fbpx

رقمنة الاستبداد في الخليج… عوالم خفيّة من القمع والسلطويّة “الذكيّة”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يرجح الباحث البريطاني مارك أوين جونز أن يؤدي التحول الرقمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى دعم الاستبداد عوضاً عن مواجهته. بل إن هناك مؤشرات إلى تنامي آليات القمع، بخاصة في ظل الأنظمة الاستبدادية التي تمنح الأولوية للأمن، وتحديداً أمن السلطة السياسي، على حساب حقوق الأفراد المدنية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

قبل شهرين، في نيسان/ أبريل من العام الحالي، تردد برنامج الدردشة الآلي الصيني “إيرني بوت” في الإجابة عن أسئلة بخصوص الرئيس الصيني، شي جين بينغ، وكذا سياسات الصين بشأن فيروس كورونا.

روبوتات الذكاء الاصطناعي، التي يمكن برمجتها لتفادي موضوعات محددة، أو حتى إعطاء معلومات مضللة، والتأثير في الرأي العام وتوجيهه، تجعل الأسئلة تبدو ضرورية وملحّة بخصوص تداعيات الاستثمار في المعرفة التكنولوجية في ظل الأنظمة القمعية، لا سيما في الشرق الأوسط.

فالتقنيات التكنولوجية وتكتيكاتها المتطورة تحقق تحولاً لافتاً في المجتمعات الخليجية التي تتجه سياساتها إلى الاستثمار في ما بعد النفط. فيما تخفي المدن الجديدة والذكية، مثل نيوم بالسعودية، رغم النواحي التحديثية، ظاهرياً، والطفرات المتقدمة، شبكة معقدة من البيانات الدقيقة وخوارزميات الذكاء الاصطناعي، حتى تكاد أن تكون مصائد للأفراد في بيئات غير آمنة واستبدادية.

التكنولوجيا الرقمية المتطورة، كما يروَّج لها في المجتمعات الخليجية، باعتبارها إدارة مرنة للحياة، تتلاءم وشروط الرفاهية والأحلام الطوباوية المطلوبة، تبدو أداة غير تقليدية وقوية لتعميم المراقبة وانتهاك خصوصية الأفراد وجعلهم أقل تمرداً. هذه المخاوف ليست توقعات أو هواجس بقدر ما هي حقائق لها أدلتها.

عام 2017، كشف ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، عن تدشين مشروع نيوم، ضمن رؤيته للمملكة 2030، وهي أول مدينة ذكية في العالم، تمتد على نحو 26500 كيلومتر في شمال غربي الرياض، بينما تصل تكلفتها الى نحو 500 مليار دولار. وتحتل المملكة المرتبة الأولى عربياً، والمرتبة 22 عالمياً في مؤشر الذكاء الصناعي العالمي Tortoise Intelligence.

فيما يقول تقرير خاص بالإنفاق العالمي على الذكاء الاصطناعي من قبل مؤسسة البيانات الدولية، إن الشرق الأوسط سينفق نحو 3 مليارات دولار (2.8 مليار يورو) على الذكاء الاصطناعي خلال العام الحالي. ومن المرجح أن يتضاعف لنحو 6.4 مليار دولار مع عام 2026. كما أن الاستثمار في هذه التكنولوجيا سيحقق نمواً سنوياً بنسبة 30 في المئة في الأعوام الثلاثة المقبلة، الأمر الذي يوصف بأنه “أسرع معدل نمو على مستوى العالم خلال السنوات المقبلة”.

وتشير الدعاية السعودية، وفق تقارير عدة، الى أن مدينة نيوم ستخصص لكل فرد مقيم فيها رقماً تعريفياً، لجهة دمجه في أجهزة البيانات لمعالجته وتسهيل توفير الطلبات والاحتياجات الخاصة به، بداية من التعامل مع المصارف والأعمال التجارية، مروراً بالتسوق والألعاب، وحتى الأمور الطبية والعلاجية. فهناك أجهزة المراقبة المنتشرة في أجزاء وزوايا المدينة ستتمكن من حساب معدل ضربات القلب، مثلاً، فضلاً عن خدمة الرد الآلي، وكاميرات التعرف على الوجه. 

لكن هذه الهوية الرقمية مع خدماتها التي تبدو مرنة وتحمل مزايا رفاهية عدة، تؤشر إلى محاولات سيطرة قصوى مخيفة في ظل الأنظمة الأمنية والأوليغاركية العسكرية التي يحفل سجلها الحقوقي بانتهاكات جمّة لمواطنيها. يضاف الى هذه المخاوف عدم وجود إطار مرجعي، قانوني وحقوقي وأخلاقي، ملزم للتعاطي مع هذه التقنيات المتطورة. فالتعري الكامل أمام السلطة الافتراضية والقوى التي تتحكم في إدارتها، يلغي مبدأ الخصوصية وأي شرط مماثل للحصول على الحرية. ويفترض ذلك أسئلة أخرى حول قدرة الذكاء الاصطناعي والروبوتات على توقع سلوك أو التنبؤ بأفكار للتحكم في الأفراد بتهديدهم أو ابتزازهم أو تقييد حرياتهم، فضلاً عن احتمالات توظيف الأخيرة البيانات الهائلة التي يتم تجميعها ومعالجتها لجعل المجتمعات والبشر أكثر طواعية وخضوعاً. 

تفضي المراقبة بالوسائط المتعددة إلى تعزيز فرص القمع التقليدي، سواء بالملاحقة المستمرة، أو الاعتقال الفوري، وتحديد الأطراف المطلوبين، من خلال كاميرات التعرف على الوجه. 

عام 2020، رصدت منظمة “مراسلون بلا حدود” الحقوقية، مقرها باريس، شبكة “اللواء الإلكتروني”، التي أسسها مستشار ولي العهد السابق، سعود القحطاني (أحد المتهمين في عملية مقتل جمال خاشقجي وأقيل بعدها من منصبه)، وهي شبكة افتراضية تضم جيوشاً وحسابات إلكترونية تنشر أكثر من 2500 تغريدة يومياً. ومن بين أهدافها تصيّد المعارضين، وتأييد سياسات الرياض، والتشويش على أي نقد وهجوم، ناهيك ببث خطابات كراهية ضد الشيعة في إطار الخصومة مع إيران. وثمة اتهامات للمملكة بتجنيد جواسيس لحسابها في مقرات “تويتر”، الأمر الذي ساهم في اعتقال بعض معارضي المملكة من خلال الكشف عن حساباتهم.

وسبقت الإمارات السعودية في مجال الذكاء الاصطناعي، منذ عام 2017. وقد كانت أول دولة تتجه لتعيين أول وزير للذكاء الاصطناعي في العالم. 

يتخوف الباحث البريطاني، مارك أوين جونز، المتخصص بالعلوم الإنسانية الرقمية، من تفشي آليات المراقبة الرقمية وتداعياتها السلبية على حقوق الأفراد، لا سيما في ظل المجتمعات الاستبدادية التي تستثمر في المعلومات المزيفة عبر المنصات الإلكترونية، وتستهدف خصومها بالجيوش الإلكترونية. ولفت في كتابه: “الاستبداد الرقمي في الشرق الأوسط”، إلى أن وسائط التواصل الاجتماعي، تحديداً، “تويتر”، تحولت إلى ساحة لنشر الرعب وتخويف الناشطين المعارضين في الخليج، وبخاصة بعد الربيع العربي، عام 2011.

ويقول جونز إن المنصات الإلكترونية ساهمت كذلك في حشد الدعم، والتعمية على الأزمات التي طاولت بعض الدول مثل السعودية في أعقاب مقتل جمال خاشقجي، فضلاً عن المقاطعة الخليجية لقطر. وطرح الكاتب البريطاني اسم سعود القحطاني، أحد أبرز مساعدي ولي العهد، والذي وصفه بأنه يقود “الجيوش (الذباب) الإلكترونية”، وتحريك آلاف التغريدات. 

ووفق جونز، فإن المقاطعة الخليجية كانت “لحظة مفصلية ونهائية” في الكشف عن التلاعب الإلكتروني من خلال “الروباتات والجيوش الإلكترونية والدعاية المعلوماتية المضلّلة”. غير أنه يسرد أدلة عدة للتشويش الذي قامت به الرياض بخصوص هاشتاغات مرتبطة بقضية خاشقجي، إذ أرسلت “الروبوتات محتوى مغايراً (للهاشتاغ) الأصلي عن حقوق العمال الوافدين في السعودية”.

وبحسب تحليل البيانات الشامل الذي نفذه الباحث البريطاني في كتابه الصادر عام 2018، ويغطي الفترة منذ عام 2011، فقد ذكر أن قرابة 91 في المائة من الحسابات التي تتابع وتشارك تغريدات الرئيس الإماراتي محمد بن زايد هي “مزيفة”. 

إذاً، تتوغل الحكومات الخليجية في عملية فرض آلياتها الرقابية، للهيمنة على الفضاء الإلكتروني، وملء إرادتها السلطوية بواسطة التقنيات الإلكترونية الحديثة، والوسائط المتعددة، والروبوتات. ومع غياب الحماية القانونية والحقوقية لهذا النشاط الجديد أو بالأحرى عدم إلزاميته، فإن قانون “الجرائم الإلكترونية” الصادر عام 2012 بالإمارات، ويحوي مجموعة بنود غامضة وملتبسة، هو مؤشر إلى الوضع الحقوقي المتدني الذي يعانيه المواطنون افتراضياً وواقعياً. فالقانون يقضي بعقوبات سجن طويلة على أي شخص يستخدم تكنولوجيا المعلومات “بقصد السخرية أو الإضرار بسمعة أو مكانة الدولة، أو أي من مؤسساتها، أو رئيسها أو نائب رئيسها، أو حكام الإمارات، أو ولي عهدهم أو نوابهم أو علم الدولة أو السلامة الوطنية أو شعارها أو نشيدها الوطني أو رموزها”.

وتسبب هذا القانون في حبس الناشط الحقوقي الإماراتي أحمد منصور بالسجن لمدة 10 سنوات لاستخدامه وسائل التواصل الاجتماعي “لنشر معلومات كاذبة تضر بسمعة البلاد” و “نشر الكراهية والطائفية”، وكذا الأكاديمي الدكتور ناصر بن غيث المتهم بـ “نشر معلومات كاذبة من أجل الإضرار بسمعة ومكانة الدولة وإحدى مؤسساتها”. وكان منصور قد تم تصيده من خلال برنامج التجسس “بيغاسوس”.

وتؤشر برامج التجسس إلى التكتيكات الرقمية التي توظفها الأنظمة الاستبدادية للتوسع في البطش ضد خصومها حتى خارج الحدود الوطنية، والاستفادة من التكنولوجيا لتعميم الاستبداد حتى العابر للحدود. وقد كشف برنامج التجسس “بيغاسوس” عن هذه الأنماط المختلفة من العمليات المشبوهة بحق صحافيين وناشطين ومسؤولين.

وتكاد لا تختلف الرياض عن سابقتها في مجال العام الرقمي، إذ شنت السلطات السعودية هجوماً عنيفاً، مطلع العام الماضي، على ناشطات ونسويات سعوديات بعدما لجأن الى المنصات الاجتماعية، ونشرن تجاربهن مع التحرش الجنسي، فاصطدمن بتهديدات بالسجن والغرامات المالية. وفي حين تروج المملكة للتطبيقات والمنصات الحكومية التي تسمح بالوصول الى الخدمات الحكومية، عبر الإنترنت، مثل “أبشر”، ومنها بطاقات الهوية أو التأشيرة، فإن النساء واجهن اضطهاداً، إذ يتعين عليهن الحصول على موافقة “الأوصياء” الرجال في حالات مثل السفر.

وفي المحصلة، يرجح الباحث البريطاني مارك أوين جونز أن يؤدي التحول الرقمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى دعم الاستبداد عوضاً عن مواجهته. بل إن هناك مؤشرات إلى تنامي آليات القمع، بخاصة في ظل الأنظمة الاستبدادية التي تمنح الأولوية للأمن، وتحديداً أمن السلطة السياسي، على حساب حقوق الأفراد المدنية. فدول الخليج الغنية تحقق معدلات انتشار رقمي هائلة لـ”إبراز نفوذها أو هيمنتها محلياً وإقليمياً ودولياً”. 

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.