المعلنة تبقى قليلة مقارنة بالأعداد الحقيقية. لأن الإحصاءات لا تشمل الكثيرين مما دُفنوا في منازلهم، لأن ذويهم لم يجدوا من يعينهم على نقل موتاهم إلى مقابر المدينة، ولا تشمل أيضاً من دُفنوا في الطرقات العامة أو في مقابر جماعية، بعدما تعذّر دفنهم في مقابر معلومة لأسباب أمنية حصراً، ولا أولئك الذين تحلّلت جثثهم وذهبت وجبة للكلاب والقطط، من دون أن تجد من يدفنها في ظل الاستهداف العشوائي للمدنيين في مدن عدة، بخاصة مدن دارفور.

وفق منظمة الهجرة الدولية، أدى ازدياد حدة النزاع بين الجيش وميليشيات “الدعم السريع” إلى نزوح نحو 6.5 مليون شخص داخل السودان منذ بداية الحرب في 15 نيسان 2023، في مختلف ولايات السودان البالغ عددها 18 ولاية، (جنوب دارفور فيه أعلى نسب نزوح)، في حين بلغ عدد اللاجئين إلى دول الجوار حوالى مليوني لاجئ، وفقاً للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. ووصفت الأمم المتحدة أزمة النزوح بـ”أسوأ كارثة نزوح في العالم”، وحذرت “شبكة نظام الإنذار المبكر بالمجاعة” من مجاعة طاحنة في ولايات غرب دارفور والخرطوم ودارفور الكبرى.

خلّفت سنة من القتال 3.5 مليون طفل يعانون من سوء التغذية الحاد. وفي هذا الإطار، حذّرت منظمة الصحة العالمية من “احتمال وفاة 230 ألف طفل وامرأة حامل وأم جديدة، خلال الأشهر المقبلة بسبب الجوع، ما لم يتوافر التمويل والمساعدات العاجلة المنقذة للحياة”.

وفي 9 شباط/ فبراير الماضي، قال المتحدث باسم اليونيسيف جيمس إلدر، عقب زيارة له لكل من تشاد ودارفور التقى خلالها بأسر اللاجئين والنازحين، إنه تم تهجير أربعة ملايين طفل سوداني بمعدل 13000 طفل كل يوم لمدة 300 يوم، ما يعني أن السودان يشهد واحدة من أكبر أزمات نزوح الأطفال في العالم. 

وأدت الحرب بدورها، إلى تدمير المرافق الصحية، إذ توقف ما بين 70 إلى 80 بالمائة من مرافق الرعاية الصحية عن العمل، لا سيما في الخرطوم ودارفور، وحتى المرافق التي تواصل العمل تواجه تحديات كبيرة، في ظل نقص الكهرباء والفرق الطبية (ماتت أو هربت للنجاة من القتل) والإمدادات الطبية، بما فيها الأدوية.

وتسبب انهيار المنظومة الصحية في البلاد بانتشار الأمراض والأوبئة، إذ سُجلت 10800 إصابة بالكوليرا في 12 ولاية، بينما بلغت إصابات حمى الضنك 7500 حالة في 11 ولاية.

كما أسفرت الحرب عن أزمة تعليمية كبيرة وصفتها ممثلة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة في السودان “يونيسكو” مانديب أوبراين، بأنها “أسوأ أزمة تعليمية في العالم”. وذكرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف”، أن 19 مليون طفل أصبحوا غير ملتحقين بالمدارس، بينهم 4 ملايين نازح. وحسب “اليونيسيف”، فقد غادر نحو 19 مليون طفل سوداني أسوار المدارس فضلاً عن التدمير الممنهج للمدارس والجامعات، وتشرد التلاميذ والطلاب والمعلمين والأساتذة الجامعيين بين لاجئ ونازح.

ويُذكر أن آلاف المدارس الحكومية والخاصة وعشرات الجامعات والمعاهد والكليات دمرت كلياً، وتعرضت أثاثاتها وأجهزتها التعليمية وسياراتها للنهب والحرق، وتحولت بعض المدارس والجامعات إلى مراكز لإيواء النازحين الذين فروا من منازلهم بسبب القتال.

اقتصادىاً، توقعت دراسة أجراها المعهد الدولى لبحوث السياسات الغذائية ونقلتها وسائل إعلام سودانية، خسائر الاقتصاد السوداني خلال فترة الحرب الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع بـ15 مليار دولار بنهاية العام الماضي.

سيناريوهات للمستقبل!

على رغم أن القوى الكبرى أبدت لا مبالاة كبيرة بما يجري في السودان، إلا أنه من المرجح ألا يستمر هذا الشكل من التعاطي مع مجريات الحرب في هذا البلد، لسبب وحيد وهو موارده الطبيعية التي تسيل لعاب كل القوى الكبرى على حد السواء. 

فالسودان الذي يعاني شعبه الفقر، يملك ثروات قادرة على وضعه بين أغنى الدول لو أحسن قادة البلاد إدارتها. فهو البلد ذو الـ200 مليون فدان من الأراضي الزراعية الخصبة، و11 نهراً و102 مليون رأس ماشية و400 مليار متر مكعب من الأمطار السنوية، في فترة باتت التغييرات المناخية تتسبّب في موجات جفاف في غالبية دول العالم، ما يعني أنه يعد بمثابة الكنز بالنسبة الى الدول الكبرى التي تعد العدة لتبعات أزمة المناخ. 

والسودان أيضاً صاحب مليون طن من اليورانيوم و6.8 مليار برميل من النفط و85 مليار متر مكعب من الغاز. كما يحتل المرتبة الثانية بإفريقيا في إنتاج الذهب بمعدل سنوي يفوق الـ 90 مليون طن بقيمة مالية تصل الى خمسة مليارات دولار. وهذه الثروات الكبيرة كفيلة بأن تعيد بوصلة القوى الكبرى إلى السودان ولو بعد حين. 

وفي ظل الانتهاكات الكبيرة التي تقترفها ميليشيات “الدعم السريع” بخاصة ضد المدنيين السودانيين، والتي باتت مكشوفة وموثّقة لدى بعض المنظمات، فإن الأطراف الخارجية التي تقف وراء هذه القوى من المرجح أن تتراجع عن دعمها حرجاً من تزايد الانتهاكات المروّعة وخوفاً من أن تجد نفسها لاحقاً متورطة في جرائم حرب وحرب إبادة قد يفتح ملفها لاحقاً.

هلا نهاد نصرالدين - صحافية لبنانية | 06.05.2024

الاحتجاجات الطلابيّة: فرصة لتصحيح البوصلة الأخلاقيّة للسياسة الأميركية!

أوشك تخييم المحتجين في جامعة كولومبيا على الانتهاء، لكن لم ينتهِ أثره ولا التحركات في جامعات أخرى حول العالم، فهل تلعب الاحتجاجات الطلابية مجدداً دوراً تاريخياً في تصحيح المسار الأخلاقي للأداء السياسي والضغط لإنهاء الفصل العنصري؟ أم سنشهد المزيد من القمع لحرية الرأي والتعبير في الجامعات، التي يجب أن تكون منطلقاً صحياً للحياة الديمقراطية؟