fbpx

هل “تهدّد” قروش الإسكندرية حقاً شواطئ مصر؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا تتمتّع غالبية الشواطئ المصرية، سواء التابعة للدولة أو الكمباوندات والقرى السياحية، إلا بالقليل من التأمين ضد هجمات الكائنات البحرية أو الغرق، بسبب نقص أعداد المنقذين، فضلًا عن الإهمال والبطء اللذين تسبّبا في مقتل السائح الروسي الشاب رغم طلبه النجدة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بالتزامن مع ظهور سمكة قرش “وليدة” برفقة أحد الصيادين في مياه البحر المتوسط بالإسكندرية، ثارت شكوك حول الخطر الذي صار يهدّد الشواطئ المصرية من أسماك القرش في البحرين المتوسط والأحمر. 

المخاوف تضخمت بشكل واسع بعد الهجوم الذي استهدف سائحاً روسياً في شاطئ الغردقة توفي على إثره، وسط قلق من السائحين على أرواحهم، بينما تنفي الحكومة المصرية أي خطر يطارد الشواطئ، وتتنصّل من أي تدابير احترازية واجبة التنفيذ بحجة “حدوث ذلك في الكثير من الدول”.

لا تتمتّع غالبية الشواطئ المصرية، سواء التابعة للدولة أو الكمباوندات والقرى السياحية، إلا بالقليل من التأمين ضد هجمات الكائنات البحرية أو الغرق، بسبب نقص أعداد المنقذين، فضلًا عن الإهمال والبطء اللذين تسبّبا في مقتل السائح الروسي الشاب رغم طلبه النجدة.

وتؤكّد صورة القرش المتداولة بيد أحد صيادي الإسكندرية، ما تردّد طوال الأيام الماضية عن انتشار فصائل مختلفة من أسماك القرش في الجانبين الليبي والتونسي من البحر المتوسط، ونسبت وسائل إعلام عربية تلك الظاهرة إلى تغير المناخ، وقالت إن ثمة “40 فصيلة من القروش في سواحل تونس”. يتزامن ذلك مع احتلال مصر المرتبة الحادية عشرة بقائمة أكثر دول العالم تعرضاً لهجمات القرش، فهل تشير تلك الأنباء إلى خطر “مكتوم” في أعماق البحار المصرية؟.

“قروش الإسكندرية” قادمة من ليبيا وتونس؟

رداً على أنباء انتشار أسماك القرش في البحر المتوسط، قال مسؤولون حكوميون مصريون إنها موجودة على بُعد 3 كيلومترات من الشواطئ، وهي المسافة التي لا تمثل خطراً، وأكد رئيس الإدارة المركزية للسياحة والمصايف بالإسكندرية، محمد عبد الرازق، لـ”درج”، أنّ “تلك الأسماك لم تخرجْ للهجوم على البشر، لتفضيلها العيش في المياه العميقة في درجة ملوحة عالية ودرجة حرارة منخفضة، وهو ما يجعلها على بعد كبير من الشاطئ، بما لا يهدد حياة البشر، أو يجعل القروش والمصطافين في منطقة واحدة”.

تتشابه تلك التصريحات مع ما اعتاد المسؤولون طمأنة السياح به في الغردقة وشرم الشيخ، اللتين استُهدفتا مرات عدة بهجمات أسماك القرش، التي نتج منها أخيراً حادث الشاب الروسي.

ويتجاهل ذلك النوع من التصريحات الظروف المغايرة التي تتعرض لها البيئة البحرية في مصر، لعدم وجود رقابة أو قرارات أو قوانين لتهذيب ممارسات الصيادين والسفن والشاحنات المارّة، أو فرض عقوبات عليها، منعاً لتلويث مياه البحر، أو استثارة أسماك القرش، ودفعها إلى الشواطئ، حيث يستمتع المصطافون بالمياه، بدلاً من البقاء في الأعماق، التي تتماشى وطبيعة تلك الكائنات البحرية.

نقيب الصيادين بالإسكندرية، أشرف زريق، أكد أن العثور على أسماك قرش في البحر المتوسط يحدث أحياناً.

وأضاف، في تصريحات لـ”درج”: “لكن في حالات محدّدة… حين تكون تلك الأسماك في رحلة هجرة، وتاهت وسط الأمواج، لتجد نفسها في البحر المتوسط، وأحياناً يتعرض القرش لضربة من أحد مراكب الصيد ويفقد وعيه لتجرفه الأمواج إلى البحر المتوسط أو إلى مناطق بحرية أقل عمقاً”.

وعن وجود إجراءات احترازية، أو موانع، أو أجهزة تنبيه أو مراقبين لمنع تهديد حياة المصطافين من جانب أسماك القرش. وقال زريق: “مركب الصيد الذي يلاحظ وجود سمكة قرش قريبة من الشاطئ أو تتّجه نحوه، عليه أن يبلّغ بذلك، لكن شواطئ الإسكندرية – والبحر المتوسط بعامة – غير معرضة لتلك الهجمات، وبالتالي، فلا توجد طريقة منظمة ودورية سوى تنبيهات من يلاحظ من الغواصين أو مراكب الصيد”.

وبرّرت آراء علمية “تشريس” القرش الذي هاجم السائح الروسي بالغردقة، بأنه لم يجد طعاماً من الأسماك، وبسبب خواء معدته لفترة طويلة، اضطر لتغيير سلوكه وافتراس الإنسان الذي وجده أمامه، رغم أن أسماك القرش لا تتغذى على لحوم البشر، ولا تشتهيها.

لا يملك نقيب الصيادين بالإسكندرية، أو أي من الصيادين، قائمة بالأسماك التي لا يجوز صيدها، أو بأوقات توقف الصيد أو تقليصه خلال العام، مراعاةً للحياة البحرية، فضلًا عن عدم إثارة الأسماك المفترسة تجاه الإنسان حال عدم توفير غذائها في قلب البحر، نتيجة لنشاط حركة الصيد، وهي المهمة المنوط بها جهاز حماية وتنمية البحيرات والثروة السمكية.

ولفت زريق: “لم نتلق أي تعليمات إضافية بشأن الصيد، منذ وفاة السائح الروسي بعد مهاجمته من جانب سمكة القرش، ولا بعد ظهور بعض أسماك القرش بالقرب من الشواطئ الليبية والتونسية والمصرية”.

“الصيد الجائر” سبب مهاجمة القروش

لم تصدر أي قرارات أو إيضاحات من جانب جهاز حماية وتنمية البحيرات والثروة السمكية المصري حيال الصيد الجائر والمخالف في البحر الأحمر، وهو الذي يؤدّى عادةً إلى “تشريس” أسماك القرش وتغيير سلوكها الغذائي، لتتجه إلى مهاجمة البشر، الأمر الذي تكرّر نحو 6 مرات خلال العامين الماضيين في مصر.

وأدلى صلاح الدين مصيلحي، رئيس الجهاز، المسؤول عن تنظيم عمليات الصيد بما يراعي الأنشطة السياحية ونمو الثروة السمكية، بتصريحات صحافية، حول وجود “صيد مخالف وآخر جائر وآخر بشباك مخالفة، وصيد مراكب النزهة أيضا الذي يأتي بكمية أسماك كبيرة، وعندما تزداد المراكب والصيادين بشكل كبير، تتأثر كمية الأسماك”.

تقلُّص كمية الأسماك يؤدي، في النهاية، إلى شعور أسماك القرش بالجوع، لاختفاء عنصر من السلسلة الغذائية الخاصة بها، لا سيما أنها تتناول الأسماك الصغيرة، التي تصطادها المراكب بكميات كبيرة، فلا تجد ما تتغذى عليه، وتضطر إلى مهاجمة البشر.

رغم الصخب الذي تبع وفاة السائح الروسي في هجوم القرش، لم تتخذ مصر، عبر أيٍ من أجهزتها المعنية بالثروة السمكية أو الرقابة على الشواطئ والمصايف، قرارات إصلاحية لتصحيح الأوضاع أو معالجة الخلل في السلسلة الغذائية بالشواطئ المصرية. ونتج ذلك الخلل، وفق محمد سالم، رئيس قطاع حماية الطبيعة بوزارة البيئة المصرية، من “ظاهرة الصيد الجائر التي تتم على سواحل البحر الأحمر من دون وضع خصوصية البيئة في تلك المنطقة، ما أدى إلى قلة (وانعدام أحياناً) مخزون الأسماك التي تمثل مصدراً لغذاء أسماك القرش”.

وأضاف سالم لـ”درج”: “غالبية فصائل الأسماك التي تحافظ على الاتزان البيئي بالبحر الأحمر تتجمع، خلال مواسم التكاثر، في أماكن محددة، لكن الصيادين يستهدفون الأسماك في تلك الأماكن في أوقات تكاثرها، ما يؤدي الى نفاد الثروة السمكية وإحداث خلل بالبيئة البحرية”.

تتكاثر تلك الفصائل من الأسماك في توقيتات محدّدة سنوياً، ما بين نيسان/ أبريل وحزيران/ يونيو، ويجب أن تتوافر لها خلال تلك الأشهر أقصى درجات الحماية والرعاية لتنمية الثروة السمكية والحفاظ على بقاء ونمو تلك الفصائل تحديداً، لكن قرار “حظر الصيد” بالبحر الأحمر، الصادر عن جهاز الثروة السمكية، لا يشمل تلك الأشهر، ويبدأ نهاية حزيران لينتهي في تشرين الأول/ أكتوبر.

وبسبب فراغ البحر الأحمر من تلك الفصائل، لصيدها باستمرار ومنعها من التكاثر، لم يُعثر داخل معدة سمكة القرش التي هاجمت الشاب الروسي على أي نوع من الطعام، وهو ما أدى إلى نزوعها إلى الحصول على طعام بأي طريقة.

ورغم توافر تلك المعلومات – التي تتناول مواعيد تكاثر تلك الفصائل وصيدها الجائر – لدى وزارة البيئة المصرية منذ سنوات، وإمداد الجهات الحكومية المسؤولة عن إصدار قرارات حظر الصيد بها، لم تتخذ تلك الجهات قراراتها بما يتماشى مع تلك المعلومات لتجنب مصر هجمات القروش والحفاظ على تنوع فصائل الأسماك مراعاةً لثروتها السمكية.

وطبقاً للتقرير الفني، الصادر أخيراً، حول حادث “سمكة قرش الغردقة”، الذي أعدته اللجنة العلمية المشكّلة من مجموعة من خبراء علوم البحار، تمّ الهجوم بهدف الحصول على التغذية بسبب الصيد الجائر ونقص المخزون السمكي بالبحر الأحمر.

وأوضح التقرير، الذي حصلت عليه النيابة العامة المصرية لاستكمال التحقيقات في الحادث، أن “هجوم القرش يعتبر من الحوادث المتوقع وقوعها بالبحر الأحمر، وزادت خلال الفترة الأخيرة نتيجة تعرض المخزون السمكي بالبحر الأحمر للنقص الحاد بسبب أعمال الصيد الجائر وغير المنظم، وتم إثبات ذلك من خلال فحص المعدة التي لا تحتوي سوى على الأجزاء البشرية للضحية”.

لماذا تضاعف “سعار القروش”؟

تغيب الرقابة عن الشواطئ المصرية والسفن المارّة بها، كما تغيب عن “الصيد الجائر” أيضاً، ليظهر سبب آخر لـ”سعار القروش” بالغردقة. إذ ترتكب السفن مخالفات تدفع أسماك القرش، التي تعيش – في الظروف الطبيعية – في أعماق تصل الى 20 متراً، إلى الخروج للمناطق القريبة من الشواطئ. وأولى تلك المخالفات، هي إلقاء بعض المراكب حيوانات نافقة في المياه.

شهدت الغردقة، في الوقت نفسه من العام الماضي، هجوماً من سمكة قرش على أحد السياح أيضاً، قبل عيد الأضحى. وتكرار الحادث في ذلك الوقت يضع “عيد الأضحى” حلاً للغز.

خلال الفترة التي تسبقه، يمتلئ البحر الأحمر بالقروش، التي تقترب من الشاطئ، نتيجة كثرة شاحنات الماشية “الأضاحي” القادمة من أستراليا. إذ تلقي تلك الشاحنات الخراف والعجول النافقة في البحر لتخفيف حمولتها، ولأن القروش تعتمد على حاستي الشم والسمع، تقبل على رائحة الماشية الميتة لتلتهمها، ثم تتفرق وتضل الطريق في عرض البحر، وتغادر مناطقها وأعماقها الآمنة لتطفو على السطح، وتصل الى الشواطئ المخصصة للسباحة.

ومن بين مخالفات أصحاب المراكب والصيادين، أيضاً، تقديم الطعام لأسماك القرش في عرض البحر، ما يؤدي الى تغيير سلوكها الغذائي. 

50 جهازاً لتتبّع القروش لم تُستخدم

اشترت مصر 50 جهاز تتبع لرصد تحركات أسماك القرش وتقديم معلومات دقيقة عنها وعن سلوكها منذ أكثر من عام ونصف العام، باسم وزارة البيئة المصرية، مقابل خمسة ملايين جنيه (نحو 160 ألف دولار)، على غرار دول كثيرة تملك خططاً واضحة وتقنيات لمواجهة هجمات القروش الشرسة، فضلاً عن مساعدتها في التنبؤ بالحوادث وتقليصها، إلا أنّ “البيئة” احتفظت بها في مخازنها طوال الفترة الماضية ولم تتم الاستعانة بخبير أجنبي لتدريب الفنيين المصريين على تشغيلها، وفق تقارير صحافية.

ولم تحاول القاهرة استخدام تلك الأجهزة، رغم تقدّم ترتيب مصر ضمن قائمة أكثر الدول تعرضاً لهجمات القروش إلى المركز الـ11 عالمياً، كما لم تعلن الحكومة المصرية، حتى بعد وقوع “حادث القرش”، خطة لمواجهة تلك الظاهرة، أو تعديلات في التعليمات المنظمة، أو رفع حالة الطوارئ، وهو ما أثر على السياحة المصرية، بعدما تقدّمت بنسبة ملحوظة خلال عام 2023، إلا أن “هجوم القرش” أدى الى هبوط أسهمها السياحية، لا سيما أنّ أخطاء عدة سبقت الحادث، وكانت من أسبابه.

الخطأ الأول، يكشف عنه د. عبد الراضي دار، أستاذ الأحياء المائية، الذي أكّد، في حديث لـ”درج”، أن شهود عيان رأوا سمكة القرش التي فتكت بالسائح الروسي، تقترب من الشواطئ العامة وأبلغوا السلطات، التي كان يجب أن تمنع الأنشطة البحرية في ذلك اليوم وتدير حملة للبحث عنها، إلا أنها لم تفعل.

الخطأ الثاني، أن الأشهر من أيار/ مايو حتى آب/ أغسطس، هي أشهر ولادة بعض أسماك القرش، وفي هذه الأثناء تبحث السمكة عن مكان للولادة بعيد من أعدائها من الكائنات البحرية، وتقترب من الشواطئ وتبقى على عمق يصل الى 4 أمتار فقط، وتكون في حالة هياج واستنفار للانقضاض على أي كائن دفاعاً عن وليدها، وهو ما كان يستدعي توعية السياح بالأمر، ونشر مزيد من الغواصين والمنقذين ومراقبي الشواطئ.

ووفق فيديو السائح الروسي والقرش، لم يكن بالمنطقة أي من المنقذين أو الغواصين. ويمثل نقص أعداد الغواصين والمنقذين نتيجة عجز الحكومة المصرية عن إلزام القرى السياحية والفنادق بتشغيل المزيد منهم، تحدياً كبيراً أمام هجمات القروش من ناحية،  وحوادث الغرق في الشواطئ المطلة على البحر المتوسط تحديداً، من ناحية أخرى.

وأصابت قسوة مشهد الهجوم على السائح الروسي الكثير من السياح والمصطافين المصريين بالقلق الشديد، لعدم قدرة القرى السياحية أو الأجهزة المعنية بتأمين الشواطئ على توقع أو مراقبة أو منع أسماك القرش من هجماتها المتكررة، بينما تصرّ الحكومة المصرية على تصوير ما حدث باعتباره حادثاً فردياً مفاجئاً، إلا أنّ المعلومات الواردة من مصادر عدة تكشف خللاً في الرقابة واتخاذ القرارات، وأخطاءً ومخالفات من أطراف عدة، أدّت في النهاية إلى الحادث الأليم الذي نتجت منه حالة وفاة.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.