fbpx

الانتهاكات في المؤسسات الدينية… لم يكن الدالاي لاما الأول!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لم تكن “العلنية” رادعة للرجل في كبت “خفة دمه”، لكنها كشفت أن ما حصل ليس إلا رأس هرم الجليد الذي يخفي ارتكابات مخيفة في كنف الجماعة البوذية وكل الجماعات التي اعتمدت المأسسة الدينية ملاذاً للسلطة والنفوذ والانتهاكات.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أواخر الثمانينات وبداية التسعينات، كنت جزءاً من مجموعة تدربت على اللاعنف خلال الحرب المجنونة في لبنان. كنت شابة في السابعة عشرة، ورأيت في اللاعنف خلاصاً ذاتياً من وحشية آسرة على المستويات كافة. 

كنا في مخيم للتدريب على وسائل النضال اللاعنفي، حين طلب المدرب منا أن نبحث عن أشياء تتلاءم مع المواصفات التي كان يزودنا بها. وبعد جولات، طلب منا المدرب لمس شيء لونه زهري. حينها ارتأى أحد مؤسسي المجموعة اللاعنفية التي كنت أنتمي لها أن يلمس شفتيّ على مرأى من جميع المشاركين/ ات.

 أذكر أنني بكيت أولاً لأن الموقف كان مُحرجاً، ثانياً لأن أحداً لم يتنبه لفداحة المشهد، وثالثاً لأنني أجبرت على السكوت بفعل التواطؤ العام، الذي لم يقلل منه الحديث الذي أجراه معي المدرب. حينها استهجن المدرب فعلة المؤسس لكنه ارتأى عدم المواجهة. 

في حادثة أخرى وكنت حينها مديرة لقرى الأطفال في لبنان، كنا في نقاش مع مديرين من دول أخرى مع المؤسسة الدولية حول أهمية احترام العادات المحلية في تربية الأطفال. حينها طرحت سؤالاً حول مدى أحقية هذا الاحترام في مجتمعات تعتمد العنف كوسيلة تربوية، وماذا عن ختان البنات في مصر والسودان مثلاً؟ هل تعمد القرى، كعائلة بديلة، إلى ممارسة هذا العنف بحجة العادات والتقاليد؟ ساد صمت مطبق،كان بمثابة تحليل للعنف ضد الأطفال بحجة أن مؤسسة دولية كولونيالية تتخفى وراء العادات والتقاليد كحجة لاستضعاف الأطفال، لا سيما الطفلات وتكريسهن قرابين الهيكلية والعادات والتقاليد الأبوية.

العنف الممنهج ضد الأطفال في كنف المؤسسات الأبوية الهرمية على أشكالها المتعددة، دينية كانت أم مدنية وحتى لا عنفية، هي عمليات “إجرامية” تجب مواجهتها أولاً عبر نزع الحصانة عن أي مرتكب وعقاب مشدد رادع.

استعدت هذه المواقف بعد الحادثة الأخيرة للدالاي لاما، الزعيم الروحي للبوذيين في إقليم التيبت، الذي اعتذر بعد انتشار مقطع فيديو، ظهر فيه وهو يقبل طفلاً على شفتيه، ثم يخرج لسانه، ويمكن سماعه حينها وهو يطلب من الصبي أن يمصه. 

أثار الفيديو انتقادات واسعة النطاق على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ عبر كثيرون عن خيبة أملهم من سلوك الدالاي لاما. كما اتهمه البعض بعدم الاحترام والبعض الآخر أشار إلى أن الدالاي لاما، المعروف بتعاليمه عن اللاعنف والرحمة، كان يجب أن يكون أكثر وعياً بالتأثير الذي يمكن أن يحدثه سلوكه على الآخرين، وبخاصة الأطفال الصغار.

 أدانت بعض الجمعيات والمؤسسات الدولية المعنية بحقوق الأطفال تصرف الزعيم الروحي وأكدت كونه إساءة مباشرة ضد الأطفال. لكن الإدانات جميعها لم ترتق إلى مستوى معاقبة المعتدي عن جريمته العلنية والموثقة!.

اعترف الدالاي لاما بأن سلوكه كان غير لائق، وتعهد بأنه سيبذل جهداً ليكون أكثر وعياً بأفعاله في المستقبل، لكن أكد البيان الصادر عن مكتبه أن “قداسته دائماً ما يمازح الأشخاص الذين يلتقي بهم بطريقة بريئة ومرحة، حتى أمام الجمهور وعدسات الكاميرا. وإنه يتأسف للحادث”. 

حاول البيان التخفيف من فداحة المشهد، ليحيل العنف الجنسي العلني والمباشر على الطفل إلى خفة دم المرتكب وكبر سنه. كما حاول البيان أضافة أبعاد ثقافية وعادات محلية، تعتبر مد اللسان كدليل تودد واحترام في التبت، وذلك كله بهدف تحوير واقعة أن رجل يقبع على رأس سلطة دينية قام باستخدام قدسية المقام الممنوحة له وعنف الطفل جنسياً أمام أعين أهله وعلى مرأى من مريديه واتباعه وعدسات الكاميرا. فإذا كانت العلنية غير رادعة للرجل في كبت “خفة دمه”، كيف يكون تصرفه في الخفاء؟ وكم من لسان امتد في الصمت؟

حادثة كهذه هي رأس هرم الجليد الذي يخفي ارتكابات مخيفة في كنف الجماعة البوذية وكل الجماعات التي اعتمدت المأسسة الدينية ملاذاً للسلطة والنفوذ والانتهاكات.

طالبت مجموعة من الراهبات البوذيات في 16  أيار/ مايو 2019  بإجراء تحقيق مستقل من طرف ثالث في الادعاءات المتعددة عن اعتداءات جسدية وجنسية ارتكبها سوجيال لاكار ، وهو بوذي من التيبت كان يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه أشهر معلم بوذي تيبتي بعد الدالاي لاما. 

قبلها في عام 1994، رفعت امرأة دعوى قضائية بقيمة 10 ملايين دولار ضد لاكار بتهمة الاعتداء الجنسي والعقلي والجسدي. لكن حماية السلطة الدينية شاءت بأن يفلت المجرم من العقاب عبر تسوية القضية خارج المحكمة. و هذا يعني أن الاعتداءات التي جرت بين 1994 و2019، ضد النساء، حدثت بغطاء إلهي منح المجرم لاكار بطاقة مفتوحة لممارسة العنف الجنسي والجسدي.

والمؤسف أن الدالاي لاما كان قد أشهر علمه بوقوع اعتداءات جنسية من قبل مدرسين بوذيين منذ التسعينيات، وصرح  أن مثل هذه المزاعم “ليست جديدة”. كان الزعيم الروحي للتبت قد التقى، خلال زيارة لهولندا استمرت أربعة أيام عام 2018، بمجموعة من النساء ضحايا انتهاكات جنسية ارتكبها المعلمون البوذيون. وقالت الضحايا في التماسهن دعم الدالاي لاما: “وجدنا ملاذاً في البوذية بعقلٍ متفتحٍ وقلبٍ متفتح، حتى تعرضنا للاغتصاب باسمها”.

لا يقتصر العنف الجنسي على المؤسسة البوذية، فالكنيسة الكاثوليكية والمؤسسات الدينية الأخرى ضجت ولعقود بجرائم مماثلة. كانت للانتهاكات عواقب قاسية على الضحايا وعائلاتهم. 

على رغم قيام الكثير من الناجين والناجيات من الاعتداء الجنسي على يد رجال المؤسسة الدينية في السنوات الأخيرة، بمشاركة قصصهم، ومطالبتهم الكنيسة بالمساءلة، إلا أن ممانعة هذه الهرميات حالت دون إعادة النظر بالأسباب الجذرية لهذه الاعتداءات، مع الإصرار على الجنوح لحماية المسيئين على حساب إسكات الضحايا، ما يرسخ ثقافة الإفلات من العقاب التي سمحت باستمرار الانتهاكات لسنوات.

واجهت الكنيسة الكاثوليكية انتقادات واسعة النطاق لتعاملها مع قضايا الاعتداء الجنسي، اتهم كثيرون المؤسسة بإعطاء الأولوية لمصالحها الخاصة على مصالح الضحايا. اتُهمت الكنيسة بالتستر على الانتهاكات، ونقل المعتدين إلى مواقع جديدة ، وعدم إبلاغ السلطات عن الانتهاكات. سمحت هذه الممارسات للمعتدين بالاستمرار في الاعتداء على الأفراد الضعفاء وحالت دون تحقيق العدالة.

في عودة إلى “هضامة” الدالاي لاما ولسانه المقرف الممدود، فإن أي جماعة مغلقة على نفسها وتتبع سلطة هرمية أبوية تشكل مسرحاً  لانتهاكات ضد النساء والأطفال وهنا لا بد من التأكيد أن من يتجرأ على التبرير هو شريك بـ”الجريمة”. 

تعود بي الذاكرة إلى السنوات الأخيرة، حين اتخذت الكنيسة الكاثوليكية بعض الخطوات لمعالجة قضية الاعتداء الجنسي من قبل رجال السلك. وقد نفذت سياسات جديدة لمنع الانتهاكات، بما في ذلك التحقق من خلفيات الكهنة والموظفين العاديين والإبلاغ الإلزامي عن سوء المعاملة المشتبه به إلى السلطات. كما أنشأت الكنيسة برامج لدعم الضحايا وتعزيز الشفاء.

ومع ذلك، تبقى هذه الإجراءات غير كافية فالكنيسة ومعها كل المؤسسات الدينية، بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد لمعالجة الأسباب الجذرية للمشكلة. معالجة القضايا المنهجية التي سمحت بحدوث الانتهاكات، بما في ذلك ثقافة السرية والاحترام للسلطة وقدسية رجال الدين المستمدة من قدسية الدين، تتطلب فكفكة عميقة لمفهوم المؤسسات الدينية والجماعات المنظمة وأسباب الإبقاء على نمطها الهرمي الأبوي. 

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.