fbpx

قصة سوروس مع إسرائيل ومع الممانعة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

عندنا في لبنان والمنطقة العربية، العنوان الأبرز للحملة ضد سوروس هو دعمه الإعلام المستقل. هل نحن بحاجة الى مناقشة هذا الحق؟ بالطبع لا، لكن ما نحن بحاجة إلى توكيده، أن الحثالة الكونية التي يتزعمها أوربان ونتانياهو وترامب، لها جراميزها في منطقتنا، وهؤلاء قد يختلفون في بعض القضايا السياسية مع قادة الحثالة الأمميين، لكنهم يشاركونهم كراهيتهم للحرية وحبهم للاستبداد وضيق صدرهم بالتعدد.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

من يتابع الشتائم التي كيلت وتُكال لجورج سوروس، يظن أنه يقرأ في كتاب عن الجن والعفاريت. فنحن أمام أخطبوط متعدد الأذرع والأرجل يفعل ما لا تستطيع فعله الجيوش والإمبراطوريات على رقعة جغرافية تعادل مساحة الكرة الأرضية.

لكن ما الذي يفعله بالضبط؟ الشر وليس إلا الشر. إنه المكروه الرقم 1 في عالمنا.

في 15 أيار/ مايو الماضي مثلاً، غرد العظيم إيلون ماسك قائلاً إن سوروس “يكره الإنسانية” و”يريد أن يجتث نسيج الحضارة”. التهمة كبيرة جداً جداً، لكن البليونير الهنغاري اليهودي، كما بتنا نعلم، “جسمه لبّيس”. 

فلنقرأ بعض الأوصاف التي أُطلقت على سوروس في السنوات الأخيرة: “متعاون نازي”، “أكبر متاجر بالمخدرات في العالم”، “خائن للولايات المتحدة”، “عميل للولايات المتحدة”، “عدو لإسرائيل”، “مصاص دماء الشعوب”، “أحد أكبر أشرار العالم”، “نبتة شيطانية”…

قبل سنوات قليلة، شنّت حكومة هنغاريا (مسقط رأسه) حملة ضد المهاجرين واللاجئين، واتهمت سوروس بأنه يموّلهم. هكذا انتشرت في طول البلاد وعرضها صورة له ضمن ملصقات تحرّض عليه. سزيلارد ديميتير، عضو اللجنة الوزارية الهنغارية ورئيس متحف بيتوفي، كتب في صحيفة “أوريجو” الموالية: “أوروبا هي غرفة غاز جورج سوروس”، والإحالة هنا هي إلى كونه أحد الناجين من المحرقة النازية. كاتب المقال يمضي قائلاً: “الغاز المسموم يتدفق من كبسولة Open Society المتعددة ثقافياً، والقاتلة لطريقة الحياة الأوروبية”.

في 2018، أُجبرت “جامعة أوروبا الوسطى” التي أسّسها سوروس في بودابست مطالع التسعينات، على الانتقال إلى فيينا. الجامعة التي اعتُبرت الأولى في أوروبا الوسطى والشرقيّة، وكان يرأسها المثقّف المعروف مايكل إيغناتييف، اعتبرتها حكومة فيكتور أوربان “منافية للهوية الأوروبية” و”أداة تحريض للاجئين والمهاجرين كي يتدفقوا على هنغاريا”.

في المناسبة، ثمة تفصيل لا بد منه هنا: قبل أيام فقط، باتت هنغاريا أول بلد عضو في الاتحاد الأوروبي ينقل سفارته في إسرائيل إلى القدس، وفق ما أعلنه وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين خلال زيارة إلى بودابست.

أما في الولايات المتحدة، ففي أواخر 2020، غرد إريك إيرلي، المرشح الجمهوري للكونغرس عن كاليفورنيا، بأن سوروس “متعاطف نازي”. قبل أشهر قليلة، كان الرئيس يومذاك دونالد ترامب يخبر “فوكس نيوز” أن سوروس يمول جماعات “أنتيفا” المناهضة للفاشية عبر العنف وفي الشوارع.

نحن أمام أخطبوط متعدد الأذرع والأرجل يفعل ما لا تستطيع فعله الجيوش والإمبراطوريات على رقعة جغرافية تعادل مساحة الكرة الأرضية.

بعد مقتل جورج فلويد في مينيابوليس، وموجة الغضب التي أعقبت تلك الجريمة العنصرية، اتُّهم سوروس إياه بأنه يستأجر متظاهرين وباصّات تؤمن نقلهم كي يحتجّوا ويمارسوا الشغب. رودلف جولياني، محامي دونالد ترامب، أعلن أن سوروس “عدو إسرائيل” وأنه “بالكاد يهودي”، وأنه (هو الكاثوليكي) أكثر يهودية منه.

بنيامين نتانياهو ليس بعيداً من هذه الأجواء: نجله يائير كتب على “فيسبوك” قبل عامين، أن المتاعب القانونية التي يواجهها والداه هي نتيجة مؤامرة يقودها سوروس.

وضرب يائير مجدداً حين كان في بودابست عند أوربان، فاتّهم سوروس بأنّه “يدمّر إسرائيل من الداخل”، وأنّ المؤسسات التي يمولها “تعمل ليلاً ونهاراً، بموازنة غير محدودة، كي تحرم البلد من هويته اليهودية”. وزاد ابن أبيه، أنّ الاتحاد الأوروبي كان يموّل “مؤسسات سوروس الراديكالية” في إسرائيل، والتي كانت تأمل بإنهاء الدولة اليهودية عبر اجتثاث طابعها اليهودي وإغراقها بالمهاجرين غير الشرعيين”. 

ولم يكن يائير يُثبت بهذا إلا أنه يُكمل مسيرة الوالد. ففي 2017، كان نتانياهو الأب يزور هنغاريا، فيما الحملة الحكومية على سوروس على أشدها، نفى أن يكون لهذه الحملة أي مضمون لا سامي لأن سوروس “يقوّض بصورة مستمرة حكومات إسرائيل المنتخبة ديمقراطياً عبر تمويل منظمات تشوّه الدولة اليهودية وتسعى إلى إنكار حقها في الدفاع عن نفسها”. ولم يُخف نتانياهو استياءه مما سماه دعم سوروس لمنظمات يسارية تؤيد الفلسطينيين في إسرائيل كما في الولايات المتحدة، وسمّى منها “هيومن رايتس ووتش” و”منظمة العفو الدولية” (أمنيستي إنترناشونال).

هكذا أصدرت حكومة نتانياهو السابقة ما عُرف بقانون المنظمات غير الحكومية (NGO law) الذي تم تمريره في 2018، ويفرض على تلك المنظمات إجراءات بيروقراطية صعبة ومشددة تعقّد عملها.

وكان المدعو ميكي زوهار، أحد المقربين من نتانياهو، قد استبق القانون بأن سماه “قانون سوروس”، والذي يضمن “عدم السماح لأي شخص يقدم تبرعات لمنظمات تعمل ضد إسرائيل، بأن يقدم تبرعات لأي منظمة أو رابطة غير ربحية في إسرائيل”.

وفي العام ذاته، 2018، وفي هجوم منه على مؤسسة New Israeli Fund، سمّاها رئيس الحكومة “منظمة تتلقى مالاً من حكومات أجنبية ومن قوى معادية لإسرائيل مثل مؤسسات جورج سوروس” التي تهدف إلى “محو الطبيعة اليهودية لإسرائيل وتحوّلها إلى دولة لكل مواطنيها جنباً إلى جنب دولة فلسطينية”. وفي السنة نفسها، اتُّهم نتانياهو قضائياً بنشر أخبار مزيفة على “فيسبوك” من خلال مقالة نشرها تزعم أن سوروس يتعاون مع النظام الإيراني. يومها، علق المدعي العام شاشار بن مائير واصفاً تلك المقالة بأنها “دعاية مزيفة وكاذبة ورخيصة”، وأنها اختراع لنظرية مؤامرة مؤداها أن “رجلاً يُدعى جورج سورس يتعاون مع النظام التوتاليتاري في إيران”.

وأخيراً، بعد هجوم إيلون ماسك عليه، والمشار إليه أعلاه، غرد الوزير الليكودي لشؤون الهجرة أميشاي شيكلي قائلاً: “بوصفي وزير إسرائيل المؤتمن على مكافحة اللاسامية، أود أن أوضح أن الحكومة الإسرائيلية والغالبية الكاسحة من المواطنين الإسرائيليين، يرون في إيلون ماسك رجل أعمال مدهشاً ومثالاً يُحتذى به. إن انتقاد سوروس الذي يمول أكثر المنظمات عدائية للشعب اليهودي ولدولة إسرائيل هو كل شيء ما عدا اللاسامية”.

سوروس، بدوره، لم يقصر في إيضاح مواقفه. مثلاً، أجاب في 2003، أمام مؤتمر للمتمولين اليهود في نيويورك، عن سؤال حول اللاسامية اليوم، فقال: “هناك انبعاث للاسامية في أوروبا. سياسات إدارة بوش وإدارة شارون تساهم في هذا…”، واعتبر أن إجراء تغييرات في توجهات إسرائيل يؤدي إلى تقلّص اللاسامية. 

في شباط/ فبراير 2018، رد ناطق بلسانه على بعض اتهامات نتانياهو له، قائلاً: “على عكس الزعم المزيف لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو، فإن جورج سوروس لا يمول أية احتجاجات ضد خطة إسرائيل ترحيل آلاف من طالبي اللجوء الأفارقة”، وأنه “يعتقد بقوة أن من الخطأ، وذلك بما يتوافق مع ميثاق اللاجئين في 1951 ومع القانون الدولي، ترحيل طالبي لجوء بالقوة إلى بلدانهم حيث يمكن أن يُضطهدوا أو يُقتلوا”.

أما عندنا في لبنان والمنطقة العربية، فالعنوان الأبرز للحملة ضد سوروس هو دعمه الإعلام المستقل. هل نحن بحاجة الى مناقشة هذا الحق؟

بالطبع لا، لكن ما نحن بحاجة إلى توكيده، أن الحثالة الكونية التي يتزعمها أوربان ونتانياهو وترامب، لها جراميزها في منطقتنا، وهؤلاء قد يختلفون في بعض القضايا السياسية مع قادة الحثالة الأمميين، لكنهم يشاركونهم كراهيتهم للحرية وحبهم للاستبداد وضيق صدرهم بالتعدد. قد تجد في عدادهم مصرفياً فاسداً يمول ميليشيا مسيحية طائفية، كما قد تجد من يُعد العدة منذ عقود لـ”تحرير فلسطين” من حيث يقيم في كاليفورنيا… وطبعاً لله في خلقه شؤون.