fbpx

موت الطفلة زينب… سوء التغذية السمّ الخفي الذي يقتل أطفال سوريا 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

موت زينب هو صرخة باسم أطفال سوريا، الذين يعانون الحرمان والخوف بأقسى أشكاله، إذ إن أجيالاً كبرت من دون رعاية حقيقية وتحت وطأة الفقر المدقع وغياب العناية الطبية الجيدة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لم نحتجْ إلى موت الطفلة زينب عيسى حيدر، بسبب سوء التغذية، حتى ندرك أن أطفال سوريا جائعون حقاً، وأن السكان الذين يقبع أكثر من 90 في المئة منهم تحت خط الفقر، يعجز كثر منهم عن تأمين قوت أطفالهم. زينب ليست مجرد طفلة سورية ماتت بسبب سوء التغذية إنما هي أول ضحية يتم تناول مأساتها علناً في الأشهر  الأخيرة، والتي يدق رحيلها ناقوس خطر سوء التغذية في سوريا.

أطفال سوريا ونقطة اللاعودة

فارقت الطفلة زينب عيسى حيدر (15 سنة) الحياة صباح يوم 28 آذار/ مارس 2023، بعد أسبوعين على دخولها في غيبوبة نتيجة وعكة صحية أصابتها بسبب انخفاض حاد في السكر. وقال عضو مكتب شعبة نقابة المعلمين أيهم اسماعيل، في منطقة الشيخ بدر بمدينة طرطوس، عبر صفحته على “فيسبوك”، إن زينب دخلت في غيبوبة منذ أسبوعين، نتيجة سوء التغذية وانخفاض السكر، ولم تنفع محاولات إنقاذها في مستشفى الباسل في حمص ومستشفى الأسد الجامعي في دمشق، لتفارق الحياة في النهاية. وكانت منشورات سابقة تداولتها صفحات محلية على وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أسبوعين، ناشدت مساعدة زينب وعائلتها بعد دخولها الى المستشفى بسبب وضعهم الاقتصادي السيئ.

صدم موت زينب بصدمة الشارع السوري، وأثار جدلاً واسعاً ومخاوف من خطورة الواقع الاقتصادي الذي يرمي بنتائجه الكارثية على الفئات الأضعف لا سيما الأطفال، المهددين بصحتهم ونموهم بسبب سوء التغذية. وعلى رغم تزايد التحذيرات بشأن أزمة سوء التغذية لأطفال سوريا المستمرة منذ سنوات، إلا أن لا حل حتى الآن. 

عجزت زينب عن المقاومة، ولم يُعنها جسدها الضعيف على النجاة.

بحسب “اليونيسف”، يعاني أكثر من 600 ألف طفل دون سن الخامسة من التقزم في سوريا، وينجم التقزم عن نقص التغذية المزمن، ويسبب أضراراً بدنية وعقلية للأطفال لا يمكن التعافي منها، كما أن سوء التغذية الحاد بين الأطفال في ارتفاع مستمر، إذ ارتفع عدد الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6-59 شهراً مِمَن يعانون من سوء التغذية الحاد الوخيم، بنسبة 48 في المئة من عام 2021 إلى 2022. يشار إلى أنه عندما يعاني الأطفال من سوء التغذية الحاد، يضعف جهاز المناعة لديهم، ويكونون عرضة للوفاة بمعدل 11 مرة أكثر من الأطفال الذين يتمتعون بتغذية جيدة.

الموت بالزلزال أو سوء التغذية 

عجزت زينب عن المقاومة، ولم يُعنها جسدها الضعيف على النجاة، وبحسب صحيفة “الوطن” المحلية، كانت حالة زينب معقّدة وترافقت مع التهابات وانخفاض السكر وغير ذلك. وعلى رغم أن الصحيفة لم تذكر أن الموت حصل نتيجة سوء التغذية، إلا أن المؤشرات الصحية التي تحدثت عنها الصحيفة تشير إلى ذلك. ومن الطبيعي ألّا تذكر صحيفة مقربة من نظام الأسد سوء التغذية كسبب لوفاة الطفلة، في ظل محاولته الدائمة لإظهار أن الحياة في سوريا تسير بشكل طبيعي.

لكن منشور عضو مكتب شعبة نقابة المعلمين في طرطوس، أيهم اسماعيل، كان شديد الوضوح، إذ قال إن الفاجعة عظيمة بأن تموت طفلة بسبب نقص الغذاء، مشيراً إلى أن أصحاب الأيادي البيضاء تكفّلوا بكل شيء ولكن بعد فوات الأوان. ولاحقاً، حذف اسماعيل من المنشور الجزء الذي يشير إلى سوء التغذية. 

وقبل زلزال 6 شباط/ فبراير، كان أكثر من 3.75 مليون طفل في جميع أنحاء سوريا بحاجة إلى مساعدات غذائية، بينما كان حوالى 7 ملايين طفل عبر البلاد بحاجة إلى مساعدة إنسانية عاجلة، ما يعني أن هذا العدد تزايد بعد الكارثة، بخاصة أن أعداد النازحين كبيرة في الشمال السوري، أكثر المناطق تأثراً بالزلزال، بحسب “اليونسيف”.

وقالت أديل خضر، المديرة الإقليمية في “اليونيسف” لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: “لا يستطيع أطفال سوريا الانتظار أكثر من ذلك. بعد سنوات من النزاع، وزلزالين كارثيين، أصبح مستقبل ملايين الأطفال معلقاً بخيط رفيع”.

أطفال وسط المعارك 

الأجيال السورية التي عاصرت العقد الأخير، لم تُحرم من حقوقها الأساسية كالتعليم والطعام وحسب، إنما دخلت الصراع العسكري مجبرةً، وتعرضت أيضاً للاعتقال والقتل على يد أطراف النزاع كافة، إذ قُتل أو جُرح حوالى 13 ألف طفل في سوريا، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة، فيما لا يزال الأطفال يعيشون في خوف من الهجمات والنزوح، يضاف إليها حديثاً الخوف من كارثة الزلزال.

نظام الأسد هو واحد من الأطراف التي تمارس انتهاكات مباشرة بحق الأطفال، فبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، هناك حوالى 9 آلاف طفل تتراوح أعمارهم بين 8 و17 سنة في المعتقلات، وقد يكون الرقم أكبر بكثير في ظل وجود آلاف المختفين قسراً وغياب الإحصاءات الدقيقة.

كما جندت جميع أطراف الصراع في سوريا أطفالاً، بما فيها المعارضة المسلحة و”داعش” ووحدات حماية الشعب الكردية. وبحسب “هيومن رايتس ووتش”، قاتل الأطفال السوريون على الجبهات وأصيبوا وقتلو في المعارك، كما عملوا كقناصة أو عالجوا المصابين على أراضي المعارك. ليس هذا وحسب، بل استخدم “داعش” أحد الأطفال لتكون مهمته جلد السجناء. هذه الأرقام في تزايد مستمر بعد 13 عاماً على النزاع، والمستقبل لا يبشّر بحلول سياسية تساهم في مساعدة الأطفال أو حمايتهم.

موت زينب هو صرخة باسم أطفال سوريا، الذين يعانون الحرمان والخوف بأقسى أشكاله، إذ إن أجيالاً  كبرت من دون رعاية حقيقية وتحت وطأة الفقر المدقع وغياب العناية الطبية الجيدة، وعاصرت الأزمات الاقتصادية والسياسية والطبيعية بأشكالها كافة. ووصلت الأمور الى نقطة اللاعودة، خصوصاً أن معالجة آثار 13 عاماً كارثياً على الأطفال، لن تكون بالمهمة السهلة، وتتطلب تظافر الجهود الدولية، وذلك كله يبدو بعيد المنال وسط غياب الحلول السياسية.