فوجئت الصحافية اليمنية فاطمة الأغبري أثناء شرائها تذكرة سفر من صنعاء إلى عدن، بأنه غير مسموح لها -ولأي امرأة من اليوم وصاعداً- بأن تشتري تذكرة سفر من دون إذن محرم. كتبت فاطمة المعروفة بمنشوراتها المناصرة لقضايا المرأة وحرية التعبير فوراً على صفحات “السوشيل ميديا” الخاصة بها:
“رحت احجز تذكرة في باصات الراحة قالوا لي جتهم أوامر بمنع القطع بدون محرم… هؤلاء عادهم ادعش من داعش #لأنني_امراة“.
واستنكرت فاطمة الوضع قائلةً، “لأنني امرأة أعيش في مناطق سيطرة الحوثيين لا أستطيع السفر إلا بمحرم… هكذا قرروا تقليداً للوهابيين الذين ضجونا بهم، انتهت مشكلات اليمن كلها، والوضع أصبح على ما يرام ولم يتبقَّ سوى قضية سفر المرأة، سبب الحرب والدمار #لأنني_امراة“.
لم تحصل فاطمة على أي وثيقة أو ورقة رسمية من الحوثيين، تفيد بقرار منع سفر النساء من دون محرم، ولكن وفقاً لموقع “المشهد اليمني” الذي تواصل مع أحد العاملين في مكتب النقل في صنعاء، فإن الحوثيين أصدروا تعميماً لمكاتب السفر في المناطق التابعة لسيطرتهم في شمال اليمن، تُمنع بموجبه النساء من التنقل داخل المحافظات اليمنية إلا بوجود محرم، أما عقوبة مخالفة هذا القرار فستكون إغلاق المكتب المخالف.
يشهد اليمن صراعات منذ اجتياح جماعة الحوثي صنعاء وسيطرتها على مؤسسات الدولة في أيلول/ سبتمبر 2014، تبعت ذلك سلسلة من الصراعات وحرب التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات المتحدة. ومن يومها والمآسي الإنسانية تتهاوى على الشعب اليمني في ظل انهيار تام لدولة القانون الهشة القديمة. واليوم، ما يحدث للنساء هو انعكاس آخر لتلك المآسي. على رغم أن قدرة النساء على الحركة داخل البلاد أو خارجها، لم تكن بالمثالية، فإن المنع الحوثي لسفر النساء من دون محرم، ينسف قدرة المرأة على الحركة في شمال اليمن نهائياً. علما أنه في تاريخ العصر الحديث في اليمن، منذ الوحدة اليمنية في 1990، حرية سفر النساء بين الشمال والجنوب، كانت متاحة من دون أي عقبات.
منذ عقود، كان على النساء في معظم الأحيان إحضار محرم لاستخلاص جواز سفر، إلا أنّ السفر كان ممكناً بحرية من دون أي شروط في الرحلات الخارجية.
ولكن بعدما اشتعلت الحرب القائمة اليوم، فإن رحلة السفر بين الشمال والجنوب مرت بمراحل صعبة. قصص مؤلمة يرويها من اضطر أن يترجى قوات الحزام الأمني والحراك الجنوبي في نقاط التفتيش عند مداخل عدن. وبين تلك القصص، واحدة علقت في ذهني، عن زوجين تم استجوابهما على مشارف عدن آتيين من صنعاء، وكانت البطاقة الشخصية للزوجة تثبت أنها جنوبية أما الزوج فشمالي، فإذا برجل الأمن يُفتي بأن على الزوج العودة من حيث أتى إلى الشمال وأن الزوجة فقط يسمح لها بالمرور. ولا ننسى مأساة ترحيل عشرات الشماليين من عدن إلى صنعاء.
هل هذا ما يريده الحوثيون؟ أن يتماهوا مع أساليب القمع السعودية، فيما تسير السلطات السعودية ذاتها إلى الأمام في مجال حقوق النساء والحريات؟
ومن عبثية المشهد أيضاً أن الحرب غيّرت بعض المفاهيم الثقافية والاجتماعية. وفي مرحلة ما، أصبحت المرأة بطريقة غير مباشرة أو غير رسمية محرماً لرجل. العرف القبلي يروّج أن النساء لا يمثلنّ تهديداً أو خطراً. وبالمجمل في نقاط التفتيش في أرجاء اليمن لفترة طويلة رجال الأمن يعطون الضوء الأخضر لأي مركبة فيها “عوائل” (أي نساء أو حتى امرأة واحدة في اللهجة الدارجة) من دون تفتيش، فأدرك الذكور هذه النقطة واستغلوها في العلاقة المتوترة بين الشمال والجنوب، إثر الاجتياح الحوثي الدموي لعدن في بداية الحرب (من آذار/ مارس إلى تموز/ يوليو 2015)، وهكذا كان اصطحاب النساء بمثابة أفضل طريقة سلسة للعبور. ثم استغل ذلك بعض المجرمين والإرهابين في أعمالهم الإجرامية، فهناك تقارير تصدر بين فترة وأخرى عن القبض على مجرم متلبس في زي امرأة (مغطى بنقاب وبالطو (معطف طويل) وجلباب)، يتنقل من مكان إلى آخر بعيداً من شكوك رجال الأمن.
قدرة النساء على التحرك فتحت ساحة جديدة للقتال في اليمن. اليوم يمنع الحوثيون حركة النساء في المساحات العامة، فماذا ينتظرهن في الأيام الآتية مثلاً؟ هل يمنَعْن من العمل أيضاً؟ لا حقوق إنسان اليوم في أراضي الحوثيين ولا حقوق للنساء ولا حقوق للرجال، ولكن الوضع أسوأ بالنسبة إلى النساء لأن حقوقهن تنزع لمجرد أنهن إناث. معركة النساء للأسف أكبر وأصعب من معركة الرجال ضد الوجه الدكتاتوري لجماعة الحوثيين. وضع النساء اليوم أسوأ مما كان عليه في ظل حكم علي عبدالله صالح، وفي قول ذلك لا عزاء أبداً في حكم صالح، وإنما حتى توضع الأمور في سياق لا بد من محاسبة الحوثيين على كل ما اقترفوه ويقترفونه.
الأمر الذي يدعو فعلاً إلى الشفقة هو تأمل ما أحدثته هذه الحرب من خراب ودمار وانهيار أبسط حقوق الإنسان، ثم تأمل التطورات والإنجازات في حقوق النساء في السعودية على ضوء هذه الحرب. فخذ مثلاً واحداً، كانت نساء اليمن قبل الحرب يسبقن السعوديات بالحق بحرية السفر وقيادة السيارات وكانت الحركة مكفولة لهن في الدستور، فيما كانت النساء في السعودية ممنوعات من قيادة السيارات، إضافةً إلى حاجتهن إلى موافقة أولياء أمورهن حتى يستطعن العمل أو السفر. لكن العام الماضي 2018، كان العام الذي سُمح فيه للسعوديات بقيادة السيارات لأول مرة في تاريخ البلاد. هل هذا ما يريده الحوثيون؟ أن يتماهوا مع أساليب القمع السعودية، فيما تسير السلطات السعودية ذاتها نحو فتح المجال أمام النساء ولو بشكل محدود؟
إقرأ أيضاً: