fbpx

بوتين خرج أضعف من أزمة تمرّد “فاغنر”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بوتين، أراد توظيف الحادثة للقول إن خصمه يُضعف بتمرده جهود روسيا في الحرب مع أوكرانيا، كما فعل كورنيلوف. لكن فات “القيصر” أن التاريخ ليس موظفاً عنده ويعمل بإرشاداته. فبعد انقلاب كرونيلوف بفترة، حصلت ثورة في روسيا ونقلت البلاد إلى حقبة جديدة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

صحيح أن التمرد على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم ينجح، لكن الأخير خرج من الأزمة ضعيفاً. إذ اضطر للتفاوض مع زعيم ميليشيا وصفه بـ “الخائن”، ثم تجرّع سمّ صياغة تسوية معه تقضي بخروجه إلى بلاروسيا. هذا ليس بسيطاً، في بلد تصنع فيه للرئيس كاريزما وتغدق عليه صفات الإعجاز والقوة والقدرة السحرية على حل المشاكل. أنصار بوتين الذين يرون فيه “باعثاً” لمجد روسيا الإمبراطوري، على الأرجح، خاب أملهم به حين انتهى به الأمر إلى التفاوض مع سجين سابق والرضوخ لشروطه. 

اللافت أن بريغوجين حاول أن يصوّر نفسه “منتصراً” في التسوية، قائلا إنه كان على مسافة قريبة من موسكو. وتراجع “منعاً لسفك الدماء”، وهي الجملة نفسها التي استخدمتها السلطات لتبرير التسوية، بحيث ظهرت لغة السلطة والميليشيا، واحدة، في دلالة واضحة على انعدام الفرق بين بوتين وخصمه أمام “الرأي العام”.

سيناريو قد يتكرر 

الإشارة الأخرى حول ضعف بوتين، هي أن استراتيجية الأخير التي تنهض على إدارة تعدد الأجهزة داخل النظام وإمساك خيوط اللعبة في يده، تراجعت فاعليتها. إذ إن أحد أطراف اللعبة خرج عليها، وهدد النظام، وتوعد باستبدال رأسه. وليس مستبعداً تكرار هذا السيناريو، طالما أن الأجهزة والميليشيات وأجنحة الجيش، تُمنح نفوذاً وقوة ضمن دولة باطنة فوق المحاسبة لتحقيق مكاسب، ما يجعل احتمالات تمرّدها عالية.  

يضاف إلى ذلك، أن الجيش لم يستهدف قافلة فاغنر المتّجهة الى موسكو بعد تحوّل الأخيرة الى ثكنة بفعل الاستنفار فيها، ونصب حواجز تفتيش، ما طرح أسئلة عن وجود علاقات بين بريغوجين وجنرالات في المؤسسة العسكرية، وما إذا كانت هذه العلاقات ستستمر بعد نفي قائد فاغنر إلى بلاروسيا، بحيث يبدو ما حصل مقدمة لتمردات أخرى من داخل الجيش نفسه هذه المرة، خصوصا أن الأخير يتخبّط في أوكرانيا.

الديناميكية التي حركت هذا التمرد، وستحرك أي تمردات متوقع حدوثها مستقبلاً، هي الهزيمة في أوكرانيا، صحيح أن بريغوجين على خلاف مع وزير الدفاع سيرغي شويغو ويريد مكاسب سياسية لقاء خدماته القذرة التي أداها للكرملين في ليبيا وسوريا وإفريقيا وأوكرانيا، لكن هذه تفاصيل تتداخل مع الديناميكية الأساس، أي شعور الهزيمة.

انكشاف الفشل

الشعور بالهزيمة ليس مردّه الوقائع الميدانية التي صارت تتفاوت نتائجها يوماً بعد يوم، لصالح هذا الطرف أو ذاك، بل انكشاف الفشل في تحقيق الأهداف الكبرى التي طرحها الكرملين، عبر إعلامه وصحافييه، لتبرير الحرب أمام الروس. فهدف الاستيلاء على كييف خلال 24 ساعة وتنصيب حكومة موالية لموسكو بعد اقتلاع فلاديمير زيلينسكي ونظامه، انتهى باحتلال عدد من المدن الصغيرة وبعد أكلاف عسكرية باهظة. هدف منع أوكرانيا من الانضمام الى الناتو انتهى بإغداق الأطلسي الأسلحة عليها، كما لو أنها عضو فعلي في التحالف، عدا عن اقتراب انضمام فلندا والسويد إلى الحلف.

هدف الحفاظ على أمن روسيا وشنّ حرب استباقية تحسباً لـ”مكائد” الغرب، انتهى بمعارك داخل مدن روسية حدودية وطائرات مسيّرة تستهدف عمق موسكو، ولا يسلم منها الكرملين نفسه. هدف استعادة “المجد الإمبراطوري” التاريخي للبلاد، انتهى بحديث بوتين نفسه خلال أزمة تمرد “فاغنر”، عن مخاوف من حرب أهلية.

الفشل في تحقيق الأهداف تلك، يشكل خلفية الشعور بالهزيمة، شعور يصبح أمامه الحديث عن تقدم من هنا وتراجع من هناك والاستيلاء على مدينة وخسارة أخرى، من دون معنى. الوقائع الميدانية مهما صُورت على أنها “انتصارات”، للذات و”هزائم” للخصوم، ستظل بلا قيمة أمام جراح نرجسية تتعلق بذات قومية جرّب بوتين أن يصدرها للروس، مستحضراً التاريخ في كل خطاب ومناسبة.

التبرير الحادثة ليس في محلّه

في خطابه الذي هاجم فيه قائد فاغنر، عاد بوتين الى التاريخ مشبهاً بريغوجين بالجنرال لافار كورنيلوف، القائد العام لجيش الإمبراطورية الروسية، والذي نفذ انقلاباً فاشلاً، خلال خوض بلاده الحرب العالمية الأولى. بوتين، أراد توظيف الحادثة للقول إن خصمه يُضعف بتمرده جهود روسيا في الحرب مع أوكرانيا، كما فعل كورنيلوف. لكن فات “القيصر” أن التاريخ ليس موظفاً عنده ويعمل بإرشاداته. فبعد انقلاب كرونيلوف بفترة، حصلت ثورة في روسيا ونقلت البلاد إلى حقبة جديدة.

حين هزُم صدام حسين في حرب الكويت، صوّب أحد ضباط جيشه المنسحبين بمذلة من الكويت، مدفع دباباته على صورة عملاقة لـ”الدكتاتور” في البصرة. تفجير الصورة كان إشارة البدء الرمزية، لانتفاضة شيعية عارمة أخرجت مدناً كثيرة عن سيطرة النظام. صدام قمع الانتفاضة بوحشية، لكنه سقط في 2003. وربطاً بذلك، لا بد من أن ننتبه الى ما نُشر في الصحف الأميركية، حول معرفة واشنطن بتحرك بريغوجين قبل حصوله. 

الأرجح أن الولايات المتحدة ليست على تنسيق، ولا تشجع قائد ميليشيا متهوراً، لكن العلم بالشيء وترقب مدى فاعليته وتأثيره، يعنيان أن البحث عن بديل لبوتين ليس غائباً عن حسابات الغرب، علماً أن بريغوجين لا يمكن أن يشجع أي دولة تبني حساباتها بدقة وعلانية، على دعمه أو الرهان عليه، لكن فتح ثغرة في جدار النظام ولو من خلال طباخ بوتين السابق، قد يكون البداية، وهذا ما حصل أمس.