fbpx

كيف تراجع القيادات الفلسطينية أخطاءها؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

القيادات الفلسطينية لم تراجع، ولا مرة، لا في إطاراتها التشريعية ولا في إطاراتها القيادية، أي من التجارب أو الخيارات التي انتهجتها، ولم تطرح على النقاش العام أي أسئلة حول العمل الفلسطيني لبحثها وخلق إجماع وطني في شأنها. لم تطرح لا على المستوى الداخلي ولا على المستوى الخارجي، أسئلة من نوع أين كنا؟ وأين أصبحنا؟ أو لماذا حصل ما حصل؟ وكيف السبيل إلى تجاوز الثغرات أو التعقيدات؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

دُعيتُ إلى مؤتمر نظّمه “مركز الأبحاث الفلسطيني” (رام الله في 21 و22 مارس/ آذار الماضي)، في مستهل إعادة تفعيله، بعد تجميد دام عقوداً (عملياً منذ خروج منظمة التحرير من لبنان). واللافت أن هذا المؤتمر، الذي عقد برعاية الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وفي مقره، تخصّص بالبحث في الأخطاء الاستراتيجية التي ارتكبتها “الحركة الوطنية الفلسطينية”، قبل النكبة وبعدها.
ومعلوم أن القيادات الفلسطينية لم تراجع، ولا مرة، لا في إطاراتها التشريعية ولا في إطاراتها القيادية، أي من التجارب أو الخيارات التي انتهجتها، ولم تطرح على النقاش العام أي أسئلة حول العمل الفلسطيني لبحثها وخلق إجماع وطني في شأنها. هكذا، لم تطرح لا على المستوى الداخلي، في المنظمة أو في الفصائل، ولا على المستوى الخارجي، في ندوات أو مؤتمرات أو في وسائل إعلام، أسئلة من نوع أين كنا؟ وأين أصبحنا؟ أو لماذا حصل ما حصل؟ وكيف السبيل إلى تجاوز الثغرات أو التعقيدات؟
وفي الواقع فإن الفلسطينيين، لم يطرحوا للنقاش ولا مرة تجربتهم في الأردن، ولا تجربتهم في لبنان، ولا تجربتهم في الضفة والقطاع، أو في الـ48، ولا الخيارات التي انتهجوها، أي انتهجتها قيادتهم أو فرضتها، في “الكفاح المسلح”، أو حرب التحرير الشعبية، وفي الانتفاضة، مع الفارق بين الانتفاضتين الأولى والثانية، ولا في المفاوضة، ولا تجربتهم في بناء المنظمة ككيان جامع للفلسطينيين، أو تجربتهم في بناء السلطة تحت الاحتلال، أو قبل زوال الاحتلال، التي تبين لهم بعد ربع قرن أن لا سلطة لها، كما اعترف الرئيس الفلسطيني بذلك أخيراً.
هكذا مر أكثر من نصف قرن على الكفاح الوطني الفلسطيني، البالغ التعقيد والتداخل، وفي ظروف لم يملك الفلسطينيون فيها أي أوراق قوة، على رغم مبالغتهم باعتبار أنفسهم “شعب الجبارين”، وتوهمهم بأن قضيتهم هي القضية المركزية للأمة العربية والأمة الإسلامية، مع شعارات من مثل: “عالقدس رايحين شهداء بالملايين” و”ثورة حتى النصر”.
القصد من ذلك أن الفلسطينيين قاتلوا بعنادهم، وبقوة إيمانهم بحقهم وبعدالة قضيتهم، وهذا مهم جداً، لكنه غير كافٍ لتحقيق إنجازات أو نجاحات، في صراع تتحكم به موازين القوى، وطريقة الإدارة واستثمار الموارد، والمعطيات العربية والدولية، وهي كلها لمصلحة إسرائيل، كما نعلم، أو كما بينت التجربة.
أيضاً، ما يلفت الانتباه في هذا المؤتمر، الذي جاء متأخراً، نحو نصف قرن، مع كل الأثمان المدفوعة، والإخفاقات والإنجازات، أن نقاش الأخطاء والهفوات الحاصلة في تجربة الحركة الوطنية السابقة، قبل النكبة، كان جريئاً، ومركَّزاً، وانصب على نقد القيادة الفلسطينية، في حينه، ولا سيما قيادة الحاج أمين الحسيني. بيد أن كل ذلك لم يحصل إلى الدرجة التي تفضي إلى نوع من المقارنة، المفترضة، أو المطلوبة، بين التجربة السابقة والتجربة الراهنة، أو بين قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية السابقة وقيادتها الحالية، المستمرة منذ نصف قرن. والفكرة هنا أن ثمة تشابهاً كبيراً بين الاثنتين، إذ إن التجربتين تحكمت فيهما القيادة الفردية، أولاً. وثانياً، الاثنتان بُنيتا على العواطف والروح القدرية والعفوية والتجريبية. وثالثاً، الاثنتان قامتا على المبالغة في العمل المسلح، ووصلتا إلى طريق مسدود، بسبب تقديس هذا العمل وعدم إخضاعه للمساءلة. لم تحصل مثلاً، مناقشة ثورة 1936- 1939، لأنها تعتبر في موقع تمجيد فقط، علماً أن ما حصل فيها، مع كل التقدير للتضحيات والبطولات، أدى إلى استنزاف المجتمع الفلسطيني، ومطارة قياداته، إذ إنه حينما أزفت لحظة الحقيقة (1948)، كان المجتمع الفلسطيني من دون قيادة، وفي غاية الضعف والإرهاق، وحصلت النكبة.
أخيراً، فإن ما يلفت الانتباه في نقاش التجربة الفلسطينية الراهنة أن العديد من المتحدثين والقياديين، أي أصحاب القرار، ذهبوا بعيداً في نقد التجربة الفلسطينية، بجوانبها كافة، لا سيما في الحديث عن مخاطر “اتفاق أوسلو”، كأنهم مجرد مراقبين، أو محللين، أو باحثين، وهو أمر مثير حقاً، لكنه غير مفاجئ. وفي الواقع، إن هذه المصارحة تفتح على مسألة أخرى خطيرة، وهي الخلل في مراكز صنع القرار، أو غياب مراكز صنع القرار، في حركة وطنية تفتقر إلى البنى السياسية المؤسسية، وتفتقد إلى الحياة التنظيمية الديموقراطية والقيادة الجماعية، إذ من السهل في ظل هذا الوضع، أي سيادة القيادة الفردية، إحالة الأخطاء الحاصلة إلى الزعيم أو الرئيس، في ظن أخذ براءة، بيد أن ذلك يحمّل القيادات السائدة، المسؤولية مرتين، الأولى بسبب القرارات أو الخيارات الخاطئة، التي تم اتخاذها خلال وجودهم في الإطار القيادي المعني، والمرة الثانية، جراء قبولهم، أو رضوخهم، لقيادة فردية.
في أي حال، وكما تحدثنا، فإن هذا المؤتمر أتى متأخّراً جداً، وربما بعد فوات الأوان، هذا أولاً. ثانياً، ليس ثمة ما يوجب أو ما يفرض على القيادة الفلسطينية أخذ الملاحظات أو الدروس المستنبطة في هذا المؤتمر في عين الاعتبار في خياراتها وسياساتها المستقبلية. ثالثاً، إن واقع ترهل الكيانات السياسية الفلسطينية، وفواتها، بخطاباتها وبناها وأشكال عملها، لا يسمح بأي مراجعة حقيقية، أي مراجعة يمكن البناء عليها مستقبلاً، إلا في حال قررت القيادة الفلسطينية، بعد يأسها من الخيارات السابقة، فتح الطريق أمام إعادة بناء الحركة الوطنية الفلسطينية، على أسس جديدة ومغايرة، لكن هذا غير ظاهر في الأفق، أو لا تمكن المراهنة عليه.
مع ذلك يجدر التنبيه هنا إلى أن معظم إنجازات التجربة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، وضمنها تجربة الكفاح المسلح، تحققت قبل عام 1974، مع اعتراف القمة العربية بمنظمة التحرير ممثلةً شرعيةً وحيدةً للشعب الفلسطيني، ما يعني أن كل ما حصل بعد ذلك، كان فائضاً، أو كان يمكن تقليل خسائره، إلى حين اندلاع الانتفاضة الأولى، التي أعادت الروح إلى الحركة الوطنية الفلسطينية، ووضعت الشعب الفلسطيني على جدول الأعمال.[video_player link=””][/video_player]