fbpx

عودة الدولة البوليسيّة: أميرة بوراوي معارضة جزائرية عادية في بلد غير عادي

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

توضح قضية أميرة درجات القمع والبوليسية التي وصلت إليها الجزائر، لكنها أيضاً توضح حجم هشاشة النظام العسكري الذي استطاعت ناشطة مدنية بأساليب سلمية خلخلته.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يوم الإثنين 6 شباط/ فبراير، كانت الناشطة  السياسية الجزائرية أميرة بوراوي في طريقها إلى تونس من الجزائر عبر معبر “باب الطبول” الحدودي. 

لم تكن تونس وجهتها النهائية، إذ كانت تنوي الذهاب إلى فرنسا- التي تحمل جنسيتها- عبر مطار تونس، قرطاج. كانت بوراوي بذلك تحاول تجاوز إشكاليات قد تواجهها في حال سافرت مباشرة من الجزائر الى فرنسا، بحكم أنها ممنوعة من السفر في بلدها الجزائر.

بوراوي وهي من وجوه الاحتجاجات الشعبية المناوئة للحكومة، فوجئت بإلقاء القبض عليها في تونس بتهمة اجتياز الحدود خلسة. وهي تهمة أنكرتها بوراوي ثم اعترفت بها خلال حديثها مع قناة tv5 monde الفرنسية، بعد إلقاء القبض عليها وإحالتها على محكمة الناحية في تونس. 

أمر القاضي بإخلاء سبيلها، إذ لم يكن اجتيازها الحدود التونسية من دون سند قانوني هو المشكلة، بل محاولة رجال أمن تونسيين بزي مدني اختطافها واحتجاز جواز سفرها تمهيداً لتسليمها إلى الجزائر، وتدخّل القنصلية الفرنسية في تونس لتسهيل سفرها إلى فرنسا، وهو تدخّل أثار غضباً جزائرياً وحملة تخوين وتشويه لسمعة بوراوي. 

وليست تجربة بوراوي سوى جزء مخيّب آخر من الأزمة الحقوقية التي تمر بها الجزائر، مع تصاعد التضييق على أي عمل أو نشاط حقوقي، وتفكيك مجموعات حقوقية كبرى وعريقة في البلاد وحلّها.

أميرة أكدت مراراً أنها ليست في المنفى، بل ستعود إلى الجزائر لمواصلة النضال.

بوراوي: المعارضة النشطة

تعد بوراوي ناشطة ومعارضة بارزة في الجزائر، لا سيما في مسألة المطالبة بالتعددية وحرية التعبير والدفاع عن حقوق الإنسان، وقد اشتهرت تحديداً في التظاهرات التي عُرفت باسم “الحراك”، والتي دفعت بالرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة إلى التنحّي عن الحكم عام 2019. وواصلت أميرة بعدها نشاطها ونضالها من أجل قضايا إنسانية وحقوقية ملحّة.

أميرة هي ابنة طبيب وضابط سابق في الجيش الجزائري. وهي طبيبة نساء وتوليد مارست مهنتها حتى عام 2011، السنة التي مثلت نقلة نوعيّة ليس لأميرة وحدها، بل أيضاً لجيل كامل من الجزائريين الذين سئموا من حكم بوتفليقة.

منذ عام 2011، شاركت أميرة بشكل دوري في تظاهرات تطالب بتغيير النظام، واعتُقلت مراراً، لتصبح عام 2014، من القادة الرئيسيين في حركة بركات (“هذا يكفي!”)، التي حشدت الرأي العام الجزائري ضد ولاية رابعة لبوتفليقة، رافعة شعار “لا للملكية، لا للديكتاتورية، نعم من أجل الديمقراطية”. بعد الحراك بسنوات، سُجنت أميرة لفترة وجيزة منتصف عام 2020، قبل أن يُطلق سراحها موقتاً. 

ثم حُكم على بوراوي عام 2021 بالسجن لمدة عامين، بعد إدانتها بـ”الإساءة إلى الإسلام”، و”إهانة رئيس الجمهورية”، وكانت تنتظر الفصل في الطعن الذي تقدمت به إلى محكمة الاستئناف.

تهم جاهزة لأي معارضة

كما في معظم دول المنطقة، ترمي السلطات الجزائرية المعارضين بتهمة تقليدية ونمطيّة، من التآمر والجاسوسية والخيانة مروراً بالمس بالأمن القومي، وصولاً إلى ازدراء الأديان والمس برموز الدولة. ولم تكن بوراوي في معزل عن هذه التهم، فقد واجهت إبّان العقد الفارط تهماً من هذا النوع أمام القضاء. “أنا أعرف غالبية مراكز الشرطة”، بهذه الكلمات تصف أميرة علاقتها بالنظام في حديثها مع مجلة “جان أفريك”.

بعد مشاركتها مرة أخرى في الحراك عامي 2019 و2020، اعتقلتها السلطات الجزائرية في حزيران/ يونيو 2020- أي بعد تولي عبد المجيد تبون الحكم- ووُضعت رهن الاحتجاز لدى الشرطة. 

حُكم عليها بتهم “الإساءة الى الإسلام” و”الإساءة الى رئيس الجمهورية” و”التحريض على العنف”، من خلال “تعريض حياة الآخرين أو سلامتهم الجسدية للخطر بشكل مباشر”. بعد الحكم عليها بسنة، أُطلقت حملة شعبية داخل الجزائر لإخلاء سبيلها وإسقاط التهم الموجّهة ضدها. أُفرج عنها بكفالة بانتظار محاكمة جديدة، كان من المقرر إجراؤها في 24 أيلول/ سبتمبر 2020. 

في 8 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، حُكم عليها بالسجن ثلاث سنوات بتهمة “إهانة النبي”. عند الاستئناف، حُكم عليها في 4 أيار/ مايو 2021، بالسجن مدة عامين بتهمة “ازدراء موظف حكومي أثناء ممارسة مهماته”، و”الاعتداء على شخص رئيس الجمهورية”، و”الإخلال بالنظام العام”، وحُكم عليها في اليوم ذاته بالسجن لمدة عامين بتهمة “النيل من تعاليم الإسلام والنبي”. عاشت أميرة خلال السنوات الثلاث الماضية، صراعاً ضد السلطات في الجزائر وشداً وجذباً مع القضاء، إلى أن قررّت الهروب نحو تونس ومن ثم إلى فرنسا بسبب تقييد حقّها في السفر. 

تخوين، تشهير، تكذيب

منذ بروز الحادثة الى العلن، تجنّد الإعلام الجزائري لتخوين الناشطة الجزائرية ومهاجمتها، وخرج وزير الاتصال الجزائري محمد بوسليماني، ليتفرّغ في حديث لـ”وكالة الأخبار الجزائرية”، لمهاجمة أميرة، نافياً أي ارتباط لها بمهنة الصحافة، وقال إن الادعاء بأنها “صحافية” كاذب، مؤكداً أنها محل متابعة في قضية حق عام لا علاقة لها بمهنة الصحافة مطلقاً. في المقابل، خُصِّصت برامج إخبارية على التلفزيون الجزائري الرسمي لمهاجمة الصحافية، واتهام فرنسا بأنّها وراء تهريبها. وُصفت بوراوي بأنها صنيعة الاستخبارات الفرنسية، وأن لها أجندات تهدف إلى إرباك الوضع في الجزائر والمسّ بالأمن العام.

وقد أمر تبّون باستدعاء سفير الجزائر لدى فرنسا سعيد موسي بشكل فوري للتشاور، وبحسب وسائل الإعلام الجزائرية المقرّبة من دوائر الحكم، فإن هذا القرار جاء على خلفية مشاركة ديبلوماسيين وقناصل ورجال أمن فرنسيين في تهريب بوراوي، بطريقة غير قانونية، في حين يفترض أن تكون موجودة في الجزائر بناء على أوامر القضاء. وأصدرت وزارة الخارجية الجزائرية بياناً أعربت فيه عن إدانة الجزائر انتهاك السيادة الوطنية، ممن شاركوا في عملية إجلاء سرية وغير قانونية لرعية جزائرية يُعتبر وجودها على التراب الوطني ضرورياً بقرار من القضاء الجزائري.

عيسى رحمون، نائب رئيس “الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان” -التي حُلّت بأمر قضائي- يرى أن “الحساسية المفرطة والمبالغ فيها ما هي إلا نتيجة ضعف في تسيير الحقوق والحريات في الجزائر، الأمر الذي دفع حقوقيين وناشطين إلى المطالبة باللجوء السياسي في دول أوروبا. فعوض أن يبحث النظام عن سبل لفتح المجال السياسي، الجمعيّاتي، الإعلامي والحقوقي للجزائريين، ها هو يواصل موجة القمع داخلياً وحتى مع الخارج، بما فيها قرار استدعاء السفير الجزائري في فرنسا”. ويتابع: “فرنسا قامت بما يجب القيام به، أي توفير الحماية لمواطنيها الذين يحملون جنسيتها مهما كانت أصولهم، ولكن ما تقوم به تونس والجزائر من تضامن متبادل في القمع ضد الحريّات لا مبررّ له”، مضيفاً: “أميرة بوراوي وقبلها قضية سليمان بوحفص وزاكي حناش، وهما طالبا لجوء في تونس، أي يتمتعان بحماية المفوضية السامية للاجئين، كلها قضايا برهنت للرأي الدولي أن هناك تلاحماً سياسياً وأمنياً بين الجزائر وتونس”.

تونس أو حديقة خلفية للجزائر

 قبل تدخّل القنصلية الفرنسية في تونس، كانت أميرة في مطار تونس قرطاج، تحديداً في إدارة الهجرة والحدود، بعدما اختُطفت واحتُجز جواز سفرها استعداداً لترحيلها نحو الجزائر لتواجه مصير الناشط الجزائري المعارض سليمان بوحفص نفسه، والذي كان يعيش في تونس، حيث منحته المفوضية السامية لشؤون اللاجئين صفة لاجئ، صفة لم تشفع له على رغم أن الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها تونس، تمنع تسليم اللاجئين إلى بلدانهم. منذ 25 تموز/ يوليو 2022، باتت تونس- الرئيس قيس سعيّد أشبه بالحديقة الخلفيّة للجزائر، إذ تصوّت دوماً لحساب المصالح الجزائرية وتسير وفق ما تخطط له الأخيرة. وخلقت موافقة السلطات التونسية على سفر بوراوي إلى فرنسا- تحت ضغوط فرنسية-  على رغم أنه منطقي ومفهوم، شرخاً في العلاقات الجزائرية – التونسية، إذ ضيّقت السلطات الجزائرية في الفترة الأخيرة على التونسيين الوافدين من الجزائر عبر المعابر الحدودية. وقال مواطنون تونسيون إلى وسائل إعلام محلية تونسية من المعبر الحدودي “ببوش”، إنهم عالقون منذ أيام في المعبر بعدما طلبت منهم السلطات الجزائرية إفراغ بضائعهم ومقتنياتهم من أكل أو لباس، وانتظارهم ساعات طويلة على رغم البرد. 

نفى مسؤولون جزائريون وجود أي توترات في العلاقات، إلا أن الواقع يخالف ذلك، فعلى رغم أن الجزائر نفسها رفضت تسليم نبيل القروي، السياسي ورجل الأعمال الذي هرب إلى الجزائر مع أخيه بطريقة غير نظامية، خلافاً لأميرة التي تواجه قضية ذات طبيعة سياسية وحقوقية، فإن الشقيقين قروي كانا متهمين بتبييض الأموال والتهرّب الضريبي وتضارب المصالح. رفضت الجزائر تسليمهما وأخلت سبيلهما بعد احتجازهما ليسافرا إلى فرنسا.

الكاتب وأستاذ التاريخ السياسي في جامعة السوربون في باريس، عادل اللطيفي، يوضح لـ”درج”، أن قضية أميرة تحمل خروقات وتجاوزات قانونية، وقد أصدرت محكمة الناحية في تونس أمراً بإخلاء سبيلها مع تحديد 23 شباط موعداً لجلستها. ولكن أعوان الأمن التونسي انتهكوا القانون، وأخذوها إلى المطار عنوة لترحيلها إلى الجزائر.

“حينها تدخلت القنصلية الفرنسية لحمايتها، بحسب القوانين الفرنسية التي تفرض حماية مواطنيها في الخارج وإجلاءهم في حالة الخطر. كان يفترض أن تبقى أميرة في تونس، وتواجه القضاء التونسي بتهمة اجتياز الحدود بطريقة غير قانونية، لكن ذلك لم يحصل أيضاً، ولكن لا يمكن لوم فرنسا على إجلائها مواطنة تحمل جنسيتها”. يضيف اللطيفي، “تتحاشى الجزائر الحديث عن تونس لأنها سبق أن وافقت على معظم ضغوطاتها السابقة، وهذا ما يوضح غياب موقف رسمي تونسي، إذ لم تعلق السلطات التونسية على هذه الحادثة، يعود ذلك أولاً الى أن النظام في تونس شبه استبدادي، إضافة إلى تدهور السياسة والديبلوماسية في تونس التي باتت تسدي خدمات وحسب. فقبل أسابيع، مُنع الكاتب المغربي هشام علوي من الدخول إلى تونس بسبب ضغوطات من السلطات المغربية. 

خلافاً لذلك، ينفي الكاتب رياض الصيداوي المقرّب من دوائر الحكم في الجزائر، لـ”درج”، “حدوث أي تعكر في العلاقات بين تونس والجزائر،  فالعلاقة بين البلدين جيدة جداً، ولن تؤثر فيها هذه الحادثة، البعض يحاول خلق قطيعة بين الدولتين خصوصاً النخب الفرنكفونية فيهما”. ولكن على رغم نفي الصيداوي ومن قبله مسؤولين جزائريين، إلا أن الواقع يكشف خلاف ذلك. 

بوراوي كانت صرّحت مراراً بأنها دخلت إلى تونس بطريقة عادية من دون تلقي المساعدة من أيّ جهة، “لم يساعدني أيّ أحد… ولا حتّى أعوان الحدود”. لكن ذلك لم يكن مقنعاً للسلطات الجزائرية، التي بدأت باعتقال الصحافي مصطفى بن جامع بشبهة مساعدتها، ومُددت لاحقاً فترة احتجازه. بعد ذلك، اعتُقلت والدة أميرة خديجة بوراوي (73 سنة)، وشقيقتها وفاء، بعد مداهمة  منزل الأسرة في وادي الرمان، وتم اقتيادهما إلى مقر فرقة الدرك الوطني في الشراقة بالجزائر العاصمة.

أدانت “اللجنة الوطنية للدفاع عن المعتقلين في الجزائر”، عملية التوقيف، مشيرة إلى أن “رجال شرطة، بالزي المدني، اقتحموا منزل عائلة بوراوي مرتين لتخويفهم وسؤالهم عما إذا كانوا فخورين بفعل ابنتهم وشقيقتهم”. 

توضح قضية أميرة درجات القمع والبوليسية التي وصلت إليها الجزائر، لكنها أيضاً توضح حجم هشاشة النظام العسكري الذي استطاعت ناشطة مدنية بأساليب سلمية خلخلته. 

أميرة أكدت مراراً أنها ليست في المنفى، بل ستعود إلى الجزائر لمواصلة النضال.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.