fbpx

 مهرجان الإسماعيلية السينمائي: أحفوريات في الذاكرة النسويّة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

نقرأ في هذا المقال فيلمين لمخرجتين تبحثان في العنف المطبق على الذاكرة والجسد، في محاولة لرصد ما تتعرض له النساء في المنطقة العربيّة، على مستوى الحكاية الشخصيّة، أو الذاكرة الجمعيّة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ثمة مساحة للمغامرة في بعض أفلام الدورة 24 من مهرجان الإسماعيلية للسينما التسجيلي والأفلام القصيرة، مغامرة لم نشهدها سوى في بعض المهرجانات السينمائية، التي تهرب، ولو قليلاً، من السيطرة الرقابية لتستضيف أفلاماً  تحاول تقديم الهموم العربية ضمن مخيال سينمائي فني جريء. 

لعب مهرجان الاسماعيلية عبر تاريخه دوراً مباشراً وغير مباشر في التعريف بالأفلام التي تلعب دوراً في النضال العالميّ والمحلي، إذ بدأ أولى دوراته عام 1991، مقدماً مجموعة أفلام نوعية لم تكن لتعرض أساساً لولاه. وهذا العام شارك في المهرجان الذي يترأسه الناقد والباحث المصريّ عصام زكريا  نحو 123 فيلماً من 50 دولة مختلفة.

نقرأ في هذا المقال فيلمين لمخرجتين تبحثان  في العنف المطبق على الذاكرة والجسد، في محاولة لرصد ما تتعرض له النساء في المنطقة العربيّة، على مستوى الحكاية الشخصيّة، أو الذاكرة الجمعيّة، وهما لا ينفصلان عن العنف السياسيّ، ونضال المرأة في سبيل حقوقها.

“بلادي الضائعة”: سيمفونية الجمال الحزين

استضاف المهرجان فيلم “بلادي الضائعة” للمخرجة العراقيّة عشتار ياسين، وحاز جائزة لجنة التحكيم الخاصة وجائزة النقاد، الفيلم الذي بدأت المخرجة تعد له عام 2003 مع الغزو الأميركي، يجعل من المكان/ العراق بطل الحكاية. 

كانت عشتار تقيم مع والدها المخرج المسرحي محسن ياسين في أوروبا حين سقطت بغداد، وبعد وفاة الأب عام 2014، بدأ بالإعداد الحقيقي للفيلم، إذ وجدت عشتار المراسلات بينها وبين والدها، تلك التي كان يتحدث فيها عن وقائع الحرب هناك، كما استعانت بالمقابلات والصور التي كان يحتفظ بها لتبني حكاية الفيلم. تقول لـ”درج” تعليقاً على اسم الفيلم: “العراق ليست ضائعة، ولكن والدي وجيله هم من ضاعوا وماتوا في المنفى بعيداً من وطنهم”.

تروي عشتار تفاصيل حياتها وأثرها على الفيلم، إذ ولدت  في موسكو، من أب عراقي يكتب للمسرح وأم تشيلية تكتب الشعر. طُرد الأب من العراق، وعاش معهم فترة في سانتياغو، لكنّه اضطرّ إلى ترك البلاد، بعد انقلاب الجنرال أوغستو بينوشيه ضد الرئيس سلفادور الليندي. حينها، لم تجد الأم مخرجاً سوى أخذ طفلتها معها إلى كوستاريكا، وبعد سنوات، عادت عشتار لتُكمل دراستها في موسكو تاركة والدها في لندن كمنفيّ.

اجتمعت  عشتار بوالدها في الدنمارك خلال مرحلة قصيرة من حياتها، وقررت بعد رحيله السفر إلى العراق، وصناعة فيلم يحكي قصة حياتها وحياة والدها التي دمرتها الحرب، ليشكّل الفيلم سؤالاً بصرياً عن تأثير الحرب على المكان، يبدأ من المسرح العراقي، الذي كان يكتب إليه الأب، الذي نرصده بلقطة صامتة ثابتة على مبنى الفنون المسرحية البغدادي.

تقول عشتار في حوارها مع “درج” إن ما دفعها لصناعة الفيلم هو الألم الذي كانت تجده في والدها حين لم يعد قادراً على العودة إلى بلده العراق، حينها كان عليها أن تحكي  عن حياة والدها بعد انفصاله عن امرأة  غير أمها، وعن أخوتها العرب الذين لم تعرفهم كما يجب، وتضيف: “عملت على مونتاج الفيلم خلال 10 سنوات، صورت أشياء كثيرة عن البلد، كانت جزءاً من تاريخي الشخصي والعام، ربما هذا ما دفعني إلى الاستمرار،  تابعت تاريخ العراق من لحظة سقوط بغداد حتى تظاهرات 2019 التي ألقي القبض على منظميها وتركوا في السجون”.

الحياة التي عاشتها عشتار في دوران إجباري بين أقاصي الأرض، جعلت سيرتها الذاتية شهادةً على تغير المدن والأماكن على مر السنين، هي حياة مرتبكة أنتجت إيقاعاً مرتبكاً للفيلم بصورة تتماشى مع إيقاع الحكاية ذاتها، إيقاع قليل العاطفيّة، غني بالفوتوغرافيا، والشعر الشاهد على الدمار والحميمية. 

فيلم “بلادي الضائعة”، تهويدة تصلح للتنفس والغرق في مفهوم “السينما”، نحن أمام عتبة نحو تواصل روحي مع السينما كفن يحتوي الفنون الأخرى ويقدم حكايته من خلالها، إذ تحوي الشاشة الفن التشكيلي والشعر والفوتوغرافيا والمسرح. الفيلم أيضاً دراسة إنثروبولوجية عن بلد ضائع في تاريخه، بلد مُربك ومرتبك لا يمكن تملكه دفعة واحدة،  الفيلم تجريدي أحياناً كلوحة فنية لا تخص زمن بعينه، وأحياناً أخرى ملحمة شاعرية يصعب الخروج منها دون بكاء.  

صُنعت حياة عشتار للسرد كفيلم أو حكاية منذ اللحظة الأولى التي قرر والدها أن يسميها عشتار، مثلما سميت الأسطورة، تمزج المخرجة تاريخها الشخصي ودلالات اسمها مع تاريخ العراق كمجاز واسع، تستعين بصور ومشاهد صورتها لآثار عراقية، وتمزج تنقلاتها مع مشاهد من بريطانيا، كما تعرض فيلماً أرشيفياً نادراً يعود لعام 1920، يستعرض عمليات تنقيب عن آثار في مدينة الموصل في العراق. هناك تاريخ واسع تحاول الوصول إليه من خلال رحلتها الشخصية منذ ولادتها حتى عثورها على خطابات والدها. هكذا تصبح السيرة الذاتية شهادةً غير مباشرة على واقع سياسي يصعب الحديث عنه من دون أدلجة، وكأن عشتار من عالم آخر تروي بالكاميرا الخاصة بها، من دون أن تدري، قصة بلد أضاعته الحرب.

أجساد بطولية: التأريخ لنضال المرأة السودانيّة

تحكي المخرجة السودانية سارة سليمان في فيلمها “أجساد بطولية” قصة نضال المرأة السودانية عبر عدد من المقابلات التي تمتد لـ95 دقيقة، الفيلم نتاج بحث التخرّج من الجامعة، قامت سارة سليمان من خلاله بتغطية الفترة ما بين 1900 حتي أوائل السبعينات، متتبعةً النضال النسوي الطويل للرائدات السودانيات، مشيرةً إلى سياسات الجسد التي تقمع النساء وتسيطر على أبدانهن، ليتحول البحث إلى فيلم تسجيلي مباشر يكتفي بسرد قصته/ مأساته دون لحظة تجريد أو مجاز.

تقول المخرجة سارة سليمان لـ”درج” إن الفيلم كان بمثابة نظرة فاحصة لدور المرأة السودانية المهدور تاريخياً، وإعادته إلى الواجهة والجدل، والبناء عليه في لحظة تاريخية تسعى فيها المرأة في كل مكان للحصول على دورها الحقيقي.

يبدو “الزار” النسائي وطقوسه شبه السحرية في الفيلم بمثابة دين بديل، يمكن التعويض من خلاله عن المأساة التي تُجبر عليها المرأة السودانية في مساحات حركتها المباشرة وغير المباشرة عموماً، مع ذلك نرى في المقابلات كيف تستعيد النساء العلاقة مع “الرجل” وأثرها على الجسد نفسه، كما نشاهد تاريخ والنضال ضد ديكتاتوريّة النميري، وغيرها من المساحات النضاليّة التي مازالت المرأة السودانيّة فاعلةً فيها، نحن أمام سرد تاريخي يحكيه لنا من عايشوه، في استعادة لدور المرأة السودانيّة التي قادت ثورة 2019، وتحولت إلى أيقونة عالميّة.

يشير الفيلم إلى الممارسات التقليدية المطبقة على جسد المرأة السودانيّ، كالختان، وخدش الوجه، وغيرها من “القوى” التي تحاول إعادة تشكيل جسد المرأة وتكوين لحمه بما يتناسب مع المتخيّل الذكوري، وهنا يظهر دور السرد والمقابلة في الفيلم، إذ تتداخل مفاهيم العينة الاثنوغرافية والسرد الشفوي والشهادة الشخصيّة لاستعادة الألم الجمعي، وسيط السينما هنا عبر الموسيقى والمقابلة والمقاطع الأرشيفية يضعنا أمام السياق التاريخيّ بوصفه معاشاً ومستمراً، لا ذكرى بعيدة، يتم استرجاعها في زمن “جديد”.

يأخذنا الفيلمان ضمن رحلة في الذاكرة، الشخصي والتاريخي يتداخل، وفي كل مرة يظهر العنف السياسي واضحاً في أثره، على الأسرة والجسد، والذاكرة المشتتة، برغم اختلاف السياق، تحضر أداة السرد الذاتي ضمن السينما بوصفها وسيلة نسوية، فإعادة البحث في الماضي وعلاماته “الصورة، الموسيقى، الذاكرة” واستحضارها ضمن الكادر يحول السينما إلى أداة استكشافيّة أكثر منها توثيقيّة.  وهنا بالضبط يتضح أثر الممارسة الفنيّة على الحقيقة التاريخيّة والتجربة الشخصيّة، إذ تتحول السينما إلى “جهاز” يعيد جمع الحكايات والعناصر المتناثرة، ليقدم لنا نسخة مغايرة عن السائد، بجهد جمالي، قادر على تجاوز الشخصي لاختبار وضعية الجسد في المكان، بوصفه، وبحسب العبارة التقليدية، خزان للذاكرة، يجب إتقان “الحوار” معه كيف يفيض ماضيه.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.