fbpx

تونسيات دولة الخلافة عالقات في السجون مع اطفالهن في ليبيا وسوريا والحكومة تتجاهلهن

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تحاول تحية أن تبدو متماسكة حين يتم سؤالها عن مصير ابنها الموجود حاليا مع زوجته في منطقة البوكمال على الحدود السورية – العراقية مع بقية مقاتلي داعش، فهي تُحمله مسؤولية خياراته، وإنما ما يحزنها هم الأطفال الخمسة الموجودون في المخيم في حالة سيئة. تنظر إلى صورهم والدموع تملأ عينها وتتسائل: “ماذنبهم في كل ما حصل؟”

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لم تصدق وحيدة الرابحي أن ابنها براء ذي الأربع سنوات حيٌّ يرزق، بعد أن اعتقدت أنه قتل خلال المعارك بين القوات الليبية ومقاتلي تنظيم الدولة الاسلامية او داعش في صبراطة في شباط/ فبراير 2016.
وعندما رأته لأول مرة بعد سبعة أشهر، وهي في سجن معيتيقة بطرابلس، حيث وضعت قوات الردع الليبية الخاصة، كل أسرى داعش من رجال ونساء وأطفال، خرّت ساجدة وهي تبكي. اختنقت العبارات في حنجرتها وظل صدرها يصعد وينزل بسرعة من شدة التأثر، ثم ضمّت رأس طفلها الذي جلبته لها قوات الردع لتراه، بعد أن كان في المستشفى تحت العلاج إثر تعرضه لطلق ناري اخترق جسده الصغير. لم يتعرف الطفل الذي أصبح يتيم الأب بعد مقتل والده الداعشي، على والدته. أخذت الأم تقبل يد ابنها بقبل محمومة وتكرر “انا أمك يا براء، ألم تعرفني؟ سامحني يا بني … سامحني”، وتواصل بنبرة حزينة وهي تنظر إلى كاميرا القوات الليبية وهي تصورها في مكتب بوزارة الداخلية: ” هو اليوم يتيم مثلي وأنا سأربيه وأرعاه وأصلح ما أفسده أبوه”. لم تستطع ضمّه إلى صدرها لأنه مازال تحت آثار العمليات التي خضع لها، حيث تغطي ضمادة كبيرة جزءا من بطنه. بدت نظرات الطفل حائرة ومبهمة وهو لا يفهم ما يجري حوله ولا من هي هذه المرأة المكسوة بالسواد التي تبكي ممسكة به. أما وحيدة، فقد ظهر وجهها الذي رفعت عنه النقاب منهكاً، يعتصره الالم.
في عينيها وهي تنظر نحو الكاميرا، ظهر مزيج من حزن وخوف. سارعت بالقول، وكأنها كانت تخشى أن تأخذ منها القوات اليبية ابنها من جديد: ” أنا لم أبايع البغدادي قط. زوجي هو من بايعه وهو من قادني إلى هذا الطريق”، ثم انفجرت في نوبة بكاء جديدة وتابعت، “زوجي كان دائما يخدعني بكلامه وأنا اليوم أنصح كل واحدة مشت في هذا الطريق (طريق داعش) أن تتقي الله في نفسها وأطفالها ولا تفعل مثلي!”
تُعدّ وحيدة وابنها من بين المئات من النساء التونسيات وأبنائهن العالقين خارج وطنهم، بعد انتهاء الحرب على التنظيم. البعض منهم موجود في السجون الليبية بمعيتيقة ومصراطة، والبعض الآخر عالق في سوريا في المخيمات على الحدود التركية – السورية. والسلطات التونسية لا ترغب في فتح الموضوع وتحاول التعتيم عليه. ورغم محاولات بعض جمعيات المجتمع المدني المحلية وبعض النواب، طرح المسالة، إلا أنه لا تجاوب حقيقي من الحكومة.
العنصر النسائي التونسي فاعل داخل التنظيم
احتلت تونس المراتب الأولى من حيث عدد المقاتلين في صفوف داعش، حيث قُدّر العدد الاجمالي للملتحقين بالتنظيم ب15 ألف تونسي، بحسب مفوض الشرق الأوسط لحقوق الإنسان وأمين عام الدائرة الأوروبية للأمن والمعلومات، هيثم أبو سعيد، في حين تعطي السلطات التونسية رقماً أقل من ذلك بكثير يصل إلى 6 آلاف تونسي، من بينهم 700 إمرأة. والعنصر النسائي وإن لم يمثل سوى 10% من مجموع المقاتلين من تونس، فقد  كان له حضور متميز داخل التنظيم.
وتوضح الأنباء الواردة عن التونسيات الملتحقات بداعش، أنهن ساهمن في الدعم اللوجستي للتنظيم، والدعاية له عبر الانترنت، واستقطاب عناصر جديدة لتنضمّ الى صفوفه بل واحتللن الصفوف الأولى فيه حيث أشرفت تونسيات على كتيبة الخنساء، التي انشأها داعش في شهر شباط/ فبراير من 2014، لتقوم بمراقبة النساء واعتقال المخالفات منهن لأوامر التنظيم عبر سجنهن وتعذيبهن. وكانت “أم الريان التونسية” من بين القيادات النسائية لهذه الكتيبة المعروفة بشراستها. كما تعلّمت النساء التونسيات القتال وتدربن مثل الرجال في المعسكرات على استعمال السلاح والرماية، وإعداد العبوات الناسفة والقيام بالعمليات الإنتحارية، وكنّ يمثلن 3% من منتسبي تنظيم داعش في ليبيا، حسب المركز الليبي لدراسات الإرهاب.

وتوضح الأنباء الواردة عن التونسيات الملتحقات بداعش، أنهن ساهمن في الدعم اللوجستي للتنظيم، والدعاية له عبر الانترنت، واستقطاب عناصر جديدة لتنضمّ الى صفوفه بل واحتللن الصفوف الأولى فيه حيث أشرفت تونسيات على

ومن بين الوجوه النسائية التي تدربت على السلاح في ليبيا، الأختان غفران ورحمة الشيخاوي، اللتان تقبعان اليوم في سجن معيتيقة مع اطفالهن، حيث تم استقطابهما من مدينة المنستير التونسية، لتلتحقا بمعسكرات التدريب في مصراطة وسرت. وقد تزوجت الشقيقتان مقاتلين من قيادات عناصر التنظيم في ليبيا، هما عبد المنعم عمامي (زوج غفران)، ونور الدين شوشان (زوج رحمة)، قبل أن يتم القبض عليهما (الأختان) من قبل القوات الليبية. هذا وقد استخدم تنظيم داعش النساء بشكل أكبر مع انحسار نفوذه ونقص عدد مقاتليه وتتالي هزائمه، فأصبحن يقمن بالعمليات الإنتحارية ويشاركن في المعارك، وقد استُغلت كثيرات منهن للقيام بدور دروع بشرية لتجنب القصف ورصاص القوات النظامية.
خطر العودة من بؤر التوتر
تعتبر الأنظمة أن مشاركة النساء في القتال يجعل من عودتهن إلى بلدانهن خطراً حقيقياً على أمنها واستقرارها، وخاصة تونس، التي خرج منها عدد كبير من الشباب والشابات للالتحاق بالتنظيم الإرهابي.  في هذا الصدد، ترى الصحفية والكاتبة، منية العرفاوي التي أصدرت أخيراً مع الدكتورة، آمال قرامي كتابا بعنوان ” النساء والإرهاب: دراسة جندرية”، أن “الداعشيات الملتحقات بالتنظيم المتطرف تشبعن في رحلتهن إلى داعش بكل أفكاره المتطرفة وبعضهن جرّب القتل والتنكيل بدم بارد، خاصة اللواتي انضممن الى كتائب الحسبة النسائية مثل كتيبة الخنساء، إذ دٌرّبت النساء على استعمال الأسلحة والتفخيخ والرماية”. وتضيف، “حتى أولئك اللواتي كنّ ضمن “الحريم”، واقتصر دورهن على “المخادع”، تشبعن هنّ أيضا بالفكر المتطرف، واعتدن العيش في أجواء الحرب والقتال” وهو ما يؤكد خطورة عودتهن إلى أرض الوطن، وخاصة  “قدرتهن على تحويل كل خبراتهن والشحن الإديولوجي الذي عاشوه، إلى محيطهن العائلي والإجتماعي”، كما يبيّن ذلك الباحث المتخصص في الحركات الجهادية ، هادي يحمد.وما يزيد المشكل تعقيدا هو أن “الداعشيات” لو عدن، فلن يكنّ لوحدهن، بل سيجلبن معهن أطفالهن.
لطالما امتدح داعش في أشرطته الدعائية “أشبال الخلافة” وصوّرهم وهم يتدربون ويشاركون في عمليات قتل وذبح الأسرى مفتخراً بهم، ومعتبراً إياهم مستقبل الدولة الإسلامية، والجيل القادم من المقاتلين. ولكن اليوم ومع انحساره، يُطرح سؤال كبير بشأن مصير هؤلاء الأطفال مجهولي الهوية، بدون أوراق ثبوتية والحاملين لماضٍ ثقيل. فهل ستقبل بلدانهم استرجاعهم وأي مستقبلْ ينتظرهم.؟
أمهات وأطفال في السجون الليبية
لا تنفك وحيدة الرابحي (30 سنة)، تناشد الحكومة التونسية، من سجنها الليبي، لإعادتها مع ابنها براء إلى تونس، مبدية ندمها على التحاقها بالتنظيم مع زوجها، عز الدين الزياني، أحد أخطر مقاتلي التنظيم، وتؤكد أنه لم يكن لها علم  بنوايا زوجها، حينما طلب منها في عام 2012 الذهاب إلى ليبيا للعمل. وبحسب أخيها، منصف العبيدي، فإنها كانت تتصل بعائلتها دائما طالبة منهم إنقاذها من براثن زوجها. “كانت تقول لنا أنها تريد العودة ولكن زوجها في كل مرة كان يهددها بأن يأخذ منها طفلها إذا أصرّت على الرحيل”.
تم القبض على وحيدة  بينما كانت  تهرب مع عائلتها وأفراد من عناصر داعش من مدينة صبراطة، التي قصفتها غارة أمريكية. بعد تبادل لإطلاق النار بين مقاتلي التنظيم والقوات الليبية، قتل زوجها ومن معه ونجت هي وابنها المصاب. واليوم تقبع وحيدة في سجن معيتيقة (طرابلس) مع 14 امرأة تونسية و22 طفلا، تتراوح أعمارهم بين 3 أشهر و11 سنة، في انتظار أن توافق الحكومة التونسية على استرجاعهم. ويضاف الى هذا العدد 10 أطفال آخرين بدار الرعاية للهلال الاحمر الليبي بمصراطة، تتراوح أعمارهم ما بين السنة و13 سنة، و 7 أطفال بدار الرعاية بمصراطة، حسب تصريحات وزارة الخارجية التونسية التي لم تجد حلا لهم إلى حد الان، منذ  سجنهم  في بداية 2016.
وتحاول بعض منظمات المجتمع المدني التونسي، بالتعاون مع العائلات، تحريك الملف لإستعادتهم ولكن دون جدوى. جمعية التونسيين العالقين بالخارج، هي من أنشط الجمعيات التونسية التي تعمل على هذا الملف. ويعتبر رئيسها محمد إقبال بن رجب، أن السلطات التونسية غير جدية في التعامل مع موضوع العائدين من بؤر التوتر، وخاصة النساء والاطفال. ويقول” منذ حوالي سنة ونصف ونحن نراسل مختلف الوزارات ونتصل بمجلس النواب للحصول على جلسة استماع لبسط هذا الموضوع ولا أحد يريد الإستماع لنا”، مضيفا أن “الحكومة تعتمد سياسة الهروب إلى الأمام”. في 24 أغسطس/ آب 2017 نظمت الجمعية وقفة احتجاجية أمام وزارة الشؤون الخارجية، بحضور العائلات وذلك للتعبير عن مأساتهم، ولكن شيئا لم يحصل، حسب بن رجب.
وتخشى السلطات التونسية من تحمل عواقب عودة الداعشيات وأطفالهن، خاصة وأن نظيرتها الليبية تضغط في اتجاه ايجاد حل شامل للموضوع، كما أنها ترفض الإقتراح التونسي بتسلّم الأطفال دون الأمهات ودون جثث الدواعش التونسيين الذين تحتفظ بهم القوات الليبية في الثلاجات وهم قرابة 80 جثة، حسب مصادر ليبية.
وكان الطرفان الليبي والتونسي وقّعا على مذكرة تفاهم خلال اللقاء الذي جمع يوم 31 يناير/ كانون الثاني 2017 بين وزير الخارجية التونسي، خميس الجهيناوي ورئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني في ليبيا، فايز السراج، تم فيه التطرق إلى مسألة الأطفال التونسيين المودعين بالسجون والمستشفيات الليبية. على إثر ذلك، زار وفدان تونسيان مكوّنان من ممثلي وزارات الخارجية والداخلية والشؤون الاجتماعية  ووزارة المرأة والطفولة ووزارة العدل، ليبيا للقاء النائب العام الليبي من أجل وضع خطة عمل لترحيل الأطفال الموجودين في معيتيقة ومصراطة. كان ذلك في أبريل/ نيسان 2017. تلت هذه الزيارة، زيارة أخرى لنفس الوفد في أكتوبر/ تشرين الأول 2017 لمواصلة التفاوض حول الموضوع مع الاتفاق حول الشروع في ترحيل الأطفال الأيتام أولا. وأسفرت هذه الزيارة عن ترحيل طفل وحيد وهوتميم الجندوبي والبالغ من العمر 3 سنوات. هذا الطفل فقد أبويه خلال الغارة الأمريكية على مدينة صبراطة في فبراير/شباط 2016، وتم وضعه في سجن معيتيقة بطرابلس. استمات الجد فوزي الطرابلسي وهو جد الطفل لأمه حتى يستعيد الولد اليتيم وذهب مرات عديدة إلى ليبيا، وكاد يفقد حياته في إحدى المرات، قبل يتم الاتفاق بين السلطات الليبية والسلطات التونسية على عملية التسليم في 10 اكتوبر/تشرين الأول 2017.
ولكن يبقى السؤال مطروحاً، ما مصير الباقين؟
في مراسلة إلى وزارة الخارجية التونسية، بتاريخ 25 أيلول/ سبتمير 2017، توجهت النائبة عن كتلة الحرة بمجلس النواب، خولة بن عائشة بأسئلة كتابية تستوضح من خلالها عن المستجدات في ملف الأطفال التونسيين المحتجزين في ليبيا، خاصة “أمام تصريحات قوات البنيان المرصوص بمصراتة عن نيتها أن تتخلى عن الأطفال المتواجدين بسجن مصراطة، نظرا لعدم استعدادها التكفل بمصاريف ايوائهم والعناية بهم. ونية قوات الردع الليبية الخاصة فعل نفس الشيء بالنسبة للأطفال العالقين في سجن معيتيقة بطرابلس”. وحمّلت النائبة المسؤولية للوزارة وللحكومة التونسية فيما “قد يطال هؤلاء الأطفال الأبرياء من سوء” مطالبة إياهم “بالتدخل العاجل لإسترجاعهم وتوفير السند المالي والمعنوي لعائلاتهم”.
استغرق الرد على المراسلة أكثر من ثلاثة أشهر، من قبل وزارة الخارجية التي أكدت في مراسلة بتاريخ 17 يناير/كانون الأول 2018 أن “الوزارة تواصل بذل كل الجهود والمساعي لحل الأزمة بالتنسيق مع الجهات التونسية المختصة وبالتعاون مع السلطات الليبية لإستيفاء كل الإجراءات القانونية والإدارية المطلوبة من أجل ترحيل باقي الأطفال التونسيين”. كما وعدت في الفترة القادمة “بإيفاد فريق من المختصين لتحديد هويات هؤلاء الأطفال والحصول من القضاء الليبي على موافقة أمهاتهم قبل السماح بترحيلهم إلى تونس”، دون تحديد موعد لذلك.

تتعقد المشكلة أكثر بظهور حالات جديدة لأطفال “الدواعش” عالقين في سوريا. منذ ما يقارب الشهرين، تلقّت السيدة، تحية السبوعي مكالمة هاتفية من هناك. كان على الخط صوت رقيق لفتاة تتحدث باللهجة السورية تخبرها أنها الزوجة الأولى لإبنها أوس الخشيني، المقاتل في صفوف داعش وأن معها 5 اطفال، ثلاثة منهم أطفالها واثنان أطفال زوجة ابنها الثانية، التونسية الأصل. طلبت منها الفتاة السورية أن تساعدها على الخروج من سوريا وتحديداً من المخيم القطري في مدينة أعزاز بريف حلب، حيث تقيم مع الأطفال الخمسة الذين لا يتجاوز سن الكبير فيهم الأربع سنوات، لتلتحق بالجد والجدة في تونس. احتارت تحية ماذا تفعل لاستعادة أحفادها، فأرسلت أحد أبنائها إلى تركيا ليطلب تدخل السلطات القنصلية التونسية هناك لإخراج العائلة من سوريا، ولكنهم أخبروه أنه لا يمكنهم فعل أي شيء ما لم تصل العائلة إلى التراب التركي. في هذه الأثناء، حاولت الزوجة السورية، علا عمر كريم أن تغادر الحدود السورية – التركية ثلاث مرات مع أطفالها عن طريق المهربين، ولكن محاولاتها باءت بالفشل، وبقيت عالقة مع الأطفال وهي التي لم يتجاوز عمرها 18 سنة. كما أن ابنها الأكبر، يعاني من حالة صحية حرجة ومن إعاقة تستدعي علاجا طبيا لا يتوفر في المخيم. ولم تستطع عائلة زوجها أن تساعدها سوى ببعض المال أرسلته لها لسدّ حاجياتها.
من جهتها، تعيش تحية، الجدة، على وقع أخبار أحفادها التي تصلها عبر الهاتف، وهي لا تملك غير مناشدة السلطات التونسية للتدخل لإنقاذهم. وقد توجهت إلى وزارتي الخارجية والداخلية دون أن تحصل على ردّ شاف. في نفس الوقت، فهي تُحمّل السلطات التونسية مسؤولية ما حصل لعائلتها منذ التحاق ابنها بالتنظيمات الإرهابية، ففي 2012، عندما علمت أن ابنها كان ينوي السفر إلى سوريا للمشاركة في الحرب، وليس إلى ليبيا للعمل، كما أخبرها، أبلغت السلطات لتوقفه، وتم ذلك أثناء عبوره من معبر راس جدير الحدودي. تم التحقيق معه ثم أطلق سراحه. تقول تحية: ” كانت قوات الأمن في ذلك الوقت (في عهد الترويكا) تعرف جيدا أنه متجه نحو سوريا، ورغم ذلك تركته يرحل. لذلك لن أسامح السلطات على ما حصل لنا!”
تحاول تحية أن تبدو متماسكة حين يتم سؤالها عن مصير ابنها الموجود حاليا مع زوجته في منطقة البوكمال على الحدود السورية – العراقية مع بقية مقاتلي داعش، فهي تُحمله مسؤولية خياراته، وإنما ما يحزنها هم الأطفال الخمسة الموجودون في المخيم في حالة سيئة. تنظر إلى صورهم والدموع تملأ عينها وتتسائل: “ماذنبهم في كل ما حصل؟”

تطرح مسألة أطفال “الدواعش” العالقين خارج أوطانهم تحدياً حقيقياً على مجتمعاتهم، إذ أن التخلي عنهم وعدم الإعتراف بهم قد يجعل منهم نواة لجيل جديد من المتطرفين ويمكن أن يُشكّل خطرا في المستقبل، حيث يرى الدكتور معز الشريف، الأخصائي في علم نفس الطفل، أن “هؤلاء الأطفال الذين شهدوا أهوال الحرب وعرفوا العنف والدم، بالاضافة إلى فقدانهم لأحد الوالدين أو لكليهما، هم عرضة للمشاكل النفسية من قبيل القلق الدائم والضغط النفسي، كما أنهم قد ينشؤون بشخصية غير متوازنة، نتيجة فقدانهم الثقة في المجتمع الذي حولهم والذي يرفضهم، مما يهيئهم ليصبحوا عنيفين في المستقبل”. لذلك من المفيد جدا اليوم التفكير العاجل لايجاد حلول لهم وإعادتهم إلى عائلاتهم علّها تستطيع أن تُوفّر لهم الحب والعطف والرعاية التي حرموا منها وبالتالي إنقاذهم من مصير مجهول.
تبقى مسألة الأمهات وما يشكلنه من خطر. في هذا الصدد، تبدي الأسر استعدادها لأن تتم محاكمة بناتها وفق قانون الإرهاب وغسيل الأموال. “إن استحقت أختي وحيدة العقاب أو الدخول إلى السجن فليكن ذلك، المهم أن يعود إلينا طفلها براء ولا يدفع فاتورة أخطاء والديه”، يقول منصف العبيدي متنهدا وهو ينظر بعيدا بحزن.

مجتمع التحقق العربي | 25.04.2024

الضربات الإيرانيّة والإسرائيليّة بين حملات تهويل وتهوين ممنهجة

بينما تصاعدت حدّة التوترات الإقليمية بعدما قصفت إيران إسرائيل للمرة الأولى منتصف نيسان/ أبريل، كان الفضاء الافتراضي مشتعلاً مع تباين المواقف تجاه أطراف التصعيد غير المسبوق.