fbpx

قرآن الدين وقرآن التاريخ في زمن السوشال ميديا

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

انتقل السجال حول القرآن الكريم الى وسائل التواصل الاجتماعي بعدما كان قد شهد جولات بين العديد من المختصين والمتطفلين والهواة في هذا الشأن. ثمة فيديوهات يجري تداولها تداولا واسع النطاق بعضها تبثه قنوات فضائية من خارج العالم العربي وبعض آخر يرفعه اصحابه مباشرة على منصات التواصل. وفي الحالتين تثير هذه المقاطع ردود فعل شديدة التنوع في حدتها ورفضها لما يقال، كما في مستوى إطلاع اصحابها على عالم الدراسات القرآنية الشاسع.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

انتقل السجال حول القرآن الكريم الى وسائل التواصل الاجتماعي بعدما كان قد شهد جولات بين العديد من المختصين والمتطفلين والهواة في هذا الشأن. ثمة فيديوهات يجري تداولها تداولا واسع النطاق بعضها تبثه قنوات فضائية من خارج العالم العربي وبعض آخر يرفعه اصحابه مباشرة على منصات التواصل. وفي الحالتين تثير هذه المقاطع ردود فعل شديدة التنوع في حدتها ورفضها لما يقال، كما في مستوى إطلاع اصحابها على عالم الدراسات القرآنية الشاسع.
النقاط الرئيسية في هذه الفيديوهات ليست جديدة، بل إن عمر أكثرها يعود الى مئات الاعوام. فقضايا من نوع جمع المصحف والتنقيط والمقارنات بين المصاحف القديمة، لم تخف عن فقهاء مسلمين قدماء ومحدثين، كذلك الأمر بالنسبة الى وجود كلمات غير عربية في متن القرآن، أو اقتراحات تفاسير لآيات وكلمات لم يحط علمهم بمعانيها، ناقشها القدماء كأمر واقع من دون توتر أو عنف لفظيين.
من دون الخوض في تفاصيل النقاشات تجنبا للوقوع في مجموعة من الافخاخ الجاهزة في هذا المجال، ينبغي القول أن القرآن هو في آن واحد نص ديني يحرص عليه المؤمنون ولهم تفسيراتهم المعتمدة له، ويحتل موقعه الرفيع في منظومة رؤيتهم الى العالم وعندهم رواية متماسكة وكاملة لكل ما يراه آخرون تناقضات أو تشابهات أو استعارات من مصادر سابقة لنزول الوحي على محمد. وهو كذلك نص تاريخي ليس فقط بمعنى وجوده بين ايدي البشر منذ اكثر من ألف عام، بل أيضا بمعنى التأثير الهائل الذي حمله هذا النص الى المجتمعات التي اعتنقت الاسلام.
وفي حالتيه، الدينية والتاريخية، يتعرض النص القرآني لقراءاتٍ شتى، من المؤمنين ومن الأقل إيماناً، من العلماء ومن الاقل علما، ممن يتقنون اللغة العربية وممن يلجأون الى ترجمات للنص الاصلي. وهو بذلك لا يؤكد ولا ينفي الوهيته او بشريته، بل يؤكد انتمائه الى الانسانية وتراثها شديد التنوع والغنى. الانتماء هذا يجعله موضع اهتمام لن يخبو ما دام البشر يطورون رؤاهم الى الماضي والى الحاضر ويطورون خصوصا طرق بحثهم ومراكمة معارفهم.
وفي عالم مثالي، لكان أمكن الزعم ان في الوسع تعايش المقاربتين، الدينية – الايمانية، والنقدية – العلمية للنص الديني، حيث يُدرج المؤمنون القرآن ضمن آلياتهم المعرفية، مطمئنين الى كل كلمة وحرف فيه على اعتبار ان ما درسه الاف الفقهاء والعلماء المسلمون على مدى القرون قد انتج هذا الكتاب الذي بين أيديهم والذي بات في منأى عن التعديل والتنقيح. في المقابل، يستطيع الاكاديميون والمشككون والتنقيحيون استخلاص الادلة والبراهين على ان النص هو خلاصة ثقافة سادت في شبه الجزيرة العربية واطرافها، سيان كانت سريانية – ارامية مسيحية او عبرية، او ان يبحثوا في عملية جمعه وحفظه والفوارق بين “مصحف صنعاء” والمصحف العثماني المتداول أو أصالة “وثيقة بيرمنغهام” او زيفها، على سبيل المثال، حيث يتابع الدارسون المتخصصون بل والهواة – لا ضير في ذلك- تفحص هذا النص المذهل. وليس سرا ان الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد قد خضع لدراسات كثيرة منذ بداية عصر النهضة الاوروبي على اقل تقدير وان هناك كتابات تصدر بانتظام في حقل معرفي واسع هو حقل الدراسات التوراتية والانجيلية.
بيد أن المسألة ليست بهذه البساطة. فالحدود بين عالمي المؤمنين والمشككين شديدة التداخل ولا يندر ان يظهر من يسعى الى تسجيل الاهداف في مرمى الآخر، حيث ان مجتمعاتنا ما زالت غير قادرة على الفصل لا بين الدين وبين السياسة ولا بين الدين وبين التاريخ ولا بين الدين وبين الثقافة. ما يعيدنا الى مقاطع الفيديو التي انتشرت أخيرا.
يمكن الرد على ما يثيره اصحاب هذه الفيديوهات بالرفض الكامل لكل ما يقولون، اعتمادا على النص القرآني اولا وعلى الاحاديث النبوية وغيرها كأراء كبار الفقهاء والعلماء. وذهب بعد من برز للرد على هذه الفيديوهات الى التشهير المتعجرف بهم والى رميهم بالجهل والسطحية والتفاهة والاعتماد على “كلام المستشرقين” وهذا في الثقافة العربية السائدة، صنو للكذب الصريح. وقد تكون بعض هذه الاتهامات صحيحة لكنها لن تقفل باب الاسئلة التي يطرحها غير المسلمين على النص القرآني منذ ايام يوحنا الدمشقي وأبي رائطة التكريتي وغيرهما.
التشديد على العصمة الكاملة للنص وعلى الوهيته، هما اسلوب المؤمنين وهو اسلوب سليم اذا اراد اصحابه ابقاء النص في الحيز الديني. المأساة تبرز عند تجاوز حدود الحيز هذا والسعي الى فرض النص الديني كأداة في السياسة وفي الاجتماع والاقتصاد والشطط في اعتباره “يصح لكل زمان ومكان”. تضع هذه الممارسة النص خارج طبيعته الدينية فتقلبه الى نص ايديولوجي يطلب دعاة تعميمه التعامل معه كفيصل بين ما يجوز وما لا يجوز من دون النظر الى حقيقة تنوع المجتمع وغموض التعريفات التي تحدد “جماعة المؤمنين”  وحقوق الفرد غير المسلم وقبل ذلك كله، موقع الدين في المجتمع واستخدامه من جانب السلطات السياسية والاجتماعية والثقافية كوسيلة هيمنة واخضاع.
تشرّع هذه الممارسة الأبواب أمام محاولات الرد على النص الديني من داخله ومن خارجه. وتستقدم الدراسات القرآنية من العالم الاكاديمي الى ساحات السوشال ميديا. فإذا كان الاسلاميون السياسيون يسعون الى فرض رؤيتهم الى العالم مستخدمين النص القرآني، فهم من دون ريب شركاء في تعريضه الى تناول غير دقيق وفي غير موقعه يرمي أساساً الى وقف تمدد الاسلام السياسي في المجتمع ولو باستخدام أسلوب أقرب إلى التهريج والمراهقة.
[video_player link=””][/video_player]

مجتمع التحقق العربي | 25.04.2024

الضربات الإيرانيّة والإسرائيليّة بين حملات تهويل وتهوين ممنهجة

بينما تصاعدت حدّة التوترات الإقليمية بعدما قصفت إيران إسرائيل للمرة الأولى منتصف نيسان/ أبريل، كان الفضاء الافتراضي مشتعلاً مع تباين المواقف تجاه أطراف التصعيد غير المسبوق.