fbpx

بوتين… مُناصِر الإجهاض

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

حرص فلاديمير بوتين مع بداية فترة رئاسته الرابعة في أيار/ مايو من هذا العام، على أن يُفسِح المجال للكنيسة الأرثوذُكسية- كان الهدف الفعلي هو إظهار تحالُف الكرملين مع الكنيسة على الملأ

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

عندما حملت يوليا في العام الماضي، حرّضتها غريزتها لتجهض حملها.

يوليا لديها ابنٌ بالفعل، أنجبته من رجل عاطل من العمل ودائماً ما يعاقر الخمر حتى الثمالة. قالت، بينما انتابتها القشعريرة من التفكير فيه، “كان لِيَضربَنا بيديه”. عاشت الأسرة في بيتٍ خشبي صغير، أشبه بكوخٍ صيفي أو منزلٍ ريفي. وخلال أشهر الثلج والجليد الذي يُغطي موطنها في جزيرة سخالين في أقصى شرق روسيا، كانت تعيش يوليا في خوفٍ دائم من احتمالية تَجَمُّد ابنها حتى الموت. لذا كانت فكرة إنجاب طفلٍ آخر أمراً صعباً للغاية.

أضف إلى ذلك، أنها لم تتعافَ بعد من عملية الولادة القيصرية في الولادة الأولى، وفكرة إعادة فتح الجرح مرعبة للغاية. وقد سبق لها إجراء عملية إجهاض منذ 6 سنوات.

ولكن عِندما وصلَت يوليا (اسم مستعار) إلى العيادة الحكومية في مدينة يوجنو ساخالينسك -المركز الإداري للجزيرة- لإجراء عملية الإجهاض، اكتَشَفَت أن طاقم العمل بالعيادة له رأيٌ آخر. قالت، “طلبوا مني أن انتظر”.

وبعدَ أن خضعت يوليا لفحوصات تأكيد الحَمل، تم إرسالها للتشاور مع طبيبةٍ نفسية. تتذكّر يوليا صوَر الأطفال الرُّضع المُعَلّقة على الجُدران هناك. أخبَرتها الطبيبة النفسية أن هذه صورٌ لأطفال “تم إنقاذهم”.

قالت يوليا، “أخبرتُها أنني لا أستطيع إنجاب طفلٍ آخر في عائلة مثل عائلتنا يعيش فيها أب عنيف”. لكن الطبيبة النفسية طلبت منها العودة للمنزل وإعادة النظر في الأمر، في ما يُسمّى بـ “أسبوع الصمت”، وهي سياسةٌ صدرت عام 2011 بِهدف الحدِّ من معدلات الإجهاض المُرتفعة في روسيا. وفي نهاية هذا الأسبوع، عدلت يوليا عن قرارها. وعلى رغم كل تخَوُّفاتها، قررّت استكمال الحمل.

إذا استمعت للناشطين المُناهضين للإجهاض في روسيا، فستُدرِك أن هذه الحالات منتشرة هناك، وقد أدت إلى انخفاض ملحوظ في معدلات الإجهاض المُرتفعة في البلاد. يقول النُشطاء إن هذا يُشير إلى نجاح حملتهم، المدعومة من قِبَل الكنيسة الأرثوذُكسِية الروسية لحظر الإجهاض، في تغيير سياسة الحكومة والرأي العام. وقد أعطى الكرملين انطباعاً يوحي بموافقته على تلك الحملة- وذلك من أجل الحفاظ على تحالفه مع الكنيسة، والحفاظ على دعم مُناصري “القِيَم المحافظة” داخل البلاد وخارجها؛ وكِلاهُما يعتبر الإجهاض قضية أساسية. ونتيجة لذلك، سارع اليمين المسيحي في الولايات المتحدة وأماكن أخرى إلى الإشادة بروسيا تحت قيادة بوتين كمثال عالمي يحتذى به.

ولكن كما هي الحال غالباً في روسيا، ليست كل الأمور كما تبدو- ويختار كثيرون رؤية ما يناسبهم.

حرص فلاديمير بوتين مع بداية فترةٍ رئاسته الرابعة في أيار/ مايو من هذا العام، على أن يُفسِح المجال للكنيسة الأروذكسية- كان الهدف الفعلي هو إظهار تحالُف الكرملين مع الكنيسة على الملأ.

ترَأس رئيس الكنيسة، البطريرك كيريل، متألقاً في عباءةٍ خضراء زُمُردية، مراسِم تنصيب بوتين التي اُقيمت في كاتدرائية البشارة في كرملين والتي يعود تاريخها إلى القرن الخامس عشر، والتي كانت يوماً ما كنيسة صغيرة للقياصِرة. جسدت هذه صورة بوتين المُتديِّن التي يريد إظهارها أمام العامّة.

رسم الزعيم الروسي الصليب أمام الكاميرا، ثم قبّل تمثالاً كبيراً لمريم العَذراء، بعد مباركة البطريرك، ثم رسم الصليب مُجدداً.

في حديثه إلى أعضاء البرلمان في العام الماضي، قال البطريرك، كانت هذه خطوة محمودة من رجلٍ معروفٍ بآرائه عن الإجهاض. وقد حان الوقت لحَظرِ ما سمّاه “الشر”. واستطرد مُخاطِباً المُشرّعين، “هذه ليست خطوة ثورية، بل هي عودةٌ ضرورية للوضع الطبيعي، والتي من دونها لن يقدر الرجال والنساء على تحقيق السعادة”. ولكي يرى الأتباع المؤمنون أن الأمور تسير كما يحبون.

يقول ماكسيم أبكوف، رئيس كهنةِ موسكو ومؤسس مجموعة “من أجل الحياة” المُناهِضة للإجهاض، “غيرنا تدريجياً وببطء تفكير الناس”.

حكى أبكوف كيف كان يوزع هو وزملاؤه من الناشطين المنشورات التي تُروج لقضيتهم على التجمعات السكنية في المدن خلال السنوات الأخيرة في عمر الاتحاد السوفياتي. مِن وجهة نظره، كانوا وقتها متمرّدين يعيشون على هامش المجتمع.

بعد انقِضاء ربع قرن، راح رئيس الكَهَنة يعدد منتشياً سلسلة الانتصارات، تحتَ وَهَج الشمعدانات المُعلقة في كنيسته بشمال موسكو. أشاد أبكوف بسياسة “أسبوع الصمت”، وكذلك إنشاء مراكز الأزَمات- وهي مراكز تلجأ إليها النساء اللاتي تَحتَجنَ إلى الدعم خلال عملية الحَمل- إضافة إلى قانون 2011 الذي يُلزِم العيادات الحكومية بفحص النساء اللاتي يرغبن في الإجهاض تحت جهاز الموجات فوق الصوتية. يقول أبكوف، “عندما تستمع المرأة إلى صوت دقّات قلب جنينها، نكون وصلنا وقتها إلى النجاح الحقيقي”.

النجاح الملموس لا بد أن يصاحبه انخَفاض كبير ومُستدام في عمليات الإجهاض. وتسجل روسيا حالياً واحدة من أعلى معدّلات الإجهاضٍ في العالم- يعود السبب جزئياً إلى حقبة الاتحاد السوفياتي عِندما كان الإجهاض أحد وسائل تحديد النسل.

يقع التحدي الأكبر للحركة الروسية المُناهِضة للإجهاض في منطقة الشَمَال الأقصى. وهي منطقة ضخمة يكاد يبلُغ حجمها مثل دولة أستراليا. تصل معدلات الإجهاض هناك إلى ثلاثة أضعاف مدينة موسكو. ويعزو المسؤولون الحكوميون هذا الارتفاع جزئياً إلى ارتفاع معدّلات البطالة في المنطقة. بينما يرجع رجال الدين الأرثوذُكس هذا الأمر إلى انخفاض عدد الكنائس في المنطقة. يقول أبكوف، “كانت المنطقة مخصصة للمُهاجرين، وطغى فيها الإلحاد على التدين”.

إذا اتجهنا جنوب مدينة سخالين، سنجد مدينة فلاديفوستوك الساحلية، وهي أكبر مدينة في الشرق الروسي الأقصى وأكثرها ثراءً مقارنةً مع بقية المنطقة. كما أصبحت مركزاً نشطاً لشبكة الجمعيات الخيرية المسيحية. وقد استطاعوا نشر مؤيديهم داخل العيادات الحكومية، واضعين إيّاهم في مناصب تستطيع التأثير على قرار المرأة بشأن الإجهاض. لكنهم يميلون أيضاً إلى المُبالغة بشأن مدى تأثيرهم هناك.

لقد كان اللقاء مع أحد هؤلاء النشطاء المسيحيين هو ما غيّر رأي إيكاترينا زينيوكينا البالغة من العمر 33 سنة. في البداية، أرادت أن تقوم بعملية الإجهاض عندما أصبحت حاملاً منذ عامين. كان لدى زينيوكينا طفلان بالفعل، وخَشِيَت من عدم قدرتها على تحقيق التوازن بين العمل وتربية الأطفال، حيث كان زوجها يعمل أيضاً. “ليس لدي أبوان ليعتنيا بالأطفال” هذا ما أوضحته زينيونيكا وهي تجلس في شقتها الصغيرة في فلاديفوستوك بينما يجلس صبيٌ أزرق العينين على رُكبتها، كانت قد أنجبته العام الماضي.

وقالت إن إصرارها على الإجهاض بدأ ينهار عندما أُجبِرت على الاستماع إلى دقّات قلب الجنين أثناء زيارتها العيادة الحكومية المحلّية. ثم عقَدَت جلسة مع طبيبٍ نفسي مُرتبط بمؤسسة خيرية تُدعى “المهد – Cradle” والذي اشتُهِر في المدينة بـ “إنقاذ” الأطفال. قالت زينيوكينا، “كان هذا عِندما غيرتُ رأيي”.

والآن، تقوم مؤسسة Cradle بمساعدتها في مجالسة الأطفال، ويتواصل أعضاءٌ من المؤسسة معها بانتظام، ويُحضرون معهم الكعك واللُعَب. قالت “إنه أمرٌ صعب، لكننا نصمد ونعيش”. وأشارت زينيوكينا إلى أن “استشارتي الطبيب النفسي جَعَلتني أُدرك أن الرب كان يمنحُنا هِبة. وليس علينا نحن البشر أن نتخذ القرار”.

أصبحت هذه الفكرة وسيلة ضغطٍ يستخدمها النشطاء المناهضون للإجهاض. بالعودة إلى جزيرة ساخالين، التقيتُ بأخصائية ولادة أصبحت ناشطة داخلية. قالت سفيتلانا موسكاليفا: “وصلتُ إلى نقطةٍ شعرت عندها بأن كل امرأة ترغب في الإجهاض فهي ترتكبُ خطأً”.

بعد 20 عاماً من إدارتها عيادة في يوجنو ساخالينسك، أجرت موسكاليفا آخر عملية إجهاض في نهاية العام الماضي وقررّت عدم تجديد رُخصة عمليات الإجهاض. قالت موسكاليفا، “إن الروس أُناسٌ عاطفيون للغاية. ويحتاجون إلى التوجيه عند اتخاذ مثل هذه القرارات”.

ولكن ما لم تذكُره هو التوجيه الآتي من أعلى، من صاحب العمل، الحكومة الروسية. على رغم التقارُب الشديد بين الكنيسة والدولة، إلا أن الأخيرة تستمر في السيطرة الكاملة على السياسة؛ وفي الجوهر، تعد هذه السياسة “تأييداً للإجهاض”.

قبلَ أشهُرٍ قليلة من الانتخابات التي منحته فترة ولايته الرابعة، ظَهَرَت نسخةٌ مختلفةٌ من الزعيم الروسي على الملأ. يمكنك تسميتها نسخة بوتين البراغماتي.

في كل عام، يعقد بوتين مؤتمراً تلفزيونياً يُعرَض على الهواء مباشرة، وتُطرَح فيه الأسئلة من جميع أنحاء البلاد وكذلك من الجمهور في الاستوديو. إنها مُناسبة يستخدمها للإعلان عن التصريحات الكُبرى، أو لعرض وجهات نظره بشأن القضايا الرئيسة الراهنة. سأل أحدهم سؤالاً عن حظر الإجهاض. جاءت إجابة بوتين بعيدةً كل البُعد من معتقدات حُلفائه في الكنيسة الأرثوذُكسية.

قال بوتين “في العالم المُعاصِر، يُترَكُ القرار للمرأة نفسها”. وتابع “أيُ قراراتٍ تتعلّق بِحظر الإجهاض في المستقبل يجب أن تكونَ دقيقةً ومدروسة ومُستَندةً إلى المزاج العام السائد في المجتمع إلى جانب المعايير الأدبية والأخلاقية التي تطوّرت داخله”.

بإمكانك فهم السبب في قيام الزعيم الروسي بهذا الأداء المُتوازن عندما تنظر إلى شخصيات الرأي العام. فوِفقاً لدراسةٍ أجراها مركز بيو للأبحاث في العام الماضي، يُعتبر 71 في المئة من الروس مسيحيين أرثوذُكس، ولا شك في أن الكنيسة تحظى بالتبجيل على نطاقٍ واسع. لكن في الوقت نفسه، فإن نسبة أكبر قليلاً من الروس -72 في المئة- يقولون إنهم يُعارضون حظر الإجهاض، وذلك وِفقاً للاستقصاء الذي أجراه المركز الروسي لأبحاث الرأي العام (VTsIOM).

وعلى سبيل المقارنة، تُظهِر استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة أن الآراء منقسمةٌ بالتساوي، حيث يصف نصف الأميركيين أنفسهم بـ “pro-choice” أي المؤيدين لحُرية الإجهاض، بينما يصف النصف الآخر نفسه بـ “pro-life” أي المؤيدين لحظر الإجهاض.

ولكن بإمكانك أن ترى أن بوتين كان يختار كلماته بعناية، ولم يستخدم طريقة الكلام الفظّة التي يشتهر بها، وتجنّب هذا الاختلاف الكبير في الآراء بين الكنيسة الأرثوذُكسية من جهة، وأصحاب القِيَم التقليدية الداعمين له من جهة أخرى.

إنه في حاجة لكلتا الدائرتين الانتخابيتين (أي الكنيسة وأصحاب القيم التقليدية) للحِفاظ على السُلطة وتعزيز رؤيته حول الاستثنائية الروسية. وهكذا، وبمساعدة قبضته المُحكمة على وسائل الإعلام الروسية، عزّز الكرملين من الوهم القائل إنه يقف في صف المُحافظين بالنسبة إلى هذه القضية المحورية، بينما يقوم في حقيقة الأمر بعكس ذلك.

ويحصل بوتين على المساعدة أيضاً من المُشجّعين له في الخارج، والذين يتغاضون أحياناً بكامل إرادتهم عن آرائه المُعلَنة. ومن الأمثلة على ذلك، المؤتمر العالمي للعائلات (World Congress of Families)، وهو ائتلافٌ بقيادة أميركا للمسيحيين اليمينيين المُعارضين للزواج المِثلي والإجهاض. في اجتماعهم السنوي الذي أُقيم في مدينة كيشيناو بدولة مولدوفا، أسخى المندوبون في الإشادة بالزعيم الروسي على أسلوب قيادته بجانب ما يَرَون أنه دعمٌ للقِيم العائلية.

“إن بوتين مُحافِظٌ للغاية. إنه ليسَ زعيماً، بل إنه مَلِكٌ على مملَكته”، كان هذا ما قاله ليخ كوفالِسكي، أحد المندوبين والذي يرأس فرع بولندا لمنظمة (Human Life International)، وهي منظمة مُناهِضة للإجهاض ويقع مقرُّها الرئيسي في الولايات المتحدة.

وقد رفض الناشط البولندي حتى الاعتراف بأن بوتين قد أيّد عَلَناً استمرار تمويل الدولة لعمليات الإجهاض. قال كوفالسكي، “حتى لو كان [بوتين] مؤيداً للإجهاض، فإنه لن يعلن ذلك على الملأ، لأن المناخ السياسي الحالي في روسيا ذو طابَعٍ ديني. أنا لا أعلم وجهات نظره، لكنني أعلم أنه يُريد الحدّ من الإجهاض”.

بإمكانك أن ترى التواءات مُماثِلة وسط العدد المتزايد من الجمهوريين المؤيدين لترامب والذين يُكِنّون الإعجاب للرئيس الروسي- والذين لا يتجاهلون موقف بوتين من الإجهاض فحسب، بل وأيضاً في قضايا مثل السيطرة على السلاح.

وقد تصرّف قادة الكنيسة الأروذُكسية بالطريقة ذاتها، مُتجنّبين أي ذِكرٍ لموقف بوتين المؤيد للإجهاض لإدراكهم بوضوح مصالحهم الأوسع.

لكن بعض القساوِسة في أسفل الهرم التسلسلي للكنيسة قد أبدوا اعتراضهم، وحتى شكّكوا في صِحة إيمان زعيمهم. قال ميخائيل بلوتنيكوف، وهو قِسّ ومُحاضِر بجامعة سانت تيخون الأرثوذُكسية في موسكو “إن أي شخصٍ يعتقد أن بوتين مؤمن حقيقي فهُوَ يخدع نفسه. المؤمنون الحقيقيون لا يُصبحون أصدقاء مع أشخاصٍ مثل ترامب وبرلسكوني. وهُم لا يُطلِّقون زوجاتهم”.

وعلى رغم أن رئيس الكهنة، ماكسيم أبوكوف، المقيم في موسكو، يعتقد أن الأمور تسير لمصلحته في الوقت الراهن، إلا أنه يعترف بالواقع قائلاً، “إن بوتين يَتبَع الرأي العام. لذلك، فلن يقوم بفعل أي شيءٍ يُفقِده شعبيته بين المواطنين”. من وِجهة نظره، يؤكد هذا أهمية الاستمرار في الجهود الرامية لتغيير التَوَجُّهات ومنعِ النساء من المُضي قُدماً في عملية إنهاء الحَمل.

ولكن حتى بناءً على هذا الأساس، قد يكون هذا التحوّل خيالاً أكثر منه واقِعاً. خُذ على سبيل المثال “أسبوع الصمت” والذي كَثُر الكلام عنه. على رغم عدم وجود أرقام شاملة، إلا أن الأدلة المُتَناقَلة من الشرق الأقصى الروسي تُشير إلى أن تأثير هذا الأسبوع كان ضئيلاً في أحسن الأحوال. وقد قال كثر من الأطباء النفسيين في المنطقة، في مُقابلاتٍ أُجريَت معهم، إن امرأة واحدةً فقط من كل عشرة نساءٍ في المتوسط تتخلى عن فكرة الإجهاض بعد قضاء أسبوع فترة “التهدئة”.

وقالت سفيتلانا أوستيوزانينا، وهي طبيبة نفسية بعيادة حكومية في ساخالين، وعيناها تضيئان بالسرور: “عِندما يحدث ذلك، أشعُر بسعادةٍ بالغة”. وقالت مضيفة: “لقد اختَرنَ الحياة. إن قتلَ شخصٍ آخر لهُوَ خطيئة”. ولكنها قالت بعد ذلك مُعترِفةً بمدى قِلّة النساء اللاتي يقُمن بتغيير رأيهنّ بالفعل: “إن الأمر ليس كافياً على الإطلاق”.

كانت غرفة الاستشارة الخاصة بها مُزينة بأيقوناتٍ روسية أرثوذُكسية ذاتُ حوافّ ذهبية، إضافة إلى رسوماتٍ قالت إنها أُرسِلَت إليها من قِبَل “المُمتنّات”- وهُنّ الأمهات اللاتي أقنعتهنّ بالعدول عن الإجهاض. وتمتلك أيضاً مجموعة من دُمى الأجِنّة الصغيرة، والتي تستخدمها للمُساعدة في توضيح وجهة نظرها أثناء الجَلَسات الاستشارية. كانت أيقونة مريم العذراء موضوعة بجانب شاشة الكمبيوتر الخاص بها. قالت أوستيوزانينا وهي تَربت على الصورة، “إنها تحمي العائلات”.

وفي إجاباتٍ على أسئلة مكتوبة، قالت وزيرة الصحة الروسية، فيرونيكا سكفورتسوفا، إن الوزارة قد عَمِلت “مع الكنيسة الأرثوذُكسية بشكلٍ أساسي” على صياغة “استراتيجية المنع” الخاصة بالإجهاض، إلى جانب عملِها مع المُشرّعين وجماعات المجتمع المدني.

ومع ذلك، فإن العلامات تُشير إلى أن “أسبوع الصمت” وغيره من التدابير الأخرى للحد من الإجهاض قد تمّ إعدادها لإرضاء الكنيسة ومؤيديها، للمحافظة بذلك على عباءة القِيَم التقليدية للكرملين، بينما تحرِص في الوقت ذاته أن يكون الإجهاض مُتاحاً على نطاقٍ واسع، وبالمجّان.

وقد كررت الوزيرة اعتراض بوتين على حظر الإجهاض مُضيفةً أنها تخشى من أن يؤدي ذلك إلى جعل الأمور أسوأ بالنسبة إلى النساء، ما يدفعهنّ إلى اللجوء إلى إجراءات غير قانونية وقد يُعرِّض حياتَهنّ للخطر. وأشارت سكفورتسوفا إلى أن الديكتاتور السوفييتي، جوزيف ستالين، قد فرض مثل هذا الحظر في الثلاثينات (بهدف زيادة أعداد السكان)، وقد استمر الحظر لمدة 20 عاماً، ما أدى إلى ارتفاع معدّل وفيات الإناث.

ومع وقوع البلاد على حافّة أزمةٍ ديموغرافية، فإن لدى الكرملين اهتماماً حقيقياً برفع معدّلات المواليد. وقد شهِدَت روسيا هبوطاً حادّاً في أعداد السكان منذ انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991. ووفقاً لهيئة الإحصاء الفيدرالية الروسية، فقد انخَفَض عدد المواليد لسنة 2017 بمقدار 203000 شخصٍ بالمقارنة مع العام الذي سبقه.

يزعم النشطاء المُناهضون للإجهاض أن مُعدّلات الإجهاض المرتفعة هي السبب الرئيسي لذلك. وعلى رغم انخفاض عدد حالات الإجهاض منذ عهد الاتحاد السوفياتي، فإن مُعدل 400 إجهاضٍ لكل 1000 مولودٍ حي تُعتَبر نسبة أعلى بكثير من المُعدلات الموجودة في البلدان ذات مستويات التنمية الاقتصادية المُماثِلة. لكن الخُبراء الديموغرافيين يقولون إن هناك عاملاً أهم بكثير في تفسير انخفاض عدد السكان، وهو المُعدل المرتفع لإجمالي الوفيات، ورغبة الكثير من النساء في إنجاب عددٍ أقل من الأطفال مقارنةً بأسلافهن.

يعرِض بوتين منذ فترة طويلة حوافز نقدية لتشجيع الإنجاب. وقبل الانتخابات الرئاسية هذا العام، قام بزيادة الدعم المُقَدّم للأُسر على أمل بأن يُشجّع هذا الروس على إنجاب المزيد من الأطفال. وقد أشاد رئيس الوزراء الروسي، ديميتري ميدفيديف، في السابق بالأُسَر الكبيرة، موضحاً أن روسيا كانت ستُعاني من دون طفلٍ ثالثٍ في الأسرة مثل رائد الفضاء يوري جاجارين.

ولكن حتى الآن، لا يبدو لهذه الجهود أثرٌ يُذكَر. وبحسب مارج بيرير من الحملة الدولية من أجل حق المرأة في الإجهاض الآمن، فإن “الظروف لا تزال غيرَ متوافرة لجعل النساء والأزواج راغبين في الحصول على أُسَرٍ أكبر”. وأضافت مارج أن الإجراءات المناهضة للإجهاض التي تدعو إليها الكنيسة الأرثوذُكسية ومؤيدوها، سيكون “مآلُها الفشل”.

ويقول الخُبراء السُكّانيون إن تحسين توافُر وسائل منع الحمل والقُدرة على تحمُّل تكلفتها، سيؤديان إلى تراجُعٍ حقيقي في مُعدلات الإجهاض في روسيا. وفي الوقت الذي تُوفِّر فيه الدولة عمليات الإجهاض بالمجّان، فإن رزمة من حبوب منع الحمل تكفي لثلاثين يوماً تُكلِّف 16 دولاراً في المتوسط، وهو مبلغ كبير بالنسبة إلى الأُسَر الروسية التي تتعرّض لضغوطاتٍ شديدة.

ووفقاً لتاتيانا نيكونوفا، وهي مُدوِّنة ومُناصِرة للتثقيف الجنسي من موسكو، فإن الأساطير المنتشرة حول تحديد النسل تُشَكِّل مشكلةً أخرى. تقول نيكونوفا: “هناك الكثير من الأكاذيب بشأن وسائل منع الحمل. كالقول بأنها قد تجعلكِ عقيمةً أو عمياء”.

لكن في الشرق الأقصى، يظلُّ التزام النُشطاء الأرثوذُكس غيرَ مخفي عن الأنظار بغض النظر عن تأثيره.

ومذ قرّرت إيكاترينا زينيوكينا أن تُنجِب طفلها الثالث، انضمت إليهم لتُصبِح هي ذاتها أنجيليةً مُناهِضةً للإجهاض.

في الماضي، وعلى حد قولها، كانت لِتَصِف نفسَها كما يصف معظم الروس أنفسهم: إنها أحد أتباع العقيدة الأرثوذُكسية، ولكن ليست من مُرتادي الكنيسة. ولكن بعد جلسات الاستشارة النفسية معها، رتّبَت مؤسسة Cradle لزيارة قِسٍّ لها. وأكمل القِس عملية هِدايةِ زينيوكينا، لتُصبح مُناهضةً للإجهاض، ومؤمنةً بالرب.

هذا المقال مترجم عن codastory.com ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا الرابط التالي

 

كريم شفيق - صحفي مصري | 26.04.2024

حملة “نور”: حرب “آيات الله” الجديدة على أجساد النساء

تتزامن الحرب على أجساد النساء مع إخفاقات سياسية عدة، محلية وإقليمية، لـ"آيات الله"، بداية من تأثيرات المعارضة السياسية على الانتخابات البرلمانية، والتي شهدت انحساراً شديداً، وتراجعاً لافتاً في مستوى إقبال الناخبين وتدنّي نسب المشاركة. فضلاً عن الهجوم المحدود والاستعراضي للرد الإيراني على اعتداءات إسرائيل على القنصلية، والهجوم الذي طاول قياداتها بين سوريا ولبنان.