fbpx

“شو بجمع الشامي مع المغربي”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

نجح المنتخب المغربي في حشد مشاعر العرب من المحيط إلى الخليج، أملاً في لحظة انتصار مسروقة في زمن الهزائم والخسارات.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لست من هواة كرة القدم، لكني شجعت المنتخب المغربي في مونديال قطر، فعلاقتي بالمغرب  ليست شأناً رياضياً بل علاقة عاطفية بالدرجة الأولى.عشت في المغرب  خمس سنوات، وأكلت مع أهله خبزاً وملحاً وكعب غزال، ولم أشعر فيه يوماً بغربة، كنت بين أهلي وناسي.

أعادني مشهد اللاعبين وهم يراقصون أمهاتهم إلى المغرب، وملأ قلبي بالحنين، فالامهات يُشبهن المغرب بجلاليبهن الشعبية الملونة، وسمرة وجوههن التي لفحها الكدح الطويل. لم يخطئ مدرب المنتخب المغربي ” وليد الركراكي” حين اصطحب أمهات اللاعبين بمن فيهم والدته إلى المونديال، فتأثير وجود الأمهات على اللاعبين كان عظيماً.

الأم المغربية، وإن ظن البعض أنها تعيش في الظلّ، هي نبض البيت، والعمود الفقري للعائلة، لا شيء يسير من دونها، ولا أطفال يكبرون بعيداً عن حنانها.

لفت نظري السيرة المشتركة لأمهات لاعبي المنتخب المغربي، كن في غالبيتهن من المهاجرات، اللاتي عشن في ضواحي المدن الأوروبية الكبرى، وربين أبناءهن بعرق الجبين والعمل في مهن شاقة وقاسية. لعل الكرة بين أقدام الأبناء، كانت الملاذ من الانحراف والكراهية في مجتمعات الاغتراب والاقصاء. إذ لم يكن الشبان يركلون الكرة وحسب، بل كانوا أيضاً يركلون الفقر والبؤس، بمباركة الأمهات ودعواتهن.

في فيديو مصور للاعب الوسط المغربي حكيم زياش تظهر والدته متمنية له النجاح في لندن مع فريق تشيلسي، ولدى رؤيتها تنهمر دموع اللاعب قائلاً: “لقد عاشت حياة صعبة، وربت أولادها التسعة بمفردها في الغربة، لهذا كل ما أفعله هو من أجلها”.

كأن الأم المغاربية المهاجرة، المسحوقة بذكورية المجتمعات الشرقية من جهة، والفقر والتهميش في المجتمعات الغربية من جهة أخرى، تجد في المسيرة الكروية لابنها، تعويضاً عن كل ما افتقدته أو سلب منها. أو كأن الشاب يعتذر لأمه باسم الهدف عن كل هفواته وهفوات الحياة نحوها.

رقص اللاعب سفيان بوفال مع أمه رقصة الفرح بعد الفوز على المنتخب البرتغالي، فالأم المهاجرة التي عملت في تنظيف البيوت كي تعيل أسرتها، يحق لها أن ترقص فرحاً بالنصر في حياة مليئة بالانكسارات والمشقة، نصر يبدو لها كبيراً جداً، وإن صنعته ساحرة صغيرة مستديرة.

ربما اختار اللاعبين المغاربة المولودين في أوروبا، اللعب مع منتخبات الوطن الأم في آخر المطاف، فالأم وطن واللغة أم أيضاً، وليست الجنة وحدها تحت أقدام الأمهات، بل كؤوس العالم أيضاً.

 لم تسرق حلاوة صبايا المغرب زوجي كما حذرني الكثيرون قبل ذهاب إلى هناك، ولم يمارسن السحر الأسود كي يخطفن زوجي، بل وقعت انا أسيرة سحر هذا البلد، ولم أفقد هناك سوى قلبي.

بيت السوريين

حكايات لاعبي المنتخب المغربي مع أمهاتهم، أعادتني بالذاكرة إلى صاحب البيت الذي سكناه في مدينة الدار البيضاء، الذي أصيب صاحبه الستيني بالسرطان، واضطر في آخر مراحل تفشي المرض إلى تأجيرنا البيت لدفع تكاليف العلاج.

شعر الرجل الستيني بدنو أجله في آخر مراحل المرض، حينها  طلب من أولاده أن يأخذوه إلى بيت والدته، إذ أراد أن يغادر الحياة هناك، وكأن الموت في حضرة الأمهات رحمة.

مات صاحب البيت في النهاية كما أراد، في حضن أمه.لحقت الأم بابنها سريعاً، فالجنة لا تكون إلا حيث تنتظر الأمهات أبنائهن. وتركنا نحن المغرب بعد رحيله بثلاث سنوات، لكن البيت في الحارة المغربية الأصيلة ظل يسمى “بيت السوريين”.

لم يكن بيت السوريين يختلف كثيراً عن البيوت المجاورة في الحارة العتيقة، وككل الأزقة المغربية كان في الزقاق بقالية عند الناصية، وكانت يطلق عليها أهل الحي بقالية الصحراوي كناية بصاحبها الأسمر أحمد.

لم يفتح أحمد قلبه فقط للغرباء المشرقيين، بل فتح باب الدين بلا حساب على مصراعيه. لم يكن أحمد ثرثاراً، كان شديد التهذيب، وإن راق له موقف أو كلام يكافئ صاحبه بالحلويات.

أرسل لي ذات  مرة  مع أغراض البيت علبة شوكولا فاخرة، تحيةً لي بسبب إصراري على الحديث بالعربية رغم معرفتي بالفرنسية، وكأن اللسان العربي الفصيح يكافئ عند أحمد بالتحلية، أو ما يعجز لسان أحمد عن لفظه بالعربية يوزعه سكر وحلويات. هكذا أصبحت أمتلك بيتاً في المغرب من غير عقد إيجار أو صكوك ملكية.  وكما قال المتنبي: لك يا منازل في القلوب منازل.

كرم الصحراء

لم يكن أحمد الصحراوي استثناءً في المغرب، فالكرم ملح المغاربة، ويسري مع الدم في عروقهم. ونادراً ما يموت المغاربة من الجوع، وإن ماتوا كثيراً من القهر، فبيوت الأغنياء والفقراء على حد سواء، تفتح مطابخها أيام الجمع ويوزع الكسكس على المارة والمحتاجين وعابري الطريق. الكسكس ليس طبقاً مغربياً عادياً بل هو بركة ولمّة، وحكاية بلد وسيرته.

لابد أن تقودني سيرة أحمد الصحراوي إلى الصحراء المغربية، التي ألهمت مخيلة هوليوود، التي بنت استوديوهات سينمائية هناك. كنا محظوظين باكتشاف الصحراء مع أحد أبنائها المخلصين، للأسف غاب الاسم عن ذاكرتي بعد مرور زمن مديد على رحلتنا إلى مدينة الداخلة في وادي الذهب الصحراوي، لكن التقاطيع السمراء الحادة لمرشدنا السياحي مازالت مرسومة في رأسي.

أتذكر الآن كيف تغيرت أساريره عندما عرف أننا سوريين، وقال بفرح طفولي: “نهدر بالعربية إذن”. ثم ركب سيارة الدفع الرباعي كفارس يمتطي حصانه، وحين غرزت عجلات السيارة في رمال الصحراء، طلب منا النزول، ولم يقبل عرض المساعدة الي قدمناه له، فالفارس الذي لا يستطيع ترويض فرسه بمفرده، فارس أعرج.

سكون الصحراء كان ساحراً ولا يعكره صوت المحرك، ولا صدى في الخلاء للموسيقى الشعبية المنبعثة من المذياع.

يقال إن السراب هو كذب الصحراء على عابريها، لكنها لم تكن سراباً تلك الواحة التي توقفنا فيها للراحة، ولم يكن النبع الصغير فيها للسباحة، وليست الأسماك الصغيرة فيه للصيد، بل هي التي تصطاد الجلد التالف وتنقي الأقدام المنهكة.

هي إذن وصفة جمال سحرية أخرى للصحراء، تضاف إلى حجر الإثمد الذي يطحن كي يعلّم العيون الكحل والغزل.

“الوحدة في الصحراء ليست عبئاً، فهي تعلمنا اشتياق الغريب ومقاسمته الرغيف كي تخف وحشة العزلة”، قال مرشدنا (أو هكذا هيئ لي) وأنا أراه يُخرِج من صندوق السيارة اللحم المحفوظ بعناية في براد صغير. ثم أشعل النار وبدأ الشوي، هذه الوليمة للضيوف، اللحم لهم والعظم لنا، أضاف مبتسماً.

أشحْنا بوجوهنا نحن الضيوف خجلاً من تذمرنا حين انتظرنا  طويلاً أمام الجزار، ولم نفهم أن الصحراوي لا يشتري كتف الضأن إلا كي يكرم الضيف ويُجله.

تنتهي الوليمة الصحراوية عادة بالشاي الصحراوي وطقوسه العريقة، ليست السكبة الأولى بل الثالثة وربما الرابعة التي يختمر فيها المذاق والمزاج معاً. رشفت الشاي الساخن بعينين مغمضتين، والصحراء أمامي واسعة كالحرية، وكأنني في فيلم هوليوودي وأنا بطلته الوحيد.

يمر المشهد الآن في رأسي كشريط سينمائي، وأنا أصغي إلى الجدل الغريب عن أمازيغية اللاعبين المغاربة أو عروبتهم.

هل يهم حقاً بأية لغة يرطن اللسان، أليست قيم الشهامة والكرم جوهر الهوية العربي، وأي تعريف للانتماء إلى العروبة سوى صوت الآذان، يثير نفس الشجن في القلب وإن أتى من مئذنة مغاربية مستطيلة أو مئذنة مشارقية اسطوانية. وأي تعريف للأصالة، سوى صوت الست يدخلنا مشارقة ومغاربة معاً في حالة من الطرب والانتشاء. وهل نجح أي حزب قومي عربي في توحيد المشاعر كما نجح المنتخب المغربي في حشد مشاعر العرب من المحيط إلى الخليج، أملاً في لحظة انتصار مسروقة في زمن الهزائم والخسارات ؟.  وهل من تعبير أصدق عن التضامن العربي، من يد لاعب مغربي ترفع الراية الفلسطينية بعيداً عن الشعارات البائدة واللغة الخشبية؟.

“شو بيجمع الشامي بالمغربي”، يقول المثل، يجمعهم ربما كل ما ذكرت سابقاً، ويجمعهم أيضاً تاريخ بقعة من العالم كانت تسمى الأندلس، ولكن ربما أهم ما يجمعهم هو المحبة، التي ترجمها المغاربة عندما ودعوني بالدموع، وأنا أغادر بلدهم بعد إقامة رائعة، في بلاد تمنحك البحر والجبل، الغابات والصحراء بكل كرم وسخاء. وإلى اليوم كلما سمعت عبارة “توحشناك بالزاف”، عادت لي  حلاوة المغرب، الذي يعسّل كل شيء حتى اللحم والدجاج.

في النهاية لم تسرق حلاوة صبايا المغرب زوجي كما حذرني الكثيرون قبل ذهاب إلى هناك، ولم يمارسن السحر الأسود كي يخطفن زوجي، بل وقعت انا أسيرة سحر هذا البلد، ولم أفقد هناك سوى قلبي.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.