fbpx

90% عزفوا عن المشاركة… الانتخابات التونسية صفعة جديدة لسعيّد

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا تبدو الأيام الآتية مشرقة بالنسبة إلى تونس التي تبقى مفتوحة على كل الاحتمالات.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

عزوف أكثر من 90 في المئة من مجموع الناخبين التونسيين (9.2 مليون ناخب) عن المشاركة في الانتخابات التشريعية يوم 17 كانون الأول/ ديسمبر، كان صفعة كبيرة للرئيس التونسي قيس سعيد، الذي كان مهندس هذه الانتخابات منذ إعلانه عن القانون الانتخابي في أيلول/ سبتمبر الماضي، قانون صاغه كالعادة لوحده، حاله حال دستور تموز/ يوليو 2022.

الشعب الذي يعاني كل يوم من الارتفاع المطرد في الأسعار ومن تدني مستوى عيشه، عدا النقص المتواصل في المواد الأساسية من حليب وقهوة وسكر وزيت وبنزين ودواء، دون أي أفق لانفراج الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، عبّر لسعيد وبصريح العبارة عن عدم اهتمامه بمشروعه السياسي، وعن قناعته بأنه لا يملك أي حل. 

8.8 في المئة هي النسبة الأولية للمشاركة في الإنتخابات التشريعية التي أعلنتها هيئة الإنتخابات مباشرة بعد غلق صناديق الاقتراع، جاءت لتؤكد التوقعات بعزوف كبير للمواطنين عن المشاركة في مسار انتخابي تم الإعداد له بصفة أحادية بين رئيس الدولة والهيئة التي عيّن كل أفرادها ليصبح ولاؤها أساساً له، ودون التشاور مع الأحزاب السياسية والقوى الحية في البلاد. مسار انتخابي جاء باهتاً، وسط لا مبالاة التونسيين المنشغلين بمشكلاتهم اليومية والذين تعبوا من المشاركة في انتخابات لا تجلب لهم سوى سياسيين بدون رؤية لإخراج البلاد من الأزمات المتتالية. 

قبيل يوم 17 كانون الأول، في أحد مقاهي العاصمة، بدا الحاضرون مشدودي الإنتباه إلى شاشة التلفزيون التي كانت تبث مباراة المغرب وكرواتيا للحصول على المرتبة الثالثة في مونديال قطر. وفي سؤال عن المشاركة في الانتخابات التشريعية، أجاب أحدهم: “الانتخابات؟ هل هي غداً؟” ليُعقّب آخر: “آه الإنتخابات تذكرت!” قبل أن يستدرك، “ولكنني لا أعرف لمن سأصوت فمن تقدموا في الدائرة التي أقطن فيها لا أعرف أي واحد منهم”.

تكرر هذا الموقف في مقهى آخر. بدا وكأن الانتخابات التشريعية هي في آخر سُلّم اهتمامات التونسيين.

في اليوم الموالي، أي يوم الإنتخابات، وفي زيارة بعد الظهر لأحد مراكز الإقتراع بالمروج (وهي منطقة ذات كثافة سكانية عالية، حوالى 120 ألف ساكن)، في الضاحية الجنوبية للعاصمة، كان المركز خالياً إلا من موظفي هيئة الانتخابات الذين بدت عليهم علامات الضجر وهم ينتظرون دخول أي ناخب. بعضهم كان جالساً في الساحة الخارجية يستمتع بأشعة الشمس والبعض الآخر كان يلتقط بعض الصور “السيلفي”، في محاولة لتمضية الوقت الذي بات بلا نهاية. أثار دخولنا اهتمامهم وسارع كل واحد منهم لجلبنا إلى مكتبه، للاقتراع فيه، ولكن سرعان ما ارتسمت علامات الخيبة على وجوههم عندما أخبرناهم أننا غير مسجلين بهذا المكتب.

“الانتخابات؟ هل هي غداً؟” ليُعقّب آخر: “آه الإنتخابات تذكرت!” قبل أن يستدرك، “ولكنني لا أعرف لمن سأصوت فمن تقدموا في الدائرة التي أقطن فيها لا أعرف أي واحد منهم”.

بدا هذا المشهد الذي تكرر في مراكز اقتراع أخرى في العاصمة، غير مسبوق، بخاصة إذا ما قارنّاه بالانتخابات الماضية، حيث لم تكن مراكز الاقتراع تخلو من الناخبين، برغم انخفاض أعدادهم من انتخابات إلى أخرى. 4.3 مليون ناخب في انتخابات المجلس التأسيسي في 2011، 3.6 مليون ناخب في الانتخابات التشريعية في 2014 و3.2 مليون ناخب في الانتخابات الرئاسية لنفس السنة، 1.9 مليون ناخب في الانتخابات البلدية في 2018 و2.9 مليون ناخب في الانتخابات التشريعية في 2019 و3.9 مليون ناخب في الإنتخابات الرئاسية لنفس السنة. حتى الاستفتاء الأخير شارك فيه 2.4 مليون ناخب. بالتالي، فنحن بعيدون كل البعد عن الـ803 آلاف و638 ناخباً الذين شاركوا في الانتخابات الأخيرة بحسب النتائج الأولية التي تم الإعلان عنها.

لم تجد هيئة الإنتخابات ما تُبرر به عزوف الناخبين عن المشاركة سوى تأكيد فكرة أن التغيير الحاصل في النظام الانتخابي من الاقتراع على القوائم إلى الإقتراع على الأفراد هو الذي أحدث لخبطة لدى المواطن التونسي فجعله لا يُشارك في المسار الانتخابي. ولكن هذا السبب لوحده لا يمكن أن يفسر هذه النسبة الهزيلة للمشاركة وهي أضعف نسبة مشاركة في استحقاق انتخابي في تاريخ تونس.

يرى خالد عبيد، أستاذ التاريخ السياسي المعاصر أن ما حصل “كان متوقعاً”، و يمكن اعتباره نوعاً من “العزوف العقابي لأن كل الذين ساندوا قيس سعيد في الإنتخابات الرئاسية السابقة وحتى في الاستفتاء كانوا يأملون بأن يكون هو البديل للنخبة السياسية التي كانت تحكم في السابق وسبّبت لهم حالة إحباط متواصلة، ولكنهم اكتشفوا أخيراً أن لا فرق بينه وبين سياسيي الحقبة الماضية، باعتباره يعدُ دون أن يكون هناك تجسيم لوعوده، ويهدد ويتوعد الفاسدين دون أن يكون هناك تحقيق لتهديده ووعيده، كما أنه لا ينفك يدعو لمحاربة الفساد والتهريب والاحتكار، ولكن هذه المظاهر زادت في عهده. علاوة على ذلك، فقد لاحظ التونسي أن أوضاعه المعيشية تدهورت أكثر فأكثر ما بعد 25 تموز 2021 (تاريخ بداية الإجراءات الاستثنائية) وهذا ما لم ينتبه له الرئيس سعيد. لذلك حصل ما حصل”.

قانون انتخابي مُعرقل

يعزو محللون العزوف الكبير عن المشاركة في الانتخابات إلى الثغرات الكثيرة التي تضمنها القانون الانتخابي الجديد والذي ألغى بداية كل دور للأحزاب السياسية، حيث تقدم المترشحون ممثلين لأنفسهم ومُنعوا من أن يمثلوا أي حزب سياسي، وذلك في محاولة من قيس سعيد لإلغاء أي دور لما يسميه “الأجسام الوسيطة” التي يعتبرها “فاسدة” والسبب الرئيسي في المحن المتتالية التي مرت بها البلاد. 

فرض القانون الإنتخابي على المرشحين توفير 400 تزكية لكل واحد منهم للمشاركة في الانتخابات، وفي الوقت نفسه حرمهم التمويل العمومي لتجنب “المال السياسي الفاسد” الذي تم استعماله، بحسب قيس سعيد، في الانتخابات السابقة لتمويل الحملات الانتخابية. ولكن ما حصل هو العكس تماماً لأن معظم من استطاعوا الحصول على تزكيات كانوا ممن يمتلكون الإمكانات المادية لشراء الأصوات، كما أنه لم يكن من الممكن لهيئة الإنتخابات مراقبة تمويلات المرشحين.  

في هذا الصدد، يقول نجد الخلفاوي، أحد المرشحين عن دائرة منوبة أن أكثر الأشياء التي عانى منها خلال حملته الإنتخابية كانت نقص الإمكانات لتمويلها، لذلك “فإن الحديث عن تكافؤ الفرص بين المرشحين كان مجرد شعارات في ظل غياب التمويل العمومي. وأتوقع أن عدداً كبيراً ممن سيفوزون في هذه الانتخابات هم من أصحاب الأموال لأنهم كانوا قادرين على الوصول إلى أكبر عدد من الناخبين بفضل امكاناتهم وحملاتهم الدعائية”. وحول النسبة الضئيلة للمشاركة في الانتخابات، صرّح الخلفاوي بأن ذلك كان متوقعاً “فقد أحسسنا بهذا خلال الحملة الإنتخابية لأن المواطنين تعبوا من الوعود الكاذبة ومن الإنتخابات في حد ذاتها، بالإضافة الى سوء الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية”. 

إلى جانب كل ما سبق، فإن القانون الانتخابي الجديد سيُكرّس برلماناً ذكورياً بامتياز بما أنه ألغى التناصف الأفقي والعامودي في القوائم الذي فرضه القانون الانتخابي السابق، وبالتالي، قلّص بدرجة كبيرة حضور المرأة، فعلى 1058 مرشحاً، نجد فقط 122 امرأة تم قبول ترشحهن، في انتظار الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات وعدد الفائزات. وهذا في حد ذاته يُعّد تراجعاً تاريخياً على مستوى مشاركة المرأة التونسية في الحياة السياسية منذ 2011 وعلى  مستوى المكاسب التي تحققت لها منذ الإستقلال. 

المعارضة تقول للرئيس: “ارحل”

أمام هذا الواقع الجديد الذي فرضته نتائج الإنتخابات التشريعية، سارعت أحزاب المعارضة السياسية في تونس إلى  الطلب من سعيد أن يعترف بهزيمته ويرحل. جاء ذلك على لسان زعيم “جبهة الخلاص”، نجيب الشابي ورئيس “حركة النهضة”، راشد الغنوشي ورئيس “حزب آفاق تونس” ذي التوجه الليبرالي، فاضل عبد الكافي الذي طالبه بالإستقالة والدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة. 

بدت المعارضة موحدة في موقفها ضد الرئيس التونسي رغم تشرذمها وانقساماتها التي منعتها إلى حد الآن من تقديم بديل لقيس سعيّد ولكن هل سيعتبر هذا الأخير من النتائج الهزيلة للإنتخابات ويفهم الرسالة التي وجهها له التونسيون؟

من يعرف الرجل وتعصبه لأفكاره وعناده وتفرده بالرأي، سيستبعد تماماً أن يغير قيس سعيد مساره أو يوقف مشروعه لأي سبب كان، بل من الأرجح أنه سيواصل سيره نحو المزيد من الصفعات، وقد يتجه إلى تنظيم دور ثان للانتخابات التشريعية ثم يقوم مباشرة بعد ذلك، بتنظيم انتخابات لمجلس الأقاليم والجهات وهو مجلس جديد أسّس له في دستور 25 تموز 2022 .

يقول خالد عبيد، أستاذ التاريخ السياسي المعاصر” لا أعتقد أن قيس سعيد سيقوم بمراجعة جذرية لمواقفه، بل إنّه سيُواصل نفس التمشي وسيُحمّل المسؤولية كالعادة الى الأعداء والخصوم والمتآمرين. بالتالي، أرى أن الأفق السياسي سيكون مسدودا، خاصة أمام تفاقم الأزمة الإقتصادية والمعيشية”.

فهل ستنجح المعارضة في لم شملها وإيجاد حل للخروج من النفق المظلم الذي لا تنفك تنغمس فيه البلاد بسبب سياسات سعيد الفاشلة أم أنها ستُواصل الإنقسام مُراهنة على رحيل الرجل الذي لا يبدو أنه يُقدّر خطورة الوضع الحالي، خاصة أمام تفاقم العجز في الميزانية  (9.3 في المئة من الناتج الداخلي الخام) وتأجيل صندوق النقد الدولي النظر في طلب تونس قرضاً لسد هذا العجز بعد أكثر من سنة من المفاوضات؟

لا تبدو الأيام الآتية مشرقة بالنسبة إلى تونس التي تبقى مفتوحة على كل الاحتمالات…

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.